مقال مهم يوضح المعنى الحقيقي للدولة المدنية:
١- يقول الشيخ محمد الغزالي " أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكر وإن ضل لأنه سيعود إلى الحق، لكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكر وإن اهتدى لأنه سيكون كالقشة في مهب الريح ".
٢- الدولة المدنية هي دولة تقوم على أساس التعاقد (المبايعة)، ويكون فيها القانون سائد لكي يضمن العدل والحرية والمساواة، وهي تقوم أيضا على مبدأ المواطنة الذي لا يصنف الناس على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو العقيدة أو الايديولوجية.
٣- للدولة المدنية تصنيفات وتمثلات وتمظهرات كثيرة، أبرزها ما يدعو له الليبراليون الجدد وهي ما يسمى دولة الهامش (دولة الحد الأدنى)، وتعنى بالأساس بما يعرف بشأن العام فقط وتلعب دور هامشي في قضايا الدين والهوية والتعليم والتربية والثقافة وتتركه للمجتمع المدني.
٤- ولكي نفهم موقف الإسلام من الدولة المدنية علينا أولا تعريف وتحديد مفهوم الدولة الدينية (الثيوقراطية).
٥- الدولة الدينية هي الدولة التي يحكم فيها شخص أو أكثر أو مؤسسة معينة ( الكنيسة في العصور الوسطى في أوروبا مثلا ) باسم الله أو بتفويض من الله أو بشرع الله، وتفرض على رعاياها حق الطاعة والتقديس بأمر الله، ولا بد من الإشارة أن الدولة الثيوقراطية لم تعرف في تاريخ المسلمين بكامله.
٦- انطلاقا من التعريف الأول والثاني يمكن القول أن الدولة الاسلامية عبر العصور، دولة أقرب إلى مفهوم الدولة المدنية لكن بمرجعية إسلامية، لأن الشرعية فيها ومصدر السلطات هو البيعة (بيعة الجمهور): أي العقد رضائي بين الطرفين (الحاكم والمحكوم) وليس للحاكم حق التشريع، فالرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان نبيا رسول ليس في غير دائرة ما يوحى اليه، فتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم كإمام (حاكم) غير ملزمة للجمهور (المحكوم)، مثلا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضا ميتة فهي له"، بعض العلماء قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتحدث بصفته رسولا بل بصفته إماما، وهذا ما يزكي طرح أن الدولة الاسلامية هي دولة مدنية وليست دولة دينية، حيث إن اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيوية كلها اجتهادات من غير مصدر الوحي.
٧- كانت شرعية الرسول صلى الله عليه وسلم كحاكم تستند على البيعة كأساس للإمامة، وتعتبر بيعة العقبة الثانية هي ذلك العقد الاجتماعي الذي أعطى للنبي صلى الله عليه وسلم المشروعية كحاكم وقائد سياسي، عكس بيعة العقبة الاولى التي استندت على أساس عقدي (ايديولوجي)، ومن هنا يمكن القول أن بيعة العقبة الثانية كانت بمثابة عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الرسول الحاكم والقائد السياسي والجمهور (الأنصار) أو مواطني دولة المدينة بشكل عام (المهاجرين والأنصار)، وبعد الهجرة سيقوم الرسول صلى الله عليه وسلم (القائد السياسي) بتأطير قانوني (اعلان دستوري) لدولة المدينة بصحيفة المدينة (دستور المدينة)، والتي جاءت لتنظم العلاقة بين الغير (المعارضين: المنافقين واليهود) والمبايعين (الجمهور من المهاجرين والأنصار) والنظام السياسي الحالي (الإمام صلى الله عليه وسلم) ويضمن لهم حقوقهم الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
٨- ختاما الدولة التي نريد هي دولة العدالة الممزوجة بقيمة الحرية والكرامة، وهذا ما عبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله "بأن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروا: أن الله ينصر الدولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة، وإن كانت مؤمنة"، ومن هنا يمكن القول أن الأمر الأساسي الذي يتعلق بمعنى قوة الدولة يكون في عدلها، وهذا ما سيجعلنا نتجاوز التصنيفات التي تخندق الدولة بكونها دولة دينية أو مدنية أو إسلامية أو علمانية، فوصف الدولة بأنها عادلة أو ظالمة هو مناط شرعيتها ومركز قوتها وفاعليتها.
منقول