منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6

العرض المتطور

  1. #1

    إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية

    إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية
    مصطفى إنشاصي
    في الوقت الذي لم يغفل فيه اليهود لحظة عن فلسطين، والقدس، و... غفل عنهما علمانيي وطني الذين تصدروا للتأريخ للحركة الصهيونية والكتابة عنها كلٌ حسب الفكر العلماني الذي يحمله، وهم يؤصلون لنا لأبعاد الصراع ويترجمون لنا أقوالهم ومؤلفاتهم وخططهم، ويحللون لنا سياساتهم وأفعالهم! لم يدركوا أن محور الدين اليهودي كله يتمركز ويتمحور حول فلسطين كـ(أرض قومية لديانة قومية)، وحول القدس والمسجد الأقصى رمزاً ومقراً لمسيحهم الدجال آخر الزمان وإعلاناً لـ(لسيادة اليهودية العالمية)، وأن كل الجهود السابقة على الحركة الصهيونية الحديثة طوال القرون الماضية كانت تركز على استمرار العلاقة بين اليهودي و(الشعب اليهودي) بفلسطين وحلم العودة لها، وإنهاء حالة الشتات المزعوم التي يعيشها اليهود، وفي الوقت نفسه يعملون هدمهم واختراقهم لمجتمعات (الجوييم) ليهيئوا اللحظة التي يسخرونهم فيها عبيداً لمشروعهم اليهودي، ولا يعني ذلك أن الغرب ليس له مشروعه أيضاً ضد أمتنا ووظننا! ولم يدرك علمانيي وطني أن الديانة اليهودية ديانة وثنية وأحد الأديان البشرية الوضعية، وأنها تعطي مساحات واسعة ليعتنق اليهودي أي أيديولوجيا فكرية ويسخرها لخدمة غايات (الشعب اليهودي) التوراتية. ولم يدركوا أن العلاقة في الديانة اليهودية الوضعية ليست بين الله واليهودي كفرد، أي علاقة فردية كما في الديانات الأخرى، ولكنها علاقة بين الله و(شعبه المختار) الشعب اليهودي! لذلك لم جهلوا كيف يمكن أين يكون الدين اليهودي جنسية لأي يهودي في العالم وليس مجرد دين مثل بقية الأديان لأتباعها! وللآن لم يستوعبوا ويفهموا أن الدين اليهودي ليس مجرد عقيدة دينية فقط، وأن اليهودي في أي بلد مواطن مثله مثل بقية المواطنين فيه، يحمل جنسيته العرقية وولائه له! ولكنه اليهودية لليهودي جنسية، وأن اليهودي في أي مكان في العالم ليس يهودي ديناً وابن البلد الذي يعيش فيه عرقاً ودماً وجنسية، ولكنه يهودي ديناً وعرقاً ودماً وجنسية أولاً وآخراً! ذلك الخلل بدأ منذ حوالي قرنين من الزمن منذ انبهار أولئك الطلبة الذين أُرسلوا للدراسة في الغرب بمظاهر الحضارة الغربية وتقدمه الصناعي وهزموا نفسياً، ووقعوا في الخلط الخاطئ بين تجربة الغرب مع الكنيسة وبين الإسلام دون أن يلاحظوا الاختلاف بينهما، وأن لكل دين خصوصيته ولكل مجتمع تاريخه، وأن الإسلام لم يُقِم دولة دينية بالمفهوم الغربي، وأنه من الخطأ اسقاط تجربة العلماء في الغرب وأزمتهم مع ما يسمونه (الكتاب المقدس) ومع الحكم الديني (الكنيسة) على ديننا وتاريخنا وواقعنا الاجتماعي! وقد عمق ذلك الخلل الأنظمة العلمانية التي حكمت وطننا منذ محمد عليّ إلى اليوم، بما سببته من تخلف ونكبات للأمة بسبب محاولاتهم المستميتة نقل وتطبيق التجربة الغربية وإسقاط كل أزماتها الدينية والفكرية علينا؛ ومازالوا! لذلك فإن أزمة الثقافة وغياب الحريات العامة والخاصة لدينا راجعة إلى المنهج الجبري الديكتاتوري المستبد الذي بدأ بمشروع محمد علي لإقامة الدولة القومية الحديثة برعاية غربية وانتهي بهيمنة الإرهاب الفكري وغياب المثقف الحر، ومصادرة الحريات وحق التعبير عن الرأي أو القبول بالرأي الآخر! نعم لقد كان محمد علي يحمل عقلية دموية قبلية غاية في الرجعية والتخلف، ومشروعاً تآمرياً انفصالياً لا مشروعاً تجديديأً تحديثياً وحدوياً كما يزعمون، لقد كان مشروعاً ديكتاتورياً استبدادياً فردياً لإقامة دولة أو مملكة له ولأبنائه من بعده، بل إنه طمع في كرسي الخلافة لنفسه ومزق الأمة في حرب لنحو عقدين من الزمن فتحت باب التدخل الغربي في وطننا وسرّعت احتلاله لكثير من أجزائه! ونحن منذ عهد محمد علي باشا الذي يعتبره أنصار العلمانية والحداثة رائد النهضة والدولة العربية الحديثة في وطننا الذي يحكمنا هم حملة الأفكار العلمانية ودعاة التبعية للغرب وليس الخلفاء ولا العلماء المسلمين! كما أن الدول القطرية التي أنشأها الغرب (أنظمة التجزئة، سايكس - بيكو) سارت على نفس نهج أستاذها ورائدها محمد علي في الوصول إلى السلطة والحفاظ عليها. فلقد وصل محمد علي باشا إلى السلطة وكرسي الحكم على نهر من الدماء (مذبحة القلعة)! لقد استفرد محمد علي باشا في الحكم من خلال الغدر والخديعة والتخلص من كل حلفائه وأنصاره الذين أتوا به إلى كرسي الحكم وعلى رأسهم محمد كريم! لقد ثَبَّت محمد علي حكمه وحكم أحفاده من خلال تحويل مصر أرضاً وشعباً إلى عبيد لخدمته وخدمة حكمه! لقد استمر حكمه وحكم أبنائه وأحفاده لأنه أسس جيش عصري وحديث بعقلية غربية تمدناً ونفسية ذليلة ومستعبدة للحفاظ على حكمه وليس على أمن ومصلحة مصر! لأنه سخّر كل ثروات مصر الزراعية والصناعية واقتصادها لخدمة ذلك الجيش الذي يحميه ويحمي أسرته! أليست الأنظمة التي نعاني من استبدادها وظلمها تسير على نفس النهج؟! وأن محاولات توريث البعض الرئاسة لأحد أبنائه من بعده كانت إحدى أهم الأسباب التي أدت لما حدث؟! أولئك المفكرين والمثقفين المزعومين، العبيد للحاكم المستبد، ولثقافتهم وعقليتهم الغربية، نقلوا لنا الرؤية اليهودية الغربية التي أرادوا توصيلها لنا عن أبعاد الصراع معهما، وعلى الرغم من فشلها السافر وما جلبته لنا من تخلف وهزائم ونكبات وأزمات في كل المجالات وأعادت المحتل الغربي لوطننا، وهيأت أنظمة سايكس – بيكو لمزيد من التشطير والتمزيق، التغريب وإقامة كيانات فسيسفائية ديكتاتورية عنصرية على نهج محمد علي تابعة للغرب، مازال تلامذتهم يحاولون تثبيت نفس المنهجية بإعادة إنتاج واجترار نفس الكتابات عن الصراع،لنسخ لصق، وإعادة إنتاج ما سبق كتابته. إنهم مازالوا يأبوا إدراك معنى تحذير الله تعالى لآدم من الشيطان وعداوته له ولذريته وأمره له ولذريته أن يتخذوه عدواً، قال تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه:117). وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} (فاطر:6). وبتحذير الله تعالى للمؤمنين من الشيطان وعداوته لهم وربطه بتحذيرهم من عداوة اليهود لهم، واعتبارهم الأشد عداوة في قوله تعالى {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ} (المائدة:82)، لو أدركوا ذلك وفهموه لأدركوا أن اليهود هم أعوان الشيطان في عداوته لبني آدم وخاصة من يمثلون قيم الخير منهم وهم المسلمون. ولو أنهم وعووا معنى قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة:64)، لَمَا قالوا أن الصهيونية نشأت في الفكر النصراني الغربي، أو أنها عميلة أو أداة أو صنيعة في يد الغرب وما إلى ذلك، ولأدركوا أن اليهود هم الذين يشعلون الحروب في كل مكان، وهم الذين يحركون الغرب - وليس هو الذي يحركهم - ويستغلون جهله وتخلفه وإيمانه الغبي بحرفية نصوص ما يسمونه العهد القديم (التوراة)، في الوقت الذي فيه إله التوراة (يهوه) ليس إله النصارى ولا إله أي شعب من شعوب العالم غير اليهود، ويعتبر الشعوب كلها من غير اليهود ليسوا بشراً ولا من بني الإنسان، وأن أرواحهم شيطانية شريرة وحيوانية، ويسمونهم (الجوييم) أي قردة وسعدين خلقوا على شكل الإنسان ليليقوا بخدمة سيد الكون اليهودي حتى لا تنزع نفسه من أِشكالهم لو بقوا على هيئتهم الحيوانية! أَضف إلى ذلك أنهم لو كلفوا خاطرهم وبذلوا جهداً بحثياً مستقلاً وعميق لتقديم الأدلة التاريخية والدينية والفكرية بمنهجية قرآنية لأدركوا أن القراءة بمنهجية علمانية غربية هي قراءة انتقائية وأنها نصف الحقيقة، فهم يذكرون المعلومة أو الحدث الخاص بالغرب الصليبي الذي ظاهره استغلاله لليهود من أجل تحقيق أهدافه ويخفون المعلومة التي تكمل حقيقية المشهد، وتكشف زيف قراءاتهم، وتثبت أن اليهود هم الذين بادروا سراً أو علناً إلى دفع الغرب لتبني هذا الموقف أو ذاك تجاههم أو تجاه غيرهم. لو وعوا رؤية القرآن للصراع لفهموا أن الحركة الصهيونية هي حركة دينية يهودية بغض النظر عن ظاهرها العلماني وتحالفها مع الغرب. ولو فهموا اليهودية المحرفة وعقائدها لما فرقوا بين يهودي علماني ومتدين وأدركوا أن اليهودية بعد تحريفها تحولت الى دين علماني بشري وثني من أحط الوثنيات البشرية. والأمر نفسه ينطبق على النصارى الذين أخبرنا الله أنهم هم واليهود لم يتوقفوا عن قتالنا كمسلمين حتى يردونا عن ديننا. كما أنهم لو فهموا اليهودية المحرفة لأدركوا أنها ليست دين بالمعنى الحقيقي لكلمة دين. وأنهم لو أفرغوها من مضامينها وعقائدها الرئيسية التي تقوم عليها وهي عقيدة الاله الخاص لهم من دون البشر واختياره لهم شعبه المختار واختيار فلسطين أرضاً موعودة لهم لإقامة دولتهم آخر الزمان فيها وإعادة بناء الهيكل ووضع العرش كرمز لسيادتهم العالمية على كل البشر وغيرها من عقائد الصهيونية الفاسدة فانه لم يعد هناك شيء اسمه ديانة يهودية. ولو لم يكن هناك يهود يؤمنون بتلك العقائد والعودة بالقوة وعدم انتظار مبعث مسيحهم ليعيدهم الى فلسطين سلمياً لما نجحت الحركة الصهيونية في اقامة كيانها في فلسطيننا. "إن الذي جعل اليهود يهوداً هي ثقافة عقائدية معينة، وتجربة تاريخية صاغت قيمهم وأثرت بقوة في طريقة نظرهم للعالم".

  2. #2
    علوم سياسية، محاضر جامعي الصورة الرمزية عبد الستار قاسم
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    257
    لفتت نظري جملتك الأخيرة أخي مصطفى، فهل هناك فجوة بين عقيدتنا وعقيدتهم؟ فكيف نجحوا لنفهم اللعبة مثلا؟.
    تحيتي

  3. #3
    إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية (الحلقة الثالثة)
    مصطفى أنشاصينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    في الحقيقة المقالة الأولى كُتبت رداً على سلسلة مقالات يعيد فيها صاحبها النسخ واللصق، دون مراجعة وتقييم وتقويم لِما تم إنتاجه منذ أكثر من قرن مضى نقلاً عن كتاب غربيين يهود أو نصارى شكلوا لنا مساقاتنا الدراسية والبحثية ومنهجية تفكيرنا كما أرادوها، لم يسلم منها إلا ما رحم ربي! ولكن بعد استفسارات واعتراض البعض على بعض المصطلحات والآراء التي تخالف الشائع والمتعارف عليه بناء على الرؤية العلمانية، كان لا بد من إعادة نشر بعضاً مما سبق نشره متفرقاً مع إضافات جديدة، ولكن هذه المرة في مساق علمي بمنهجية قرآنية تصحح الانحراف لدى الآخرين!
    في الحلقة الثانية حاولت تصحيح الفهم الخاطئ لمصطلح (الأديان السماوي الثلاثة)! وأوضحت أن المنزل من عند الله تعالى هو دين واحد فقط، هو الإسلام، وأن ما سبق الرسالة المحمدية الخاتمة المكملة للدين هي رسائل أو شرائع وليست أديان! وفي هذه الحلقة سأحاول تصحيح خطأ الكتبة العلمانيين بأن التوراة والأناجيل كتب منزلة وموحى بها من لدن الله تعالى، لذلك هم ينسخون ويلصقون منها بلا حرج تناقضات وأخطاء كبيرة لا تليق في حق الله تعالى عن ما ينسخوه ويلصقوه علواً كبيرا، وعن أنبيائه عليهم السلام الذين ننزهم عن ما اتهموا به!

