المناكفة بين قريتين // مدينتين
( والجذور )
===============
المناكفة ، مفاعلة من الجذر الثلاثي (ن ك ف) .
النكْفُ: تنحِيتُك الدَّمْع عن خدَّيك بإصْبعك؛ قال:
فبانُـــــوا فلولاً ما تذَكَّر منهمُ ***من الحِلْفِ، لم يُنْكَفْ لعَينيك مَدمَعُ
وفي حديث حُنيْن: قد جاء جيش لا يُكَتُّ ولا يُنْكَف أَي لا يُحْصَى ولا يُبلَغ آخره، وقيل: لا يَنقطِع آخره كأَنه من نكَف الدمعَ.
والنكْفُ مصدر نَكَفْت الغيثَ أَنكُفه نَكْفاً أَي أَقْطَعته وذلك إذا انقطع عنك؛ قال ابن بري: قول الجوهري أَي أَقطعته قال كذا في إصلاح المَنْطِق، وقال: يقال أَقطعْت الشيء إذا انقطع عنك.
وقال في العباب الزاخــر : قال أبو الغوث: النَّكفَتان: اللهْزِمتان.
والنُّكاف بالضم-: ورم يكون في نَكَفَتي البعير، قال: وهو داء يأخذها في حُلُوقها فيقتلها قتلاً ذريعاً، والبعير مَنكوف، والناقة مَنْكوفة.
قلت : والنُّكاف مرض فيروسي يصيب البشر أيضا وخاصة في مرحلة اليفاع ويظهر على شكل ورم في منطقة الحنك نتيجة التهاب الغدّة النكفية .
وأنْكَفْتُه نزَّهتُه عمّا يُستنكف منه.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم- أنه سُئل عن قول سبحان الله فقال: إنْكافُ الله من كل سوء. أي تنزيهه وتقديسه عن الأنداد والأضداد.
وقال ابن السكِّيت: نَكَّفَتِ الإبل تَنْكيفاً: إذا ظهرت نَكَفَاتُها، فهي مُنَكِّفَة.
وأنْتَكَفْتُ الغيث: أقطعْتُه، وذلك إذا انقطع عنك، مثل نَكَفْتُه.
وأنْتَكَفْتُ أثره: مثل نَكَفْتُه.
وقال ابن فارس: الانْتِكافُ: الخروج من أمر إلى أمر أو أرض إلى أرض: تقول: ضرب هذا فانْتَكَفَ فضرب هذا.
وقال أبو عمرو: انْتَكَفْتُ له فَضَرَبْته: أي مِلْت عليه، وأنشد:
لمّا انْتَكَفْتُ له فَوَلّى مُدْبِراً كَرْنَفْتُهُ بِهِرَاوَةٍ عَجْرَاءِ
والانْتِكَافُ: الانْتِكاثُ والانْتِقاضُ: قال أبو النجم:
ما بالُ قَلْبٍ راجَعَ انْتِكافـا بَعْدَ التَّعَزّي اللَّهْوَ والإيجافا
وتناكَفَ الرجُلان الكلام: إذا تعاوَرَاه.
والاسْتِنْكاف: الاسْتِكبار.
وقال الزَّجّاج في قوله تعالى: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيْحُ أنْ يكونَ عَبْداً للهِ ، ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا) سورة النساء / 172أي ليس يستنكف الذي تزعمون أنه إله أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون لأنه أكثر من البشر. قال الزَّجّاج؛ قال ومعنى لن يستنكف: لن يأنف، وقيل: لن ينْقَبض ولن يمتنع عن عبودية الله.
والتركيب يدل على قطع شيء وتنحيته، وعلى عضو من الأعضاء، ثم يُقاس عليه. ونحن نريد من عبارة المناكفة هنا تعاور الكلام والاتهامات بين أهل القريتين المتجاورتين .
ونعود الآن إلى حديثنا عن المناكفات بين القرى والمدن ، وأشهرها المناكفات بين الحمويين والحماصنة في وسط سورية ، وبين قريتَيْ جاسم ونمَر في حوران جنوب سورية ، وبين اللد والرملة في فلسطين، وبين الوجه البحري في مصر وأهل الصعايدة . وهذه المناكفات أغلبها دعابات ونهفات وطرائف ملأئ بالتهكم البريء والنكات الخفيفة البعيدة عن الحقد والخسّة والأذى في الشرف والعرض.
ومثال ذلك المناكفة بين أهل اللد وأهل الرملة :
التنافس بين اللد والرملة قد بدأ منذ تأسيس الرملة، ففي عام 636 م أستلمت الجيوش العربية الإسلامية بقيادة عمرو بن العاص، أيام الخليفة عمر بن الخطاب، مدينة اللد من أيدي البيزنطيين صلحًا. ونظرًا لموقعها الجغرافي في وسط فلسطين، على مفترق الطرق الرئيسيّة فيها، فقد اتخذها العرب عاصمة عسكريّة وإداريّة لهم في جند فلسطين ومقرًّا لوالي فلسطين، وبقيت اللد هكذا مدة 82 عامًا إلى أن قام سليمان بن عبد الملك سنه 715 م ببناء مدينة الرملة وجعلها عاصمة جند فلسطين بدلا من اللد، ونقل جميع المؤسسات إليها، فأهملت اللد وهجرها عدد كبير من سكانها إلى مدينة الرملة. وقد بقيت الرملة عاصمة لفلسطين نحو 400 سنة إلى أن احتلها الفرنجة عام 1099.
فيقال، والله أعلم، أن تجارًا من اللد قد استراحوا في طريق عودتهم من أرض مصر في ساحات المسجد الأبيض في الرملة. وخلال استراحتهم دار بينهم حديثُ إعجابٍ بالمئذنة المربّعة الشكل والتي تختلف عن باقي المآذن الأسطوانيّــــــــــة المعروفة في بلادهم. ودار بينهم جدال عمّا إذا كان ارتفاع المئذنة مساويـــــــــــاً لمحيطها كما يقال. فقرروا فحص الموضوع. أخرجوا حبلًا وأحاطوا به المئذنة المربّعة لقياس محيطها ومقارنته بعد ذلك بارتفاعها. ويقال، إضافــــــة إلى هذه القصة المعقولة حتى الآن، أن شخصًا بسيطًا من بينهم قد شدّ الحبل بقوّة فتمدّد الحبل قليلًا لأنه مصنوع من مادّة مطاطيّة. ظنّ التاجـــر البسيط أنّه بذلك يسحب المئذنة فصار يصيح لرفقائه "شدّ شدّ قرّبت الرملة ع اللد". ويضاف إلى القصة أن بعض أهل الرملة رأوهم يشدون المئذنــــــــة بالحبل فظنّوا أنهم يقومون فعلًا بسحبها محاولين سرقتها.
وقصص الحماصنة والحموية أكثر من أن يحيط بها المقال ، وأبرزها الاتهامات بسرقة مياه نهر العاصي ، واتهام الحماصنة بالتغفيل والغباء، وعلى التحقيق والتجربة فأهل حمص من أذكى المحافظات السورية بل والعربية، ونادرا ما تفوتهم الدرجة الأولى في الشهادات العلمية (الثانوية والاعدادية والجامعية) .
ومناكفات أهل قرية نَمَـــر مع أهل جاسم (مدينة أبي تمام) معروفة في المجتمع المحلي، فأهل نمر ينعتون أهل جاسم بالتكبر والعنجهية ، وأهل جاسم ينعتون أهل نمر بالغفلة والبساطة ولبس الثياب الحمراء والمزركشة ، بل وصل الأمر أنَّ رجلا جاسميّا سُئل عن اتجاه القبلة للصلاة ، فقال للسائل :
أدرْ قفاك الى قرية نمر وصلِّ كما تشاء ..... حيث أن قرية نمر فعلا ذات موقع شمال جاسم والقبلة للجنوب في بلاد الشام .
ويتهم أهلُ نمر الجاسميين أنّهم لا يعرفون الطوط من العيصلان. والطوط هو المزمار باللهجة المحلية والعيصلان شمراخ نبات من الفصيلة الزنبقية يُصنع منه زمّارات للأطفال .
أما مناكفات المجتمع المصري ونهفاتهم عن الصعايدة فحدِّث ولا حرج ، بل صُنعت أفلام سينمائية تتهكم أهل الصعيد ، وما عرفناهم إلا أهلا للجود والكرم والنخوة والشهامة المتميّزة .
والسؤال الآن هل هذه المناكفات مستحدثة ؟؟؟
الواقع أنها قديمة ومترسخة في الجذور والوجدان العربي بل والعالمي.
منذ القدم عرف العرب المناكفات بين أهل مكة وأهل الطائف وبين اهل دمشق وأهل ريفها وبين الحلبيين وأهل الموصل ...... الخ.
عالم المراة