-
دراسة عن باولو دالوليلو
أشكر العزيز رياض درار لاهتمامه ومتابعته لهذه الدراسة القيمة التي أعدها الكاتب الفريد عبد الناصر العايد عن باولو دالوليلو وأدعوكم لقراءتها....
.
باولو دالوليلو راهب كاثوليكي يسوعي عاش في سوريا نحو أربعين عاماُ، ولا نجانب الحقيقة إن قلنا إنه سوري قلموني قحطاني سرياني! من أصول إيطالية.
بعد رسمه كاهناً أواخر السبعينات توجه إلى دمشق وبيروت لدراسة اللغة العربية والإسلام، وكان بالغ الحماس للمشاريع الكبيرة، ومع أنه راهب سالك إلا أنه كان في الواقع ثورة على النظام البطريركي الكئيب، ومع أن رسالة كرسالته لن تثمر إلا إذا كانت في عين الحدث في عاصمة كروما أو القاهرة ولكن الرجل اختار مبنراً عجيباً في قلب الصحراء السورية 20 كم خلف النبك حيث وصل في رأس جبل أقرع الى دير مهجور للراهب مار موسى الحبشي، وهناك بدأ مشروعه الهائل وسماه مجتمع الخليل!! وتحول الدير المهجور في الجبل الصحراوي السحيق إلى خلية خلاقة تتفجر بالحيوية، وقاد فيه حوارات مدهشة بين المسيحيين والمسلمين والعرب والسريان والحكومة والمعارضة، شاركتٌ فيها شخصياً خمس مرات، واستطاع أن يجلب إلى ديره الصحراوي عيون المجتمع السوري واللبناني، ونواباً ووزراء أوروبيين، وبات الدير مضافة للوافدين على سوريا من بناة الحسور بين الشرق والغرب.
ولكن الدور الأكثر دهشاً لباولو دالوليلو كانت مع انطلاق المظاهرات في سوريا، فقد أدرك الرجل مكانه تماماً في هذه الثورة، وتحرك كفيلق كامل يكفر بالسلاح ويؤمن بالإنسان وكان من أكثر الناشطين السوريين شجاعة واتساع أفق، ولم يتردد في زيارة مقار النظام الأمنية والعسكرية وهي المراكز التي كانت تعتبره جاسوساً دولياً خطيراً، ومقار الكنائس الموالية التي اعتبرته هرطوقاً مارقاً، ومقار المعارضة بمختلف تلوناتها وفصائلها والتي كانت تعتبره أيضاً مبشراً لاهوتياً ماكراً، وكان يحمل رسالة واحدة هي الحرية ووقف الحرب، وحين زارني في مكتبي بالمزة مطلع عام 2012 كان مطارداً من قبل الجهات الأمنية ينتقل من بيت لبيت، ولكنه لم يتوقف أبداً عن إطلاق رسالته ولا يوجد في تاريخ الشجعان رجل استطاع أن يعبر هذه الحواجز كلها بين الفصائل المتقاتلة المتحاربة، وهو مطلوب حياً أو ميتاً لخمسين جهة، يرتدي الثياب نفسها على جسده العملاق الكلابية القلمونية والحزام اليسوعي والطاقية السلفية والبوط الرياضي، حتى انتهى به المطاف أن قرر الذهاب إلى داعش في مقرها في الرقة وهناك كانت نهاية رجل شجاع.!!!
في القلمون كما في دمشق كما في حلب لن تلتقي بناشط ثوري أو مسؤول حكومي أو كاهن مسيحي أو فقيه إسلامي إلا قال لك لقد التقيت بباولو دالوليلو، والمئات سيقولون لقد زرناه في الدير وشاركنا فعالياته، وقد ترك على داخل دهشة، وفي كل مكان بصمة، ولكل وجهة هو موليها.
سيذكر هذا الرجل الشجاع في التاريخ رائداً في إخاء الأديان وفي كرامة الإنسان، رجل قرر العمل والحياة والموت في ظل رسالته، واندفع مؤمناً بالإنسان في هذه الهياكل البشرية المتناقضة التي كانت تشارك في المأساة السورية الرهيبة، ولم يفقد الأمل حتى بالعقل الداعشي المتوحش المدجج بفتاوى الموت والذي أعلن انه جاءكم بالذبح، وظل مؤمناً بالإنسان داخل كل داعشي!! وأواخر تموز 2013 مشى هذا الرجل الهائل على قدميه إلى دار داعش في الرقة مدينة البارود والنار المتفجرة في أوج عنفوانها ليقدم لهم رسالته كفقيه إسلامي وكاهن مسيحي وثائر جيفاري....... ولكنه كان يتحدث إلى آذان بلا مسامع وجسوم بلا قلوب،.. وكانت آخر كلمة سمعتها منه الحياة قبل أن ينهال عليه أزيز الرصاص: اتقوا الله .. !!!
<iframe src="https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fria ddrar%2Fposts%2Fpfbid0fLAuHksS1MTpVLY2oKWnruVALx5w YLh2vVECxtF8mudSfEe7FPnWMggRW7pt8Xuol&show_text=tr ue&width=500" width="500" height="371" style="border:none;overflow:hidden" scrolling="no" frameborder="0" allowfullscreen="true" allow="autoplay; clipboard-write; encrypted-media; picture-in-picture; web-share"></iframe>
-
باحث في علم الاجتماع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى