التأصيل التوراتي للإرهاب: الأحكام الشرعية للإرهاب في التوراة (7)
مصطفى إنشاصي
رابعاً: قتــل الأطفــال:
لم ترتبط عقيدة وممارسة الإبادة وقتل الأطفال بأي دين أو فكر أو عقيدة كما ارتبطت بالفكر التوراتي، فقد وجدت هذه العقيدة تطبيقاتها في الحقب السابقة التي كان فيها لليهود وجود مؤثر وفاعل، أو حتى غير مؤثر، وقد ارتبطت قضية قتل الأطفال عند اليهود في التاريخ بقصة الولائم وفطير صهيون. وقد عادت للبروز مع بدايات إنشاء الكيان اليهودي في فلسطين، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا بأشكال متعددة، وتحت ذرائع وتبريرات أوهى من خيوط العنكبوت، وقد شاهد وسمع العالم أجمع في ثورة الأقصى/انتفاضة الأقصى بمئات الأطفال الفلسطينيين الذين تم قتلهم بدم بارد دون ذنب. وقتل الأطفال والبراءة الإنسانية عقيدة عند اليهود.
فقد جاءت أوامر القتل في التوراة في أكثر من موضع، مرتبطة بشكل مباشر بأوامر الإبادة الجماعية، وإن حَمل نزعة أكثر إجرامية بحكم أنهم أطفال لا ذنب لهم: (وأجعل الرجل أعز من الذهب الإبريز، والإنسان أعز من ذهب أوفير، لذلك أزلزل السماوات وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود وفي يوم حمو غضبه، ويكونون كظبي طريد وغنم بلا من يجمعها، يلتفت كل واحد إلى شعبه ويهربون كل واحد إلى أرضه، كل من وجد يطعن وكل من انحاش يسقط بالسيف، وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم، ها أنذا أهيج عليهم الماديين الذين لا يعتدون بالفضة ولا يسرون بالذهب، فتحطم القسي الفتيان ولا يرحمون ثمرة البطن، ولا تشفق عيونهم على الأولاد). (إشعيا: 12/13-18).
وفي السفر نفسه (21:14-23) يأمر الرب بقتل الأطفال أخذا بذنب آبائهم، فيقول: (هيئوا لبنيه قتلا بإثم آبائهم فلا يقوموا ولا يرثوا الأرض ولا يملئوا وجه العالم مدنا، فأقوم عليهم قول رب الجنود واَقطع من بابل اسما وبقية ونسلا وذرية يقول الرب، واجعلها ميراثا للقنفذ وآجام مياه واكنسها بمكنسة الهلاك يقول رب الجنود).
كما أنه هناك أمر صريح وواضح بقتل الأطفال وكل امرأة متزوجة: (فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلا بمضاجعة ذكر اقتلوها). (العدد: 17/31). ويتكرر الأمر لكن بشكل أكثر وحشية ودموية (فالآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا وغنما وجملا وحمارا). (صموئيل الأول: 15/3). وجاء في (المزمور 137): (اذكر يا رب لبني أدوم يوم أورشليم القائلين هِدوا، هِدوا حتى إلى أساسها، يا بنت بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا، طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة) (صموئيل الأول: 15/3.

خامساً: أحكام السُخرة والطرد:
فأوامر الرب توصي بالطرد التدريجي لسكان فلسطين: (غير أن الرب إلهكم سيطرد تلك الأمم من أمامكم تدريجياً، لئلا تتكاثر عليكم وحوش البريّة إن أسرعتم بالقضاء عليهم دفعة واحدة. إن الرب إلهكم يسلمهم إليكم موقعاً بهم الاضطراب العظيم حتى ينقرضوا). (التثنية: 7/22، 23) وفي سفر آخر يقول: (وأبعث الزنابير أمامك، فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من قدامك. إنما لن أطردهم في سنة واحدة لئلا تقفر الأرض فتتكاثر عليك وحوش البرية، بل أطردهم تدريجيا من أمامكم ريثما تنمون وترثون البلاد). (الخروج: 23/28ـ-30).
وإن كان تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية الحديثة قد كان من ضمن أحكامه التي وضعها لأصحاب الأرض الأصليين بعد أن يقوموا بأعمال السخرة وتنفيذ ما يعجز اليهود عن القيام به من أعمل، هو حكم الإبادة الجماعية في التوراة، بأن يجمعهم في مكان واحد ويقتلهم بإلقاء القنابل المميتة وسطهم.

سادساً: الاندماج والتطبيع الثقافي:
أما حكم الاندماج والتطبيع الثقافي ومخالطة الأمم الأخرى من غير اليهود بعد تحقيق ما يسمى السلام، وما يمكن أن يحدث بين اليهود والشعوب الأخرى من تبادل ثقافي، وما يمكن أن ينقله اليهود عن الشعوب الأخرى من عادات وتقاليد وسلوك وغير ذلك مما يحدث بين الشعوب في حال إقامة علاقات طبيعية فيما بينها، فقد جاء تحذير ووعيد من الرب لـ(شعبه المختار) من الاندماج والتطبيع الثقافي مع الشعوب الأخرى، وفي حال حدوث ذلك يذكرهم الرب أنه هو الذي منحهم القوة والثروة فأن مصيرهم الهلاك لا محالة: (أما إن نسيتم الرب إلهكم، وغويتم وراء آلهة أخرى وعبدتموها وسجدتم لها، فإنني أشهد عليكم أنكم لا محالة هالكون) (التثنية:8/19).
والسبب الذي يجعل الرب يشدد في تهديده لهم والتخلي عنهم في حال حدوث ذلك، راجع إلى حرصه على (شعبه المقدس) من خطر الاندماج الانقراض: (ولكن إذا ارتددتم والتصقتم ببقية هذه الأمم الماكثين معكم، وصاهرتموهم واختلطتم بهم وهم بكم. فاعلموا يقيناً أن الرب لا يعود يطرد تلك الأمم من أمامكم، فيصبحوا لكم شركاً وفخاً وسوطاً ينهال على ظهوركم، وشوكاً في أعناقكم حتى تنقرضوا من الأرض الصالحة التي وهبها لكم الرب إلهكم). (يشوع: 23/12،13).
أما حكم من يدعو إلى ذلك من اليهود فهو القتل: (وإذا أضلك سراً أخوك ابن أمك، أو ابنك أو ابنتك، أو زوجتك المحبوبة، أو صديقك الحميم قائلاً: "لنذهب ونعبد آلهة أخرى غريبة عنك وعن أبائك من آلهة الشعوب الأخرى المحيطة بك أو البعيدة عنك من أقصى الأرض إلى أقصاها"، فلا تستجب له ولا تصغ إليه، ولا يشفق قلبك عليه، ولا تترأف به، ولا تتستر عليه بل حتماً تقتله، كن أنت أول قاتليه ثم يعقبك بقية الشعب، ارجمه بالحجارة حتى يموت) (التثنية: 13/6-10).
ولمعرفة ما فعله أنبياء توراتهم بعد العودة من السبي البابلي بمن اختلط بالشعوب الكنعانية آنذاك يراجع سفر (عزرا) و(نحميا). أما في القرن الماضي فاعلم أن المذابح النازية "كذبة الهولوكوست" ضد اليهود كانت باتفاق بين قادة الحركة اليهودية وهتلر، ومورست ضد اليهود الألمان من الرافضين لفكرة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، والداعين لاندماج اليهود في المجتمع الألماني، وكانت في الغالب ضد العجزة والمرضى وكبار السن، الذين لا يرجى منهم نفعا.

سابعاً: الويل لمن يرفض أوامره:
أما في حال عدم تنفيذ الشعب المقدس لأوامر الرب بالقتل والحرق والتدمير والإبادة الجماعية، فالويل له من الرب، لأنه ينتظره عقاب قاسي جداً، فما كان سيفعله الرب في الجوييم غير اليهود من قتل وإبسال فإنه سيفعله بهم: (عندئذ أنزل بكم ما أنا مزمع أن أنزله بهم). وفي سفر الثنية يتوعدهم: (كالأمم التي يبيدها الرب من أمامكم هكذا أنتم أيضاً تبيدون، لأنكم لم تطيعوا أمر الرب إلهكم). (التثنية: 8/20).
ومن يستطيع الرفض وتوراتهم تتوعدهم بالقتل لكل من يعصي أو يرفض تنفيذ حكم الحاخام: (ومن يرفض متمرداً تنفيذ حكم الكاهن الماثل هناك لخدمة الرب إلهكم، أو القاضي، فإنه يقتل. وبذلك يستأصل الشر من إسرائيل. فيشيع الخير بين جميع الشعب فيخافون ولا يتمردون بعد). (التثنية:17/12).