مصطفى إنشاصي
لقد أضفى ظهور الثورة الصناعية في أوروبا على وطننا أهمية ثانية إلى جانب أهمية موقعه الاستراتيجي، بأن أصبح مصدر للمواد الخام، وسوقاً تجارية لتصريف منتجات الغرب الصناعية. ومع ظهور النفط في بداية القرن العشرين في بعض مناطق وطننا ازدادت أهمية وطننا في المخططات الغربية، وأشتد التنافس بين الدول الغربية للسيطرة على مناطق النفوذ الحيوية فيه. كما أن التطور التكنولوجي والصناعي الخطير الذي حدث في الغرب في النصف الثاني من القرن العشرين، فرض على الدول الصناعية البحث عن مصادر للطاقة رخيصة التكلفة وقليلة الأضرار، ولما كان النفط والغاز الطبيعي أرخص هذه المصادر، ووطننا يعتبر مخزون العالم الاستراتيجي منهما، كان لا بد أن يحتل أهمية استراتيجية وحيوية في السياسات الدولية والمخططات الغربية.


وقد أصبح البترول الآن يدخل في كثير من عادات الإنسان وسلوكياته اليومية، فنحن نحيا الآن عصر البترول الذي تغلغلت استخداماته في حياتنا، من مأكل وملبس ومسكن ورعاية صحية ووسائل مواصلات، بل وتغير البيئة من حولنا. حيث تستخدم المشتقات البترولية في إنتاج الأسمدة اللازمة للأراضي الزراعية المنتجة لغذاء الإنسان، كما تستخدم البتروكيماويات في إنتاج الآليات الصناعية وبدائل القطن وفي صناعة البلاستيك، كذلك فإن المنتجات البترولية تستخدم في الدواء وكوقود للسيارات والطائرات والسفن، وفي إنتاج المنظفات الصناعية ورصف الطرق وغيرها من التطبيقات الأخرى التي لا نستطيع الاستغناء عنها .


وقد جاء في التقرير الاستراتيجي لوزارة الدفاع الأمريكية 1995عن حجم احتياطي النفط من المنطقة: "ومع وجود النفط في شمال أفريقيا وأماكن أخرى من الشرق الأوسط ترتفع نسبة هذا الاحتياطي في الشرق الأوسط إلى 70% من الاحتياطي العالمي. وفي السعودية وحدها يزيد احتياطي النفط فيها عشرات المرات عن النفط الموجود في الولايات المتحدة. وتوفر منظمة الأوبيك 80 % من الطلب العالمي على النفط ومعظمه من الخليج" . لذلك سيظل للولايات المتحدة في وطننا "مصالح أمنية قومية لأن العالم سيبقى معتمداً على نفط الخليج (الفارسي) في أوائل القرن الحادي والعشرين أكثر من اعتماده اليوم" .


هذا بالإضافة إلى نسبة الأرباح الهائلة التي تحققها الشركات البترولية من استثماراتها في وطننا مقارنة باستثماراتها في مناطق أخرى. فقد ذكرت مجلة "لايف" الأمريكية عددها "12" بتاريخ تشرين الثاني/نوفمبر عام 1956: أن بترول (الشرق الأوسط) الخام هو أرخص بترول في العالم. إذ بلغت أرباح البترول لشركة أرامكو عام 1955 (500 مليون دولار). أما صحيفة "الجويش كرونيكل" اليهودية الأمريكية، فقد كتبت تقول: إن احتكارات البترول تحصل من توظيف الأموال في الولايات المتحدة على ربح من رأس المال الموظف يصل في أمريكا الجنوبية إلى 25%، وفي (الشرق الأوسط) إلى 75% من رأس المال الموظف .


ومما يزيد من أهمية وطننا في السياسات الغربية أيضاً، أنه قوة اقتصادية كبيرة، وسوق تجارية ضخمة نسبياً، فهو يضم حوالي 380 مليون نسمة، "الوطن العربي وقبرص وفلسطين (إسرائيل) وتركيا وإيران، ويشكل العرب 66 بالمائة من مجموع سكان (الشرق الأوسط)، وتمتد مساحته الكلية إلى 15,4 مليون كيلو متر مربع تمثل الأرض العربية 84 % منها" .


وبحكم أن المنطقة العربية هي قلب وطننا العربي والإسلامي ومحور السياسات الإستراتيجية للدول الكبرى، وأن حجم القوة البشرية القادرة على العمل فيه بصفة عامة، وخاصة دول الطوق المعنية بالدرجة الأولى بالمشروع الأمريكي لتماسها المباشر مع العدو الصهيوني المراد دمجه في نسيج وطننا، وإنهاء حالة العداء بينه وبين هذه الدول. ندرك كم هو حجم الفائدة التي سيجنيها أعـداء الأمة من وطننا في حال نجاحهم في تحقيق مشروعهم (الشرق الأوسط)، وذلك لعظم القوة الاقتصادية (الأيدي العاملة الرخيصة والقوة الشرائية والأمـــوال المحلية المستثمرة وخاصة دول البترول. والمساحة الجغرافية الواسعة في حال هجرات أوروبية).


تلك المزايا التي حباها الله لوطننا هي التي جعلت المخطط الاستراتيجي الأمريكي يؤكد على أهمية السيطرة الأمريكية على وطننا، وضرورة ذلك للحفاظ على حرية الملاحة البحرية لناقلات البترول، بالإضافة إلى خطوط النقل الجوي الرئيسية في المنطقة، وأن سيطرة أمريكا على المنطقة سيزيد من أهمية القدرة التجارية الأمريكية وإظهار قوتها من العالم. في اعتبر التقرير الاستراتيجي الأمريكي الصادر عام 1995 أن "أي محاولة لاعتراض حركة مرور السفن الحربية الأمريكية في المنطقة وقت الحرب قد يتطلب من الولايات المتحدة استخدام القوة لإبقاء خطوط الاتصال الحيوية هذه مفتوحة". ونصبت من نفسها حامية بالقوة والإكراه للملاحة العالمية في بحارنا، "ما دامت الولايات المتحدة بلداً بحرياً تجارياً ذا مصالح عالمية، سيكون لها مصلحة في حماية حرية الملاحة والوصول إلى الأسواق الإقليمية" .