جدلية العلاقة بين القومية والدين في التاريخ والتطور الاجتماعي (العروبة والإسلام) نموذجاً (1)مصطفى إنشاصيصنعاء، المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل ( منارات) 8/11/2014 قد يظن أحداً من الإخوة أنني أعيش حالة ترف فكري ولا أشعر أو أعلم ما يدور حولي، أو يندهش كيف لا أكتب عن الواقع الفلسطيني وما يحدث لغزة وأهلها وأنا طوال عمري لا حديث لي ولا كتابة إلا عن فلسطين وواقعها، غير مبالي برضا أو غضب أحد؟! ليس ترفاً ولا هروباً وخشية من أي اتهامات اعتدنا عليها عقود من عمرنا وفي كل المراحل، لكن الحقيقة أن الحقيقة ضائعة، والواقع مظلم وما هو قادم الله أعلم به، ولا أحسن الكتابة التحليلية والتوقعات السياسية، ومن طبعي أن أصمت وقت الحرب وأكتب عندما ينقشع غبارها وتتضح كثير من أمورها!والحقيقة الجلية لدي، وما يمكن أن أقدم به للحلقات الجديدة (ورقة شاركت بها أوراق طرحت لمناقشة ورقة رئيسة، واستمرت كل يوم ثلاثاء لعدة أسابيع) تعقيباً على رأي أحد الأعضاء في النزعة القومية العربية؛ وله علاقة بالواقع وما يجري في غزة:أنه كلما ضاقت دائرة التعصب كلما ازداد التطرف والعداء بين مكونات المجتمع وبين الأمم، ولا مخرج للعالم الذي يعاني كل أنواع الأزمات بسبب عقائد الاستعلاء المتنوعة محلياً وإقليمياً وعالمياً، وضيق الأفق الحزبي وصراعات الأحزاب والمذاهب والطوائف، وحشر فلسطين في كل ذلك، إلا بالانفتاح على رحابة الإسلام وسعته، قال رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: يا أيُّها الناسُ، ألَا إنَّ ربَّكم عزَّ وجلَّ واحدٌ، ألَا وإنَّ أباكُمْ واحدٌ .. لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ ..الإسلام رحب يتسع كل القوميات والأعراقفكرت في تقديم ورقة كدراسة تحليلية ونقدية لجدلية العلاقة بين القومية والدين في التاريخ والتطور الاجتماعي (العروبة والإسلام) نموذجاً؛ أجمع فيها بين ظروف نشأة القوميات الأوروبية الحديثة والمخططات الغربية لضرب القومية بالإسلام لتفتيت وتمزيق هوية الأمة ووحدتها للهيمنة على مقدراتنا ونهبها. لكن بعد اطلاعي على الورقة الرئيسة التي قدمها البروفيسور (حمود) وكنت أتوقع أن أجد فيها إعادة قراءة وتقييم للتجربة القومية العربية ولكني وجدتها إعادة طرح للفكرة دون أي تحليل أو نقد لتجربة عمرها أكثر من مئة عام، ووجدتها مجموعة من الأحكام التقريرية التي تُعبر عن وجهة نظر سياسية/أيديولوجية وليست دراسة منهجية تأصيلية. وتلك هي منهجية الهويات الأيديولوجية التي تطرح نفسها بوصفها الحقيقة المطلقة، الثابتة، والقاطعة ...لذلك أبدأ بطرح نفس السؤال الذي طرحه الأستاذ الدكتور (أحمد) الأسبوع الماضي: لماذا اليوم؟!نعم لماذا اليوم يأتِ هذا الطرح في وقت تجاوز فيه القوميون العرب ذلك المفهوم الخاطئ بعد مراجعات بدأت منذ ثمانينات القرن الماضي؟! ويتم طرح الموضوع بهذا الشكل في وقت بدأ فيه بعض القوميين مراجعة وتقويم لتجربتهم، وبعضهم أصبح يعترف بالإسلام أنه المكون الثقافي للقومية العربية، وبعضهم يعترف أن الإسلام هو الذي جعل من العرب أمة، وأن العلاقة بين الاثنين علاقة عضوية، ويرفض مقولة: أن الإسلام هو الدين القومي للعرب وتراثه. وبعضهم بدؤوا يعترفوا بخطأ إفراغ القومية العربية من هويتها الإسلامية وتبنيها مفهوم القومية الغربية بمحتوى فكري علماني اشتراكي وليبرالي!لذلك سأحاول تقديم قراءتي التحليلية والنقدية من خلال مناقشة أهم ما جاء في الورقة لضيق الوقت لأن مناقشتها كاملة يحتاج لوقت أطول من المتاح في هذه الأمسية. ولنبدأ الحديث عن مقومات القومية العربية التي غالباً تأثرت بمفهوم القومية الألمانية والفاشية الإيطالية، وقد ذكرني ذلك الطرح بما كتبته في الحلقة الأولى عن "الدولة الإسلامية والمدنية"، فقد كتبت:مع احترامي لجميع الآراء القومية والوطنية المخلصة إلا أن الموقف السلبي للقوميين من الإسلام سببه إسقاطهم التجربة الغربية مع الدين على الإسلام، إضافة إلى أنها نسخة طبق الأصل لمفهوم القومية الغربية العلمانية دون إجراء أي رتوش عليها تأخذ في الاعتبار الفارق بين خصوصية التجربة الغربية والتجربة الإسلامية!فبعض منظري القومية العربية وأقصد هنا القوميون الذين يعترفون بالإسلام مقوم ثقافي للقومية العربية؛ يزعم أن برامج الإسلاميين تخلو من أي محتوى ثقافي عروبي، ويعيد علينا أن الإسلام والعروبة صنوان وأنهما مترادفان، وأن اللغة العربية هي وعاء الإسلام ومادته ومحتواه ... وغيرها! وكان الأولى بهم مراجعة منهجهم الانتقائي، لأن الثقافة الإسلامية هي نتاج ممارسة المسلمين للإسلام عقيدة وشريعة، وخطأهم أنهم فهموا الإسلام على الطريقة الغربية فقبلوا به محتوى ثقافي ورفضوه تشريع ونظام حكم ومنهج حياة!كما أنهم يحتجون بحديث الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وسلم بأن العروبة ليست جنسية ولكنها ثقافة ويعتبرون كل مَنْ كانت ثقافته عربية فهو عربي، ويأخذون على العربي المسلم تقديمه انتماءه الإسلامي على انتماءه القومي! وكان عليهم أن يتذكروا أن العقيدة الإسلامية وليس القومية العربية؛ هي التي صهرت كل مكونات الأمة على اختلاف انتماءاتها العرقية والدينية في كيان سياسي ثقافي حضاري واحد، تحقيقاً وتجسيداً لمعنى التعارف والشراكة والتنوع في القرآن الكريم، وهي التي جعلت معيار التفضيل في الإسلام التقوى وليس العرق، وأن نظرتهم العنصرية العرقية الاستعلائية ليست نتاج الثقافة الإسلامية لكنها نتاج التغريب والثقافة الغربية!... يُتبع