*روى الرحالة الشهير ابن بطوطة في "رحلته" قصة عجيبة عَدّها من مفاخر اهل دمشق، قال:*
"مررت يوماً ببعض أزقّة دمشق فرأيت مملوكاً صغيراً سقطت من يده صَحْفة من الفخّار الصيني (وهم يسمونها الصَّحْن) فتكسرت. واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم: اجمَعْ شُقَفَها واحملها لصاحب "أوقاف الأواني"... فجمعها، وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن! وهذا من أحسن الأعمال، فإن سيد الغلام قد يضربه على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضاً ينكسر قلبه لأجل ذلك، فكان هذا الوقف جبراً للقلوب، جزى الله خيراً مَن تَسامَتْ هِمّته في الخير إليه".
ثم تحدث عن أوقاف دمشق بإعجاب وانبهار، قال: "والأوقاف بدمشق لا تُحصَر أنواعها ومصارفها لكثرتها..
- فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج..
- ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن، وهن اللواتي لا قدرةَ لأهلهنّ على تجهيزهنّ..
- ومنها أوقاف لفكاك الأسارى..
- ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يُعطَون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم..
- ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها، لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبَيه يمرّ عليهما المترجّلون ويمرّ الركبان بين ذلك..
- ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير".
وروى ابن جُبَير في "رحلته":
أن في دمشق وقفاً للأيتام يُصرف ريعه لرعايتهم وتعليمهم وتزويجهم، قال: "وهذا من أغرب ما يحدَّث به من مفاخر هذه البلاد".
وفي كتاب "من روائع حضارتنا":
أخبار عن أوقاف دمشقية بلغت درجة من الرفاهية لم تعرفها البلدان الغربية المتقدمة إلا في العصور الأخيرة، فقد كان فيها وقف للقطط تأكل فيه وتنام، وكان المرج الأخضر (الأرض التي صارت موقعاً لمعرض دمشق الدولي منذ سنة 1954) وقفاً للحيوانات والخيول المسنّة العاجزة التي تركها أصحابها لعدم الانتفاع بها، فكانت تُترَك لترعى في المرج حتى تموت.
وفي "ذكريات" الطنطاوي :
أن الدمشقيين أنشؤوا وقفاً للكلاب الشاردة المريضة يداويها ويؤويها، كان في حيّ العمارة، ويسمّونه "محكمة الكلاب". وغير ذلك من أعاجيب الأوقاف التي استغرقت كل ما يخطر بالبال من رعاية للإنسان والحيوان.
تنويه: ابن بطوطة عاش في القرن الرابع عشر ميلادي والثامن الهجري ودخل دمشق عام ٧٢٦ هـ ١٣٢٦م تقريباً.