    أولاً: كتابي (العهد القديم) و(العهد الجديد، الأناجيل) محرفة!
    قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) {البقرة: 79}.
    جاء في "دائرة معارف لاروس" أن: "موسى ولد 1571، وتوفى 1451 ق.م. وقد أسس مدنية وديناً" ولا نملك الكتاب الحقيقي لشريعته، فقد نسبت إليه التوراة أو الكتب الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، ولكن هذه التوراة حاملة لآثار لا نزاع فيها من الحواشي والتنقيحات، ومن علاقات أخرى تدل على أنها ألفت بعد الزمان الذي مات فيه موسى بعهد طويل".
    ويؤكد علماء الآثار التوراتيين وعلى رأسهم الأب ديفو المهتم بإنقاذ "تاريخية" التوراة: بأنه "لا وجود في أي مكان لأية إشارة صريحة إلى (الآباء العبريين أو إلى إقامتهم في مصر أو خروجهم منها .. ولا إلى احتلال أرض كنعان؛ ومن المشكوك فيه أن تُكتشف نصوص جديدة تنقض ما ذهبنا إليه". يؤكد عالم الآثار (أُلبرايت) المنحاز للمأثورات الإسرائيلية: "إن كتاب العهد القديم ليس إلا محموعة شرائع مجزأة تمشي على النسق نفسه الذي نراه في شريعة حمورابي. والقوانين الحثية في القرن الرابع عشر ق. م والقوانين الآشورية في القرن الثاني عشر بكل صيغها ترجع إلى التشريع السومري في الألف الثالث ق. م. وكتاب العهد القديم ليس إلا صورة من مجموعة تشريعات قديمة فيها شيء من التعميم كي تعبر عن الظروف المحلية في أرض كنعان والتي ربما انتقلت إلى أيدي الإسرائليين في مرحلة حكم القضاة؛ وهي بصيغتها تلك لا يمكن أن ترجع إلى ما قبل القرن الرابع ق.م. لكن هذه الصيغة المستعارة من القرن التاسع ق.م لا تختلف أبداً عن النموذج الأقدم بعدة قرون لأن هناك كلمات عديدة قديمة لها ما يماثلها في بلاد ما بين النهرين سواء من حيث مدلولها أو من حيث صيغتها الصرفية. إن قوانين الأوامر والنوهي أصيلة متفردة، أما القوانين الوعظية التي تخاطب الضمير فمشتركة في كل بلاد آسيا الغربية".
    أما (ليوتاكسل) يقول: "أما كاتب التوراة، فقد كان فريسة الجهل التام بشؤون الفلك، ولكن هذا لا يعفي يهوه من مسؤولياته، كان عليه أن يعرف كل شيء عندما كتبت التوراة. لا ريب أنه لو قدر لمؤلف الهراء التوراتي أن يعود إلى الحياة اليوم، لصعق لدى قراءته أي كتاب شعبي في علم الفلك، أو زياراته لأي مركز فلكي"! ويؤكد موريس بوكاي نقلاً عن (أو. لوريتز): لقد ذكر الكاتب بأن مجمع الفاتيكان الثاني (1962 – 1965): "امتنع عن تقديم القواعد التي يمكن التفريق بها بين الخطأ والصواب في التوراة. وأن اعتبارات أساسية تُظهر أن هذا غير ممكن، لأن الكنيسة لا تستطيع أن تقرر صحة أو بطلان الطرائق العلمية فتحل مبدئياً وبشكل عام مشكلة الحقيقة في الكتب المقدسة" . ويعلق على النص السابق بالقول: إن ذكر كل هذه المواقف من الكتاب المسيحيين تجاه الأخطاء العلمية في نصوص التوراة، يوضح جيداً الاستياء الذي يجليه، واستحالة تحديد موقف منطقي غير الاعتراف بمصدرها البشري، واستحالة قبولها على أنها جزء من الوحي.
    ويضيف (ليوتاكسل): يؤكد الشارحون دون استثناء أنه في التوراة اليهودية أي الأسفار التي كُتبت بعد السبي البابلي، بعد مضي أكثر من ألف عام على التاريخ الذي ينسب إليه وموت موسى "أن أسماء الملائكة اليهودية و(المسيحية) أكادية المنشأ، رافائيل: دواء الله، أورئيل: نار الله، إسرائيل: عشيرة الله، ميخائيل: صورة الله، جبرائيل: رجل الله، أما ملائكة فارس فكانت أسمائهم مختلفة (ماكور، دوبادور، بامان) وما شابه ذلك، ولما كان اليهود عند الأكاديين وليس عند الفرس فقد أخذوا عنهم كلائكتهم وشياطينهم، وقد كان كل شيء يتبدل عند شعب الله المختار تبعاً لتبدل أسياده". ذلك يؤكد أن تسمية هذه الأسماء إيلية وليست يهوية ولو كان اليهود أصحابها لجعلوها يهوية!
    وقد حاول المؤرخ المعروف صاحب موسوعة "قصة الحضارة" (ول ديورانت) إحصاء مصادر الفكر اليهودي فلم يكد يغادر من أسطورة أو فكرة وثنية مما سبق تاريخ دينهم أو عاصره من أساطير بابل أو أساطير الجزيرة العربية، والمصادر السومرية، والقصص الشعبية في مصر والهند والفرس واليونان والتبت، والفكر الفرعوني القديم، والفكر الفارسي، وشريعة حمورابي، إلا ووجد أنها جميعاً كانت منبعاً غزيراً لأسفار العهد القديم. لذلك قرر أن: أسفار العهد القديم جُمِعت لأول مرة في بابل وظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، ويظهر اسم الكاهن (عزرا) مرتبطاً بتدوين التوراة.
    كما يعترف العالم اليهودي سيلفر بأن التوراة الحالية لا تمثل توراة موسى الأصلية في أية ناحية وحتى الوصايا العشر التي يكاد العلماء يجمعون أنها الشيء الوحيد المتبقي من التوراة الأصلية لم تكن في شكلها ومضمونها كتلك التي أتي بها موسى. ويعلن مورتكات صراحة بأن التوراة كتاب أسطوري لا دليل على صحة أساطيره فيقول: "لا يمكن الاعتماد من الناحية العلمية على أساطير التوراة التي برهنت الأبحاث الأثرية على عدم صحة تلك الأساطير التي وردت فيها وتوجد أبحاث تبرهن عكس هذه الأساطير".
    يقول فرويد: "من المؤكد تاريخياً أن النموذج اليهودي تحدد نهائياً كنتيجة لإصلاحات عزرا ونحميا في القرن الخامس قبل الميلاد أي بعد النفي وخلال حكم ملوك فارس الذين كانوا أصدقاء لإسرائيل فطبقا لحسابنا فإن 900 سنة تقريباً مرت منذ ظهور موسى وعن طريق هذه الإصلاحات أخذ الشعب التنظيمات التي تهدف إلى تقديس الشعب المختار مأخذ الجد وطبق الانفصال عن القبائل الأخرى بالقوة بمنع الزواج المختلط وأقر الأسفار الخمسة وهي التجميع الأصلي للشريعة في صورته المحددة ثم إعادة كتابة ما يسمى بالتشريع الكهنوتي ويبدو يقيناً مع ذلك الإصلاح لم يأخذ اتجاهات جديدة ولكنه حقق ببساطة الاقتراحات، وينسب إلى عزرا كتابة التوراة عن طريق إعادة صياغة كتابة التراث".
    ويقطع الدكتور (آرثر روبين) أحد أعضاء الحركة الصهيونية وأستاذ علم الاجتماع في الجامعة العبرية في القدس، بأن التوراة قد بدأت كتابتها أيام السبي البابلي، فيقول: "وبينما كان هؤلاء ـ اليهود ـ يتحرقون في المنفى (السبي البابلي) دون أن يستطيعوا مقاومة. تفتقت عبقرية التآمر لديهم عن فكرتي (الشريعة) و(الوعد) وغايتهما المحافظة على أنفسهم كعرق متمرد متآمر منطوٍ على نفسه، منظم تنظيماً شبه عسكري، وغير قابل للاندماج مع غيرهم"، ويضيف: "إن الأسس التاريخية لهذه العقيدة (اليهودية الأرثوذكسية) قد أعطيت لليهود في تشريعات عزرا ونحميا حوالي 400 ق.م ثم عدلت ونُقحت في القرون التالية في الشريعة غير المكتوبة، أي الشفهية وتلمود بابل".
    ويقرر (غوستاف لوبون) أن اليهود لم ينتقوا الأفضل من الأمم الأخرى بل اقتبسوا الأسوأ والأخس: "فلم يقتبسوا من تلك الأمم العليا سوى أخس ما في حضارتها ولم يقتبسوا سوى عيوبها وعاداتها الضارة ودعارتها وخرافاتها ... وكانوا يضعون أبناءهم في أذرعة محررة من مولك وكانوا يحملون نساءهم على البغاء المقدس في المشارق". ويتتبع سقطات التوراة ودعارات القوم وأخطاءهم ويرى في اليهودية أنها ليست إلا نتاجاً مختلفاً من فكر الأقوام الذين خالطوهم من السومريين والأكاديين والآراميين والبابليين.

    ثانياً: اليهودية ديانة وضعية بشرية ولم تَعُد رسالة سماوية!
    أريد هنا تصحيح الفكرة الشائعة عند المؤرخين وعلماء الآثار وكرستها المنهجية العلمانية بانتقائيتها، القائلة: أن الديانة اليهودية ديانة توحيدية، أن اليهود أخذوا عقيدة التوحيد وفكرة "الإله الواحد" عن (الكنعانيين)!
    فقد بات من المعروف عند المؤرخين وعلماء الآثار عن اليبوسيين أنهم أول الشعوب التي عرفت التوحيد وعبادة الإله الواحد، وكانوا يصفونه باسم "الله العلي"، وقد أشارت التوراة إلى زهد ملك اليبوسيين (ملكي صادق) وتعبده وأنه بارك إبراهيم عليه السلام قائلاً: "لتكن عليك يا إبرام بركة الله العلي، مالك السموات والأرض. وتبارك الله العلي الذي دفع أعدائك إلى يديك" (التكوين 14/20-21). وتلك الفكرة خاطئة، لأن بني إسرائيل الذين دخلوا فلسطين كانوا يعرفون التوحيد وفكرة "الإله الواحد" عن طريق أنبيائهم، وأجدادهم من لدن إبراهيم عليهم جميعاً السلام. والصواب القول:
    أن اليهود بعد إقامتهم في فلسطين لأن نفوسهم مريضة وجبلتهم شريرة، ولأنهم معاندون ومكابرون، وطبعهم الكفر والمعصية، فإنهم عبدوا آلهة (الكنعانيين) وذلك ما أكدته التوراة وكان كثيراً ما يغضب (يهوه) على شعبه لأنه كان يعبد آلهة (الكنعانيين). خاصة وهم قد عبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري بعد أن نجاهم الله من فرعون وقومه مع نبي الله موسى، وهم تتنزل عليهم آيات ومعجزات الله! وقد بقي ذلك ديدن اليهود مع جميع أنبيائهم كما تفصح عن ذلك التوراة.
    كما أن فكرة "الإله الواحد" أو التوحيد التي استعارها اليهود من (الكنعانيين) هي فكرة وثنية، تقوم على توحيد الآلهة في إله واحد. أو تغليب إله على بقية الآلهة. وهذه العقيدة خلاف عقيدة الوحدانية التي دعا لها جميع الأنبياء والرُسل عليهم السلام! وعليه فإن اليهودية دين وعقيدة وثنية، تقوم على الخرافة والأسطورة، وليس ديناً – رسالة - سماوياً بالمعنى المتعارف عليه للكلمة! ويكفي أن نورد النص التالي من التوراة لنتأكد من أن الديانة اليهودية ديانة وثنية، يقول: "فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: (ظ±نْظُرْ! أَنَا جَعَلْتُكَ إِلَهاً لِفِرْعَوْنَ. وَهَارُونُ أَخُوكَ يَكُونُ نَبِيَّكَ)". (سفر الخروج: 7/1). هل مثل هذا القول يصدر عن كتاب سماوي مُنزل من الله تعالى؟! إن كان موسى إله فماذا يكون (يهوه) على ذلك؟! ولكن ذلك ليس غريباً على ديانة وثنية وليست سماوية، تؤمن بتعدد الآلهة وثنائيتها وتكونها من ذكر وأنثى!.
    ويؤكد الكاتب اليهودي (رفائيل بتاي) وثنية ديانته اليهودية: "إن عامة الناس من اليهود وغيرهم مازالوا يتصورون أن الديانة العبرانية الرسمية كانت من مبدأ أمرها ديانة توحيدية بدأت بإبرام الموحد بيهوه، غير أن المتخصصين يعطون ظهور التوحيدية العبرانية تاريخاً لاحقاً لإبرام وزمانه ببضعة قرون إذ يرجعون بدايات التيار التوحيدي حتى إلى زمن أنبياء الأكابر، وبأمانة العالم يتحفظ بتاي فيقول: إنه يجب أن نأخذ في الحسبان أن إرجاع بدايات التيار التوحيدي حتى إلى زمن النبيين الأكابر يجب أن يؤخذ بحذر ويحفظ نظراً إلى ما وجد طريقه إلى الديانة من عقائد باتت جزءً منها في الأزمنة التلمودية، وبالنظر إلى ما انطوت عليه من الإشارات القبالية من تعدد الشخوص في شخص الخالق". ويرى رينيه ديسو أن تعدد الآلهة لا سبيل لإنكاره في الديانة اليهودية: لأن التوحيد الإسرائيلي ليس أصلياً بل هو نهاية تطور طويل المدى ظهرت نتائجه بعد سبي بابل حيث فهم اليهود معنى التوحيد العام.
    ويقول "البروفيسور (إلس روفكن): "أن فكرة التوحيد وتطبيقها لدى اليهود، لم ترتكز على أسس دينية أو روحية بقدر ما ارتكزت على ضرورات سياسية واقتصادية، وذلك على إثر منافسة شديدة بين زعماء اليهود بعد النفي إلى بابل كتب النصر فيها للفريسيين، وهؤلاء كانوا باتفاق جميع المؤرخين، أصحاب الأثر الكبير في صياغة تاريخ وشريعة اليهود". ويكشف أنها عقيدة وثنية تؤمن بتعدد الآلهة، قائلاً: "ظهرت فكرة التوحيد لدى اليهود ورسخت بناء على مقتضيات معينة تاريخها محدد بدقة، وهو تاريخ الكتبة والفريسيين في بابل، أي حوالي العام 400 قبل الميلاد، وهي الفترة التي (ألفوا) فيها الأسفار الخمسة الأولى من التوراة. ومن هؤلاء المشككين من يعتمد على برهان لغوي ظريف، إذ أن أول كلمة كتبت من قبل الفريسيين هي (في البدء خلق الله السموات والأرض)، (تكوين 1:1)، وفي النص العبري (في البدء خلقت الآلهة السماوات والأرض)، وفيما يلي ذلك، وبناء على استنتاج البروفيسور رفكن، اعتمد الكتبة صفة المفرد عوضاً عن الجمع لوصف الإله".
    ويرون العلماء أن "إله اليهود (يهوه) هو تطور طبيعي وبطيء من مرحلة تعدد الآلهة التي مر بها اليهود، شأنهم شأن القبائل البدائية الأخرى، تلك الآلهة التي كان (يهوه) مجرد واحد منها، إلى مرحلة الإله الواحد، وقد يكون نتيجة هذا التطور تلك الحرب الشعواء التي يشنها (يهوه)، من خلال التوراة، على غيره من الآلهة والتي بقيت آثارها عالقة في أذهان اليهود المتعددي الآلهة بالفطرة". كما أن (يهوه) خلال تطوره البطيء كما يقول (هومير سميثنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي قد اتخذ "في فوضى تعدد الأديان، الكثير من خصائص آلهة إسرائيل المتعددة، والصفة المشتركة لأكثر آلهة القبائل القديمة هي الحجر والنار، وتشترك هاتان الصفتان معاً لتشكلا جبلاً بركانياً، وهو رمز القوة الهائلة: "هو ذا اسم الرب (يهوه) يأتي من بعيد غضبه مضطرم والحريق شديد وشفتاه ممتلئتان سخطاً ولسانه كنار آكلة وروحه كسيل طاغ يبلغ إلى العنق فيغربل الأمم من البوار .." (إشعيا 30: 27 ـ 28).
    ويؤكد الأستاذ (أندرسون) أن عقيدة التوحيد اليهودية التي أخذوها عن (الكنعانيين) كانت عقيدة وثنية، فيقول: "إن الوحدانية التي كانوا (الكنعانيون) يدركونها في ذلك الوقت لم تكن وحدانية تفكير ولكنها وحدانية تغليب لرب من الأرباب على سائر الأرباب). يقول الأستاذ (كوجنبرت) بأن: دين العبرانيين (بمعنى اليهود) لا يمكن أن يكون تطور ونما محلياً بل كانت عناصره الجوهرية قد استقيت من آراء متراكمة ومن معتقدات كانت شائعة بين الأقوام (الساميين) في الشرق. وأن هذه الوثائق تبرهن بما لا يتطرق إليه الشك على انعزال الديانة اليهودية عن غيرها في الزمن القديم لم يكن سوى خرافة بحتة. ولما كان الإله إيل إله عبده العرب منذ بداية معرفتهم وقد شملت عبادته من اليمن حتى الأناضول ومن أقصى العراقين حتى قلب أوروبا، فذلك يعني أن اليهود عمدوا إلى أحد آلهة الكنعانيين فعبدوه، وأعطوه الصفات الشريرة التي تتناسب وطبائعهم وميولهم النفسية، وكذلك غذوه باتجاهاتهم السياسية منذ البداية.
    ولم يقف الأمر عند ذلك ولكنهم أدخلوا عليه بعض التغييرات ليتناسب وطبيعتهم الشريرة، والجهل والتخلف الحضاري عن أقرانهم من الشعوب التي عاصروها، كما يقول (ول ديورانت): "يبدو أن اليهود (الفاتحين) لفلسطين عمدوا إلى أحد آلهة كنعان فصاغوه في الصورة التي كانوا هم عليها وجعلوا منه إلهاً صارماً ذا نزعة حربية صعب المراس". ويضيف عن حشر اتجاهاتهم السياسية واتخاذ الدين وسيلة وأداة للسياسة قائلاً: "وصور كاتبو أسفار موسى الخمسة، وهم الذين كانوا يتخذون الدين أداة للسياسة إله الرعب هذا إله للحرب فأصبح (يهوه) في أيديهم القوية إلهاً للجيوش يدعو للفتح و(الاستعمار) يحارب من أجل شعبه بنفس القوة التي كان يحارب بها آلهة الإلياذة".
    والصدمة تأتي على يد البروفيسور اليهودي (إسرائيل شاحاك)، الذي ينفي ما شاع لدى كثير من المؤرخين للديانة اليهودية ونشأتها؛ أن (يهوه) لم يكن له زوجه أو ولد كآلهة (الكنعانيين)، وأنه كثيراً ما كان يغضب على شعبه لأنه كان يعبد آلهة (الكنعانيين) ويشعل لها ناراً، ويبني لها معابد. فقد كتب:
    "أن الديانة اليهودية هي، وكانت دائماً، ديانة توحيد كما يُعرف في الوقت الراهن كثير من العلماء التوراتيين، وكما تُبين أي قراءة متأنية للعهد القديم بسهولة، فإن هذا الرأي اللا تاريخي خاطئ تماماً. هناك في كثير من، إن لم نقل في كل أسفار العهد القديم حضور وسلطة لأرباب آخرين معترف بهم صراحة، لكن يهوه أقوى الأرباب، غيور جداً من منافسيه ويحظر على شعبه عبادتهم. ولا يظهر إلا في نهاية التوراة فقط، لدى بعض الأنبياء المتأخرين، إنكار لوجود جميع الأرباب ما عدا يهوه".
    ويواصل حديثه بالقول: أن ما يعنينا هنا ليس اليهودية التوراتية (أي ما ورد في التوراة) بل اليهودية الكلاسيكية، إن الثانية خلال بضع مئات من سنواتها الأخيرة، كانت بمعظمها بعيدة كل البعد عن التوحيد الخالص. وهذا ينطبق أيضاً على الحقائق المهيمنة في الأرثوذكسية اليهودية في الوقت الراهن، وهي استمرار مباشر لليهودية الكلاسيكية، لقد جاء انحطاط التوحيد من خلال انتشار الصوفية اليهودية (القبالاه) التي ظهرت في القرنين الثاني والثالث عشر. وبحسب اعتقاد القبالاه فإنه {لا يُحكم الكون من جانب إله واحد بل من جانب أرباب عدة ذوي شخصيات وتأثيرات مختلفة تنبثق من علة أولى بعيدة مبهمة. وإذا أقصينا كثير من التفاصيل جانباً، نستطيع تلخيص تلك المنظومة على النحو التالي: هناك أولاً إله يدعى (الحكمة) أو (الأب) ثم إلهة تدعى (المعرفة) أو (الأم) وقد انبثقا أو وِلِدا من العلة الأولى. انبثق عن زواج الاثنين زوج من الآلهة الأصغر: (الابن) يدعى أيضاً بأسماء كثيرة أخرى مثل (الوجه الأصغر) أو (المبارك المقدس)، والابنة تدعي أيضاً (السيدة) أو ("ماترونيت" وهي كلمة مشتقة من اللاتينية) و(شخينة) أو (الملكة) ..إلخ، ثمة ضرورة لتوحيد (الابن) و(الابنة) إلا إن مكائد الشيطان تحول دون ذلك، وهو يمثل في هذه المنظومة شخصية هامة جداً ومستقلة.
    وقد تولت العلة الأولى كي تتيح لهما التوحد، لكنهما أصبحا أكثر بُعداً من السابق بسبب السقوط (أو الهبوط) وتمكن الشيطان، فعلاً، من الاقتراب كثيراً من (الابنة) المقدسة وحتى من اغتصابها (سواء بالرمز أو الواقع. تختلف الآراء) وقد خُلق الشعب اليهودي لسد القطيعة التي أحدثها آدم وحواء، وفي جبل سيناء تحقق هذا الأمر لفترة معينة: و(الابن)، الذي تجسد في موسى، توحد بالابنة (شخينة). ولكن. لسوء الحظ، تسببت خطيئة العجل الذهبي بالانفصال مرة أخرى، لكن توبة الشعب اليهودي رتقت الشَق نوعاً ما. وبنفس القدر، يقترن كل حدث في التاريخ التوراتي اليهودي باتحاد أو انفصال الزوجين السماويين. كان الاجتياح اليهودي لفلسطين (الكنعانية) ويناء الهيكل الأول والثاني ممكناً بسبب اتحادهما فقط .. وكل ما نزل باليهود من بلاءات كان بسبب انفصالهما. وواجب اليهود الأتقياء من خلال صلواتهم وأعمالهم الدينية إعادة الاتحاد السماوي الكامل، في شكل اتحاد جنسي بين الإلهين الذكر والأنثى}.
    ومن ضمن تلك الأعمال الدينية التي يقوم بها الأتقياء اليهود لإعادة الاتحاد السماوي الكامل للإلهين، وله علاقة وثيقة بالصراع العربي ـ الصهيوني وقضايا الحل النهائي، وتشكل جزءً من منظومة المعتقدات الصريحة لعديد من الساسة المتدينين، ولها تأثير غير مباشر على الزعماء الصهاينة في كل الأحزاب الصهيونية، بما فيها اليسار الصهيوني: أن الحرب ضد العرب، وطرد الفلسطينيين، أو حتى إقامة الكثير من المغتصبات اليهودية في الضفة الغربية، والإسراع في إعادة بناء ما يسمونه (الهيكل الثالث)، وغيرها من أعمال عدوانية وإرهابية، تحقق بسرعة إعادة الاتحاد الجنسي بين الإلهين الذكر والأنثى؟! تلك الرؤية القبالية هي نفسها رؤية الاسترجاع النصرانية التي يستدل دعاة أن الصهيونية نشأت في الفكر وأقبية المخابرات الغربية، وليست من الدين اليهودي، في وقت القبالاه نشأت في الأندلس ضد الاندماج اليهودي في المجتمع والحضارة الإسلامية، في القرن العاشر والحادي عشر الميلادي، وأن رؤية الاسترجاع النصرانية، أو ما يسمى المسيحية الصهيونية نشأت مع لوثر في القرن السادس عشر، فلا أعلم متى كان اللاحق أصل للسابق، سيأتي حديث مفصل في حلقة أو حلقات للرد عن تلك القراءة العلمانية الخاطئة!

    التاريخ: 20/6/2019

  4. #4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الستار قاسم مشاهدة المشاركة
    لفتت نظري جملتك الأخيرة أخي مصطفى، فهل هناك فجوة بين عقيدتنا وعقيدتهم؟ فكيف نجحوا لنفهم اللعبة مثلا؟.
    تحيتي
    حياك الله دكتور عبد الستار
    العبارة الأخيرة ليست لي ولكنها لمؤلف كتاب الظاهرة اليهودية ستيفن سيلبيغر وهو من الناجحين ماليا في أمريكا ويتحدث فيه كيف حافظ اليهود على نجاحهم بفضل العلم كجماعة واحدة وحرصهم على العلم وأوله علم دينهم و....

    نحن نعيش في عصر يملك فيه اليهود رغم قلتهم الكثير من النفوذ في هذا العالم.

    مؤلف الكتاب يهودي، يعزو تفوق اليهود إلى سلوكيات وعادات محددة دأبوا على الالتزام بها وتربية أبنائهم عليها. (من التركيز على التعلم، إلى التبرع لقضايا اليهود، إلى المؤسسات الخيرية التي أوجدوها وغيرها...).
    هذه روابط للكتاب يمكنك تحميله والإطلاع عليه
    تحياتي

    http://freedomsham.blogspot.com/2016...menon-pdf.html

    https://drive.google.com/file/d/0B3X...ZtME52YVU/view

  5. #5
    إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية (الحلقة الثانية)

    مصطفى إنشاصيجميل أن تجد مَنْ يبدي رأي وإن اختلف معك، ويسعدني أن أجد مَنْ يختلف معي والحوار معه ملتزماً أدب الحوار والاختلاف، من أجل التوصل لقاسم مشترك يقرب إن لم يجمع، فنحن بحاجة لحوار بناء هادف نتبادل فيه الآراء لنباء فهم مشترك، أو الحفاظ على علاقة ود واحترام تحفظ وحدتنا في حدها الأدني. لذلك توضيحاً لبعض ما ورد في الحلقة الأولى كانت هذه الحلقة “الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام”، وسأتبعها بحلقات أخرى:
    كتابي (العهد القديم) و(العهد الجديد، الأناجيل) محرفة!
    اليهودية ديانة وضعية بشرية ولم تَعُد رسالة سماوية!
    نماذج لخطأ القراءة العلمانية عدم منهجيتها في القراءة والبحث والتحليل:
    اليهود كلهم علمانيين ليس فيهم متدين وعلماني أو ملحد، لا يؤمنون بالقيمة واليوم الآخر!
    اليهودية (ديانة قومية، جنسية) وليست دين كبقية الأديان!
    عقيدة (المسيا اليهودية، الخلاص المسيحاني) عقيدة سياسية وليست صوفية تأملية!
    المذهب البروتستانتي نصراني في ظاهره، توراتي في محتواه وأهدافه!
    عقيدة الاسترجاع: تقديم اللاحق على السابق!
    الكذب والتضليل: حركة مارتن لوثر حركة دينية تخريبية لا إصلاحية!
    وقد نضيف عناوين أخرى بحسب ما يصلني من آراء …
    الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام
    من ضمن الأخطاء التي وقع فيها علمانيي وطني: أنهم حققوا هدف اليهود والنصارى الذي سعوا له منذ أمد طويل لتحقيق اختراق في العقل المسلم، وكسب الشرعية السماوية حتى تمكنهم من غزو عقول المسلمين بعقائدهم وأخلاقياتهم الهدامة بزعم أنها (اليهودية والنصرانية أديان توحيدية سماوية)، ومن أجل التخفيف من حدة الصورة السوداء القاتمة والبشعة عند المسلمين تجاه الغرب اليهودي – النصراني، التي كونتها لديه تلك الجولات التي لم تنتهِ من الصراع والحروب والاحتلالات والفتن والمذابح والمجازر والنهب والاستعباد والإذلال و… التي مارسه ويمارسه الغرب ضد الإسلام والمسلمين، ابتدعوا ما يسمى (حوار الأديان السماوية) على اعتبار أن اليهودية واالنصرانية مازالتا تحتفظ بأصلهما السماوي، وأنها (ديانات توحيدية) كالإسلام، وأن كُتُبها التي بين أيدينا هي وحي مُنَّزل من عند الله، من أجل اختراق العقل والمجتمع المسلم!
    فالهدف من تلك الحوارات هو أن تُكسب تلك الأديان الوضعية صفة السماوية والتوحيدية على الرغم من فقدانها لوحدانيتها وروحانيتها وصفتها السماوية، بعد ما أدخلته عليها يد الإنسان من تحريف وتبديل أبعدها عن أصلها السماوي، وغدت أقرب إلى الوثنية منها إلى التوحيد، وأقرب إلى الأديان الوضعية البشرية منها إلى إلي الأصل السماوي لها. إن الاعتراف باليهودية والنصرانية أنها (ديانات توحيدية وسماوية) على الرغم من وثنيتها، ووضعها على نفس مستوى الدين السماوي الوحيد (الإسلام) يعتبر ذلك اعترافاً من المسلمين بشرعيتها السماوية، في الوقت الذي لا تعترف هي بشرعية الإسلام السماوية، على الرغم من كل الإشارات والنبوءات عن نبي الإسلام وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين التي مازالت موجودة في كتبهم الدينية بعد كل ما جرى عليها من تحريف!
    بمعنى آخر: أننا نمنحها الشرعية السماوية في عقول ونفوس أبنائنا لأننا نؤمن بأصولها السماوية بنص القرآن الكريم، في الوقت الذي حرفها أتباعها حتى أخرجوها عن سماويتها وحولوها إلى دين بشري، وفي المقابل لا يحصل الإسلام على نفس الشرعية السماوية عند اليهود والنصارى لأنهم لا يوجد عندهم أي نص يأمرهم بالإيمان بالإسلام أنه دين سماوي توحيدي مُنَّزل من عند الله! ذلك يعني إضفاء شرعية إلهية على الحضارة الغربية المادية اليهودية – النصرانية، التي ارتدت بالكلية إلى أصولها الوثنية الإغريقية والرومانية بعد الانفصال التام الذي حدث في الغرب بين الكنيسة وحياة الناس بعد انتهاء العصور الوسطى الأوروبية.
    وإننا نرفض الاعتراف بها (أديان توحيدية سماوية) لأن الله تعالى لم يخبرنا بأنه أنزل أديان سماوية متعددة، ولكنه أخبرنا أنه أنزل دين سماوي توحيدي واحد على جميع الأنبياء والرُسُل عليهم جميعاً الصلاة والسلام، على اختلاف أقوامهم وأزمانهم، هو الإسلام. وأن هذا الدين التوحيدي السماوي والوحيد المُنَّزل من عند الله يقوم على أساسين هما: العقيدة والشريعة.
    أما العقيدة فهي واحدة لم تختلف في مضمونها وجوهرها من آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وهي الدعوة إلى وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن كل شريك، والإيمان باليوم الآخر والبعث والنشور والحساب والجنة والنار. فكانكل نبي يدعو قومه للإيمان بهذه الأمور. وكان كل منهم مصدقاً لدعوة من سبقه ومبشراً بدعوة من سيأتي بعده، وهكذا تلاحقت بعثتهم إلى مختلف الأقوام والأمم ليؤكد الجميع حقيقة واحدة أمروا بتبليغها وحمل الناس على الإذعان لها، ألا وهى الدينونة لله عز وجل وحده، وهذا ما بينه الله تعالى بقوله في كتابه الكريم: ï´؟شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِï´¾ }الشورى: 13{.
    بل إنه لا يُتصور أن تختلف دعوات الأنبياء الصادقين في شأن العقيدة، لأن أمور العقيدة من نوع الإخبار، والإخبار عن شيء لا يمكن أن يختلف ما بين مخبر وآخر إذا فرضنا الصدق في خبر كل منهما، فمن غير المعقول أن يبعث أحد الأنبياء ليبلغ الناس أن الله ثالث ثلاثة، سبحانه عما يقولون، ثم يبعث من بعده نبي آخر ليبلغهم أن الله واحد لا شريك له ويكون كل منهما صادقاً فيما بلغ عن الله تعالى. هذا عن العقيدة.
    أماعن التشريع وهو سنّ الأحكام التي يتوخى منها تنظيم حياة المجتمع والفرد، فقد كان يختلف في الكيف والكم ما بين بعثة نبي وآخر صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وسبب ذلك أن التشريع من نوع الإنشاء لا الإخبار،فلا يرد فيه ما أوردناه على اختلاف العقيدة. ثم من المفروض أن يكون للتطور الزمني ولاختلاف الأمم والأقوام أثر في تطور التشريع واختلافه، بسبب أن أصل فكرة التشريع قائم على أساس ما تقتضيه مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم، هذا إلى أن كل بعثة نبي من الأنبياء السابقين كانت خاصة بأمة

  6. #6
    جاري التحميل وشكرا لكما أستاذيّ الكريمين.

المواضيع المتشابهه

  1. إعادة قراءة وكتابة تاريخ الصراع بمنهجية قرآنية (الحلقة الثانية)
    بواسطة مصطفى إنشاصي في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-04-2019, 07:59 AM
  2. قراءة في خريطة الصراع في سوريا
    بواسطة احمد العبدالله في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 11-22-2016, 10:56 AM
  3. إعادة كتابة تاريخ الصراع
    بواسطة مصطفى إنشاصي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-17-2016, 03:53 PM
  4. إعادة قراءة القرآن – جاك بيرك
    بواسطة معاذ الزين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-28-2013, 07:16 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •