-
باحث في علم الاجتماع
الغرب والإسلام (93) من الوعد المشئوم إلى قرار التقسيم ضاعت فلسطين!
مصطفى إنشاصي
قلنا لمعرفة حقيقة موقف الرؤوساء الأمريكيين وثباته من كيان العدو الصهيوني يحتاج من المثقف معرفة الخلفية الدينية التوراتية التي صاحبت ظروف نشأة الكيان الأمريكي، بتجرد وبعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية والتأثيرات الثقافية الغربية ليدرك أنه لا يأتِ استجابة للضغوط الصهيونية على الرؤوساء الأمريكيين كما يصوروه لنا، لكنه قائم على أسس دينية وخرافات نهاية العالم الدينية، التي يؤمن بها أتباع المذهب البروتستانتي ذي الأصول الدينية التوراتية.
ويتجلى ذلك في موقف الرئيس الأمريكي وودرو ولسون ودعمه لإصدر وعد بلفور، ففي الوقت الذي يعترف فيه معظم الباحثين، بأن عدد اليهود الصهاينة الذين كانوا في أمريكا آنذاك كان قليلاً جداً، ولم يكن هناك لوبي يهودي أو صهيوني فاعل، ولم يكن للصوت اليهودي وزن في الانتخابات الأمريكية ليرجح فوز هذا المرشح أو ذاك، ولم تكن الصهيونية مرغوبة عند اليهود الأمريكيين، وأن التيار الإصلاحي اليهودي هو الذي كان منتشراً وسط يهود أمريكا.
أضف إلى ذلك أن النفوذ الصهيوني في دوائر الإدارة الأمريكية كان يكاد لا يذكر، وإن كان على علاقة الرئيس ولسون بصديقه القاضي اليهودي لويس برانديز، والأرجح أنه لم يكن صهيونياً، فإن تأثيره لم يكن ليجعل ولسون يؤيد الصهيونية، خاصة وأن ولسون كان له أصدقاء مقربين أكثر من برانديز يجاهرون بعدائهم للصهيونية. ومع ذلك وافق على وعد بلفور!
أضف إلى ذلك أنه لم يكن لأمريكا في ذلك الوقت مصالح اقتصادية في المنطقة تريد من الكيان الصهيوني أن يحافظ لها عليها مستقبلاً. أما في الوقت الحاضر فإن مصلحة الولايات المتحدة المفترض أنها مع العرب والمسلمين، ومن الحكمة ألا تكسب عداءهم ضدها، خاصة وهم لا يعارضون سياساتها ولا نهبها لثرواتهم، ومع ذلك تجاهر بمعاداتنا!
حقيقة الرئيس الأمريكي وودرو ولسون التوراتية
لقد جاءت موافقة ولسون منسجمة جاءت منسجمة مع الثقافة والموروث الشعبي الديني البروتستانتي الأمريكي المستقر في الشعور واللاشعور الأمريكي، ومع خلفيته الدينية التي كثيراً ما عبر عنها بقوله: "ربيب بيت القسيس ينبغي أن يكون قادراً على المساعدة في إعادة الأرض المقدسة لأهلها". وهذا ما يفسر أصرار ولسون الشخصي على تأييد إصدار بريطانيا لوعد بلفور، ويرسل لبريطانيا موافقته الشخصية وليس موافقة رسمية من الإدارة الأمريكية. وهذا ما دفعه للتأكيد عدة مرات للزعماء الصهاينة أنه باستطاعتهم الاعتماد على تأييده الشخصي. ليس هذا فحسب بل وأصر على "الخارجية البريطانية كي تصدر وعد بلفور، قبل شهر من الموعد المحدد لصدوره كشرط لدخول أمريكا الحرب إلى جانب الحلفاء!
اشتهر وودرو ولسون بأنه صاحب المبادئ الأربعة عشر لحقوق الإنسان، التي أعلنها في الكونجرس الأمريكي في كانون الثاني/يناير 1918م، حيث رفض فيها حق الحصول على المكاسب الإقليمية وأدان عقد الاتفاقات السرية، وأعلن في البند الخامس مناداته بحق تقرير المصير للشعوب، فقد قررت النقطة الثانية عشر أنه "يجب أن تؤمن الفرصة للأقليات غير التركية في الإمبراطورية العثمانية للتطور الذاتي". وشاع أنه انسحب من مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عام كانون الثاني/يناير 1919م، للنظر في نتائج الحرب ووضع هذه الشعوب، لأن بريطانيا وفرنسا رفضتا الموافقة على طلبه بإعطاء هذه الشعوب الاستقلال. مما جعل الجماهير العربية وقياداتها تطلب من الولايات المتحدة أن تكون هي الدولة المنتدبة عليها، بدلاً من بريطانيا وفرنسا، في الوقت الذي فيه الحقيقة غير ذلك!
لكنه كان ولسون يخفي حقيقة وجهه العنصري التوراتي الدموي خلف تلك الشعارات الكاذبة، فهو لم يكتفِ بتعهده الاعتراف بالكيان الصهيوني فور بروزه للوجود، والحفاظ على أمنه عند قيامه، كما نصت على ذلك المذكرة التي قدمها الوفد الأمريكي إلى مؤتمر الصلح في باريس، التي نصت على "الاعتراف بالدولة اليهودية حينما تبرز إلى الوجود"، ولكنه حَمَل ممثل أمريكا إلى المؤتمر اقتراحاً باستثناء فلسطين من أية محاولة لإعطاء العرب الاستقلال!
وفي ذلك الوقت الذي رفض فيه استقبال الأمير فيصل علي رأس وفد عربي في مؤتمر باريس للسلام، ورفض طلب الوفد المصري إلى المؤتمر برئاسة (سعد زغلول) لطرح القضية المصرية، ورفض الاجتماع مع سعد زغلول، فقد سارع بالاعتراف بالحماية البريطانية على مصر، وأيد بريطانيا في تحطيمها للثورة الوطنية في مصر.
الموقف نفسه اتخذه في الفلبين، وأصدر أوامره للقيادة العسكرية الأمريكية بتحطيم الحركة الوطنية الفليبينية، حتى أن القائد الأمريكي الجنرال (سميث)، الذي كلف بتحطيم الحركة الوطنية الفليبينية عام 1920م، أصدر أوامره لقواته قائلاً: "إنني لا أريد أسرى، وأريدكم أن تحرقوا وتقتلوا، وكلما زدتم الحرق والقتل، كلما جابت السرور إلى قلبي"!
تلك هي حقيقة أمريكا كانت ومازالت لم تتغير بل تزداد تطرفا في دعمها للعدو ضد فلسطين ومصالح الأمة
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى