جمال الناس في غزة/ مصطفى ابراهيم
31/12/2017


إننا محكومون بالأمل وما يحدث في حالتنا اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. سعد اللـه ونوس.
تعودنا ان نتحدث عن سلبيات المجتمع وهي كثيرة، غير أننا نضخمها أحيانا، وما يعتريه من سوء في أحيان كثيرة، ونتغافل أو نترك إيجابيات جميلة هي جزء أساسي من مجتمعنا وقيمه، ربما لثقل ما نعيشه وأعباء الحياة وفقدان الأمل في التغيير وما سببه السياسيين من تغول من إنكسارات وهزائم.


ويحق لنا ان نفتخر بسمات وخصائص جميلة كثيرة في مجتمعنا وهي جزء أصيل فينا، بعد ان اعتقدنا اننا فقدناه وفقدنا التضامن الداخلي والشعور بالآخر، إلا ان هناك قيم كثيرة بالرغم من تراجع بعضها في زحمة البحث عن لقمة العيش والهموم اليومية المتراكمة، سواء مشاركة الناس بعضهم في الافراح والاتراح وتفقدها مجتمعات غربية وتحسدنا عليها، وهذا الترابط الإجتماعي ما يميز المجتمع الفلسطيني.
مع نهاية العام 2017 اذكر بعض من الصور الجميلة وجمال الناس في غزة، وما استطعت ان أرصده ومشاركتي مع مجموعة من الشباب والصبايا الذين يفرحوا القلب في حملات تضامن مع مرضى ومريضات السرطان وحملة الباص لمرضى السرطان من غزة الذين يعالجوا في مستشفيات القدس والذي قام عليها الصديق عصام يونس، وكان الشباب والصبايا باسل ونور وبيسان ومحمود وغيرهم شعلتها وعمادها، ومن حملوا عبئ الترويج لها وجمع التبرعات ونجحوا في تقديم نموذج يحتذى به.
ومبادرة وحملة الترويح عن أطفال مرضى الكلى في غزة الذي يقوم عليها محمود وحنين ورشا ويارا وغيرهم من الصبايا والشباب الذين لا اتذكر جميع أسمائهم والأجمل منا جميعا وقدراتهم المبهرة في العطاء، وما يتمتعون به من طاقة حيوية مثيرة، ووهبوا أنفسهم لمساعدة مجتمعهم ولم ينتظروا مساعدة السياسيين الذين أفسدوا جمال روحهم بانقسامهم وتراجع أمالهم وأحلامهم، وبرغم ذلك لم يستسلموا.
اتذكر قصة الطفل محمد في الصف الاول الابتدائي ووالديه المنفصلين ووالده العاطل عن العمل ويراعاه جده، وحاله الاجتماعي والاقتصادي البائس، وقدرة محمد على إحترام كرامته وذاته وقناعته وبرغم صعوبة وضعه المادي، محمد صديق معلمته التي كانت ترعاه وتعتني به وتمنحه مصروفه اليومي في المدرسة، وبعد ايام انقطع محمد عنها، فسألته لماذا لم أعد أراك يا محمد، فرد عليها المدرسة الآن تتكفل بمصروفي اليومي عبر بطاقة بقيمة “شيكل” تمنحني اياها المدرسة يوميا احصل عبرها من مقصف المدرسة على بعض حاجياتي، فلماذا أخذ منك مصروف اخر، يكفيني شيكل واحد.
ومها الطفلة في الصف الرابع الابتدائي وتعاني وعائلتها أوضاع إجتماعية قاسية، تذهب الى المدرسة بدون مصروف يومي كحال الاف الطلاب الذين يعيشوا الحرمان والفقر، وتحصل على شيكل يومي من احدى معلماتها، وفِي احد الأيام قالت الطفلة هذا الشيكل سأحتفظ به لأشتري به هدية لأمي بمناسبة عيد الأم، ورفضت أن تأخذ شيكل آخر من معلمتها.
وخلود الصبية التي صورت بائع الكعك ونشرتها على حسابها على الفيسبوك، وكتبت تحت الصورة أرزاق، شاهدت الصورة ابنته الطالبة الجامعية ووضعتها خلفية على شاشة الجوال الخاص بها، وهي فخورة بوالدها وشعر بسعادة غامرة عندما شاهد صورته، فهو كما قالت: “سندها ومن بعده بضيع”، وبالنسبة لها مصدر عز وكرامة، برغم عمله البسيط.
حكايات التعاضد والتراحم والتكافل والتضامن كثيرة وموجودة فينا وفي تفاصيلنا اليومية برغم من قلة الحيلة عند كثيرين منا، وحث الآخرين على المساعدة خاصة للمرضى والطلاب، مثل صديقي الصحافي الذي يذكر أصدقاؤه وزملاؤه الصحافيين على مجموعة الواتس اب الذي يديرها عدم نسيان مرضى السرطان والتبرع لهم، وصديقي الصحافي الحميم وزوجته وما يقومان به من تقديم ما يستطيعا من مساعدات لمرضى ومريضات السرطان، وغيرهما كثر.
من منا لا يخصص يوميا او في نهاية الشهر مبلغا بسيطا كما يقال بالعامية صدقة او مساعدة للمرضى والمعوزين، هي ميزات وعادات وتقاليد وايجابيات جميلة لم يفقدها مجتمعنا وهي جزء أصيل من قيم الفلسطينيين، وهي ايجابيات إظهارها واجب ورد جميل لشعبنا الجميل.