منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6

العرض المتطور

  1. #1

    قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو





    القسم الثاني من دراستي = قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو =
    نشر في صحيفة الأسبوع الأدبي العدد-1520 - في 18-12-2016---
    ---------------------------------------------------------------
    قصة رحلة المخطوطات من دمشق إلى موسكو....
    ====================================
    يقول أغناطيوس كراتشكوفسكي في كتابه (مع المخطوطات العربية).... علمت أن البطريرك العربي مكاريوس قام برحلة إلى روسيا، وقد كتبها ابنه بولص الحلبي، وهي تعد مصدراً هاماً من مصادر التاريخ لروسيا الموسكوبية، وعلمت أن الكتاب قد ترجمه إلى اللغة الروسية مرقص الدمشقي الأستاذ بجامعة موسكو، ولم يعتمد على النسخة الأصلية، إنما اعتمد على نسخة كتبت في منتصف القرن التاسع عشر، وعلمت أن النسخة الأصلية التي كتبت في عام 1700م قد تكون قد تلفت في الفتنة التي حصلت بدمشق عام 1860، لكن حبي للمخطوطات جعلني أحلم (حبذا لو يتمكن عالم روسي من العثور على المخطوط القديم لرحلة مكاريوس إلى روسيا)، ومرَّ عامان على هذا الحُلم دون فائدة، وبعد سنتين زرت المترجم مرقص في قرية صيدنايا، ولكنه لم يخبرني بجديد، وما كنت أحب أن أعود إلى وطني دون القيام بمحاولة لزيارة مكتبة غريغوريوس الحداد البطريرك الأنطاكي، تلك المكتبة التي كانت تروج عنها إشاعات خيالية عمَّا فيها من نوادر، لكن الناس كانوا يقولون عنه.. إنه ماكر ويتماكر على الجميع حتى لا يريهم تلك الكنوز التي تحتويها مكتبته.
    ويتابع كراتشكوفسكي قائلاً... لقد كانت زيارتي الأولى لدمشق غير ناجحة، فقد كان البطريرك مسافراً، لكني عزمت على لقائه في المرة الثانية، فطلبت معونة القنصل الروسي في دمشق، ومع ذلك حذرني من مكره..، ووصلت دمشق، واستقبلني البطريرك استقبالاً رسمياً، ودار الحديث حول شخصي أكثر مما دار حول المخطوطات، وعندما ألححت عليه بطلبي وافق على لقاء خاص بعد يومين، وذهبت إليه في الموعد المحدد، وكان عنده مدير المدارس والكاتب، وعندما كنت أسأله عن مخطوط ما كان يجيبني بطرق ملتوية، فيقول.. سمعت أن هذا المخطوط موجود في حلب، أو لقد أراني هذا أحدهم، أو... يبدو أن هذا موجود عندي، وهكذا لم يرني أي شيء في ذلك اليوم أيضاً، وبعد أخذ ورد وعده البطريرك بفتح صناديق المخطوطات بعد يومين، وعندما حضر بعد يومين لم يجتمع إلا بمدير المدارس الذي رفض فتح الصناديق لأن البطريرك مسافر.. هنا انزعج كراتشكوفسكي وقال له: (قل لأبيكم إنه عبثاً يحاول إخفاء مخطوطاته عني، وعلى كل حال فإن هذه المخطوطات ستصل إلى يدي).
    ثم غادر دمشق عائداً إلى روسيا، وفي سنة 1913 ارتحل البطريرك غريغوريوس الرابع حداد (ت 1928) إلى روسيا بمناسبة الاحتفال باليوبيل القرني الثالث (1613 ـ 1913) لارتقاء آل رومانوف إلى العرش الإمبراطوري الروسي، وحمل معه هدايا ثمينة ومن بينها مجموعة من المخطوطات العربية النادرة بلغت أربعين مخطوطاً، ووضعت هذه المخطوطات في مكتبة القيصر الخاصة في قصره الشتوي، واستطاع كراتشكوفسكي الحصول على إذن بزيارة المكتبة، فدخل الأقبية الملتوية بمصاحبة حرس خاص، ومنها دخل قاعات المكتبة ولكن تحت المراقبة، ولم يسمحوا له إلا بمخطوط واحد ينظر فيه، والمخطوط الذي ينتهي منه لا يسمح له بطلبه ثانية، حتى الملاحظات التي كان يسجلها على أوراقه الخاصة كانت تؤخذ للمراقبة والتدقيق ولا تعاد إليه إلا بعد وقت... لكن كل هذه المضايقات نسيها عندما وقع في يديه أول مخطوط من المجموعة الدمشقية التي أهداها البطريرك حداد للقيصر، يقول كراتشكوفسكي... هذه المخطوطات في الحقيقة عظيمة ورائعة، وغالبيتها مخطوطات فريدة لا توجد لها نسخ أخرى مماثلة، وكان نصفها من تأليف مكاريوس وبولص الحلبي وبخطه الجميل، ومع كل هذه الدهشة التي أذهلت كراتشكوفسكي... إلا أنه دهش أكثر وارتعشت يداه وارتعد عندما وقعت أمام عينيه مخطوطة يرجع تاريخها إلى عام 1700م وتتضمن رحلة مكاريوس إلى روسيا، وكان من المعتقد أنها أحرقت في فتنة دمشق 1860، لكنها ها هي بين يديه كاملة سليمة منسوخة بخط دقيق يحمل طابع خطوط القرن السابع عشر...
    ويتابع عاشق المخطوط العربي قائلاً.. على أنني لم أكن أفيق من مفاجأة حتى أقع في مفاجأة أخرى يحملها مخطوط آخر، فوضح لي أن بلادنا قد حصلت بهذه المجموعة على مجموعة من المخطوطات لا تقل من حيث النوعية عن المجموعات القديمة والحديثة المحفوظة في باريس أو الفاتيكان أو بيروت، ورسمت في ذهني للمستقبل عمل فهرس علمي لهذه المخطوطات، وفي نهاية صيف عام 1914 سافر خارج روسيا، وبدأ بالبحث عن مصنفات مكاريوس الموجودة في مكتبة جامعة لاييزيغ، في جمعية الاستشراق الألمانية في مدينة هاله، وفي مكتبة جامعة ليدن ضمن مجموعات وارنر، ثم بدأت الحرب العالمية الأولى.
    ويقول كراتشكوفسكي متابعاً قصة هذه المخطوطات.. والأمر الذي أثار دهشتي الكبرى أنه قد تحققت تماماً تلك العبارة الغاضبة التي انطلقت من فمي عندما كنت في دمشق، فبعد ثورة أكتوبر حين أصبح للكنوز التي جرى جمعها طوال القرون مكان مناسب، تذكرت مجموعة البطريرك في مكتبة القيصر الخاصة، التي لم يتصور أحد أنها تحتوي على مثل هذه المجموعة، وقد تكلل بالنجاح وبسرعة طلب الأكاديمية بإحالة هذه المجموعة إلى المتحف الآسيوي، ففي يوم من أيام الشتاء الباردة في عام 1919 وبصحبة مساعدي، وعلى زحافة، وفي شوارع بيتروغراد (بطرسبورغ سابقاً) الخالية من الناس، نقلت المخطوطات الأربعين كلها لافاً إياها في معاطف من جلود الخراف إلى بناء قديم للمتحف الآسيوي بالقرب من بناء الأكاديمية ذي الأعمدة، كنت وقتها قيماً على شعبة الشرق الأدنى، ومن جديد مرت جميع المخطوطات عبر يدي بكل معنى الكلمة، وهناك استطعت أن أدرسها كما أشاء، وبدون تسرع، وفي ظروف تختلف تماماً عن ظروف القصر الشتوي، وفي بعض الأحيان أتذكر بالابتسامة زيارتي الأخيرة لبطريرك إنطاكية في دمشق حيث رحلت المخطوطات إلينا من هناك.
    ويقول أيضاً... إن كثرة أشغالي لم تسعفني إلا بنشر وصف مختصر لها، ولكن لست أدري كيف يكون موقف البطريرك الحداد لو أنه رأى كيف أن كثرة من مخطوطاته أصبحت معروفة ومشهورة بين العلماء؟.
    ومن نوادر هذه المجموعة..
    تعد هذه المجموعة كلها مخطوطات جيدة ونادرة، وليس لبعضها مثيل في مكتبات العالم، ومن مخطوطاتها النادرة جداً...
    1 ـ كتاب التوراة العربي في ثلاثة مجلدات، وكان وجود هذا المخطوط في روسيا مبعث غيرة لدى الفاتيكان، وقد تولد عنه كتب كثيرة خاصة به، كما تولد عنه جدل ونقاش كثير يتعلق بمقارنة أهمية نسخة روسيا بنسخة روما.
    2 ـ مخطوطة نادرة وهي عبارة عن مجموعة أبحاث للأطباء العرب عن طب العيون، وهي نسخة نادرة أثارت ضجة كبيرة بين المتخصصين في تاريخ العلم، ولا يوجد لها ثانية إلا في مكتبة أحمد تيمور باشا بمصر.
    3 ـ مخطوط رحلة البطريرك مكاريوس لروسيا التي نسخت 1700م، وقد صارت مصدراً هاماً من مصادر التاريخ الداخلي لدولة روسيا الموسكوبية، وقد اهتم المستشرقون بهذا المخطوط كثيراً.
    وأخيراً... هذه قصة مجموعة مخطوطات عربية نقلت من دمشق إلى موسكو هدية لمكتبة القيصر، فوضعت في قبو القصر مع الكنوز الأخرى ومنعت عن الناس، ولكن شاء القدر أن تخرج من تحت الأرض وتوضع في معاهد العلم المتخصصة، ليدرسها الباحثون ويحققوها وينشروها فترى النور، وهكذا نرى أن لكل مخطوط عربي قصة في تأليفه ونسخه وترحاله جديرة بأن تدوَّن لنعرف قيمة هذا التراث الذي خلفه أجدادنا، وعبثنا به ولم نستفد منه، إنما استفاد منه من عرف قيمته وطاف البلدان بحثاً عنه.
    المصادر
    ـ مع المخطوطات العربية ـ أغناطيوس كراتشكوفسكي ـ ط1 دار التقدم ـ موسكو ـ 1963.
    ـ المستشرقون ـ نجيب العقيقي ـ ط5 ـ دار المعارف ـ مصر ـ 2006.
    ـ روسيا وفلسطين ـ جهاد صالح ـ ط1 رام الله ـ فلسطين ـ 2006.

  2. #2

    رد: قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3

    رد: قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4

    رد: قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5

    رد: قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  6. #6

    رد: قصة رحلة المخطوطات من دمشق الى موسكو

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. مساجد متنقّلة في موسكو
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-14-2017, 06:39 PM
  2. الشيطان يزور موسكو - ميخائيل بولغاكوف
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-28-2014, 06:23 PM
  3. فتـح موسكو
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-04-2012, 06:18 PM
  4. صلاة العيد في موسكو
    بواسطة منى الراعي في المنتدى فرسان المناسبات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-12-2011, 06:16 PM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-11-2009, 04:20 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •