منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: نزوح الأرواح

العرض المتطور

  1. #1
    أديب وناقد
    تاريخ التسجيل
    Sep 2011
    الدولة
    العراق -بغداد
    المشاركات
    193
    مقالات المدونة
    1

    نزوح الأرواح

    نزوح الأرواح


    عند ساعة الأصيل تحلقوا قرب حافات العالم غير المرئي ، وكأنها ساعة غير محسوبة من هذا الزمان ، أنفاس لاهثة تكسر حالة السكون ، وضوء باهت يتلاشى شيئا فشيئا ، عالم مغبر معفر برائحة شواء مقرف ، ولون طيني يغلف الأبصار ، يرسم على الأرض والأفق أشكالا تتقارب فيها الدرجات اللونية ، كلما ابتعد عنها الناظر بدت له هياكل جاثمة على هذه القفار كشدوف أشجار زرعت في الأرض عنوة ، محاطة بجبال من الطين ، الكل في حالة انتظار وترقب لشيء ما ، الأجساد القابعة تشكل لوحة غريبة التكوين توحي تشكيلات خطوطها لشيء ما ، قد تكون هيكلا لامرأة ملقاة في بركة من طين ،في حالة يأس تام ، ، كأنها في حالة احتضار تتوسد الوحل باستكانة المستسلم للموت طمعا في الخلاص ، دخان لفافات التبغ ،تطير بلا أجنحة ، حركتها محسوبة رغم السكون الرهيب ،
    قبل
    أيام استيقظ على صوت انفجار فزعا
    تفقد من بقى حيا ، نظر مندهشا إلى جدران الغرفة التي تحولت إلى كوم أحجار وطوب ،( والحمد لله لم يمت أحد )
    أقدامهم متشنجة ، تثاقلت مسيرتهم . يبحثون عن بر الأمان، الليل ستار لكنه مليء بالمفاجآت ، الزمن يقرب منهم لحظات الموت لذا عليهم أن يجمعوا بين الحذر وسرعة المسير، للابتعاد عما يحيق بهم من أخطار . لعبت برؤوسهم خمرة الأحداث دون انتشاء، جعلتهم يتربصون لكل حديث ، مع من سيكونون ، لا يهمهم إلا الخلاص لا يهمم إلا الأمان ، مادام كل شيء مرسوم في دهاليز العتمة.
    (الرصاص يئز في كل مكان لا يقتل إلا من يقف على الحياد ).
    هكذا قال الأب وهو يرى الفزع بعيون أبناءه .
    أكلوا خبزا معجونا برائحة الخوف والبارود، وناموا على زبد الوعود بغد أحسن .
    توعدهم الأب بالأمن والأمان ، أحس بخدر يسري في أقدامه ، وألم يحد من حركته ،
    لكنه تظاهر بالثبات على أرض رخوة بدت تميد به ،
    لينا أحست بدفء يدي فارس وهما تحيطان بخصرها النحيل ، وتطوقه هي بيديها وتسند رأسها على كتفه ،
    حرارة قبلة خطفها بغتة من خدها المتورد ، لازالت تشعر بطعمها
    قال لها: لا تذهبي سأحرسك بعيوني ...!
    قالت لأبيها :سأبقى مع فارس لن أذهب معكم ،
    انتظرت حتى الصباح ، لكنه لم يعد أوهموها بأنه سيلحق بهم ،
    أقترب كلب منهم ، توجسوا خيفة منه، تطلع إلى الوجوه المعفرة بتراب الطريق ، والمدنفة بأرق حمى المسير الطويل ، والحرقة على من ذبح بأيدي إخوانه ، تفقد وجوههم ، تطلع بعيون زيد وهو يلعب بسيارة صغيره يحركها (بالري موت ) على الطريق الإسفلتي ، لم يجد من يبحث عنه ، ثم مضى ، الأب يحمل بندقيته ،يترقب البعيد ، الظلام دامس . عواء الذئاب ، ونباح متواصل للكلاب ، وبكاء طفل صغير
    لا يملكون حليبا لإرضاعه ، امتزجت كلها في ليل بهيم وصدور موغلة بحزن كظيم
    ضحكت لينا ضحكا هستيريا ، الجميع يتطلع إليها دونما استغراب ،
    _ أريد العودة لفارس ، أريد البقاء معه ، إنني أسمع صوته يناديني ..!
    ثم بكت بحرقة (لا أستطيع العيش بدونه ) احتضنها أبوها بحنان راح يداعب خصلات شعرها المجنون ،
    وجدت حضن أمها أكثر دفئا فأجهشت ببكاء مر
    (فارس يبعد عنهم أكثر من مئة كيلو متر ) بضعة كيلومترات وسيصلون الحدود
    عند الغبش، الكل نيام ، حتى الأب احتضن بندقيته ونام بعد أن هده التعب ، الأم احتضنت وليدها الذي لم يعد بحاجة للحليب أو الماء ، فارس صوته يخترق كوة رأسها الصغير ، لينا تنظر إلى ذلك الطريق الممتد حتى الأفق ، شعاع من خيوط الرغبة بالعودة إلى فارس بنت لها قصورا من الأمل
    كونت لها أشرعة ، سفينة أقدامها ، قد تمخر بها عباب هذه الصحراء ، أو أجنحة من آمال صنعتها من ثوب زفافها الذي لازال معلقا في دولابها ينتظر عودة العروس إليه ، ربطت هذه الأشرعة بحبال عقدتها بإحكام إلى جسدها الغض، وأغمضت عينيها
    فإن لم تستطع الإبحار في هذا البحر اللجي فأنها ستطير إليه حتما
    ،(هكذا قالت في قرارة نفسها )
    بلا طقوس ، ولا بكاء ، ولا كلمات تأبين ، دفن الصغير
    جلس الأب يحلم بكأس من الشاي ، بعد أن ترك كل شيء في سيارتهم ،التي
    تعطلت في الطريق ، أحس بأن رشفة من الشاي تعيد لهذا الكون توازنه ، و تقلب كراسي العروش كلها ، تلك الكراسي التي أحالت الإنسان إلى وحش كاسر ، يتغذى على لحم أخيه (ودراكولا ) يعيش على نجيع الدماء , البعض يقتل البعض ، والعروش باقية ، وإن تغيرت الوجوه ، فالكرسي ظالم ، ولا عدالة مطلقة فيه ،كسروا الكراسي لأنها هي سبب مأساتنا ،
    وقفت زوجته قربه تنظر للبعيد ، لازال الأفق يحمل نذر شؤم
    _ هل أنت جائع
    زيد ذهب ليقضي حاجته ،
    كل هذه الساعات التي مرت ولم ينتبها إلى أن لينا غير موجودة في دثارها ، قام الأب فزعا من مكانه ركن بندقيته خرج إلى الشارع نظر إلى البعيد لم يلمح غير خط أسود ممتد وامتداد البصر ، وأعشاب متيبسة من الأشواك، تدفع بها الريح ،
    توجه إلى القبلة ،صلى . وثمة غصة في نفسه ، لا يخرجها إلا البكاء ، وليس أي بكاء ، بكاء عبد غارق بذنوبه ويريد التوبة ، وأي ذنب هو الذي ارتكبه لكي يكون هذا مصيره ،
    زيد يلعب بسيارته التي فقدت الشحن ،
    حشود من البشر ، فارين من الموت ، يسعون باتجاه الحدود الآمنة والتي كانت بالأمس حدودا ملتهبة ، صرخ بأعلى صوته (ماما ، بابا فارس جاء )
    _ أين لينا ..؟
    عشرة أيام ولم تعد لينا ولم يعد فارس ،
    علامة مكتوب عليها هنا حدود الجمهورية العراقية
    سجل أبو لينا اسمه مع مئات النازحين كلاجئين ..... ينتظرون وكالات الإغاثة ، لتعطيهم بطانية .... أو حليبا لم يعودوا بحاجة إليه

  2. #2
    نزوح الأرواح..عنوان فريد لقصة لافتة، تفوح ألما وحسرة، على من خرجوا رغما عنهم من ديارهم...
    لقطة من عمق المأساة..العربية قبل أن تكون عراقية الهوية...
    عائلة تنزح وصورة داخلية للحدث، لم يتعب نفسه الكاتب بتصوير المكان فهو لايهم، إنما النفوس التي تعودت على الموت، وبات امرا عاديا جدا،
    وجمل تعني الكثير:
    دخان لفافات التبغ ،تطير بلا أجنحة...

    كانت كصراخ في النص: أنجدونا...
    أكلوا خبزا معجونا برائحة الخوف والبارود

    أطفال متعبون...
    و
    ناموا على زبد الوعود بغد أحسن .

    حياة بلا صدق
    الأم احتضنت وليدها الذي لم يعد بحاجة للحليب أو الماء

    موت بإشارة ذكية أدبية فنية.


    بلا طقوس ، ولا بكاء ، ولا كلمات تأبين ، دفن الصغير

    رد على الصورة المأساوية.


    فالكرسي ظالم ، ولا عدالة مطلقة فيه ،كسروا الكراسي لأنها هي سبب مأساتنا
    .
    كان يمكن استبدالها بجملة أكثر قوة: هناك يقبع في برجه الفولاذي المخيف..من جعلنا نفهم طعم الموت الحقيقي..
    ونهاية مفتوحة على احتمالات أهونها مرّ.
    دمت مبدعا.
    15-12-2016


    رؤية عميقة بؤرية،
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. نزوح أهل كوباني....
    بواسطة محمد حبش في المنتدى فرسان الأخبار.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-22-2014, 03:33 AM
  2. نزوح الأرواح
    بواسطة سالم وريوش الحميد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-25-2012, 05:39 PM
  3. نرحب بالأستاذة/نشوى حجاج
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-17-2011, 12:57 AM
  4. رد على /حقيقة تناسخ الأرواح؟!!
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-17-2010, 04:10 PM
  5. هوى الأرواح
    بواسطة محمد المختار زادني في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-02-2006, 09:02 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •