منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4

العرض المتطور

  1. #1

    جماعة الناطوري كارتا أو نواطير المدينة /مهم

    جماعة الناطوري كارتا أو نواطير المدينة
    ( و ترجمتها عن اللغة الارامية حراس المدينة أو نواطير المدينة)
    هي منظمة يهودية دولية معادية للصهيونية ، تضم اليهود المتدينين في الولايات المتحدة و في كل أنحاء العالم الذين يعارضون الصهيونية و دولتها
    و يرى أعضاء نواطير المدينة ان الصهيونية لا تمثل استمراراً للتراث الديني اليهودي أو تنفيذاً للتعاليم اليهودية و إنما رفضاً لها و انسلاخاً عن التراث الديني، بل إن الصهيونية من منظور الناطوري كارتا هي من أخطر المؤامرات شيطانية ضد اليهودية
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    شعارات في تظاهرة للجماعة ترجمتها ( كل فلسطين تحت السيادة الفلسطينية )
    و اخرى ( دولة اسرائيل هي بدعة و هرطقة - قتل و سرقة )
    و يؤكد أعضاء هذه المنظمة أن اليهودية تبغض سفك الدماء بل تنادي بتحاشي ذلك باي ثمن ، بل يؤكدون أن العقيدة اليهودية تحض اليهودي على عدم المشاركة في السلطة الدنيوية و على رفض حمل السلاح .. فعلى اليهود أن يتركوا مثل هذه الامور للدولة التي يعيشون في كنفها .. على العكس مما تراه الصهيونية
    و إذا كان نواطير المدينة - حراس المدينة - يرون أن اليهودي يكتسب هويته من خلال أداء الشعائر الدينية، فإن الصهاينة يرون أن الإنسان من الممكن أن يبقى يهودياص بشكل عام حتى لو لم يمارس أياً من هذه الشعائر مثل العمل يوم السبت أو الالتزام بقوانين الطعام أو اتباع التشريعات الخاصة بالزواج ، بل حتى إن انكر وجود الإله . و إذا كان المتدينون ينظرون إلى اللغة العبرية باعتبارها لغة دينية يحرم استخدامها في الشؤون الدنيوية ، فإن الصهيونية جعلتها لغة الحديث اليومية مو جعلوها اللغة الرسمية للدولة
    و فيما يخص علاقة اليهودي بأرض الميعاد، يؤكد نواطير المدينة - حراس المدينة - أن اليهودي المتدين يتجه بعواطفه و قلبه لهذه الأرض، صهيون، أو أرض الميعاد المقدسة ،و خصوصاً مدينة القدس، فهم يذكرونها في صلواتهم عدة مرات في اليوم. و يرون أن هذه الصلوات لا علاقة لها بالصهيونية أو بفكرة العودة الصهيونية. فنفي اليهودي من أرض الميعاد هو باعتقادهم من الاوامر الربانية التي لا يمكن مخالفتها أو التمرد عليها، و لذلك لا يملك اليهودي المتدين إلا أن يستمر في صلواته إلى أن يستجيب الإله لدعائه و يأمر بعودة اليهود
    و من المهم هنا ان نذكر أنهم يعتقدون بأن المسيح المنتظر هو وحده القادر على إقامة الدولة، و حين يعود سيؤسس مملكة الكهنة و القديسين، أما الصهاينة فهم يحاولون التعجيل بالنهاية و يدعون إلى العودة بقوة السلاح دون انتظار مشيئة الإله، و هي خيانة للشعب اليهودي الذي تأسس كجماعة دينية في سيناء ( لا في أرض الميعاد ) . على حد اعتقادهم . لهذا السبب يرفض نواطير المدينة دولة إسرائيل بكل مؤسساتها، بل يرفضون زيارة الحائط الغربي ( حائط المبكى ) لان القدس تم فتحها بالقوة
    و تذهب أدبيات هذه المنظمة إلى توجيه الاتهام للحركة الصهيونية بأنها حركة معادية لليهود، فالدولة الصهيونية تدعي أنها دولة كل اليهود، و أن اليهودي يتوجه بولائه للدولة اليهودية وحدها و ليس للدولة التي يعيش فيها، و بالتالي فهي تخلق لليهود مشكلة ازدواج الولاء و تدعم الاتهامات المعادية لليهود . و لأن الصهيونية تزدهر بازدهار معاداة اليهود، فهي تروّج لها. بل إن الصهيونية تحاول أن تقوّض وضع اليهود أينما وجدوا حتى تضطرهم للهجرة إلى إسرائيل
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    الصورة علي اليمين مظاهرة لجماعة ناطوري كارتا في لندن ( Trafalgar Square ) بتاريخ 9/5/2007 , تقراء علي اللافتة العبارة التالي: ( اليهودية ترفض دولة الصهاينة ,
    و تدين وحشيتهم ) , و علي اليسار صورة من مخيم ب نيويورك لابناء و اطفال اليهود الارثوذكس ( ناطوري كارتا ) يحتجون علي الصغيان الصهيوني 24 يوليو 2007 .
    و من الحقائق غير المعروفة التي يحاول نواطير المدينة تعريف الناس بها أن الصهاينة تعاونوا مع النازيين حتى يقضوا على يهود شرق أوروبا باعتبار أن جماهير شرق أوروبا اليهودية كانت القاعدة العريضة التي يستند إليها الرفض على مستوى جماهيري واسع كان سيسحب من الصهيونية أية شرعية
    و لنواطير المدينة - حراس المدينة- نمط حياتهم الاجتماعي و الاقتصادي الخاص. و نساؤها زاهدات في المظهر الخارجي و اللباس و يكرسن حياتهن لأسرتهن. أما الرجل ، فإنه يدرس التوراة و التلمود و يرعى اسرته و يمارس الحرف المتاحة له . و تتقيد الجماعة ككل بأسلوب الحياة بين يهود اليديشية في بولندا و روسيا . و الحي الذي يقطنون فيه في القدس هو حي مائة شعاريم ( المائة بوابة) . أما في تل أبيب ، فهم يوجدون في حي بناي براك، و في نيويورك يتركزون في بروكلين في حي وليامزبرج
    و غداة إعلان قيام اسرائيل عام 48 ، قامت الجمعية بإرسال رفضها قيام الدولة إلى الأمم المتحدة . و خلال معركة القدس دعت الجمعية إلى هدنة و إلى تدويل القدس حتى يتم فصلها عن الكيان الصهيوني . و بلغ الأمر ببعض أعضائها أن أعلنوا صراحة رغبتهم في العيش تحت الحكم الأردني .
    و قد أرسل الحاخام هيرش برقية إلى الأمم المتحد يطلب بموجبها أن تعلن الأمم المتحدة أن حي المائة شعاريم إمارة مستقلة على غرار إمارة موناكو
    و لا تعترف الناطوري كارتا بالدولة الصهيونية حتى الوقت الحاضر ، و يقوم أعضاؤها بتنكيس الأعلام و الصيام في يوم إعلان تاسيس الدولة الصهيونية . و هم ينظمون المظاهرات و الاحتجاجات السياسية ضدها .
    و تتبنى الجماعة موقفاً إيجابياً من منظمة التحرير الفلسطينية و من حقوق الشعب الفلسطيني و تعلن أن أعضاءها على استعداد لأن يعيشوا كأقلية دينية تحت حكم حكومة فلسطينية تضمن حقوقها السياسية .. و قد بدأت الجماعة تتعامل مع وسائل الإعلام و المنظمات الدولية المختلفة ، فأصبح لها مراقب في هيئة الأمم المتحدة . و قد قامت بدور فعال أثناء مناقشة قرار هيئة الأمم باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، كما انها تقوم الآن بدور تربوي واسع في صفوف اليهود و غير اليهود
    و هي تدعو لإسقاط دولة إسرائيل و إقامة دولة فلسطينية في كل الأراضي الفلسطينية و تدويل القدس .. و أكبر تجمع للجمعية في بروكلين في نيويورك ، كما توجد جماعات صغيرة في لندن و أنتويرب و مونتريال و في القدس
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    المعلومات من موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية للدكتور عبد الوهاب المسيري – الجزء الرابع
    ترى جماعة (ناتوري كارتا) اليهودية التي تنشط الآن بشكل بارز في أمريكا وأوروبا، وفق نصوص العهد القديم أي التوراة بأنه لن يكون هناك سلام في العالم إلا بزوال دولة الكيان الصهيوني وأن الصهيونية هي حركة ملحدة علمانية استطاعت ان تخترق اليهودية وهي التي ورطت اليهود في حروب متتالية وأنه ـ حسب معتقدات (ناتوري كارتا) التي تستند الى التوراة ـ ليس من حق اليهود التجمع في فلسطين إلا بعد نزول المسيح، وأن اليهود الذين تجمعوا في اسرائيل الآن اعتدوا على الله وان زوال اسرائيل سيكون مصدر السلام للعالم
    وإليك هذا البيان الصادر عنها في ذكرى النكبة 53
    بيان صادر عن "ناطوري كارتا" اتحاد اليهود ضد الصهيونية
    تضامنا مع الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة الـ 53
    فليبارك الله الشعب الفلسطيني على معاناته الطويلة
    تحيي منظمة "ناتوري كارتا" في القدس ونيويورك ولندن وباقي انحاء العالم جميع ابناء الشعب الفلسطيني بمناسبة الذكرى الـ 53 للنكبة , اذ تعرف "ناتوري كارتا" الصهيونية على حقيقتها ،مثلكم تماما، وتقاومها منذ نشوئها
    لقد آمنا منذ البداية بوجوب بقاء اليهود في مهجرهم مواطنين مخلصين للشعوب التي أستقبلت اليهود عبر التاريخ حتى يخلصهم الخالق من الانسانية جمعاء , ونحن في هذا الصدد لا نأبه لكون "اسرائيل" دولة دينية أو علمانية , ذات طابع يساري أو يميني , أو أي طابع آخر تتبناه هذه "الدولة" , انما لا نعترف أبدا بقيامها من منطلق كوننا اليهود التوراتيين الحقيقيين . ولهذا فان يهود "نتوري كارتا" في القدس يرفضون تقبل الخدمات الحكومية كما ولا يشتركون في الانتخاب والترشيح وطبعا يرفضون الخدمة في القوات المسلحة الاسرائيلية الاجرامية
    اننا نعي جيدا حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عقود , وخاصة تلك التي تسبب فيها المجرم شارون ذلك الشرير الرهيب
    انه من غير المقبول علينا كجزء من الشعب اليهودي أن يظهر اليهود بحلة الأزعر والظالم الذي يسلب ملكية الغير, ونفهم ان المسؤولية المباشرة لذلك تقع على عاتق اليهود الصهيونيين التي اعطت هذه الصورة , ونحمد الله ان قناع الصهيونية بدأ بالسقوط وذلك لفعاليات عدة كنا جزءا منها لتحقيق هذا الهدف , وقد بادرنا مؤخرا الى عقد اجتماعا في بيت الشرق في القدس المحتلة رغبة منا في "استثمار" رغبتنا المشتركة في تفكيك الدولة الصهيونية غير الشرعية
    ونذكركم اخواننا ان رابينا الراحل يوسيف تسفي كان قد ارسل برقية مستعجلة الى عصبة الأمم في العام 1948 طالبهم من خلالها عدم ادماج 60.000 عائلة يهودية في القدس الى دولة اسرائيل ومطالبة الأمم المتحدة بمنحنا لقب "لاجئين" لأنه لا فرق في واقعنا بين شعب يعيش خارج وطنه وبين شعب كتب عليه بأمر رباني ان يعيش خارج وطنه , وما زلنا ننتظر ردا ايجابيا لغاية هذه اللحظة .
    نعم , لعودة البلاد المقدسة بالكامل الى الشعب الفلسطيني
    نعم , لاعادة جميع اللاجئين الفلسطينيين الى وطنهم الأصلي والشرعي
    نعم , لتعايش حقيقي بين اليهود والفلسطينيين في فلسطين يكون بموجبه اليهود مواطنين فلسطينيين مخلصين للدولة الفلسطينية وتربطهم علاقة الاخوة والسلام مع باقي الفلسطينيين
    في يوم احيائكم لذكرى النكبة الـ 53 فإننا نصلي لأن تكون هذه الذكرى هي الأخيرة وأن يزول الاحتلال بالسرعة القصوى وتتجلى السيادة الفلسطينية على كامل البلاد المقدسة .
    الرابي موشيه هيرش
    منظمة "ناطوري كارتا" القدس
    المصدر : مركز الأعلام الفلسطيني - مع قليل من التصرف -
    اضغط علي ملف ال ( بي دي اف ) التالي لتقراء بيان آخر لجماعة ناطوري كارتا اليهودية و شهادتهم للأمة العربية عامة و الشعب الفلسطيني خاصة مستنكرين الممارسات و المزاعم الصهيونية الباطلة و شهادتهم انه لقرون دول اخرى كانت تلاحق اليهود و تقتلهم في حين احتضنهم المسلمين في بلادهم و فتحوا لهم ابوابهم بصدر رحب - هذا البياان موجود بموقع ناتوري كارتا نفسهم في القسم العربي و كان موجه الي - بيت الشرق مركز القيادة الفلسطيني بالقدس -
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ([IMG]http://www.nkusa.org/Foreign_Language/Arabic/decl[/url] oration%20Arabic.pdf)
    جماعة ناطوري كارتا و تقديم البيعة لحركة حماس :
    بتاريخ يوم الاربعاء 22 مارس 2006 ..
    حركة يهودية تعلن ولاءها للحكومة الفلسطينية الجديدة ( عن الجزيرة)
    زار أعضاء من حركة "ناطوري كارتا" اليهودية المجلس التشريعي الفلسطيني برام الله في الضفة الغربية ليعلنوا ولاءهم للحكومة الفلسطينية الجديدة التي تشكلها حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد فوزها بالأغلبية في الانتخابات التشريعية.
    وقام 14 شخصا من أعضاء الحركة التي يعني اسمها "حراس المدينة" على رأسهم قائد هذه الحركة في مدينة القدس موشيه هيرش بزيارة البرلمان الفلسطيني وهم يرتدون اللباس اليهودي الأسود التقليدي.
    وقد قطع رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك جلسة المجلس ليعلن ترحيبه بأعضاء الحركة بين نواب المجلس التشريعي.
    وقال داود صلاح أحد المتحدثين باسم الحركة "نحن اليهود الحقيقيين جئنا اليوم إلى المجلس التشريعي لنعلن ولاءنا للنظام الجديد الذي تشكله حماس، ولو فازت فتح في الانتخابات كنا سنعلن ولاءنا لفتح".
    وأضاف "جئنا هنا لنقول إننا نعطي دعمنا الكامل للشعب الفلسطيني وإننا نعتبر أنفسنا جزءا من الشعب الفلسطزار أعضاء من حركة "ناطوري كارتا" اليهودية المجلس التشريعي الفلسطيني برام الله في الضفة الغربية ليعلنوا ولاءهم للحكومة الفلسطينية الجديدة التي تشكلها حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد فوزها بالأغلبية في الانتخابات التشريعية.
    وقام 14 شخصا من أعضاء الحركة التي يعني اسمها "حراس المدينة" على رأسهم قائد هذه الحركة في مدينة القدس موشيه هيرش بزيارة البرلمان الفلسطيني وهم يرتدون اللباس اليهودي الأسود التقليدي.
    وقد قطع رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك جلسة المجلس ليعلن ترحيبه بأعضاء الحركة بين نواب المجلس التشريعي.
    وقال داود صلاح أحد المتحدثين باسم الحركة "نحن اليهود الحقيقيين جئنا اليوم إلى المجلس التشريعي لنعلن ولاءنا للنظام الجديد الذي تشكله حماس، ولو فازت فتح في الانتخابات كنا سنعلن ولاءنا لفتح".
    وأضاف "جئنا هنا لنقول إننا نعطي دعمنا الكامل للشعب الفلسطيني وإننا نعتبر أنفسنا جزءا من الشعب الفلسطيني، وإننا تحت الاحتلال الصهيوني مثلنا مثل الشعب الفلسطيني".
    [url]http://www.masrsat.com/img/nk/daud.jpg[/IMG] ()
    مقطع فيديو للرابي / داود صلاح , يتكلم فيه عن عدالة الدولة الاسلامية منذ عهد
    الخليفة عمر بن الخطاب مرورا بالتاريخ الاسلامي حتى يومنا هذا و يشجب الممارسات
    الاسرائيلية و مناشدته لقيام دولة فلسطينية يعيش في مظلتها يهود فلسطين تحت سيادنها ..
    ( اضغط هنا لمشاهدة الفيديو YouTube () )
    وتعتبر هذه الحركة اليهودية الشديدة التدين والتي لها مراكز في الولايات المتحدة وبريطانيا أن وجود دولة إسرائيل مرتبط بالحركة الصهيونية التي تعارضها. ويؤمن أعضاء الحركة بالعيش كيهود تحت سيادة الدول الإسلامية.
    يني، وإننا تحت الاحتلال الصهيوني مثلنا مثل الشعب الفلسطيني".
    وتعتبر هذه الحركة اليهودية الشديدة التدين والتي لها مراكز في الولايات المتحدة وبريطانيا أن وجود دولة إسرائيل مرتبط بالحركة الصهيونية التي تعارضها. ويؤمن أعضاء الحركة بالعيش كيهود تحت سيادة الدول الإسلامية.
    ------------------------------------------
    منقول من مقال العضو منسي ب منتدى masrsat

  2. #2

    رد: جماعة الناطوري كارتا أو نواطير المدينة /مهم

    الموقف من اليهود
    د. إبراهيم علوش
    1 - يهود وعلوج وفرنجة
    في النهاية، يسهل الوعظ الديني أو الثرثرة بالفكر والأيديولوجيا من أي لونٍ عندما يكون الفيصل هو الموقف السياسي. إذ تعلمنا تجارب الشعوب، خاصة تجربة الأمة العربية في التاريخ المعاصر، أن الحد بين الجد واللعب، بعد الفراغ من استعراض القمم الأيديولوجية العليا أمام السامعين، هو موقف المرء من الاحتلال هنا والآن. وليس المقصود هنا موقف المرء من هذا التجاوز أو ذاك للاحتلال، فانتقاد العوارض أمر يسيرٌ، لا بل تنفيسي، قد يقوم به بعض المحتلين أنفسهم. المقصود بالطبع هو الموقف من حق الاحتلال بالوجود وحق كل ما يمت له بصلة بمجرد تنفس الهواء، ومدى استعداد المرء لأن يضع كل كيانه في خدمة ذلك الموقف المناهض الساعي لاستئصال الاحتلال وقاعدته المادية والسياسية والبشرية .

    وليس هناك من قيمة لوعظٍ أو لفكرٍ أو لأيديولوجيا لا تدعم ولا تشتق مثل ذلك الموقف بشكل طبيعي من مقدماتها.

    وقد يقول قائل: ما المشكلة؟ ألسنا جميعاً ضد الاحتلال؟ فما المطلوب إذن؟

    ولكننا لسنا جميعاً ضد الاحتلال، كلا! بل ثمة من يقول ما لا يعنيه، والمقياس هو الموقف السياسي، لا النية أو الرغبة، أو الأيديولوجيا.

    فأن نكون ضد الاحتلال يعني بالتحديد: 1) أن نكون ضد وجود الاحتلال في بلادنا، سواءٌ أتانا بشكل مدني أو عسكري، 2) أن نصر على الهوية العربية لأرضنا، 3) أن ندعم كل أشكال العمل ضد الاحتلال، وعلى رأسها العمل العسكري الذي يزينه العمل الاستشهادي.

    فعندما استوطن الفرنجة الجزائر على مدى قرن وثلث، كان الوقوف ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر يعني: 1) رفض وجود المستعمرين على أرضها، و2) التأكيد على الهوية العربية للجزائر، و3) تأييد كل أشكال العمل ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي للجزائر، وعلى رأسها العمل المسلح.

    وعندما يستعمر اليهود فلسطين، فإن القول أن المرء ضد الاحتلال يعني بالضرورة أن يكون: 1) ضد وجود اليهود على أرض فلسطين، 2) مع التأكيد على الهوية العربية لأرض فلسطين، 3) مع كل أشكال العمل ضد الاحتلال الاستيطاني اليهودي لفلسطين، وعلى رأسها العمل الاستشهادي.

    وعندما يحتل الأمريكيون العراق، فالوقوف ضد الاحتلال يعني بالضرورة أن يكون المرء: 1) ضد وجود القوات المحتلة من أية جنسية على أرض العراق، 2) مع التأكيد على وحدة وعروبة العراق، 3) مع كل أشكال العمل العسكري ضد الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق وأعوانه، وتاج رأسها طبعاً العمل الاستشهادي.

    وليس منطقياً بالتالي أن يكون المرء مثلاً ضد الاحتلال في فلسطين، ولكن مع اليهود بالتواجد فيها، أو مع حق أي مؤسسة من مؤسساتهم وامتدادتها بالوجود، من دولة "إسرائيل" إلى السلطة الفلسطينية، أو أن يقول المرء أنه ضد الاحتلال في العراق بيد أنه مع المؤسسات التي يخلفها، من مجلس الحكم الانتقالي إلى الحكومة المؤقتة الخ... سواء كانت منتخبة في ظل الاحتلال أو غير منتخبة...!

    وكما لا يعقل أن يكون المرء ضد الاحتلال في الجزائر سوى أنه يريدها فرنسية، كذلك ليس هناك معنى لشخص ضد الاحتلال في فلسطين، سوى أنه يريدها ثنائية القومية، فالمهم أنه لا يعتبر عروبتها مسألة غير خاضعة للنقاش.

    فسواء كنا نواجه علوجاً أو يهوداً أو فرنجة، كي نكون ضد الاحتلال يعني أن نكون ضد كل ما يجعل الاحتلال ممكناً، سواءٌ كان قوات عسكرية أو قواعد مدنية أو مؤسسات وسياسات وثقافة تابعة أو عميلة.

    وليس القضية قضية تناقض منطقي فحسب، بل قضية نفاق وتهاون في المبدأ، وأخيراً، قضية ما يفيد وما لا يفيد، فما نقول أنه المعنى الحقيقي لمعاداة الاحتلال ليس مجرد موقف مبدئي، بل هو الطريقة الوحيدة العملية الناجحة للتعامل مع الاحتلال.

    وإذا كان يوجد أفراد أو جماعات تحت الاحتلال أو في الولايات المتحدة تعتبر أن هذا الموقف متشدد يفقدها كل حيز للمناورة، فإن ذلك يعني أنها غير أهل لحمل عبء القضية أصلاً.

    2 - عن الصهيونية واليهودية: أحكام علاقة اليهود بالأغيار
    لم يكن ارتداد اليهود ابتداءً من القرن التاسع عشر بعيداً عن حركة التنوير اليهودية (الهاسكالاة) الداعية لاندماج اليهود على قدم المساواة في الشعوب التي يعيشون بينها ليأتي بالصورة الصهيونية العنصرية والاستعمارية التي جاء عليها لو لم تكن ثمة عناصر أصيلة في الديانة اليهودية نفسها تدعمه وتقدم له إمكانيات النجاح.

    وقد يعترض معترض هنا بأن تحميل اليهودية مسؤولية "شطط" الصهيونية لا يصح منهجياً إلا بمقدار ما يتحمّل أي دين أو عقيدة مسؤولية الشطط الذي تحدثه جماعة من اتباعها.

    ولكن اليهودية ليست كباقي الأديان والعقائد المعروفة لأن العنصرية والاستعمار لا يمثلان انحرافاً عنها بقدر ما يمثلان التأويل الأساسي، ولو لم يكن التأويل الوحيد، لها.

    وقد ترجم الكاتب إسرائيل شاحاك نصوصاً عبرية قديمة من التلمود حول الكيفية التي يجب أن تدار بها علاقة اليهود بغيرهم لا يمكن أن تجد لها مثيلاً في أي ديانة أو عقيدة أخرى.

    ولننتبه أن كل هذه الأحكام مقيدة بشرط مهم هو أن ممارستها من قبل اليهودي يجب أن تراعي عدم عودتها بالضرر على أي يهودي أخر على سبيل الانتقام أو غيره.

    ومنها مثلاً: على اليهودي أن يلعن عند المرور بمقابر غير يهودية، وأن يترحم عندما يمر بقابر يهودية. وعليه أن لا يسعف جرحى أو مرضى الأغيار (غير اليهود)، أو الغريق أو الواقع في حفرة منهم، إلا إذا عاد ذلك بالانتقام على يهود.

    وحسب منظومة الأحكام اليهودية الكلاسيكية المعروفة باسم الهاكالاة فإن قتل المدنيين من الأغيار عن سابق قصد وتصميم في الحرب ضرورة لا مفر منها يتعرض اليهودي الذي لا يراعيها لغضب الرب، وهو ما لا نستطيع أن نفصله عن الممارسات الصهيونية في فلسطين. أما في غير حالة الحرب، فإن اليهودي الذي يقتل غير يهودي بتعمد، فإنه يعتبر مذنباً أمام الله ولكن ليس أمام القانون. فإذا قتل اليهودي غير اليهودي بطريق الخطأ، فإنه لا يعتبر مذنباً لا أمام الله ولا أمام القانون.

    ومن امتيازات اليهودي على الأغيار في هذه الشرائع حقه في تضليلهم، في السياسة والتجارة والعلاقات الشخصية. مثلاً، تمنع السرقة على اليهودي بتاتاً، ولكن من حقه أن يمارسها في التجارة مع غير اليهود بشكل غير مباشر إذا كانت تتضمن "تشغيل عقل". وكذلك يسمح بالنصب، ويسمح بالسطو العنيف من الأغيار إذا كانوا تحت حكم اليهود، وهو الأمر الذي يقلل من احتمالات الانتقام من يهودي أخر. وكذلك يحق لليهودي أن يأخذ أو أن لا يأخذ الربا من يهودي أخر، ولكنه ملزم بأخذ الربا من غير اليهودي إلا بمصلحة، حيث أن الهاكالاة تحظر الهدايا لغير اليهود دون مقابل!

    وهناك كثير غير ذلك ينسج على نفس المنوال مما ترجمه إسرائيل شاحاك. ولكن د. عبد الوهاب المسيري يعترض على تعميم هذه القوانين التشريعية اليهودية على كل اليهود باعتبار الذين أسسوا دولة "إسرائيل" من العلمانيين والملحدين الذين لا يعترفون بهذه الأحكام بالضرورة. ولكن هذه الرؤية تتجاهل حقيقة أن اليهودية، مثل أي دين، ليست مجموعة من الشعائر والأحكام فحسب، بل ثقافة يتشرب أبناؤها الكثير من قيمها ومفاهيمها منذ الصغر. والإسلام كثقافة (مختلفة بالتأكيد) تجده بقوة مثلاً في كافة شرائح المجتمع العربي. ولعل من أبرز الأمثلة المضيئة والرائدة على ذلك من اليسار عبد الخالق محجوب من الحزب الشيوعي السوداني الذي كان يصلي، وبيانات المقاومة العراقية الصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي/ الكادر التي تبدأ كما يلي: "حيث ثقفتموهم!".

    3 - الصهيونية هي الابنة الشرعية لليهودية


    تعلم أبناء جيلي في صفوف الثورة الفلسطينية عندما كنا صغاراً أن يرددوا مقولة حفظناها عن ظهر قلب: نحن ضد الصهيونية، لا ضد اليهودية، وضد الصهاينة، لا اليهود. وكانت تتمة هذه الاسطوانة المكسورة في الطبعة اليسارية: نحن ضد الصهاينة العرب أيضاً، فليس كل الصهاينة يهوداً، وليس كل اليهود صهاينة، بل هناك يهود تقدميين. والمثال المفضل على هؤلاء "اليهود التقدميين" (الذين يمكن أن تعدهم على أصابع قدم واحدة) كان دوماً المحامية فيليتسيا لانغر التي تبنت عدداً من قضايا المعتقلين في السجون الصهيونية.

    ولكني بت أعرف اليوم، كما يعرف عددٌ ممن كانوا يرددون نفس النغمة، أننا خدعنا أنفسنا بها كثيراً. وإذا كانت بعض القيادات الفلسطينية تقول لقواعدها أنها يجب أن تطرح هذا الموقف ولو لم تقتنع به تماماً لنكسب "الرأي العام العالمي"، ولكي لا نتهم، كشعب محتل مطرود من أرضه بالقوة، أننا "عنصريون إزاء مغتصبينا"، فقد تستطيع تلك الحجة "التكتيكية" أن تقنع بعض الناس كل الوقت، وكل الناس بعض الوقت، ولكنها يستحيل أن تقنع كل الناس كل الوقت. فالأمة لا تجمع على ضلالة.

    فالحقيقة تبقى أن الذين أتوا من خلف البحار لاغتصاب فلسطين هم اليهود، وليس الصينيين أو الهنود الحمر أو قبائل الزولو الأفريقية أو سكان أيسلندا. هؤلاء اليهود الذين قدموا لبلادنا من مشارق الأرض ومغاربها لم يأتوا مهاجرين مسالمين كما يهاجر أي إنسان إلى أي مكان، بل أتوا غزاة محتلين بالرغم منا. وهؤلاء اليهود الغزاة، وليس غيرهم، هم الذين اقتلعونا من أرضنا ومارسوا ضدنا أبشع الجرائم ورمونا بعدها بأقذع الصفات عبر وسائل الإعلام المسيطر عليها. فعلام نخدع أنفسنا بعدها في التفريق ما بين غازٍ يهودي وغازٍ صهيوني على أرض فلسطين؟! أليس كل يهودي على أرض فلسطين، بغض النظر عن رغباته "اليسارية" أو الإنسانية، جزءاً موضوعياً من المشروع الصهيوني، وبالتالي عدو؟!

    ورب قائل أن هؤلاء اليهود الغزاة لم يأتوا وحدهم، بل استقدمتهم الدول الإمبريالية مثل بريطانيا ليصبحوا قاعدة لها في بلادنا. ولا شك أن هذا ثابت تاريخياً. ولا نقول أن الإمبريالية بريئة، ونعرف أنها عدوة للأمة، مع اليهود أو بدونهم، وأن تأسيس قاعدة للإمبريالية في فلسطين جاء في بريطانيا بالتحديد على خلفية مشروع منع قيام الوحدة العربية بعد محمد علي باشا، فكان لا بد من "حاجز بشري غريب"، كما اسماه الساسة البريطانيون، لفصل المشرق العربي عن مغربه، ولمنع الوحدة العربية. وما زالت الإمبريالية عدوة لأمتنا بسبب مخططاتها للسيطرة على بلادنا، ولسنا من الذين يضللون أنفسنا بالقول أن الدول الغربية بريئة لولا سيطرة اليهود عليها. فهذا ليس إلا الوجه الآخر لنفس الوهم الذي يزعم أن اليهود أبرياء لولا سيطرة الإمبريالية عليهم.

    فهناك سبب يجعل اليهود قابلين لاستخدامهم من قبل الإمبريالية. لأن ثمة تراث ثقافي محدد هيأ اليهود بالذات لهذا الدور. فاليهودية ليست عرقاً حتى نكون عنصريين إذا عاديناها، وهي ليست قومية حتى نكون متعصبين قومياً إذا نددنا بها، اليهودية هي عقلية التقوقع والانعزال التي ابتلت بها مجموعات من عدة أعراق وقوميات بسبب اعتناق اليهودية، فنشأت عندها عقلية الغيتو الرافض للاندماج بالشعوب التي عاشت بين ظهرانيها، وتقول كتب التاريخ أن الحاخامات كانوا يطلبون من بعض أمراء القرون الوسطى في أوروبا الغربية فرض الغرامات على اليهود الذين يعملون يوم السبت حتى لا ينسى هؤلاء أنهم يهود. وفي بعض الحالات، كان اليهودي الذي يجرؤ على انتهاك تعاليم الحاخامات يتعرض للضرب أو للقتل...

    وليس صحيحاً أن اليهود "هاجروا" إلى فلسطين لأنهم عانوا التمييز في أوروبا، بل توثق كتب التاريخ دورهم الاجتماعي-الاقتصادي فوق المجتمعات التي رفضوا الاندماج فيها كوسطاء وكجباة ضرائب ومرابين وتجار ومهنيين، بعيداً عن الأرض والدولة والجيش. ولهذا كانت تثور عليهم شعوب أوروبا، خاصة في أوقات الأزمات، وهو ما سبب التمييز ضدهم لاحقاً حيث وجد.

    واليهودية تتميز عن غيرها من الأديان بالكثير من التعاليم العنصرية المتعالية إزاء غير اليهود، وقد وثقنا بعض تلك التعاليم اعتماداً على كتاب إسرائيل شاحاك حول الديانة اليهودية لمن يرغب. واليهودية تتميز عن غيرها بفكرة "أرض الميعاد" أي احتلال فلسطين، وفكرة "شعب الله المختار" أي العنصرية. هذا هو تراثهم الثقافي الذي هيأهم للدور الذي يلعبونه لمصلحة الإمبريالية، أي الذي هيأهم ليكونوا صهيونيين. ومن ابتعد عن ذلك التراث، ليس يهودياً ببساطة، وليست لدينا مشكلة معه ما دام خارج فلسطين، ولا نعاديه لمجرد أنه من أم يهودية...

    أما داخل فلسطين، فإن التمييز ما بين يهودي وصهيوني ليس له أي معنى على الإطلاق، ولهذا، توصلت مجموعة من القوميين واليساريين العرب بناءً على الحيثيات السابقة أن مشكلتنا مع اليهودية عامة، ومع اليهود في فلسطين خاصة، وليس مع عدو هلامي هو الصهيونية، وأن الموقف الذي لا يميز بين اليهودي والصهيوني، بالتالي، هو الأقرب للمنطق ومصلحة الأمة، حتى دون النظر إلى أي اعتبارات شرعية.

    4 - حول الموقف من اليهود في فلسطين

    يبرز الموقف من التواجد اليهودي في فلسطين اليوم باعتباره المؤشر العقائدي الأهم، والميزان السياسي الحساس، لمدى ثبات المرء إزاء المشروع الصهيوني برمته، وإزاء السياسة الأمريكية.

    ويلاحظ في هذا السياق أن التساهل مع الوجود اليهودي في فلسطين يتناسب طرداً مع التساهل تجاه هذا الجانب، أو تلك الخطوة، في السياسة الأمريكية-الصهيونية، مما يساعد على تقبل الطرف المتساهل في منظومة الهيمنة الدولية، وهو الدرس الذي يبدو أن القذافي تعلمه جيداً.

    والعكس صحيح أيضاً، إذ يؤدي تحسن العلاقات مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، بالمحصلة، للاعتراف بقانونية التواجد اليهودي في فلسطين، كما تشهد عشرات الأمثلة بعد توقيع اتفاقية أوسلو. وتجد هذا القانون منسحباً على الهند وروسيا والصين والدول الأفريقية والعربية وغيرها على حدٍ سواء، حتى يمكن اعتباره أحد القوانين التي تحكم العلاقات الدولية في زماننا المعاصر.

    أما على مستوى التنظيمات والمثقفين، فينطبق القانون نفسه، حيث يتحسن وضعهم المالي والإعلامي، ومقبوليتهم السياسية إقليمياً ودولياً، بالتناسب مع الخطوات التي يخطونها باتجاه استيعاب الوجود اليهودي في فلسطين بغض النظر عن الحجج والذرائع. وبالتالي، يمكن التعميم أن تقبل مشروعية التواجد اليهودي في فلسطين أمسى أحد السمات المميزة للعولمة السياسية في عصرنا ابتداءً من تسعينات القرن العشرين.

    وكي لا يكون في الأمر لبسٌ، يتناول الحديث هنا بالضبط الوجود اليهودي في فلسطين، وليس فقط التعبير السياسي لذلك الوجود، أي دولة "إسرائيل"، أو الحركة السياسية التي أنتجت ذلك الوجود، وهي بالطبع الحركة الصهيونية. فالأهم هو أن يقبل المرء مبدأ ومشروعية التواجد اليهودي في فلسطين، ولو تحت شعارات براقة مثل الدولة الديموقراطية، أو "إسرائيل" ثنائية القومية، أو "إسراطين"، ولا يهم بعدها أن ينتقد الأم (الحركة الصهيونية)، والأب الراعي (دولة "إسرائيل")، ما دام يعترف بذريتهما.

    بالمقابل، رب قابلٍ بدولة "إسرائيل" بذريعة ميزان القوى المختل، مثل بعض الأنظمة والقوى السياسية العربية، ممن لا يقبل بمشروعية الاستيطان اليهودي في فلسطين من حيث المبدأ أو بما يكفي من الحماسة الداخلية. بيد أن الطرف الأمريكي-الصهيوني بات يرى هذه الشريحة لم تعد تفي بالغرض، باعتبارها تنتمي لتوازنات الحرب الباردة.

    فالمطلوب اليوم في مرحلة زحف العولمة والهيمنة الإمبريالية هو التقبل الثقافي والعقائدي والقانوني للوجود اليهودي في فلسطين مع تحوله لمركز هيمنة إقليمي "شرق أوسطي"، وتحول الحركة الصهيونية نفسها لقطبٍ عالمي. فمجرد التعاطي السياسي "العقلاني" مع دولة "إسرائيل" بات أقل بكثير مما يتوخاه ويقدر عليه الخصم، مع العلم أن هذا التعاطي بعض الأنظمة والقوى العربية مع دولة العدو كان أحد المقدمات الضرورية للحصار الذي تعيشه تلك القوى نفسها بعد أن أصبح البرنامج المعادي هو إزاحتها لمصلحة قوى أكثر ولاءً وانسجاماً مع المرحلة التالية من المشروع الأمريكي-الصهيوني.

    المهم، لا بد من التأكيد هنا على نقاط هي بمثابة بديهيات في الشارع العربي، لكنها كثيراً ما تغيب عن القوى السياسية العربية الرسمية والمعارضة:

    1) أن اليهود أتوا إلى فلسطين كغزاة، وليس كمهاجرين، وبالتالي لا مشروعية لوجودهم فيها حتى لو لم يطردوا أهلها منها.

    2) أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين ليس احتلالاً عسكرياً فحسب، بل احتلالٌ ديموغرافيٌ، أي أن الوجود اليهودي في فلسطين هو قاعدة الاحتلال وديمومته، فنحن لا نقاتل من أجل جلاء قوات عسكرية محتلة فقط كما في العراق مثلاً.

    3) أن الميثاق الوطني الفلسطيني (البند السادس) يقول أن كل اليهود الذين أتوا إلى فلسطين بعد المشروع الصهيوني لا يعدون فلسطينيين، وهذا يعني أن نسبة اليهود المسموح لهم بالعيش في فلسطين المحررة لا يمكن أن تتجاوز نسبتهم من الفلسطينيين قبل بدء المشروع الصهيوني، أي خمسة بالمائة بأعلى تقدير.

    4) أن فلسطين أرض عربية (البند الأول من الميثاق)، وهذا الحق العربي بأرض فلسطين لا يسقط بتقادم الزمن، ولو لم يبقَ فلسطيني واحد حياً. وقد احتلها الفرنجة قرنين، ولم يغير ذلك من حق الأمة فيها شيئاً.

    5) لو افترضنا جدلاً حق اليهود وغيرهم كأفراد، وليس كقومية مزعومة، بالهجرة لفلسطين، كما في ظل الحكم الإسلامي عبر العصور مثلاً، فإن ذلك يخضع للقرار السيادي المحلي، وليس للقرار الدولي، كما في أي حالة هجرة حول العالم. فما بالك بهم إذا ظلموا وقتلوا وهدموا؟!

    5 – حول الموقف من اليهود خارج فلسطين
    يتمتع اليهود خارج فلسطين بصفتين متلازمتين تغطي إحداهما جيداً على الأخرى، أما الصفة الأولى فهي أنهم أقلية في المجتمعات التي يعيشون فيها، بما يحمله تعبير أقلية، خاصة في الغرب، من إمكانية التعرض للاضطهاد أو التهميش أو التمييز ضدهم من قبل الأغلبية، أما الصفة الثانية، فهي أنهم يتمتعون بوضع اجتماعي-اقتصادي متميز على الشعوب التي يعيشون بينها، خاصة في البلدان الغربية من الولايات المتحدة إلى أستراليا، وأن وجودهم المكثف - بنسب تفوق بأضعاف نسبتهم بين السكان - في المفاصل الأساسية للمجتمعات الغربية، ونفوذهم المستشري في قطاع المضاربة المالية والبنوك إلى قطاع مؤسسات صنع القرار السياسي إلى وسائل الإعلام والثقافة والترفيه كهوليوود مثلاً، تجعل الحديث عنهم كأقلية مضطهدة مجرد استخفاف بعقول الناس...

    واليهود ليسوا قومية، كما نعلم، بل ديانة تسرب منها كثيرٌ من أبنائها عبر الزمن، وليسوا عرقاً أو سلالة، بل أخلاطاً عرقية ورثت منظومة من القيم الثقافية الناتجة عن دورهم التاريخي كجماعة وظيفية مارست التجارة والحرف في المدن والربا وجمع الضرائب لمصلحة الإقطاعيين، بدلاً من الزراعة والجندية والخدمة العامة. وقد كرس حاخاماتهم انفصالهم عن الشعوب التي عاشوا بينها حرصاً على عدم ضياع نفوذهم على عامة اليهود، فنشأت في مستنقعات هذه الغيتوات اليهودية، ومن ثنايا دورها الاجتماعي-الاقتصادي الطفيلي في أوروبا خاصة، عقلية التقوقع والانعزال، عقلية العداء للمحيط والخوف منه في آنٍ معاً، وضرورة استغلاله والتلاعب به والسيطرة عليه وتفكيكه من أجل الحياة، وبالتلازم، ضرورة القضاء المسبق على أية انتفاضات شعبية كانت تستهدف عامة اليهود في أوروبا في الأزمات بسبب دورهم الربوي الكريه وكوسطاء للسادة الإقطاعيين، وكجماعة طفيلية لا يتناسب نفوذها السياسي والاقتصادي أبداً مع حجمها العددي في المجتمع.

    وكان من الطبيعي أن تنشأ، على قاعدة هذا الدور وهذه العقلية، شبكة من العلاقات ما فوق القومية بين الغيتوات اليهودية المنتشرة عبر القارة الأوروبية وعبر المحيطات كانت تعزز الدور السياسي والتجاري لليهود، وتجعلهم في آنٍ معاً موضع حسدٍ كبيرٍ من التجار الأغيار المحليين، وفاقدين للهوية الوطنية وللانتماء القومي للبلدان التي ولدوا وعاشوا وعملوا فيها. فاليهودي ينتمي للشبكة العالمية لليهودية قبل أي شيء أخر، لا بل أن مصطلح Cosmopolitan ، أو كوزموبوليتيكي، بمعنى "مدني عالمي"، فاقد للهوية والانتماء الوطني، كثيراً ما كان يقصد به اليهود في أوروبا دون غيرهم، وكذلك كان يستخدم في أوروبا الشرقية، خاصة في روسيا وبولونيا في بداية القرن العشرين.

    ومن هنا، ارتبطت اليهودية كمنظومة ثقافية، حتى بشكلها العلماني غير المتدين، بالحديث عن "الإنسان"، مقابل الحديث عن الأمة أو الوطن، وبجهد فكري دائب لتحقير الثقافات القومية ورموزها، وبالشبكات والجمعيات السرية الممتدة عبر الحدود، وبالمؤامرات الدولية، والأهم، بمنهج افتراس غير اليهود بالمكر والخديعة، و"الذكاء" المتجرد من أي ضابط أخلاقي، تماماً كذكاء الخفاش المنكب على دماء وريد الخيل في عتمة الليل.

    وقد وصف كارل ماركس اليهودية (وليس الصهيونية)، في كراسه "حول المسألة اليهودية"، بأن اليهودية تصبح عقيدة النظام الرأسمالي برمته في مرحلته العليا، مرحلة تفككه وانحلاله، ولا يهم هنا أن يكون كثيرٌ من المنتمين إلى هذه المنظومة الثقافية اليهودية من غير المتدنيين، إذ "لا يجب أن نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل فلنبحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي... ما هو الأساس العملي لليهودية؟ المصلحة العملية والمنفعة الشخصية..."، ويضيف الكراس بعدها: "المال هو إله إسرائيل المطماع... هذا هو الإله الحقيقي لليهود... وقومية اليهودي الوهمية هي قومية التاجر، قومية رجل المال". وقد اقتطفت من كراس ماركس من أجل العلمانيين واليساريين الذين لم يتخلصوا بعد من عقدة التعاطف المرضي مع اليهود!

    نحن إزاء عقلية ذئبية إذن، أو إزاء حقيقة الخفاش مصاص دماء البشر بالأحرى، أي إزاء الثقافة اليهودية، وهي نفس الثقافة التي تنتج عنصرين أساسيين أخرين من توجهات اليهود السياسية، بغض النظر عن مدى تدينهم، وهما: 1) فكرة "أرض الميعاد"، أي احتلال فلسطين كوطن قومي لليهود، و2) فكرة "شعب الله المختار"، أي التعالي على غير اليهود وافتراسهم، أي العنصرية.

    والمقصود أننا لا يمكن أن نتعامل مع قضية فلسطين كاحتلال موضعي فحسب. فقد كنا نواجه منذ البداية شبكة دولية، شبكة متغلغلة في نسيج القرار الدولي، ولا نواجه احتلالاً مثل احتلال فرنسا للجزائر مثلاً كي يقول بعضنا ما معناه أن كل فرنسي لا يحتل الجزائر ليس عدواً، أو كل أمريكي لا يحتل العراق ليست لنا مشكلة معه!!!

    مع اليهود، كنا نواجه منذ البداية ثقافة ذئبية "كوزموبوليتية" تعاني منها شعوبٌ عدة، لا نحن فحسب، وكنا نواجه منذ البداية مشروعاً كونياً وحركة عالمية، كنا نواجه اليهودية العالمية كمؤسسة دولية، وكثقافة باتت جزءاً من ثقافة وبنية المؤسسة الحاكمة في الدول الإمبريالية.

    والمعنى ببساطة أن كل يهودي خارج فلسطين لم يتساقط خارج المنظومة الثقافية اليهودية الآنفة الذكر، تلك المنظومة الكوزموبوليتية، هو عدوٌ ليس لنا فحسب، بل لكل شعوب الأرض.

    وكما أشرت في كتابات أخرى، ليس صدفةً أن يتم تبني "المحرقة" رسمياً من قبل الأمم المتحدة، كعقيدة يمنع نقاشها تحت طائلة العقاب، وكعقيدة تجعل اليهود أكثر أقلية مضطهدة في تاريخ البشرية، في الوقت الذي: 1) تكرست فيه العولمة كتيار يسعى إلى إضعاف وتفكيك السيادة الوطنية والثقافة القومية للشعوب، 2) تكرست فيه ضمن النظام الإمبريالي هيمنة القطاعات غير المنتجة في الاقتصاد، القطاعات الربوية والمالية، على القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية والتجارية. أي مع ازدياد تغلغل اليهود ودورهم في النخب الحاكمة في "النظام الدولي الجديد" الذي لا يقوم عليهم وحدهم طبعاً.
    والطريف الآن طبعاً أن تجد الجماعات الفلسطينية في الغرب اليوم تحرص أشد الحرص على جعل اليهود في مقدمة قياداتها لكي تضع البرامج وتحدد السقف السياسي "للتضامن مع القضية"، ولكي تنفي عنهم تهمة "معاداة السامية"، ولكي تعوضهم عن عقد النقص إزاء اليهود...

    ****
    نعم ناقشنا ذلك قبل ذلك وشرحت لك إختلافي وهو مع كل أحترامى لازال كما هو ولا يفسد للود قضية,وهو نقطة إختلاف واحدة بجوار 99 نقطة إتفاق. وردى هو على الجديد الذى وصلني ولا أوافق على بعضة بعد إذن سيادتكم مع خالص تقديري. سعيد
    *******
    هذا كلام فى معظمة صحيح , وأن كانت وجهة نظر
    الدكتور المسيرى وكتابات روجية جارودي( مرفق أحد كتب جارودي الذى لا بد أن الكاتب يعرفه جيدا) فى رأى غير المتخصص أكثر دقة. وبغض النظر عن كتابات الآخرين أعتقد أن مقالة سعادة الدكتور علوش لا تعطى فئة معينة حقها( أيا كان حجمها) وهى فئة اليهود الذين يعيشون خارج الكيان الصهيوني وهم ضد الصهيونية وضد الكيان الصهيوني ويؤيدون المقاومة الفلسطينية التي ترفض هذا الكيان المنحط وتسعى إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني( حماس وحلفائها) مع خالص تحياتي

    سعيد صلاح النشائي
    تحية وبعد
    سبق أن تحاورنا عن اليهود وخاصة ناطوري كارتا، التي ترفض الكيان والصهيونية، وقد ذكرت لك آخر تصريح لأحد حاخامتهم المُتوفى حديثا، بأن(الرب كتب على بني اسرائيل الشتات والدولة محرمة عليهم)، وأعيد، هل اتباع دين سماوي او وضعي يحق لهم تأسيس دولة؟)، مع التأكيد كحقيقة تاريخية وليست وجهة نظر، أن بني اسرائيل قبائل بدائية انقرضت غيرها من البائدة، وأن يهود الغرب المحتلين لأرض فلسطين، لا ينتمون بأي حال لتلك القبائل، انما ينتمون الى يهود الخزر، ومنهم يهود الدولمة في تركيا وغيرها.دعمهم ومساندتهم لحماس لفظي وليس عملي، بمعنى لم نسمع أي منهم تصدى واشتبك مع الاحتلال،اللهم بالدعاء والصلاة.اعتقد أن الدكتور علوش المتخصص ، وأي كاتب يقف على حقائق جوهرية، ولا يوجد مقال أو بحث او دراسة كاملة، انما توجد نصوص متكاملة، حول علاقة الصهيونية باليهودية، ودور "اليهود التقدميون" وغيرهم من المحبين (للسلام)لا يرفضون ابدا وجود الكيان على أرض فلسطين، ومنهم ناعومي ونومان، انما يدعون للتعايش
    معكل المودة والتقدير
    إذا كنتَ ذا رأي، فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

  3. #3

    رد: جماعة الناطوري كارتا أو نواطير المدينة /مهم

    الموقف من اليهود





    د. إبراهيم علوش


    1 - يهود وعلوج وفرنجة


    في النهاية، يسهل الوعظ الديني أو الثرثرة بالفكر والأيديولوجيا من أي لونٍ عندما يكون الفيصل هو الموقف السياسي. إذ تعلمنا تجارب الشعوب، خاصة تجربة الأمة العربية في التاريخ المعاصر، أن الحد بين الجد واللعب، بعد الفراغ من استعراض القمم الأيديولوجية العليا أمام السامعين، هو موقف المرء من الاحتلال هنا والآن. وليس المقصود هنا موقف المرء من هذا التجاوز أو ذاك للاحتلال، فانتقاد العوارض أمر يسيرٌ، لا بل تنفيسي، قد يقوم به بعض المحتلين أنفسهم. المقصود بالطبع هو الموقف من حق الاحتلال بالوجود وحق كل ما يمت له بصلة بمجرد تنفس الهواء، ومدى استعداد المرء لأن يضع كل كيانه في خدمة ذلك الموقف المناهض الساعي لاستئصال الاحتلال وقاعدته المادية والسياسية والبشرية .

    وليس هناك من قيمة لوعظٍ أو لفكرٍ أو لأيديولوجيا لا تدعم ولا تشتق مثل ذلك الموقف بشكل طبيعي من مقدماتها.

    وقد يقول قائل: ما المشكلة؟ ألسنا جميعاً ضد الاحتلال؟ فما المطلوب إذن؟

    ولكننا لسنا جميعاً ضد الاحتلال، كلا! بل ثمة من يقول ما لا يعنيه، والمقياس هو الموقف السياسي، لا النية أو الرغبة، أو الأيديولوجيا.

    فأن نكون ضد الاحتلال يعني بالتحديد: 1) أن نكون ضد وجود الاحتلال في بلادنا، سواءٌ أتانا بشكل مدني أو عسكري، 2) أن نصر على الهوية العربية لأرضنا، 3) أن ندعم كل أشكال العمل ضد الاحتلال، وعلى رأسها العمل العسكري الذي يزينه العمل الاستشهادي.

    فعندما استوطن الفرنجة الجزائر على مدى قرن وثلث، كان الوقوف ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر يعني: 1) رفض وجود المستعمرين على أرضها، و2) التأكيد على الهوية العربية للجزائر، و3) تأييد كل أشكال العمل ضد الاحتلال الاستيطاني الفرنسي للجزائر، وعلى رأسها العمل المسلح.

    وعندما يستعمر اليهود فلسطين، فإن القول أن المرء ضد الاحتلال يعني بالضرورة أن يكون: 1) ضد وجود اليهود على أرض فلسطين، 2) مع التأكيد على الهوية العربية لأرض فلسطين، 3) مع كل أشكال العمل ضد الاحتلال الاستيطاني اليهودي لفلسطين، وعلى رأسها العمل الاستشهادي.

    وعندما يحتل الأمريكيون العراق، فالوقوف ضد الاحتلال يعني بالضرورة أن يكون المرء: 1) ضد وجود القوات المحتلة من أية جنسية على أرض العراق، 2) مع التأكيد على وحدة وعروبة العراق، 3) مع كل أشكال العمل العسكري ضد الاحتلال الأمريكي-البريطاني للعراق وأعوانه، وتاج رأسها طبعاً العمل الاستشهادي.

    وليس منطقياً بالتالي أن يكون المرء مثلاً ضد الاحتلال في فلسطين، ولكن مع اليهود بالتواجد فيها، أو مع حق أي مؤسسة من مؤسساتهم وامتدادتها بالوجود، من دولة "إسرائيل" إلى السلطة الفلسطينية، أو أن يقول المرء أنه ضد الاحتلال في العراق بيد أنه مع المؤسسات التي يخلفها، من مجلس الحكم الانتقالي إلى الحكومة المؤقتة الخ... سواء كانت منتخبة في ظل الاحتلال أو غير منتخبة...!

    وكما لا يعقل أن يكون المرء ضد الاحتلال في الجزائر سوى أنه يريدها فرنسية، كذلك ليس هناك معنى لشخص ضد الاحتلال في فلسطين، سوى أنه يريدها ثنائية القومية، فالمهم أنه لا يعتبر عروبتها مسألة غير خاضعة للنقاش.

    فسواء كنا نواجه علوجاً أو يهوداً أو فرنجة، كي نكون ضد الاحتلال يعني أن نكون ضد كل ما يجعل الاحتلال ممكناً، سواءٌ كان قوات عسكرية أو قواعد مدنية أو مؤسسات وسياسات وثقافة تابعة أو عميلة.

    وليس القضية قضية تناقض منطقي فحسب، بل قضية نفاق وتهاون في المبدأ، وأخيراً، قضية ما يفيد وما لا يفيد، فما نقول أنه المعنى الحقيقي لمعاداة الاحتلال ليس مجرد موقف مبدئي، بل هو الطريقة الوحيدة العملية الناجحة للتعامل مع الاحتلال.

    وإذا كان يوجد أفراد أو جماعات تحت الاحتلال أو في الولايات المتحدة تعتبر أن هذا الموقف متشدد يفقدها كل حيز للمناورة، فإن ذلك يعني أنها غير أهل لحمل عبء القضية أصلاً.


    2 - عن الصهيونية واليهودية: أحكام علاقة اليهود بالأغيار


    لم يكن ارتداد اليهود ابتداءً من القرن التاسع عشر بعيداً عن حركة التنوير اليهودية (الهاسكالاة) الداعية لاندماج اليهود على قدم المساواة في الشعوب التي يعيشون بينها ليأتي بالصورة الصهيونية العنصرية والاستعمارية التي جاء عليها لو لم تكن ثمة عناصر أصيلة في الديانة اليهودية نفسها تدعمه وتقدم له إمكانيات النجاح.

    وقد يعترض معترض هنا بأن تحميل اليهودية مسؤولية "شطط" الصهيونية لا يصح منهجياً إلا بمقدار ما يتحمّل أي دين أو عقيدة مسؤولية الشطط الذي تحدثه جماعة من اتباعها.

    ولكن اليهودية ليست كباقي الأديان والعقائد المعروفة لأن العنصرية والاستعمار لا يمثلان انحرافاً عنها بقدر ما يمثلان التأويل الأساسي، ولو لم يكن التأويل الوحيد، لها.

    وقد ترجم الكاتب إسرائيل شاحاك نصوصاً عبرية قديمة من التلمود حول الكيفية التي يجب أن تدار بها علاقة اليهود بغيرهم لا يمكن أن تجد لها مثيلاً في أي ديانة أو عقيدة أخرى.

    ولننتبه أن كل هذه الأحكام مقيدة بشرط مهم هو أن ممارستها من قبل اليهودي يجب أن تراعي عدم عودتها بالضرر على أي يهودي أخر على سبيل الانتقام أو غيره.

    ومنها مثلاً: على اليهودي أن يلعن عند المرور بمقابر غير يهودية، وأن يترحم عندما يمر بقابر يهودية. وعليه أن لا يسعف جرحى أو مرضى الأغيار (غير اليهود)، أو الغريق أو الواقع في حفرة منهم، إلا إذا عاد ذلك بالانتقام على يهود.

    وحسب منظومة الأحكام اليهودية الكلاسيكية المعروفة باسم الهاكالاة فإن قتل المدنيين من الأغيار عن سابق قصد وتصميم في الحرب ضرورة لا مفر منها يتعرض اليهودي الذي لا يراعيها لغضب الرب، وهو ما لا نستطيع أن نفصله عن الممارسات الصهيونية في فلسطين. أما في غير حالة الحرب، فإن اليهودي الذي يقتل غير يهودي بتعمد، فإنه يعتبر مذنباً أمام الله ولكن ليس أمام القانون. فإذا قتل اليهودي غير اليهودي بطريق الخطأ، فإنه لا يعتبر مذنباً لا أمام الله ولا أمام القانون.

    ومن امتيازات اليهودي على الأغيار في هذه الشرائع حقه في تضليلهم، في السياسة والتجارة والعلاقات الشخصية. مثلاً، تمنع السرقة على اليهودي بتاتاً، ولكن من حقه أن يمارسها في التجارة مع غير اليهود بشكل غير مباشر إذا كانت تتضمن "تشغيل عقل". وكذلك يسمح بالنصب، ويسمح بالسطو العنيف من الأغيار إذا كانوا تحت حكم اليهود، وهو الأمر الذي يقلل من احتمالات الانتقام من يهودي أخر. وكذلك يحق لليهودي أن يأخذ أو أن لا يأخذ الربا من يهودي أخر، ولكنه ملزم بأخذ الربا من غير اليهودي إلا بمصلحة، حيث أن الهاكالاة تحظر الهدايا لغير اليهود دون مقابل!

    وهناك كثير غير ذلك ينسج على نفس المنوال مما ترجمه إسرائيل شاحاك. ولكن د. عبد الوهاب المسيري يعترض على تعميم هذه القوانين التشريعية اليهودية على كل اليهود باعتبار الذين أسسوا دولة "إسرائيل" من العلمانيين والملحدين الذين لا يعترفون بهذه الأحكام بالضرورة. ولكن هذه الرؤية تتجاهل حقيقة أن اليهودية، مثل أي دين، ليست مجموعة من الشعائر والأحكام فحسب، بل ثقافة يتشرب أبناؤها الكثير من قيمها ومفاهيمها منذ الصغر. والإسلام كثقافة (مختلفة بالتأكيد) تجده بقوة مثلاً في كافة شرائح المجتمع العربي. ولعل من أبرز الأمثلة المضيئة والرائدة على ذلك من اليسار عبد الخالق محجوب من الحزب الشيوعي السوداني الذي كان يصلي، وبيانات المقاومة العراقية الصادرة عن الحزب الشيوعي العراقي/ الكادر التي تبدأ كما يلي: "حيث ثقفتموهم!".

    3 - الصهيونية هي الابنة الشرعية لليهودية


    تعلم أبناء جيلي في صفوف الثورة الفلسطينية عندما كنا صغاراً أن يرددوا مقولة حفظناها عن ظهر قلب: نحن ضد الصهيونية، لا ضد اليهودية، وضد الصهاينة، لا اليهود. وكانت تتمة هذه الاسطوانة المكسورة في الطبعة اليسارية: نحن ضد الصهاينة العرب أيضاً، فليس كل الصهاينة يهوداً، وليس كل اليهود صهاينة، بل هناك يهود تقدميين. والمثال المفضل على هؤلاء "اليهود التقدميين" (الذين يمكن أن تعدهم على أصابع قدم واحدة) كان دوماً المحامية فيليتسيا لانغر التي تبنت عدداً من قضايا المعتقلين في السجون الصهيونية.

    ولكني بت أعرف اليوم، كما يعرف عددٌ ممن كانوا يرددون نفس النغمة، أننا خدعنا أنفسنا بها كثيراً. وإذا كانت بعض القيادات الفلسطينية تقول لقواعدها أنها يجب أن تطرح هذا الموقف ولو لم تقتنع به تماماً لنكسب "الرأي العام العالمي"، ولكي لا نتهم، كشعب محتل مطرود من أرضه بالقوة، أننا "عنصريون إزاء مغتصبينا"، فقد تستطيع تلك الحجة "التكتيكية" أن تقنع بعض الناس كل الوقت، وكل الناس بعض الوقت، ولكنها يستحيل أن تقنع كل الناس كل الوقت. فالأمة لا تجمع على ضلالة.

    فالحقيقة تبقى أن الذين أتوا من خلف البحار لاغتصاب فلسطين هم اليهود، وليس الصينيين أو الهنود الحمر أو قبائل الزولو الأفريقية أو سكان أيسلندا. هؤلاء اليهود الذين قدموا لبلادنا من مشارق الأرض ومغاربها لم يأتوا مهاجرين مسالمين كما يهاجر أي إنسان إلى أي مكان، بل أتوا غزاة محتلين بالرغم منا. وهؤلاء اليهود الغزاة، وليس غيرهم، هم الذين اقتلعونا من أرضنا ومارسوا ضدنا أبشع الجرائم ورمونا بعدها بأقذع الصفات عبر وسائل الإعلام المسيطر عليها. فعلام نخدع أنفسنا بعدها في التفريق ما بين غازٍ يهودي وغازٍ صهيوني على أرض فلسطين؟! أليس كل يهودي على أرض فلسطين، بغض النظر عن رغباته "اليسارية" أو الإنسانية، جزءاً موضوعياً من المشروع الصهيوني، وبالتالي عدو؟!

    ورب قائل أن هؤلاء اليهود الغزاة لم يأتوا وحدهم، بل استقدمتهم الدول الإمبريالية مثل بريطانيا ليصبحوا قاعدة لها في بلادنا. ولا شك أن هذا ثابت تاريخياً. ولا نقول أن الإمبريالية بريئة، ونعرف أنها عدوة للأمة، مع اليهود أو بدونهم، وأن تأسيس قاعدة للإمبريالية في فلسطين جاء في بريطانيا بالتحديد على خلفية مشروع منع قيام الوحدة العربية بعد محمد علي باشا، فكان لا بد من "حاجز بشري غريب"، كما اسماه الساسة البريطانيون، لفصل المشرق العربي عن مغربه، ولمنع الوحدة العربية. وما زالت الإمبريالية عدوة لأمتنا بسبب مخططاتها للسيطرة على بلادنا، ولسنا من الذين يضللون أنفسنا بالقول أن الدول الغربية بريئة لولا سيطرة اليهود عليها. فهذا ليس إلا الوجه الآخر لنفس الوهم الذي يزعم أن اليهود أبرياء لولا سيطرة الإمبريالية عليهم.

    فهناك سبب يجعل اليهود قابلين لاستخدامهم من قبل الإمبريالية. لأن ثمة تراث ثقافي محدد هيأ اليهود بالذات لهذا الدور. فاليهودية ليست عرقاً حتى نكون عنصريين إذا عاديناها، وهي ليست قومية حتى نكون متعصبين قومياً إذا نددنا بها، اليهودية هي عقلية التقوقع والانعزال التي ابتلت بها مجموعات من عدة أعراق وقوميات بسبب اعتناق اليهودية، فنشأت عندها عقلية الغيتو الرافض للاندماج بالشعوب التي عاشت بين ظهرانيها، وتقول كتب التاريخ أن الحاخامات كانوا يطلبون من بعض أمراء القرون الوسطى في أوروبا الغربية فرض الغرامات على اليهود الذين يعملون يوم السبت حتى لا ينسى هؤلاء أنهم يهود. وفي بعض الحالات، كان اليهودي الذي يجرؤ على انتهاك تعاليم الحاخامات يتعرض للضرب أو للقتل...

    وليس صحيحاً أن اليهود "هاجروا" إلى فلسطين لأنهم عانوا التمييز في أوروبا، بل توثق كتب التاريخ دورهم الاجتماعي-الاقتصادي فوق المجتمعات التي رفضوا الاندماج فيها كوسطاء وكجباة ضرائب ومرابين وتجار ومهنيين، بعيداً عن الأرض والدولة والجيش. ولهذا كانت تثور عليهم شعوب أوروبا، خاصة في أوقات الأزمات، وهو ما سبب التمييز ضدهم لاحقاً حيث وجد.

    واليهودية تتميز عن غيرها من الأديان بالكثير من التعاليم العنصرية المتعالية إزاء غير اليهود، وقد وثقنا بعض تلك التعاليم اعتماداً على كتاب إسرائيل شاحاك حول الديانة اليهودية لمن يرغب. واليهودية تتميز عن غيرها بفكرة "أرض الميعاد" أي احتلال فلسطين، وفكرة "شعب الله المختار" أي العنصرية. هذا هو تراثهم الثقافي الذي هيأهم للدور الذي يلعبونه لمصلحة الإمبريالية، أي الذي هيأهم ليكونوا صهيونيين. ومن ابتعد عن ذلك التراث، ليس يهودياً ببساطة، وليست لدينا مشكلة معه ما دام خارج فلسطين، ولا نعاديه لمجرد أنه من أم يهودية...

    أما داخل فلسطين، فإن التمييز ما بين يهودي وصهيوني ليس له أي معنى على الإطلاق، ولهذا، توصلت مجموعة من القوميين واليساريين العرب بناءً على الحيثيات السابقة أن مشكلتنا مع اليهودية عامة، ومع اليهود في فلسطين خاصة، وليس مع عدو هلامي هو الصهيونية، وأن الموقف الذي لا يميز بين اليهودي والصهيوني، بالتالي، هو الأقرب للمنطق ومصلحة الأمة، حتى دون النظر إلى أي اعتبارات شرعية.


    4 - حول الموقف من اليهود في فلسطين


    يبرز الموقف من التواجد اليهودي في فلسطين اليوم باعتباره المؤشر العقائدي الأهم، والميزان السياسي الحساس، لمدى ثبات المرء إزاء المشروع الصهيوني برمته، وإزاء السياسة الأمريكية.

    ويلاحظ في هذا السياق أن التساهل مع الوجود اليهودي في فلسطين يتناسب طرداً مع التساهل تجاه هذا الجانب، أو تلك الخطوة، في السياسة الأمريكية-الصهيونية، مما يساعد على تقبل الطرف المتساهل في منظومة الهيمنة الدولية، وهو الدرس الذي يبدو أن القذافي تعلمه جيداً.

    والعكس صحيح أيضاً، إذ يؤدي تحسن العلاقات مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، بالمحصلة، للاعتراف بقانونية التواجد اليهودي في فلسطين، كما تشهد عشرات الأمثلة بعد توقيع اتفاقية أوسلو. وتجد هذا القانون منسحباً على الهند وروسيا والصين والدول الأفريقية والعربية وغيرها على حدٍ سواء، حتى يمكن اعتباره أحد القوانين التي تحكم العلاقات الدولية في زماننا المعاصر.

    أما على مستوى التنظيمات والمثقفين، فينطبق القانون نفسه، حيث يتحسن وضعهم المالي والإعلامي، ومقبوليتهم السياسية إقليمياً ودولياً، بالتناسب مع الخطوات التي يخطونها باتجاه استيعاب الوجود اليهودي في فلسطين بغض النظر عن الحجج والذرائع. وبالتالي، يمكن التعميم أن تقبل مشروعية التواجد اليهودي في فلسطين أمسى أحد السمات المميزة للعولمة السياسية في عصرنا ابتداءً من تسعينات القرن العشرين.

    وكي لا يكون في الأمر لبسٌ، يتناول الحديث هنا بالضبط الوجود اليهودي في فلسطين، وليس فقط التعبير السياسي لذلك الوجود، أي دولة "إسرائيل"، أو الحركة السياسية التي أنتجت ذلك الوجود، وهي بالطبع الحركة الصهيونية. فالأهم هو أن يقبل المرء مبدأ ومشروعية التواجد اليهودي في فلسطين، ولو تحت شعارات براقة مثل الدولة الديموقراطية، أو "إسرائيل" ثنائية القومية، أو "إسراطين"، ولا يهم بعدها أن ينتقد الأم (الحركة الصهيونية)، والأب الراعي (دولة "إسرائيل")، ما دام يعترف بذريتهما.

    بالمقابل، رب قابلٍ بدولة "إسرائيل" بذريعة ميزان القوى المختل، مثل بعض الأنظمة والقوى السياسية العربية، ممن لا يقبل بمشروعية الاستيطان اليهودي في فلسطين من حيث المبدأ أو بما يكفي من الحماسة الداخلية. بيد أن الطرف الأمريكي-الصهيوني بات يرى هذه الشريحة لم تعد تفي بالغرض، باعتبارها تنتمي لتوازنات الحرب الباردة.

    فالمطلوب اليوم في مرحلة زحف العولمة والهيمنة الإمبريالية هو التقبل الثقافي والعقائدي والقانوني للوجود اليهودي في فلسطين مع تحوله لمركز هيمنة إقليمي "شرق أوسطي"، وتحول الحركة الصهيونية نفسها لقطبٍ عالمي. فمجرد التعاطي السياسي "العقلاني" مع دولة "إسرائيل" بات أقل بكثير مما يتوخاه ويقدر عليه الخصم، مع العلم أن هذا التعاطي بعض الأنظمة والقوى العربية مع دولة العدو كان أحد المقدمات الضرورية للحصار الذي تعيشه تلك القوى نفسها بعد أن أصبح البرنامج المعادي هو إزاحتها لمصلحة قوى أكثر ولاءً وانسجاماً مع المرحلة التالية من المشروع الأمريكي-الصهيوني.

    المهم، لا بد من التأكيد هنا على نقاط هي بمثابة بديهيات في الشارع العربي، لكنها كثيراً ما تغيب عن القوى السياسية العربية الرسمية والمعارضة:

    1) أن اليهود أتوا إلى فلسطين كغزاة، وليس كمهاجرين، وبالتالي لا مشروعية لوجودهم فيها حتى لو لم يطردوا أهلها منها.

    2) أن الاحتلال الصهيوني لفلسطين ليس احتلالاً عسكرياً فحسب، بل احتلالٌ ديموغرافيٌ، أي أن الوجود اليهودي في فلسطين هو قاعدة الاحتلال وديمومته، فنحن لا نقاتل من أجل جلاء قوات عسكرية محتلة فقط كما في العراق مثلاً.

    3) أن الميثاق الوطني الفلسطيني (البند السادس) يقول أن كل اليهود الذين أتوا إلى فلسطين بعد المشروع الصهيوني لا يعدون فلسطينيين، وهذا يعني أن نسبة اليهود المسموح لهم بالعيش في فلسطين المحررة لا يمكن أن تتجاوز نسبتهم من الفلسطينيين قبل بدء المشروع الصهيوني، أي خمسة بالمائة بأعلى تقدير.

    4) أن فلسطين أرض عربية (البند الأول من الميثاق)، وهذا الحق العربي بأرض فلسطين لا يسقط بتقادم الزمن، ولو لم يبقَ فلسطيني واحد حياً. وقد احتلها الفرنجة قرنين، ولم يغير ذلك من حق الأمة فيها شيئاً.

    5) لو افترضنا جدلاً حق اليهود وغيرهم كأفراد، وليس كقومية مزعومة، بالهجرة لفلسطين، كما في ظل الحكم الإسلامي عبر العصور مثلاً، فإن ذلك يخضع للقرار السيادي المحلي، وليس للقرار الدولي، كما في أي حالة هجرة حول العالم. فما بالك بهم إذا ظلموا وقتلوا وهدموا؟!


    5 – حول الموقف من اليهود خارج فلسطين

    يتمتع اليهود خارج فلسطين بصفتين متلازمتين تغطي إحداهما جيداً على الأخرى، أما الصفة الأولى فهي أنهم أقلية في المجتمعات التي يعيشون فيها، بما يحمله تعبير أقلية، خاصة في الغرب، من إمكانية التعرض للاضطهاد أو التهميش أو التمييز ضدهم من قبل الأغلبية، أما الصفة الثانية، فهي أنهم يتمتعون بوضع اجتماعي-اقتصادي متميز على الشعوب التي يعيشون بينها، خاصة في البلدان الغربية من الولايات المتحدة إلى أستراليا، وأن وجودهم المكثف - بنسب تفوق بأضعاف نسبتهم بين السكان - في المفاصل الأساسية للمجتمعات الغربية، ونفوذهم المستشري في قطاع المضاربة المالية والبنوك إلى قطاع مؤسسات صنع القرار السياسي إلى وسائل الإعلام والثقافة والترفيه كهوليوود مثلاً، تجعل الحديث عنهم كأقلية مضطهدة مجرد استخفاف بعقول الناس...

    واليهود ليسوا قومية، كما نعلم، بل ديانة تسرب منها كثيرٌ من أبنائها عبر الزمن، وليسوا عرقاً أو سلالة، بل أخلاطاً عرقية ورثت منظومة من القيم الثقافية الناتجة عن دورهم التاريخي كجماعة وظيفية مارست التجارة والحرف في المدن والربا وجمع الضرائب لمصلحة الإقطاعيين، بدلاً من الزراعة والجندية والخدمة العامة. وقد كرس حاخاماتهم انفصالهم عن الشعوب التي عاشوا بينها حرصاً على عدم ضياع نفوذهم على عامة اليهود، فنشأت في مستنقعات هذه الغيتوات اليهودية، ومن ثنايا دورها الاجتماعي-الاقتصادي الطفيلي في أوروبا خاصة، عقلية التقوقع والانعزال، عقلية العداء للمحيط والخوف منه في آنٍ معاً، وضرورة استغلاله والتلاعب به والسيطرة عليه وتفكيكه من أجل الحياة، وبالتلازم، ضرورة القضاء المسبق على أية انتفاضات شعبية كانت تستهدف عامة اليهود في أوروبا في الأزمات بسبب دورهم الربوي الكريه وكوسطاء للسادة الإقطاعيين، وكجماعة طفيلية لا يتناسب نفوذها السياسي والاقتصادي أبداً مع حجمها العددي في المجتمع.

    وكان من الطبيعي أن تنشأ، على قاعدة هذا الدور وهذه العقلية، شبكة من العلاقات ما فوق القومية بين الغيتوات اليهودية المنتشرة عبر القارة الأوروبية وعبر المحيطات كانت تعزز الدور السياسي والتجاري لليهود، وتجعلهم في آنٍ معاً موضع حسدٍ كبيرٍ من التجار الأغيار المحليين، وفاقدين للهوية الوطنية وللانتماء القومي للبلدان التي ولدوا وعاشوا وعملوا فيها. فاليهودي ينتمي للشبكة العالمية لليهودية قبل أي شيء أخر، لا بل أن مصطلح Cosmopolitan ، أو كوزموبوليتيكي، بمعنى "مدني عالمي"، فاقد للهوية والانتماء الوطني، كثيراً ما كان يقصد به اليهود في أوروبا دون غيرهم، وكذلك كان يستخدم في أوروبا الشرقية، خاصة في روسيا وبولونيا في بداية القرن العشرين.

    ومن هنا، ارتبطت اليهودية كمنظومة ثقافية، حتى بشكلها العلماني غير المتدين، بالحديث عن "الإنسان"، مقابل الحديث عن الأمة أو الوطن، وبجهد فكري دائب لتحقير الثقافات القومية ورموزها، وبالشبكات والجمعيات السرية الممتدة عبر الحدود، وبالمؤامرات الدولية، والأهم، بمنهج افتراس غير اليهود بالمكر والخديعة، و"الذكاء" المتجرد من أي ضابط أخلاقي، تماماً كذكاء الخفاش المنكب على دماء وريد الخيل في عتمة الليل.

    وقد وصف كارل ماركس اليهودية (وليس الصهيونية)، في كراسه "حول المسألة اليهودية"، بأن اليهودية تصبح عقيدة النظام الرأسمالي برمته في مرحلته العليا، مرحلة تفككه وانحلاله، ولا يهم هنا أن يكون كثيرٌ من المنتمين إلى هذه المنظومة الثقافية اليهودية من غير المتدنيين، إذ "لا يجب أن نبحث عن سر اليهودي في دينه، بل فلنبحث عن سر الدين في اليهودي الواقعي... ما هو الأساس العملي لليهودية؟ المصلحة العملية والمنفعة الشخصية..."، ويضيف الكراس بعدها: "المال هو إله إسرائيل المطماع... هذا هو الإله الحقيقي لليهود... وقومية اليهودي الوهمية هي قومية التاجر، قومية رجل المال". وقد اقتطفت من كراس ماركس من أجل العلمانيين واليساريين الذين لم يتخلصوا بعد من عقدة التعاطف المرضي مع اليهود!

    نحن إزاء عقلية ذئبية إذن، أو إزاء حقيقة الخفاش مصاص دماء البشر بالأحرى، أي إزاء الثقافة اليهودية، وهي نفس الثقافة التي تنتج عنصرين أساسيين أخرين من توجهات اليهود السياسية، بغض النظر عن مدى تدينهم، وهما: 1) فكرة "أرض الميعاد"، أي احتلال فلسطين كوطن قومي لليهود، و2) فكرة "شعب الله المختار"، أي التعالي على غير اليهود وافتراسهم، أي العنصرية.

    والمقصود أننا لا يمكن أن نتعامل مع قضية فلسطين كاحتلال موضعي فحسب. فقد كنا نواجه منذ البداية شبكة دولية، شبكة متغلغلة في نسيج القرار الدولي، ولا نواجه احتلالاً مثل احتلال فرنسا للجزائر مثلاً كي يقول بعضنا ما معناه أن كل فرنسي لا يحتل الجزائر ليس عدواً، أو كل أمريكي لا يحتل العراق ليست لنا مشكلة معه!!!

    مع اليهود، كنا نواجه منذ البداية ثقافة ذئبية "كوزموبوليتية" تعاني منها شعوبٌ عدة، لا نحن فحسب، وكنا نواجه منذ البداية مشروعاً كونياً وحركة عالمية، كنا نواجه اليهودية العالمية كمؤسسة دولية، وكثقافة باتت جزءاً من ثقافة وبنية المؤسسة الحاكمة في الدول الإمبريالية.

    والمعنى ببساطة أن كل يهودي خارج فلسطين لم يتساقط خارج المنظومة الثقافية اليهودية الآنفة الذكر، تلك المنظومة الكوزموبوليتية، هو عدوٌ ليس لنا فحسب، بل لكل شعوب الأرض.

    وكما أشرت في كتابات أخرى، ليس صدفةً أن يتم تبني "المحرقة" رسمياً من قبل الأمم المتحدة، كعقيدة يمنع نقاشها تحت طائلة العقاب، وكعقيدة تجعل اليهود أكثر أقلية مضطهدة في تاريخ البشرية، في الوقت الذي: 1) تكرست فيه العولمة كتيار يسعى إلى إضعاف وتفكيك السيادة الوطنية والثقافة القومية للشعوب، 2) تكرست فيه ضمن النظام الإمبريالي هيمنة القطاعات غير المنتجة في الاقتصاد، القطاعات الربوية والمالية، على القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية والتجارية. أي مع ازدياد تغلغل اليهود ودورهم في النخب الحاكمة في "النظام الدولي الجديد" الذي لا يقوم عليهم وحدهم طبعاً.
    والطريف الآن طبعاً أن تجد الجماعات الفلسطينية في الغرب اليوم تحرص أشد الحرص على جعل اليهود في مقدمة قياداتها لكي تضع البرامج وتحدد السقف السياسي "للتضامن مع القضية"، ولكي تنفي عنهم تهمة "معاداة السامية"، ولكي تعوضهم عن عقد النقص إزاء اليهود...

    ****
    نعم ناقشنا ذلك قبل ذلك وشرحت لك إختلافي وهو مع كل أحترامى لازال كما هو ولا يفسد للود قضية,وهو نقطة إختلاف واحدة بجوار 99 نقطة إتفاق. وردى هو على الجديد الذى وصلني ولا أوافق على بعضة بعد إذن سيادتكم مع خالص تقديري. سعيد
    *******
    هذا كلام فى معظمة صحيح , وأن كانت وجهة نظر
    الدكتور المسيرى وكتابات روجية جارودي( مرفق أحد كتب جارودي الذى لا بد أن الكاتب يعرفه جيدا) فى رأى غير المتخصص أكثر دقة. وبغض النظر عن كتابات الآخرين أعتقد أن مقالة سعادة الدكتور علوش لا تعطى فئة معينة حقها( أيا كان حجمها) وهى فئة اليهود الذين يعيشون خارج الكيان الصهيوني وهم ضد الصهيونية وضد الكيان الصهيوني ويؤيدون المقاومة الفلسطينية التي ترفض هذا الكيان المنحط وتسعى إلى تحرير كامل التراب الفلسطيني( حماس وحلفائها) مع خالص تحياتي
    سعيد صلاح النشائي
    تحية وبعد
    سبق أن تحاورنا عن اليهود وخاصة ناطوري كارتا، التي ترفض الكيان والصهيونية، وقد ذكرت لك آخر تصريح لأحد حاخامتهم المُتوفى حديثا، بأن(الرب كتب على بني اسرائيل الشتات والدولة محرمة عليهم)، وأعيد، هل اتباع دين سماوي او وضعي يحق لهم تأسيس دولة؟)، مع التأكيد كحقيقة تاريخية وليست وجهة نظر، أن بني اسرائيل قبائل بدائية انقرضت غيرها من البائدة، وأن يهود الغرب المحتلين لأرض فلسطين، لا ينتمون بأي حال لتلك القبائل، انما ينتمون الى يهود الخزر، ومنهم يهود الدولمة في تركيا وغيرها.دعمهم ومساندتهم لحماس لفظي وليس عملي، بمعنى لم نسمع أي منهم تصدى واشتبك مع الاحتلال،اللهم بالدعاء والصلاة.اعتقد أن الدكتور علوش المتخصص ، وأي كاتب يقف على حقائق جوهرية، ولا يوجد مقال أو بحث او دراسة كاملة، انما توجد نصوص متكاملة، حول علاقة الصهيونية باليهودية، ودور "اليهود التقدميون" وغيرهم من المحبين (للسلام)لا يرفضون ابدا وجود الكيان على أرض فلسطين، ومنهم ناعومي ونومان، انما يدعون للتعايش
    معكل المودة والتقدير
    إذا كنتَ ذا رأي، فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

  4. #4

    رد: جماعة الناطوري كارتا أو نواطير المدينة /مهم

    شعارات في تظاهرة للجماعة ترجمتها ( كل فلسطين تحت السيادة الفلسطينية )
    و اخرى ( دولة اسرائيل هي بدعة و هرطقة - قتل و سرقة )
    ------------------

    اخي العزيز

    جريح فلسطين

    تقديري لهذا الموضوع الهام

    ودمت سالما منعما وغانما مكرما

المواضيع المتشابهه

  1. منشر غسيل جماعة الواتس اب
    بواسطة ريم بدر الدين في المنتدى استراحة الفرسان
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-12-2015, 12:20 PM
  2. بيان صادر عن حركة ناطوري كارتا - القدس
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى ركن اللغة العبريه
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-30-2010, 04:05 PM
  3. الاجهزة الأمنية بالشرقية تتقصى عن جماعة الـ"إيمو" بعد إحباط احتفالهم
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان القانوني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-04-2010, 02:41 AM
  4. الثلاثاء القادم: جماعة السرد بالرياض تفتتح نشاطها بقراءات
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-04-2007, 08:32 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •