منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    Thumbs up مملكة الصمت قصة قصيرة


    مملكةُ الصمت


    قصة قصيرة

    ليس أهلها فقراء إلى هذا الحد ! ومع ذلك تركوها دون شاهدة من حجر تربط إليها غصون الآس ! كأنها عاشت دون اسم ، دون وجه ! ينكرونها ! مَنْ غَرَسَ إذنْ هذه العلبة من المعدن في الطين الهش لتوضع فيها أزهاراً لم يجرؤْ أحدٌ أحد على وضعها ؟ مَنْ ؟

    زَيَّنَ الأحياءُ المقبرة في صباح العيد بحزم الآس ، وزهر الغريب . حمل بعضهم بزنبق أبيض وأحمر تفتح مبكراً هذه السنة . ثم خرجوا من زيارة الموتى إلى زيارة الأحياء ، إلى الحلوى ، حلوى العيد ، وروائح ِ الطعام وعبق ِ السَّمن.

    تَفرَّجَ الموتى من خلف ستائرهم الشفافة على تلك الزيارات . وراقبوا الحزنَ الجاف ، ولاحظوا غيرة الأحياء من راحة الموتى الذين تركوا الهمَّ لمن بقي في الحياة . وتابعوا حواراً بين الأحياء وبين القبور ، لا يستطيع الموتى أن يجيبوا فيه على كلمة ٍ مما يقال . لو استطاعوا لقالوا لأولئك الأحياء : يومَ كنتم تستمتعون بالسَّمن وتأملون بالعسل لم تغبطونا على الموت! وَلَقالوا : تتمنون عودتنا ، فهل تركتم رقعة بقدر الكف لقدم ، أو تركتم شجرة نستظل بها ؟ ولقالوا : زورتم الحسابات فهل تُقَدِّرون الفوضى التي ستعصف بكم لو تحققت رغبتكم فعدنا إلى الحياة ؟ وَلَقالوا : إياكم أن تغرونا بما تخلصنا منه من عواطف الأحياء ! ويجري كثير من العتاب ، وكثير من الغضب والغمِّ ، ولكن الكلام والصمت كانا موزعين بين جانبين يقول كل منهما لنفسه ما يشاء ويتوهم ما أراد !

    لم يكن الموتى يتجولون في مملكتهم في أيام الأعياد إلا بعد أن ينصرف الزوار ، وتُغْلَق البوابات . وكانوا يبكِّرون جولتهم في المساء في تلك الأيام كي يتأملوا مملكتهم المزينة بالآس والزهر والريحان. ويوزعوا في عدل ما أخطأ في توزيعه الأحياء . فيفكُّون أغصان الآس المكتظة على شاهدة ليحملوا بعضها إلى شاهدة أخرى قَلّ فيها . وينقلونَ الورد إلى قبور الشباب والفقراء ، ويرشونها بالماء.

    هي ، لم تكنْ تعرفُ بعد تلك الواجبات . أحاطَ بها المساءُ فانصرفتْ إلى ما كانت تحبُّه في الحياة . آه ، المساء!

    بعد حرِّ النَّهار ، تفتحُ بابَ القاعة وتخرجُ إلى أرض الدار . تغرف الماء بالسطل من البركة وتسكبه على الحجارة البيضاء والسوداء . فتشعر بهواء ساخن يفور من الأرض . ثم تهبُّ الرطوبة ، ويصبح الهواء منعشاً رخياً . ترفع ذراعيها وتسفحُ الماءَ على النباتات المصفوفة في طرف أرض الدار. ترفعُ ذراعَها وتنثرُ الماء على شجرة الليمون ، على البنفسج في الأحواض ، تفورُ النافورة في وسط البركة ، وتدور هي حولَ نفسها . ماذا تفعلين يا زهرة؟! ؟ هل ذهبَ بعقلك الحرُّ ؟ أم المساءُ والماءُ؟ !

    تسمعُ كلماتِ أمِّها وهي تَرُشُّ الأشجار بالماء في فصل ٍ ربيعي زاهٍ . تغسلُ روحَها من الغبار ! تغسلُ ذراعيها إلى المرفقين بالرذاذ! ترفع رأسها . ازْرَقَّتْ السماء ! انكسر الحرُ فاستعادت الدنيا ألوانها! يا للمساء ! يغسلُ المدينة ويعيدُ إليها الألوان فلماذا أخرجوها من هناك في تلك الساعة المحبوبة في المساء؟!

    تسمعُ أمَّها يا زهرة ، أعطني القهوة! فتحمل الصينية ، ويفوحُ رائحة البن والهيل الذي طحنته قُبَيْل لحظات. وتدخل إلى الزوَّار . نساء على رؤوسهن غطاء بمختلف الأعمار.

    يا زهرةُ أعطني القهوة !

    تحملُ زهرةُ القهوة وتدخلُ إلى الضيوف . زهرةُ تعرفُ أنَّ الزائراتِ يبحثْنَ لابنهن عن كنز ، آملات باكتشاف نادر الوجود.
    تحملُ زهرةُ القهوةُ ، وتدخلُ كي ترضيَ أمَّها.

    لا أدري لماذا أقْدَمَ أخي على ذلك حيث جَرَفَـهُ الجنون؟! أنا سَبَبُ جنونِه ، لماذا كان عصبياً ؟ هل لأنه تَخَرَّجَ ولم يجدْ عَمَلاً ؟! مَرَّتْ سنوات وهو ينتقلُ من عمل لأخر فيفشلُ هنا وهناك.

    كان يحملُني ويدلِّلُني ، ويشتري لي الحلوياتِ والملابس ، ويجلسني في أرجوحة العيد ، ويشتري لي دفاترَ المدرسة ، وبخطِّه يكتبُ اسمي على المربعات البيضاء .

    وَصَلَتْ زهرةُ إلى مملكة الصَّمْتِ قُبَيْل العيد ، وما زالتْ تَحُسُّ بالألم ، وتلمسُ بكفها رقبتها ، وتحسُّ الجرح.

    تتساءلُ زهرةُ مقهورة ًمَنْ غَرَسَ تلك العلبةَ في الطين ؟

    كانت تتجولُ وحيدةً عندما اقتربَ منها شاب ، ارتعشتْ وابتعدتْ عنه لكنه قطعَ طريقها ، فوقفا وجهاً لوجه . فقال : اغفري لي ! فهل تُصْلِحُ المغفرةُ ما أفسده الدَّهْرُ؟ هل يعودُ إليها المساءُ في أرض ِ الدار في آخر نهار حار ، والماءُ يبلل ذراعيها وهي ترشُّ به الأشجار؟

    هل تُداوي المغفرةُ جُرحَها المتوهِّج !
    - آه تنسينَ أنَّني عوقبتُ مثلك !
    - فلتعاقبْ على حمقك ولكنْ ما ذنبي أنا .

    لو عَرَفْتُ جنونَ أخيك لتقدَّمْتُ وطلبتُ يدك دون إبطاء أو تأجيل.

    التفتتْ ما زالَ يتبعُها ماذا يريد ؟ أن يواسيَها ؟ وهل توجدُ في هذه مواساة ؟ لكنها تساءلت فجأة : كيف وَصَلَ إلى هنا ؟ ولماذا يلبسُ ملابسَ مملكةِ الصَّمْتِ البيضاء ؟

    كان في عُمْر ِ أخيها وصاحبه المقرَّب . بلْ أقرب الأصحاب إلى القلب ، وكانا متلازمان دوماً حتى افترقا ومضى كلٌّ منهما إلى غايته.

    أخوها بدأ يبحث عن عمل ، وهذا اشترى سيارة متواضعة وكتب عليها زهرة ، وزينها بالأزهار المختلفة.

    بأي حقٍّ يكتبُ اسمَها على سيارته ؟!

    وَلِمَ جُنَّ أخوها (صاحبه أيام الطفولة ) عندما كَتَبَ اسمَها على سيارته ، وزيَّنها بالأزهار التي أهيمُ بها.

    ماذا يقولُ ؟ أحقاً لم يقصد اسمها ؟ هل تناوله في خِفَّة ٍ ولم يُقَدِّرْ أنه سيسبب قتلها ! هل كان يتصوَّرُ أنَّ صاحبه الذي أمضى معه سنوات ٍ في الحارات والشوارع ، يمكنُ أنْ يقتلَ أختَه كالمتوحش!

    تتذكرُ زهرةُ أنَّ البلدَ كلَّها تحدثت عن شابٍّ ذَبَحَ أختََه في حديقة منزلها ، وسالَ دَمُها متخضِّباً بالزهور لمجرد أنَّ شخصاً كَتَبَ اسمَها على سيارته.

    ترفع كَفَّها ، تلمسُ عنقَها المذبوح . ليس أخي متوحشاً ! الحياة هي المتوحشة ! تلتفتُ إلى الرجل ، أنت أيضاً مذنب ، كَتَبْتَ على السيارة اسمي ، وغطيتها بالأزهار التي أعشقُها.

    مَشَتْ وتبعها صامتاً . وتذكرتْ أنَّهُ في مملكة الصَّمْت مثلها برداء ٍ أبيض ، أنت إذن مَنْ غَرَسَ العلبة في الطين الهش ؟ يوم مقتلِها شَطَبَ بالدِّهان الأسود ما كتبه على سيارته ، وأزالَ الأزهار التي كانتْ تُزَيِّنُ سيارتَه. قَطَفَ كلَّ الأزهار من أماكنها وربطها بشرائط حمراء . وسار إلى المقبرة . إذنْ هو مَنْ غَرَسَ العلبةَ في الطِّين ! هو لم يجد شاهدة من الحجر يربطُ بها الآس ، فتناول علبة وغرسها في الطين الهش!

    قال : كُنْتُ راكعاً فضبطني أخوك ... ولم أجدْ الوقت لأضعَ في العلبة الزهور ! مسحت عينيها وهي تستديرُ عنه : اسكتْ ، اسكتْ..
    -=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=

  2. #2
    احيانا يهمشنا الصمت..
    واحايين كثيرة ترفع من قدرنا...
    ولكن البوح والحزم اكثر نفعا غالبا
    تحيه لقلمك النابض بالخير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    احيانا يكون للصمت ابعاد ابلغ من البوح
    قصه بليغه
    ملدا شويكاني

المواضيع المتشابهه

  1. مملكة ايفات جبرت ( ارتريا )
    بواسطة ظميان غدير في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-05-2017, 04:34 AM
  2. مملكة الخزر اليهودية
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-30-2014, 02:34 PM
  3. مملكة الصمت...........محمد محضار
    بواسطة محمد محضار في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-10-2012, 08:06 AM
  4. مملكة «الإنجيليين»
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-03-2010, 03:32 AM
  5. مملكة أخي
    بواسطة يعقوب القاسمي في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-28-2010, 02:15 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •