منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4

العرض المتطور

  1. #1

    الرواية : منحدر يؤدي إلى .

    الرواية : منحدر يؤدي إلى ..(1)
    عثرت على هذه الأسطر،والتي رقمتها نهاية العام المنصرم .. كان ذلك على هامش تفضل أحد أفاضل الناشرين برغبته في نشر "الداروينة حين تتحزم بالقرآن " في كتاب .. وقد اقترحتُ أن يكون الحديث عن الرواية متعاضدا مع مضوع الدارونيية ،لأنني أرى أن الرواية تقدمة "مزلقانا"يؤيدي إلى قبول أفكرا "داروين"المادية .. وعلى هذا الأساس كتبت تحت عنوان طويل هو"الرواية : منحدر يؤدي إلى خلخلة التدين،متوسلا بالشهوات والشبهات".
    فضل الناشر الكريم نشر "الداروينية تتحزم بالقرآن "منفردة .. ثم تلاشا المشروع.
    حين وقفت على هذه الأسطر .. رأيت أن نشرها – في حلقات - أفضل،طلاما أنها كُتبت!!

    جسر بين الداروينية ودور الرواية
    بعد أن نشرت نتيجة قراءتي لكتاب الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد (جدلية الغيب والإنسان : العالمية الثانية) : الداروينية حين تتحزم بالقرآن ،اقترح علي { أحد أفاضل الناشرين } نشر تلك القراءة في كتاب،مع إشارة لافتة لانتشار الإلحاد في أوساط الشباب .. ألخ.
    هذا الاقتراح الكريم .. والحديث عن الإلحاد،أعادني إلى ما كتبته من قبل حول "الرواية"فرأيت أن أجمع ما يتعلق بالرواية، مع " الداروينية حين تتحزم بالقرآن"،في إضمامة واحدة،وذلك لأني أرى ترابطا وثيقا بين الرواية وتقبل نظرية داروين،ومن ثم الأفكار الإلحادية .. بل إنني أزعم – دون أن أنفي وجود الإلحاد - أن صوت الإلحاد خافت قياسا على تلمس بعض مدعي الإلحاد لمخرج يتيح،ويبيح الولوج إلى عالم الشهوات.
    وهنا تجدر الإشارة إلى ما ذكره أحد ضيوف برنامج (سواعد الإخاء)،الدكتور أمجد قورشة، عند الحديث عن الإلحاد،فقد ذكر أنه عند حواره مع بعض طلابه "الملحدين"اكتشف أن معظمهم ليسوا ملحدين فعلا،بل هي وسيلة للفت أنظار الفتيات،كتقليعة جديدة،صادمة،أو جاذبة!!
    هذه معنى كلام الضيف الكريم،وانطلاقا من (الإلحاد الرومانسي) إن صح التعبير .. نلج إلى العلاقة بين الرواية والإلحاد ،بنوعيه،الحقيقي،والباحث عن الشهوات.
    يجدر التنبيه هنا إلى نقطتين :
    النقطة الأولى : أننا حين نقول الرواية،فذلك يعني ضمنا الأفلام والمسلسلات ... إلخ.
    النقطة الثانية : إن الجانب الأخطر في الرواية،وغيرها من الأعمال الدرامية أنها لا تخاطب العقل مباشرة،بل تزرع الفكرة – أو الشبهة بمعنى آخر – عبر تشخيصها .. وبعد ما يشبه عملية "تخدير"العقل عبر العري .. أولا،ثم ما يصحب ذلك من موسيقى ،وبقية عناصر العمل الفني.
    تقوم الرواية بعمل أولي هو .. إثارة الشهوات عبر سرد لا ينتهي من الوصف الدقيق،بل شديد الدقة – أحيانا - للعلاقة بين الرجل والمرأة،ذلك الوصف الدقيق،والذي يثير الشهوة .. وكما قالت سيدة أمريكية من أصل تركي،اسمها "فاطيما"للأستاذ منير عامر ،وهي تحدثه عن "العلاقات"بين الموظفين والموظفات في أمريكا :
    (( إن الجميع يعرف أن قراءة قصة فيها عن الجنس عشرات التفاصيل والأحداث،هذه القراءة تجعل الإنسان يعيش ملتهبا ومشتعلا. وهذا الاشتعال وهذا التوهج يقرأه الرجل في أثناء ركوبه للقطار وهو ذاهب إلى العمل. وهذا التوهج تقرأه المرأة أثناء وجودها في العمل أو بعد أن تعود إلى المنزل،أو تسمع التفاصيل من الرجل الذي يشاركها في المكتب. وعندما يأتي ميعاد الغداء،قد يشتري الرجل والمرأة المشتركان في مكتب واحد سندويتشات ويذهبان إلى غرفة في أحد فنادق الحب السريع.يحدث ذلك حسب درجة الاشتعال.){ ص 153 ( مسفة بين القبلات ) / منير عامر / بيروت / دار العلم للملايين / الطبعة الأولى 1990م .}.
    هذا الإلتهاب،والاشتعال،حسب تعبير "فاطيما"يذكر بما كتبه أحد المشاركين في تكريم الأديب السوداني الكبير ،الطيب صالح – في مهجران "أصيلة"بالمغرب – وقد اعترف المشارك أنهم كانوا في مراهقتهم يقرؤون "موسم الهجرة إلى الشمال"دون أن يعو أصلا للإشكالات التي تطرحا الرواية،حول الشمال والجنوب .. بل يقرؤونها للجنس الذي فيها!!
    ولعل ذلك البحث عن الجنس هو الذي يبرر بعض أسباب انتشار تلك الرواية!{ الطبعة التي بحوزتي هي الطبعة الرابعة عشرة،وقد نشرتها دار العودة سنة 1981م.}
    من جهة أخرى تتحدث إحدى الروائيات الإيرانيات،عن "الرواية"أو سبب قراءتها :
    (سألت طلبتي : "ما الذي يمكن أن تحققه الروية في اعتقادكم؟ ولماذا على المرء أن يتعب نفسه بقراءة الروية أصلا؟ (..) وبينت لهم أننا في هذا الفصل الدراسي سندرس ونناقش الكثير من الكتاب الذين يختلفون عن بعضهم البعض،ولكن الصفة التي يشترك بها جميع هؤلاء الكتاب هي صفة"الزعزعة"و"التهديم"){ ص 160 (أن تقرأ لوليتا في طهران ) / آذر نفسي / ترجمة : ريم كية / منشورات "الجمل" : "نسخة إلكترونية"}
    لعل إغراق الرواية الحديثة بتفاصيل اللقاء بين الرجل والمرأة { وصل الأمر إلى درجة جعلت الأستاذ سمير عطا الله،يقول :
    (وظهرت أسماء نسائية غير قادرة على تركيب جملة خالية من أصوات السرير!!} يصحبه دائما – في الروية العربية بطبيعة الحال،الحديث عن "الحرية"في إقامة تلك العلاقات،والكبت الذي يعاني منه المجتمع،وبالتالي دور "الدين"والذي يلطف أحيانا ليصبح حديثا عن"رجال الدين"حتى وإن كان الإسلام – كما هو معروف – ليس فيه "رجال دين"بالمعنى الموجود في"النصرانية".
    في إطار الحديث عن بساطة العلاقات في الغرب .. يكتب الطاهر وطار :
    (أحدهم يقول إنه اختلف مع صديقة له في طبيعة العلاقة ،هي لا تضع نصب عينيها سوى الزواج بينما هو يسعى إلى إقامة علاقة إنسانية خالية من أغراض الدنيا التافهة . تصوري؟
    في أوربا الإنسان هناك تجاوز كل هذه الإشكاليات،فيعيش الرجل مع المرأة دهرا،وقد ينجبون ذرية دون زواج.
    البنات عندنا أفسدهم التعليم،وأجهزت عليهن الأمهات .إني أحاول أن أكون ابن عصري،لا ابالي بالإشكالات والقيودات التي يفرضها المجتمع.
    هل أنت بكر بعد؟ إذا كان السؤال لا يحرجك){ ص 120 رواية "الشمع والهاليز" للطاهر وطار / روايات الهلال رجب 1416هـ = ديسمبر 1995. }
    وتشير "عائشة"بطلة رواية الأستاذة رجاء عالم،إلى روعة الحياة بدون أوراق ،فيقول لها "صديقها" "الألماني":
    ("زوجيني نفسكِ"
    "زوجتك نفسي".. حريصة أن تبلغ كلماتي الشاهدين ،والذين أشرقت ملامحهما بابتسامة،مذهولين وحريصين ألا يفوتهما أدق التفاصيل،حين فاجأتهما بالإضافة،"على أن تكون العصمة بيدي أيضا"لقد صفقا بسعادة باعتقاد أنهما يمثلان في كوميديا ذلك الصباح المشرق.
    "لتشهدا على هذا العقد أمام الله.." شدا على أيدينا بحماسة،بينما صمتت ممرات الحديقة المشمسة ،بشاهدينا يوقعان عقد زواجنا اللفظي بزخة من العزف على الكمان عززت تذهيب ذلك الصباح.
    "هي زوجتي الثانية ،الأخرى لا تزال على ذمتي أنا هارون الرشيد" قالتها ضاحكا لتصدمهما وتُحفز معزوفتهما الراقصة،(..) منذ البداية لم تصدق حين قلت لك أن "الزواج قبول وإيجاب بحضور شاهدين،وإن مطلقة مثلي لا تحتاج لولي"صرخت يومها :
    "كم هي الحياة رائعة بلا أوراق .. ليصعقني الله ميتا إن حنثت بهذا العقد الضوئي"صرختك جمعت أعين المتنزهين علينا،وأطبقت بذراعيك عليّ كسرت ضلعا أو ثلاثة مثيرا البسمات المشجعة حولنا .. أنا حلقت على تلك البسمات،أنت لم تشعر بفرق،لكن جبلا من الإثم انزاح عن كاهلي ..){ ص 323 – 324 (طوق الحمام) / رجاء عالم {نسخة إلكترونية}}
    ولا تكتفي إحدى شخصيات "حليم بركات"بالحديث عن "الزواج"بصفته استعبادا،بل تتحدث عن"الحب"نفسه بصفته "استعبادا":
    ( ثم تدخلت "أميرة"وكانت تحمل كأسا مشعا،:"أنا أعتقد أن الحب،مثل العائلة والزواج،استعباد من نوع آخر. ما نسميه التزام هو في الواقع احتكار .بالحب نلتزم بشخص واحد يحتكر حياتنا ونحتكر حياته (..) لذلك لا أرفض العائلة والزواج فحسب بل أرفض الحب. لماذا أكرس نفسي لشخص واحد وأصر أن يكرس نفسه لي. لماذا نلغي العلاقات مع أناس آخرين قد نغني حياتهم ويغنون حياتنا .التفاهم والمتعة والصدق ،هذا ما ابحث عنه.(..) أفضل الصداقة على الحب .لم الأقنعة؟ لم التمثيل؟ بالصدق نغني بعضنا البعض دون تعقيد ووجع راس وغيرة وخداع وعواطف مهترئة ){ ص 180 – 181 رواية "الرحيل : بين السهم والوتر" لحليم بركات}.
    ولا تنس الرواية أن تحرض المرأة بصفتها الجانب الأضعف .. فنجد إحدى شخصيات "علاء الديب" تقول :
    (هاني قبطان .. عشيقي،رفيقي،وأنا .. هه .. أقترب من الخمسين،يريدني زوجة ثانية ،محظية بيضاء،مخدعا إضافيا،وفراشا"استبن"عادي،لا شيء جديد){ ص 11 رواية "قمر على المستنقع" لعلاء الديب : روايات الهلال }.
    وفي الرواية نفسها :
    ( أنا "تابع"بالزواج بذلك الرباط غير المقدس ،هل كل النساء هكذا .. حتى في الجرم والذنب تابعات أكره نفسي،جسدي ..){ ص 100 ( السابق)}.
    وتؤكد إحدى شخصيات "بركات"على أن الزواج "اغتصاب"فتقول،وهي تحاور نفسها،لتقنعها بالدخول في علاقة خارج إطار الزواج،وهي المرأة المتزوجة :
    (لقد زوجوك غصبا ،ألم تقتنعي بعد أن الزواج اغتصاب دائم؟ ){ ص 24 "الرحيل بين السهم والوتر"}.
    ما بين سقوط "الإثم"على بطلة "رجاء عالم" .. و"الزواج"بصفته"اغتصابا دائما"عند "حليم بركات"ننهي هذه الحلقة .. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إن شاء الله

    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي

  2. #2
    الرواية : منحدر يؤدي إلى ..(2)

    نواصل الحديث عن دور الرواية .. وما تسربه من أفكار .. وتصورات ..
    وعند الأستاذة ليلى العثمان .. نجد تكرار ما طرحه "يوسف إدريس" عن "الحرام " .. ففي لقاء"عبد الله"بـ"وسمية" :
    (أمسك يدها المرتجفة. شدت عليها بقوة.خشيت أن تغير رأيها وتفر مني ثانية. أن تخونها أعصابها فتقتل أمنياتها التي ستحققها.أمنيات تؤطرها أسيجة الخوف .. وشيء اسمه الحرام .. وآخر اسمه فهد){ ص 74 رواية"وسيمة تخرج من البحر" ليلى العثمان }
    في إطار "الزعزعة"و"التهديم"كما أشارت "نفيسي"يتم الحديث عن "المشاركة"كما في رواية "وطار"،حيث نجد هذا الحوار :
    (أريد أن اتزوج منها.
    من المحظوظة هذه؟
    العارم.
    انتظر حتى نستقل ،ونتزوجها معا. سأعطيك نصيبك منها){ ص 36 "الشمعة والدهاليز" للطاهر وطار}.
    ومن"المشاركة"إلى "المحارم"!!
    إذا كنا نجد عند "ماركيز"حديثا عن"زواج"الرجل بأمه ..
    (وقد تساءل بذهول :
    هل يمكن للمرء أن يتزوج عمته؟
    فأجاب أحد الجنود :
    بل يستطيع ذلك وأكثر. فنحن إنما نخوض هذه الحرب ضد الكهنة ورجال الدين،حتى يستطيع الإنسان أن يتزوج أمه نفسها){ ص 191 (مائة عام من العزلة )/ غابرييل غارسيا ماركيز / ترجمة : د. محمد الحاج خليل.}.
    إذا كنا نجد هذا عن"ماركيز"،وبهذه الصورة الملطفة"الزواج"فإننا نجد الأمر أكثر مباشرة لدى الأستاذة "رجاء"حين تقول"عائشة"- في رسالة – لصديقها "الألماني:
    (في المرة الأولى التي شعرت بكَ،وأغلقت كفي على جذرك،فاجأتني بالقول : "هذا ما أردت منحه لأمي!" شيء عميق داخلي تصدع لقولك،لكنني كنت غائبة بك،هل تعرف كم عمري الآن؟ في الثلاثينات،وسبق لي الزواج ،ومع ذلك لم أعرف قط هذا التجذير للرجل! هذا القبض على كيان رجل،أدرك الآن أن اليد خلقت لتقبض على جذر الحياة هذا،لتشعر بهذا الانتصاب من الرأس إلى أصبع القدم.){ ص 54 "طوق الحمام" / رجاء عالم.}.
    مع أن الأصل أن الحديث عن الرواية العربية،ومع ذلك فلا باس من الإشارة إلى بعض الروايات الغربية،تحديدا إلى روايتين غربيتين.
    الأولى : رواية "الأرض" لـ"زولا"وهي راوية تدعو إلى "الشيوعية"أو"الاشتراكية"دون أن ترد فيها لفظة"شيوعية"ولا"اشتراكية"ولكنها تؤكد أن "الملكية"هي التي تدمر العلاقات .. إلخ.
    في هذه الرواية نجد التالي :
    على مساحة غير قصيرة من الرواية يسعى"بوتو"زوج "ليز"- ابنة عمه – لاغتصاب أختها الصغرى، "فرانسواز"وبعد إحدى المحاولات الفاشلة،وجد الشوربة ساخنة أكثر من اللازم ..( فاندفع خارجا بعد أن طوح بالطبق إلى الحائط،وأثناء خروجه لطم ليز لطمة قوية قادرة على أن تصرع ثورا.
    وقامت وهي تبكي وخدها متورم و الدم يسيل منه واندفعت نحو أختها وهي تصرخ :"يا كلبة .. لماذا لا تسمحي له بتحقيق رغبته؟ لقد سئمت كل ذلك (..) وصرخت ليز من جديد :"والله العظيم أنا أفضل أن تقبلي طلبه ..ربما جعلنا هذا نعيش في سلام".(..) إن للناس أفكارا غبية عن هذا الموضوع .. فهو ليس كالخبز مثلا يختفي عندما يأكله الإنسان .. ياه .. ألا يستطيع الناس أن يعيشوا سواسية عيشة أفضل .. ألا يستطيعون أن يحييوا حياة عائلية مع بعضهم البعض .. وقالت:"وعلى أية حال قولي .. لماذا ترفضين؟){ ص 232 رواية "الأرض:لإميل زولا ترجمة : رفعت السعيد }.
    من هذه الدعوة التي تؤكد أن "الجسد"ليس مثل"الخبز"الذي ينتهي عندما يُؤكل! إلى رواية "الساحر"والتي قد يكون تأثيرها على القارئ العربي،يختلف عن تأثيرها على القارئ الذي كتبت له أصلا .. سيجد القارئ العربي بساطة الحياة .. وبساطة الدخول في "علاقة" .. أي الحياة البسيطة،كما أشار إليها"وطار"حيث تجاوز الغرب تعقيدات مجتمعاتنا العربية!!
    في بداية الرواية نجد هذا الاعتراف من بطلها "نيقولاي":
    (لم أركز على عمليات الفتح والغزو . ولكن بحلول الوقت الذي غادرت فيه أكسفورد كنت قد قمت بفض بكارة 12 فتاة){ ص 18 رواية "الساحر"لجون فاولز / ترجمة : عبد الحميد الجمال / روايات الهلال / صفر 1415هـ = يوليو 1994.}
    أضيف هنا في الهامش ،وعطفا على تبادل الأدوار بين"أخيلة الفن" وصرامة "الواقع" ما نشرته إحدى المجلات :
    (غشاء البكارة هو الشغل الشاغل لكل بنت شرقية (..) ويسمى باللغة الإنجليزية بلفظ لايتيني هو"فلورا"ويعني زهرة رمزا لجمال المرأة وشبابها المزدهر. (..) ورغم هذه التسمية الجميلة فقد سقطت أهمية هذا الغشاء في نظر الغرب منذ مدة وأصبحت الفتاة التي تحتفظ به فتاة متخلفة غير مرغوبة تحتاج للعلاج النفسي للتغلب على نظرتها القاصرة حتى لا يهرب منها الشباب ولا ينصرف عنها الخطاب){ مجلة "طبيبك الخاص" عدد يوليو 1995 / العدد رقم 319}.
    نعود إلى الرواية الغربية.
    قبل تنبؤات كاتب الرواية ،نشير إلى أن الرواية نشرت في لغتها الأصلية سنة 1966 .وترجمت إلى العربية سنة 1992.وقد ولد كاتب الرواية سنة 1926،وولد "نيقولاي"،بطل الرواية سنة 1927.
    نتائج دراسة شخصية،وسلوك بطل الراوية :
    ( يوجد ملحقان . أحدهما ورد إلينا من البروفيسور سياردي وهذا هو نصه :"إنني أعارض الرأي القائل بأن هذا الشخص الذي أجرينا عليه التجربة هو إنسان بلا دلالة خارج نطاق تجربتنا. في رأيي أنه يمكن للمرء أن يتوقع خلال عشرين سنة فترة ازدهار كبير في الغرب وهو أمر لا يكاد يتصوره أحد في هذه الأيام فإنني أتنبأ بأن الرجال الذين حرموا من ثدي الأم،مثل هذا الرجل سيصبحون هم النموذج أو قاعدة السلوك.
    فنحن بصدد الدخول في عهد إباحي يكون فيه إشباع الذات على هيئة أجور مرتفعة ومساحة ممتدة من البضائع الاستهلاكية التي يكون الحصول عليها أمرا متاحا للغالبية العظمى من الناس إن لم تكن متاحة لكافة الناس. وفي مثل هذا العهد فإن نموذج الشخصية سيصبح نموذجا يتسم بالإهاجة الذاتية.){ ص 420 ( السابق).}.
    لم يكن بالإمكان عرض عينات من ذلك العثاء الذي تطفح به الروايات من الوصف الدقيق لما يحصل في اللقاء الجسدي بين الرجل والمرأة،ولكن كل من قرأ الرواية الحديثة يعرف ذلك،وبعد سرد تلك التفاصيل،التي تشعل الجسد،حسب تعبير"فاطيما"،والرواية وإن كانت "تشعل"الجسد إلا أنها "تخدر"العقل،وتعطي للرواية فرصة لزرع ما تشاء من أفكار،وحين يتعلق الأمر بمس "الدين"يكون ذلك عبر شحن القارئ،بأن ذلك"الدين"- ورجاله – يقفون وراء تعقيد هذه الحياة البسيطة .. والتي سبق لرجال الدين أن عقدوها في الغرب،ثم وصل الأمر إلى الواقع الذي يعرف القارئ عنه الكثير،عبر الأفلام الغربية .. إلخ.
    بطبيعة الحال يتفاوت "مس الدين"من كاتب إلى آخر ،حسب توجهه الفكري،و"استراتيجيته"في مس أو "هدم الدين".
    لعل الهدف الأوضح من مهاجمة الدين،أو السخرية منه،هي كسر حاجز التقديس في نفس القارئ،المخدر كما قلنا .. و"المهيج"ضد الدين ورجاله.
    من أبرز الصور التي سنأخذها،أحد أبطال الأستاذ خيري شلبي،فبطله شبه "أميٌ" يعمل "لصا"ومع ذلك نقرا على لسانه مثل هذا الكلام:
    (قلت وأنا أنخلع من الأرض بسهولة : "عيب الشكوى لله أنها لا تأتي بنتيجة يا أبو الخال! إن الله عادل وعظيم أي نعم ولكن المصيبة أنه يؤجل كل الحسابات إلى يوم القيامة! (..) قلبي يحدثني أن القيامة قامت يا هليل وأننا من أهل جهنم الحمراء !قلبي يحدثني أننا ناس طيبون ولهذا نجونا من الهول ونذهب الآن إلى موضع الموازيين ليعرفوا ماذا بقي علينا لله من ديون فندفعها أو نأخذها مصاريف حبس في أحد السجون الواقعة في المنطقة الفاصلة بين جهنم والجنة الفيحاء){ ص 54 - 55 رواية "وثانينا الكومي" خيري شلبي / روايات الهلال}
    وهذا نص آخر لنفس الشخصية :
    (أتظن أن الله تدخل عليه هذه الألاعيب !أتظن أنك تضحك عليه وتأكل بعقله حلاوة !يا لك من بارع ! يا لك من ولد مفتح !امش يا جدع ولا تجعله يعاقبك بالعنية ){ ص 102 – 103 (السابق)}.
    تعالى الله علوا كبيرا.
    أما "الطاهر وطار"فهو يكرر الفكرة التي طرحها من كنت أسميه "محامي إبليس"والذي رأى أن إبليس كان على حق حين رفض السجود لغير الله!!
    تقول إحدى شخصيات"وطار":
    ( إنما رفض إبليس الاعتراف بالتعددية ،فتشبث بألا يسجد لغير الواحد ،وبذلك أعطى للصفر قيمة تضاهي قيمة الواحد ..){ ص 5 "الشمعة والدهاليز" }.
    في الرواية نفسها نجد سخرية من عدم جواز مصافحة النساء :
    (لم تكن تصافح الرجال ،لكنها مدت يدها له. أكدوا لها أن اللمس ينقض الوضوء ،لكنها فوجئت في الصفحة الرابعة أو الخامسة والعشرين من الثمر الداني لأبي زيد القيرواني ،بكلام مختلف تماما،ثم أنها لم تكن متوضئة){ ص 139 (السابق)}.
    وفي نفس الإطار نجد "بركات"يسخر من أحد الأحاديث الشريفة،حين نجد والد"عبد الهادي"يسعى لإقناع ولده بالزواج :
    (واستعان الوالد بحديث يقول أن النبي{ صلى الله عليه وسلم - محمود} عندما كان يرى امرأة فاتنة يخاف الإغراء ويسرع إلى البيت وينام مع إحدى زوجاته . لذلك ينصح أنه عندما يرى الرجل امرأة وينجذب إليها عليه أن يسرع إلى زوجته . وسأله إلى أين يسرع هو إذا لم يكن له زوجة ؟){ ص 53 "الرحيل بين السهم والوتر"}.
    وولا يختلف الأمر كثيرا لدى "جميل عطية":
    (تبارك الخالق،زهية هانم ابنة عزبة عويس تغني بالألمانية في جنيف وتقف لها المستشفى على"رجل"وابنتي خيبها الله تقول لي : صوت المرأة عورة){ ص 188 رواية : "1981" لجميل عطية إبراهيم / روايات الهلال}.
    وفي الرواية نفسها :
    (يا باشا هذه نعمة لقد وقعت ابنتي في علاقة مع واحد من الأصوليين غسل مخها وعاد بها إلى حياة القرن الأول الهجري){ ص 190 (السابق)}.
    وفي إحدى روايات نجيب محفوظ،نجد أنه قد استعمل عبارة"المعبودة"88 مرة،بدلا من لفظة"المحبوبة" :
    (كانت معبودتك إلها قاسيا ساخرا){ ص 330 رواية "قصر الشوق " نجيب محفوظ}
    ومثال آخر :
    (احتقرت قمر ونرجس فذق هجر اآلهة){ ص 331 (السابق).}.
    نعود إلى"سلام"إحدى بطلات "بركات"والتي تحدث "عبد الهادي" :
    ( يجب أن أخبرك ماذا فعلت مرة (..) مجيئ شيخ أزهري إلى بيتنا ليعطي أخواتي دروسا خاصة،فكتبت على دفتر فروضه بخط أحمر : النساء قوامات على الرجال ،وللنساء عليهم درجة .. وانحكن ما طاب لكن من الرجال .
    وضحك عبد الهادي .. وصرخ : لا أصدق .لا أصدق أعجب أنه لم يخطر لأية امرأة أن تفعل ذلك من قبل وطيلة هذه الأجيال ){ ص 142 "الرحيل بين السهم والوتر"}.
    أما "رجاء عالم"فهي تسخر من "الملك الرقيب"فتكتب لصديقها الألماني :
    ( ظهورك غير المتوقع هكذا،لطرف كتفي الأيسر حين التفتُ،وتماما حين همست أسلم على الملاك رقيب الرابض هناك،هذا الملاك المتخصص في تسجيل الذنوب،والذي هو التجسيد للإبداع،والمُهيأ دائما لمحو صفحات وصفحات وإعطائنا 21 فرصة لتجديد الكتابة (..) في الأيام الأخيرة لم أعد واثقة إذا ما كنت أصلي أم أكتب .. اندغم الكل في ركن أسكنُه فيك.(..) قلتَ "لكنني لا أريد لك أن تفتقدي الاستيقاظ مع أبوالرووس،أو مع الله،والآن،هل صرنا أربعة أم أربعين،نستيقظ في سرير واحد){ ص 254 "طوق الحمام"}.

    هنا تجدر الإشارة إلى النقطة الأكثر تأثيرا في ما تقوم به الرواية من تغيير الأفكار،عبر التلميح أو السخرية،دون طرح الأمر طرحا جديا يناقش ويحاور .
    في وراية "طوق الحمام"نجد إشارة إلى رد الروح إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،يوم الجمعة ليرد على من سلم عليه .. في غير الرواية كان لمن أشكل عليه الأمر أن يطرحه الأمر عبر سؤال محدد :
    كيف يتم رد الروح .. مع تكرار السلام من المسلمين يوم الجمعية .. إلى آخر ما قد يخطر على البال من إشكالات نبعت أصلا من قياس الحياة الأخرى على حياتنا الفانية.
    تلك الأسئلة ستكون في غير الرواية،لأنها تبحث عن الحقيقة .. أما الرواية فستكتفي بالسخرية :
    (تنهد الأغا الشاب مسلما وتبعه ناصر مصليا ومسلما على الراقد وصاحبيه،مستشعرا للمصطفى الذي ردت عليه الروح ليُجيبه،كما بفعل كلما صلى وسلم عليه ذاكر بأقصى الأرض،مليون ألف ألف ألف ألف ردة روح تجري في هذا القبر كل ثانية .. بما لا يدع لعين المصطفى أن تغمض بموت في هذا القبر!){ ص 449 (السابق).}.
    وتسخر الرواية نفسها من "إسرافيل":
    فتقول عن المحقق"ناصر" :
    ( إن لم يكن ناصر نفسه هو إسرافيل الذي ينفخ البوق لقيام القيامة،إنه يستعين بإسرافيل كمساعد يتخفى في جهاز التكييف المستهلك سوني،ليجلد وجوه المتهمين){ ص 17 (السابق).}.
    قلت من قبل أن كل روائي سيمس الدين حسب توجهه الفكري .. ومن هنا نجد هذه الإشارة المباشرة لاختراع الدين من قبل البشر لدى"بركات":
    فيقول"نائل" :
    (رأى الإنسان العالم متناقضا .. واحتار تجاه ظواهر غامضة .. فأحس أنه مهدد بالموت والتعاسة .. فقال نصنع الله على صورتنا ومثالنا .. ولما فرغ الإنسان من صناعة الله .. استراح من القلق .. ولكنه تحول على مخلوق .. وعاش التعاسة والتناقض والموت){ ص 96 – 97 "الرحيل بين السهم والوتر"}.
    في هذه البحر الهادر،والذي يقذف أمواجا من الحديث عن اللذة،والسخرية من الدين،والتحريض ضده،لابد أن يكون ثمة موطئ قدم للحديث عن"داروين"وعن الخطيئة الأولى،وإن كان عبر أسطورة "التفاحة"التي لا نعتقد أن الأستاذة "رجاء عالم"ستجد لها سندا من تراثها الإسلامي.
    تكتب "عائشة"- ودائما لصديقها الألماني،أخصائي العلاج الطبعي،الذي "زوجته نفسها" - :
    (هل قلتَ بأن غولي هو قصة الهبوط من الجنة؟ما الذي ترفضه في حقيقة أن حدثا واحدا سببّ هبوطنا من الجنة؟حين اكتشف الجسد مذاقه،وأسراره صار أثقل من أن تحمله طبقات السماوات،وصار لزاما ارتطامه بالأرض .. لنقضي أعمارنا نبحث عن وجه ضيعناه في الفردوس وراءنا (..) لقد جعلتني أتساءل : هل تتلخص الحياة في الندم؟وعن ماذا؟عن التفاحة؟عن السقوط الأرضي؟ (..) هل حقا وافقتني على أن أقدارنا مكتوبة سلفا ،نحن كتبناها،حين أخذنا الله من ظهر آدم،وكنا ذرية بقبضته وأخذ علينا العهد،يومها رسم كل منا أقداره وأكد أن بوسعه الخوض بها للحقيقة .. ونحن على الأرض كاختبار لقدرتنا على الخوض للحقيقة ..
    يا لي من كاتبة غريبة الأطوار حين اخترت لاختباري هذه الحبكة : التمزق بين أبوالرووس وبون بألمانيا){ ص 304 – 305 "طوق الحمام".}.
    أما "كمال"أحد أبطال نجيب محفوظ :
    (ولكنه كان كأنما يود أن ينعي إلى الناس عقيدته يا له من رجل طيب { والده السيد أحمد عبد الجواد. - محمود} إنه يطمع في أن يحمله على مهاجمة العلم { نظرية داروين - محمود} في سبيل الدفاع عن أسطورة { خلق الله سبحانه وتعالى لآدم - محمود} ..){ ص 347 "قصر الشوق". }.
    ويقول أيضا :
    القول لكمال : ( إذا سمعت غدا أن الأرض مسطحة أو أن أصل الإنسان هو آدم فلا تدهش){ ص 374 (السابق).}.
    ومن "أسطورة خلق آدم"إلى الخالق نفسه سبحانه وتعالى :
    ( الله نفسه لم يعد الله الذي عبدته قديما،إني أغربل صفات ذاته لأنقيها من الجبروت والاستبداد والقهر والدكتاتورية وسائر الغرائز البشرية){ ص 385 (السابق)}.
    هذا الكلام يبدو صدى لأفكار عبد الله القصيمي،وفي إطار تلك "الغربلة"سنجد ببساطة :
    (فقال حسين ضاحكا :"أنت تجد دائما وراء الأمور إما الله وإما سعد زغلول){ ص 184 (السابق)}.
    في الحلقة القادمة أكمل .. إن شاء الله
    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي

  3. #3
    الرواية : منحدر يؤدي إلى ..( 3 – 3 )

    إذا استطعنا تخيل ما تضج به الروايات من سيل جارف من الحديث عن العواطف .. ووصف اللقاءات الجسدية .. والسخرية من الدين .. ومهاجمة رجال الدين – علماء الشريعة - .. وصولا إلى مهاجمة الدين نفسه .. فإننا نستطيع تصور أن ثمرة السقوط في براثن المادية قد أصبحت يانعة ... فما الذي تنتظره حتى تسقط؟
    قبل ذلك نذكر بهذه اللقطة من رواية للاسترالية كولين ماكلو،والرواية – أو الملحمة كما وصفتها صحيفة "بوسطن غلوب"- تتحدث عن أبطال ولدوا في أواخر القرن التاسع عشر،ومن تلك الشخصيات "في"والتي وقعت في غرام سياسي متزوج .. فلما حملت منه،وكان ذلك من العار في ذلك الوقت .. زوجها والدها من"المزارع"الذي يعمل لديه،أو حسب تعبيرها :
    (إن والدي اشترى لي زوجا لكي أستطيع أن أعطي اسما لفرانك){ ص 950 ( طيور الشوك ) / كولين مالكو / ترجمة : نضال حواط / دمشق / دار طلاس / الطبعة الأولى 1986.}.
    لقد أشرت إلى هذه الرواية الغربية – ويتكرر الأمر في غيرها – لأنها تكمل الصورة التي أبرزناها لدى بعض الروائيين العرب،عند الحديث عن "الحياة بلا أوراق"{كما رأينا في رواية "طوق الحمام" } وأوربا التي تجاوزت تعقيدات الزواج التقليدي{ كما رأينا في رواية "الشمعة والدهاليز" }،هذا يعطي انطباعا أن أوربا نفسها كانت هكذا .. ثم تطورت.
    أعود إلى السؤال حول "الثمرة"التي أينعت وحان قطافها .. بعد أن جهزتها الروايات .. بعد كل هذا ما الذي يمنع القراء من السقوط في فخ المادية .. إلحادا .. وشكا .. أو بحثا عن الشهوات؟
    الذي يمنع ذلك حقيقة واضحة،وهي أن كُتاب تلك الروايات ما بين "لبرالي" أو غير مسلم ،أو لا يؤمن بدينٍ أصلا .. وتكرر في بعض الروايات،انتقاد "اللبرالي"المنفتح،والذي يؤمن بالعلاقات المفتوحة بين الرجال والنساء.
    ولكنه حين يريد الزواج،يتزوج من ابنة عمه،أو امرأة لا تختلط بالرجال !!
    خارج الرواية تحدث الأستاذ جورج طرابيشي،عن شيء من ذلك عندما سجن مع بعض البعثيين،فكتب يقول :
    (وفي السّجن كان معي خمسة أو ستّة من هؤلاء المسيحيين البعثيين في غرفة جماعية واحدة تضم عشرات المعتقلين. كنت قد تزوّجت من زوجتي الكاتبة"هنرييت عــبودي"، وأنجبت منها أوّل طفلة عمرها سنة أو سنتان، لم أعد أذكر. وكنت وأنا بالسّجن لا أفكر إلاّ بهذه الزوجة وبهذه البنت الّتي تركتها معها. ولست أدري كيف جاء حديث الشرف الجنسي الذي يقضي بوجوب قتل المرأة إذا أقامت علاقة جنسية غير مشروعة سواء كانت مسيحية أو مسلمة، وفي هذه الحال تقتل ، والأفضل أن تذبح ذبحاً من قبل أخيها استرداداً للشرف المهان. ومن كلمة إلى كلمة قادنا النّقاش الى ما يلي. قلت لهم: أنــــــــا أرفض مبدأ جريمة الشرف من أساسه، وهذا موقف لا أستطيع احتماله إطلاقاً من قبل إنسان يزعم نفسه تقدمياً أو اشتراكياً أو بعثياً. عندئذ هبّ واحد منهم غاضباً وقال: أنت متزوج؟ قلت: نعم. قال: شوعندك؟ قلت له: عندي بنت. قال: صغيرة طبعاً؟ قلت: نعم. قال: الآن إذا كبرت - بنتي اسمها مَيّ- إذا كبرت هذه البنيّة وغلطت مع شابّ أفلا تذبحها؟؟ قلت له: أنا أذبح مايا بنتي إذا رأيتها تقبِّل شابّاً ! فقـــــــــــــال: كيف؟ أما تذبحها ؟ قلت له: يا رفيق أجننتَ !! أذبح مايا؟ قال: أنت ما عندك شرف! أنت لست عربياً ولا تستأهل أن تكون عربياً ولا بعثياً! وأخذ هؤلاء الرّفاق المعتقلون معي قراراً بمقاطعتي وبعدم الكلام معي لأنّــي لا أستحق شرف أن أكون عربيـاً أو بعثياً ولو كنت معارضاً مثلهم للتيار الحاكم. ونتيجة لهذه المقاطعة ولما تلاها من عدائية نحوي قدَّمت طلباً إلى ادارة السجن بنقلي إلـى غرفة منفردة، أي شبه زنزانة، بدلاً من أن أبقى مع رفاق يقاطعونني ويحتقرونني.){ (http://atheer.om/Article/Index/11257)}.
    على كل حال ،أقول بمعنى أوضح يبقى هذا الجانب المضيء من ضمير "اللبرالي"والقارئ . . حتى إذا وجد من يفهم القرآن فهما جديدا .. ويفسره تفسيرا يسير مع متطلبات العصر،وينتقد فهم السلف للدين،وفي جانب آخر من الفلسفة المادية،لا يحتاج الأمر إلى انتقاد فهم السلف .. فالأمر مجرد "تطور"!!
    وما كان يناسب عصر الصحابة،والتابعين،قد لا يناسب عصرنا الحديث بالضرورة.
    هنا سنأخذ مثالين :
    المثال الأول : المفكر الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد،والذي سيكون الحوار معه هو القسم الأكبر من هذه الإضمامة.
    المفكر المذكور نشر كتابه ( العالمية الثانية : جدلية الغيب والإنسان والطبيعة )،سنة 1979،وقرأت طبعته الثانية{ نشرته أيضا دار ابن حزم سنة 1996،أما الطبعة التي وقعت بين يدي،فقد نشرتها دار الهدى ،على أنها الطبعة الأولى،أي بالنسبة لها .. وقد أشار المؤلف إلى أن الكتبا صدر لأول مرة سنة 1979.}،سنة 2004.
    مع أن هذا الكتاب نشر قبل كتاب المفكر الآخر،الدكتور محمد الشحرور ،إلا أن هذا الكتاب لم ينل من الشهرة وإعادة الطباعة ما نال كتاب د."الشحرور" : ( الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة)،وسنتحدث عنه لا حقا،إن شاء الله.
    كأني بالمفكر "حاج حمد"طرح رأيا صادما،أو صارفا،للباحث عن مخرج "شرعي"لإشباع الشهوات،وذلك حين قال :
    ( كما لا نستطيع أن نتأول ما ورد فيه "التحريم""فنبيح"الربا تحت أي اسم من الأسماء أو شكل من الأشكال.
    تشريعات الحرام تبقى كالمنهج ثابتة لا تتغير في أي زمان أو مكان إلا ذلك الاستثناء الذي أشار إليه الله في حق بني إسرائيل){ ص 623 ((جدلية الغيب والإنسان والطبيعة : العالمية الإسلامية الثانية) / محمد أبو القاسم حاج حمد / دار الهدى + مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد / الطبعة الأولى 1425هـ = 2004م)}}.
    بل يجرم "حاج حمد"الزنا ،ويذكر الإباحية اللبرالية بالاسم،فيقول :
    ( فما بينه الله لنا من هذه الحالات إنما يشكل خلفيات ضرورية لتحريم الزنا من ناحية،ولمنع التبني من ناحية أخرى. فالمطلوب هنا بيان ذلك منهجيا بوجه مدارس اللبرالية الإباحية التي تفكك مسلمات التكوين العائلي (..) فإذا فشا الزنا في القوم وفشا التبني أورثوا عائلاتهم انحرافات لا تحصى ولا تحصر. ولاكتشف الناس أن عقوبة الرجم أولى بالزاني من عقوبة الجلد لولا أن شرعة الإسلام ناسخة لشرعة التوراة وتقوم على التخفيف والرحمة){ ص 79 (السابق).}.
    ربما يحتاج القارئ إلى كثير من الصبر حتى يصل إلى رأي آخر للمفكر،الذي يتحدث هنا عن الرجم،يعيد الأمور إلى "البيئة "وأعراف العصر،وربط "الحدود"بتلك البيئات والأعراف !! يقول "حاج حمد":
    (إن نظرة على البيئة التاريخية وأنماط العقوبات في ذلك العصر اليهودي توضح لنا أن ذلك الشكل من العقوبات كان دارجا في الحوض الحضاري التقليدي. فالحضارة العمورية السابقة على الديانة اليهودية كانت قد اختارت نفس هذه الأشكال وقد اشتهر بها "قانون حمورابي حوالي 2100 ق.م "(..) فمن نفس تلك البيئة التاريخية وعلى نفس نمطها جاء التشريع وقد أثار هذا التداخل بين الأعراف الوضعية والتشريعات الدينية خيال بعض علماء الأنثروبولوجية مما دفعهم للاستنتاج بأن الدين ليس سوى حامل أيديولوجي لثقافة تاريخية محددة. (..) إن الثابت في التشريع هو"مبدأ العقوبة"أو الجزاء،أما الأشكال التطبيقية لهذا المبدأ فموكولة لكل عصر على حسب أوضاعه وأعرافه وقيمه. بهذا يستوعب القرآن متغيرات العصور ويبقى كما أراد له الله صالحا لكل زمان وكان ( ..) إن هذا القول يفجر قضية في الوعي الديني المعاصر برمته هي مسألة تتعلق بجوهر الدين وعلاقته بأشكال الوعي المختلفة. فالأديان جميعا قد تنزلت في مرحلة تاريخية معينة في تطور الإنسان){ ص 647 ( السابق).}.
    لعل التناقض،أو ما يشبهه في أطروحات "حاج حمد"هو الذي جعل حظه من الانتشار أقل من حظ كتاب المفكر الآخر"الشحرور"
    المثال الثاني : المفكر الدكتور المهندس محمد الشحرور،صاحب كتاب ( الكتاب و القرآن – قراءة معاصرة،ولم يقع هذا الكتاب بين يديّ،وإنما قرأت عنه دراسة تفصيلية أجراها الأستاذ ماهر المنجد،ونشرتها مجلة "عالم الفكر"الكويتية{ تمددت الدراسة على الصفحات من الصفحة 137 وحتى الصفحة 225. } وعلى عكس المفكر"حاج حمد"والذي بدأ بتجريم الزنا،نجد "الشحرور"يتحدث عن زاوية أخرى .. طالما أشبعت نقاشا،أعني "حجاب المرأة"،ولكن المفكر لا يتحدث عن مشروعية الحجاب نفسه،من عدمها .. بل ينقل عنه الأستاذ "المنجد"قوله :
    ( ... فمسألة التناقض المزعوم بين الحنفية المتذبذبة والاستقامة الثابتة، والتي مثّلها بالتوابع المستمرة .. استغلها في فرض حالات للحدود، لعل من أهمها حالتي الحد الأعلى والحد الأدنى في التشريع والفقه، ومن هنا نجد أن السيد المؤلف يفتي بأن لباس المرأة المسلمة يتراوح بين حدين، حد أعلى وحد أدنى أما الحد الأدنى فهو اللباس الداخلي للمرأة فقط واعتمادا على ذلك يصبح باستطاعة المرأة المسلمة أن تخرج إلى الطريق بلباسها الداخلي فقط دون أن يكون في ذلك تجاوز لحد من حدود الله .. بيد أن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، وفتاوى السيد المؤلف وتشريعاته تتقصى الأمور حتى تصل إلى فرج المرأة وإليتيها وثدييها ..
    فيسميها جيوبا، ويسمح بإظهارها أمام السبعة المذكورين في سورة النور، أي الأخ والأب وابن الأخت وابن الأخ ووالد الزوج وابنه .. وحسب رأيه يجوز للمرأة المؤمنة، أن تظهر عارية تماما أمام هؤلاء المذكورين ... ويصرح قائلا نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أي إذا شاهد والد ابنته وهي عارية فلا يقول لها هذا حرام، ولكن يقول لها هذا عيب ..(.. ) هكذا على رأي السيد المؤلف أن يتحول بيت كل أسرة إلى نادي للعراة... ولإثبات ما يقول يستشهد بشرحه لآية (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ){ النور 31 } .. إذ رأى أن الله تعالى في هذه الآية قد أمر بتغطية الجيوب فقط، أي تغطية الفرج والإليتين والإبطين والثديين ... فهل يعقل أن يأمر الله بتغطية ما هو مغطى أصلا ؟ أتراه كان يلهو مع عباده؟{ تعالى الله علوا كبيرا ... ونحن نتفهم غضبة الأستاذ ( المنجد) عفا الله عنا وعنه ولكن كان ينبغي له التأدب مع الخالق سبحانه وتعالى - محمود} أم أن نساء العرب كن يمشين في الطرقات مكشوفات الفروج والأدبار حتى نزل الأمر الإلهي بتغطيتها؟ .. إن الجيب لغة هو فتحة الثوب وطوقه، وهذا معنى معروف جدا وشائع في الاستخدام عند العرب، ويقال جيب القميص أي طوقه، وقد يراد بالجيب الصدر، لأن الصدور تلي الجيوب وتلامسها، ومن هنا قيل : فلان ناصع الجيب، ويعني بذلك قلبه وصدره.
    ومكمن الخلل أن السيد المؤلف لا يعرف كيف يقرأ في المعجم، ولا كيف يستخرج كلمة منه، نقول هذا الكلام لأن (الجيب) من مادة (جيب) أي مما عينه ياء، ولكن المؤلف لفرط جهله بأمور اللغة فتح المعجم على مادة (جوب) ومن هنا جعل الجيب هو الفرج .. وقد نص المعجم صراحة للاحتراز من هذا الوهم في كلا المادتين، فجاء في المعجم تعليقا على (جيب القميص)، فليس من لفظ الجيب لأنه من الواو، والجيب من الياء. ثم كرر ذلك في مادة (جيب) فقال : "فليس (جيب) من هذا الباب، لأن عين (جبت) إنما هو من جاب يجوب، والجيب عينه ياء، ولقولهم جيوب" ) ثم يقول الأستاذ "المنجد" :
    ( ومعروف أيضا أن زينة المرأة في ذلك العهد كانت على قسمين زينة ظاهرة وزينة مخفية،(..) بيد أن السيد المؤلف يفهم الزينة على نحو آخر، فيرى أن الزينة نوعان، زينة الأشياء وزينة المواقع،فالأولى هي الأشياء المضافة إلى الشيء أو المكان، والثانية هي الزينة المكانية، ويشرح الزينة الشيئية أنها الحلي والمكياج... والزينة المكانية أنها جسد المرأة كله، وهذه الزينة الجسدية منها ما هو ظاهر بالخلق كالبطن والظهر والرأس والأطراف، وهذا يجوز إظهاره حسب رأيه لقوله تعالى (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) { النور 31 } ، ومنها ما هو خفي كالجيوب التي شرحنا فهم المؤلف الخاص لها. فإذا سألنا المؤلف كيف انقسمت الزينة إلى شيئية ومكانية؟ وما الأدلة المنطقية على ذلك؟ لا نجد جوابا. فالزينة لغة هي ما يُتزين به من أشياء مختلفة، فهلا يأتينا بدليل عقلي أو فلسفي أو قرآني أو لغوي ... على زعمه بانقسام الزينة إلى شيئية ومكانية؟ وإلا فما معنى المنهج العلمي والبحث الموضوعي؟ أفلا يعني – على الأقل – الاستناد في النتائج إلى مقدمات مثبتة وملزمة منطقيا؟ ولكن السيد المؤلف يخترع المقدمات من خياله الخصيب دون أن تكون مثبتة أو مسلما بها، ثم يبني عليها. فيخرج بنتائج مبنية على افتراضات فاسدة.
    وبتعبير أدق نقول إن عند المؤلف أفكارا محددة وجاهزة يريد أن يطرحها، فيخترع لها المقدمات زاعما أنها هي التي أوصلته إلى هذه الأفكار نحن لا نقول هذا الكلام إلا بعد أن تمثلنا كتابه جيدا،وبعد أن وقفنا على كثير من القضايا التي توضح طريقة المؤلف الحقيقية في فرض أفكاره .. فهل هذا هو المنهج العلمي الذي كان يقصده بقوله : " وضعت منهجا علميا في فهم الكتاب" ؟ وهل هذا هو البحث الموضوعي الذي قصده بقوله : " كان رائدنا هو البحث عن الحقيقة بشكل موضوعي"؟ ....){ص 174 – 175 مجلة (عالم الفكر) الكويتية : المجلد الثاني والعشرون – العدد الرابع – إبريل – مايو – يونيو 1993.}.
    إضافة إلى دراسة الأستاذ "المنجد"قرأت لقاء أجراه موقع "العربية نت"مع المفكر "الشحرور"وقد بين فيه أن أفكاره وليدة هزيمة 1967،فبعد أن سمع خطيبا يرجع سبب الهزيمة إلى "عري النساء"كما سمع شيوعيا يعيد سبب الهزيمة إلى "صيام رمضان"قرر أن يجدد الفكر الإسلامي!
    وموقفه من السنة المطهرة،لا يختلف كثيرا عن موقف المفكر الآخر"حاج حمد"،أما ما يخص "الشهوات"فبعد ن أفتى في كتابه المشار إليه سابقا،بجواز خروج المرأة المسلمة إلى الشارع بالملابس الداخلية،وأن ظهورها عارية تماما أمام السبعة المذكورين في سورة النور،هو من باب العيب،لا من باب الحرام،نجد في المقابلة :

    (وفي سياق آخر من حواره مع العربية.نت، رأى د. شحرور أن "المساكنة" بين شباب وشابات اتخذوها بديلا للزواج، ودون عقد مكتوب، هي "حلال شرعا" طالما "تمت بقبول من الطرفين"، وذلك في إطار تعليقه على ما أثاره محام سوري دعا عبر "العربية.نت" منذ أيام الشباب الذين يلجأون للمساكنة لتوثيق علاقتهم بعقد قانوني.

    وخاطب في حديثه للعربية.نت الشباب والشابات ممن اتخذوا "المساكنة" بديلا للزواج قائلا: اقرأوا كتاب الله لا تخافوا منه ولا تخافوا عليه، ويمكنكم ذلك بدون وسيط وبدون شيخ، والمساكنة حلال شرط موافقة الطرفين وبدون إشراك الانثى لشخص آخر مع الرجل، أو إشراكه هو لواحدة أخرى معها.){ موقع العربية نت (http://www.alarabiya.net/articles/2008/01/27/44810.html)}.
    هنا لا ندري من سبق الآخر – البيضة أم الدجاجة!! - الفن أم الفكر؟ أقصد الأستاذة "رجاء عالم"في روايتها"طوق الحمام"سالف الذكر.
    إن معرفتنا لهذا الجانب من فكر د."الشحرور"تجعلنا لا نستغرب هذا الشيوع الكبير لكتابه،وأفكاره .. يقول الأستاذ "المنجد"عن كتاب "الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة":
    ( كانت الطبعة الأولى في أيلول 1990 ثم كانت الثانية في العام نفسه ( 1990) في كانون الأول، أما الطبعة الرابعة فكانت في الشهر الأول من عام 1992 وهي طبعتان عادية وشعبية وهذا يعني أن بين الطبعة الأولى والطبعة الرابعة (15) شهرا فقط أي سنة وثلاثة أشهر){ مجلة عالم الفكر الكويتية. }.
    المنطقي أن يهرع طالبوا الشهوات،والباحثين عن "حياة بلا أوراق" ،والساعين إلى حياة بسيطة لا تعقيد فيها،ولا كبت .. مثل الحياة في الغرب .. من الطبيعي جدا أن يهرع كل هؤلاء لمبايعة هذا الفكر الإسلامي الجديد المستنير .. بضمائر مرتاحة .. فالأمر كله نابع من القرآن الكريم .. وإلى القرآن الكريم يعود.
    وهكذا تكون ثمرة عمل الروايات،على مدار عقود، وتجهزيها لعقل القارئ .. قد رمت بثمرتها في حجر الدكتور الشحرور .. والذي قال أنه سيحكم العالم العربي،من قبره .. لأنه أتى ببدائل !!
    إن كان لي أن أختم هذه الأسطر .. فبعجبي،الذي لا ينقضي،من نساء أراهن يبدين إعجابهن الشديد بأفكار "الشحرور"في الوقت الذي يشتمن الشيوخ الذين أفتوا بصحة زواج"المسيار"وقد أباحه "الشحرور"بل سماه بملك اليمين!! كيف ترضى حرة بهذا .. بل تروج له ليل نهار ؟!!
    أم أنها سعيدة أن يكون الرجل "ملك يمينها"،وهي "ملك يمينه"؟!!

    جاء في اللقاء الذي أجراه موقع"العربية نت"مع الدكتور الشحرور :
    شحرور: المسيار والمتعة ملك يمي)

    وقال د. شحرور للعربية.نت: ورد نوعان من العلاقة الجنسية في القرآن وهما الزواج وملك اليمين. الزواج هو صهر ونسب وأسرة، ويوجد فيه مساكنة ونفقة وشراكة وأولاد وأسرة. هناك حالة ثانية لا تنطبق عليها كل هذه الشروط، مثلا عندما ينام شخص مع فتاة في الفراش ويمارس الجنس معها لكن دون شروط الزواج أعلاه، وبرضا الطرفين، فهذا ملك يمين. وأضاف "زواج المسيار ليس زواجا وإنما ملك يمين لأن الزوجة أعفت الزوج من النفقة والمصروف والمساكنة. وفي هذه الحالة الرجل هو ملك يمين المرأة لأنها تنفق على نفسها ويأتي إليها بناء على طلبها".

    وتابع "زواج المتعة أيضا ليس زواجا وهو ملك يمين حيث تكون المرأة ملك يمين الرجل لأنه يعطيها الأولاد والنفقة. زواج المصياف ملك يمين متبادل لأن الاثنين ينفقان على بعضهما){موقع "العربية نت"}
    ".
    ملاحظة أخيرة،زواج"المسيار"ليس كما وصفه المفكر "الشحرو"ففيه نفقة .. ومصروف،مع تنازل الزوجة عن المبيت فقط،و الفرق الوحيد فيه،بعد أن أُفسد،أنه أصبح بدون علم الزوجة الأولى.
    بل هذه هي الملاحظة الأخيرة .. أضيفها هنا .. فقد نشرت كُليمة تحت عنوان"رسالة مفتوحة إلى الشحرورات"ضمنتها عجبي من ترويج "سيدات"لفكر الشحرور ،وشجبهن شيوخا أفتوا بجواز زواج المسيار!! لم أتلق أي تعليق .. بل إن إحداهن وهي سيدة مثقفة أحترمها .. علقت على كُليمتي"حقيبة قضية المرأة والنار التي تلسع!) بقولها .. لا تحدثني عن الماضي بل حدثني عن الحاضر .. شيء بهذا المعنى .. فأعدت نشر كُليمة"رسالة مفتوحة إلى الشحرورات"وهي على رأسهن .. والحديث في الكُليمة عن"الحاضر" ولكنها لم تعلق .. كما لم تعلق عن نشر الموضوع أول مرة!!

    أبو أشرف : محمود بن محمد المختار الشنقيطي المدني – المدينة المنورة في 12 / 12 / 1436هـ = 25 / 9 / 2015.

  4. #4
    هامش على : الرواية : منحدر يؤدي إلى ..

    بعد أن نشرت الحلقة الأخيرة من "الرواية منحدر.." .. رأيت أن أكتب على هامش الكُليمة.
    أولا : كتب "مانغويل" :
    (طوال القرن التاسع عشر كان يُوصى بالنصوص الكلاسيكية الرومانية والإغريقية للتربية الصالحة للنساء،لكن فقط بعد تطهيرها عبر الترجمة. جاهر ج.و.بورغن الموقر بهذا الرأي عندما ألقى موعظة في سنة 1884،من نيو كوليدج في أكسفورد،ضد السماح للنساء بالدخول إلى الجامعة،حيث يتعين عليهن دراسة النصوص بلغتها الأصلية. "إذا كان عليها أن تنجح في منافسة الرجال على"مرتبات الشرف"(كتب الموقر المتخوف)،"فعليكم بالضرورة أن تضعوا الكتّاب الكلاسيكيين القدماء بين يديها من دون أي روادع – بكلمات أخرى،عليكم أن تقدموا لها فواحش الأدبين الإغريقي والروماني. هل أنتم جادون في إقدامكم هذا؟ أذلك إذن جزء من برنامجكم لتدنيس تلك الروح الجميلة بقذارة حضارة العالم القديم،واطلاع العذارى في زهرة شبابهن على مئات من الأشياء المقيتة خير للنساء ألف مرة العيش من دونها،أيا كان عمرهن"وخير للرجال أيضا،لو أمكن ذلك"){ ص 278 – 279(فن القراءة) / ألبرتو مانغويل / ترجمة : جولان حاجي / دار الساقي / بيروت / الطبعة الرابعة 2016 "والطبعة الأولى في نفس العام" أكتب يوم 28 مارس 2016!!}.
    إذا تجاوزنا أن الكتاب طُبع أربع مرات في ثلاثة أشهر .. وفي أمة يقال أنها لا تقرأ .. فإن ما خشيه ذلك "الموقر المتخوف" – حسب سخرية "مانغويل" – على المرأة .. هو بالضبط ما تفعله "الرواية"الآن .. تُطلع المرأة .. الفتاة الشابة .. المراهقة .. على سيل من الفحش .. وقد "يتضرج" وجهها عند القراءة الأولى .. أو الرابعة .. ثم يتحول الأمر إلى أمر "طبيعي" .. وهذا "مزلقان"لذهاب الحياء.
    ثانيا : كتبتُ يوم الثلاثاء 13 / 6 ما يلي :
    (لا زلت أقرأ كتاب "فن القراءة" .. بدأ لوح الشوكولاتة .. يتصرم !! وصلت الصفحة 332 من 405
    في فصل قريب " إحياء الذكرى" – ص 317 – 324 – كشف "العلمانون" – وجهة نظري الشخصية – عن وجههم الحقيقي!! يا ساتر!!
    تحدث "مانغويل" .. عن أستاذ زرع فيه حب الفن .. درسه بطريقة مختلفة .. إلخ. تبين بعد أنه كان "جاسوسا" للعسكر .. بسببه ذهب كثير من الفتيان والفتيات إلى الموت .. لم يجد المؤلف الشجاعة لذكر اسمه .. بل "سفسط "باحتمالات ثلاث .. أن ذلك المعلم المستنير (الذي أتاح لي أن أكون ما أنا عليه الآن) ص 324 .. كان (في الواقع وحشا" ص 324
    الاحتمال الثاني .. محاولة تبرير أفعاله"التي لا يمكن تبريرها" ص 324
    الاحتمال الثالث : "بوسعي القبول بأن ريبادابيا { الاسم المستعار الذي أطلقه عليه - محمود } كان المعلم الصالح ومخبر الجلادين معا،وأترك هذين التوصيفين يتجاوران كالماء والنار ){ص 324}.
    ما قصدته .. من وجوه العلمانيين العارية .. أن الأمر حين يتعلق بالدين .. أوالرب – أي كان الرب الذي يتحدثون عنه – نجد الصراحة والوضوح .. والسخرية .. إلخ. وحين تعلق الأمر ببشر .. تحت لافتة الإعجاب الشديد .. أصبح الحديث يمر عبر "فلتر" اسم مستعار .. لكي لا يجرح ذكرى ذلك الوحش!!
    في هامش هذه الأسطر .. خرجتُ من هذا الكتاب – أكثر بكثير من غيره – بالدور الذي تلعبه"القصة والرواية"في حياة ألئك العلمانيين .. كأنهم حين نحو الدين – أو الكتب المقدسة – جانبا كخارطة طريق لهذه الحياة .. استبدلوها بالرواية والقصة.. كفن روحي بعيدا عن جفاف الفلسفة .. في هذا الكتاب تحديدا .. نرى كيف يكتب المؤلف على هامش .. قصة "أليس في بلاد العجائب" .. وغيرها .. وغيرها من الروايات .. وأتذكر هنا أخونا"بيجوفيتش " – رحم الله والديّ ورحمه – فقد تحدث هو أيضا عن الروايات بما لا يبعد كثيرا عن "مانغويل" .. وما يرمز إليه "جان فالجان" .. واستفاض في الحديث عن"الجريمة والعقاب" .. وغيرها .. وغيرها من الروايات والقصص.
    لعل الأمر في حاجة إلى دراسة مستفيضة من .. قادر على ذلك. )
    كتبت تلك الأسطر،وحين وصلت الصفحة 392،و"مانغويل" مريض،يبحث عن "كتاب"يسليه، وجدته يكتب عن"دون كيخوته" .. قائلا :
    ( منشرحا اكتشفت أن دون كيخوته هي الخيار الأمثل لاحتمال الألم. وأيا كانت الصفحة التي ينفتح الكتاب عليها،أثناء انتظاري الوخز والنخز والتخدير،كان يريحني الصوت الودود للجندي الإسباني الواسع المعرفة بطمأنته إياي بأن كل شيء سيكون على ما يرام في النهاية. اعتدتُ الرجوع إلى دون كيخوته منذ مراهقتي ،كنت أعلم أن قدمي لن تزل أمام مفاجئآت حبكتها المدهشة. ولأن دون كيخوته كتاب يمكننا قراءته من أجل متعة ابتكاراته فحسب،والاستمرار بقراءة القصة فقط لا أكثر،من دون أي اضطرار إلى الاستغراق في تحليل ألغازه وإطناباته البلاغية،أبحتُ لنفسي استسلاما هادئا ليحملني السرد الدافقُ،متتبعا الفارس النبيل وتابعه المخلص سانشو. لقد أضفتُ إلى قراءتي الأولى لـدون كيخوته في المدرسة الثانوية ،بإشراف البروفسور إساياس ليرنر،قراءات أخرى عديدة عل مرّ السنين،في شتى ضروب الأمكنة وبشتى الأمزجة. قرأتُ دون كيخوته خلال سنواتي الأولى في أروبا،عندما كانت أصداء أيار/مايو 1968 تعلن عن تحولات كبرى { يقصد ثورة الطلااب في فرنسا - محمود} باتجاه شيء لم يكن له اسم ولا تعريف،كعالم الفروسية المثالي الذي يتطلع إليه الفارس النزيه في مسعاه. قرأتُ دون كيخوته جنوب المحيط الهادي،محاولا أن أعيل أسرة بدخل ضئيل لا يُصدق،وأنا أشعر بمس من جنون أصابني في الثقافة البولينزية الغريبة عني كالفارس المسكين وسط الارستقراطيين. قرأتُ دون كيخوته في كندا حيث راق لي ظهور المجتمع متعدد الثقافات في البلاد كمجتمع دون كيخوته إيقاعا وأسلوبا. وبمستطاعي الآن أن أضيف إلى هذه القراءات،قراءات كثيرة سواها،قراءة دو كيخوته الشافية،سلوانا وبلسما في آن واحد){ ص 392 - 393}.
    وبعد حديث طويل وتحليلات أطول .. وصلنا إلى ..(امتناني عميق لكتابي دون كيخوته. لم يفارقني المجلدان التوأم ساهرين معي طوال ذينك لأسبوعين في المستشفى : تحدثا إليّ عندما ابتغيتُ ترويحا عن نفسي،أو انتظرا بهدوء وانتباه إلى جوار سريري. لم يفقدا صبرهما معي ابدا،ما أضجراني بالمواعظ ولا تكبرا عليّ. لقد استمرا في محاورةٍ بدأت منذ عصور خلت،عندما كنتُ شخصا آخر،كأنهما لا يأبهان بالزمن،كأنهما يسلّمان بعبور هذه اللحظة أيضا،ومعها ضيق القارئ وقلقه،ولن تبقى على رفوفي إلا صفحاتهما التي أتذكرها،واصفة شيئا يخصني،حميما ومظلما في نفسي،ولم أجد بعدُ كلمات تصفه){ص 399}.
    من منا يهتم بالقرآن كل هذا الاهتمام؟ يصاحبه كل هذه الصحبة؟! يتعمق فيه كل ذلك التعمق ؟! يحلله كل ذلك التحليل؟!! يراه شافيا .. بلسما .. ؟!!
    أليس تعامل"مانغويل"مع "دون كيخوته" تعامل العابد .. المتحنذ ؟!

    أبو أشرف : محمود بن محمد المختار الشنقيطي المدني

المواضيع المتشابهه

  1. الرواية تعريفا
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-17-2013, 09:43 AM
  2. الرواية الفلسطينية
    بواسطة عدنان كنفاني في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-22-2013, 01:47 PM
  3. وهم الرواية النسوية
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى شؤون القصة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-17-2010, 07:07 AM
  4. مرض مانيير ، داء منيير ، دوار أذني المنشأ/meniere's disease
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الطبي العام .
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-27-2009, 03:57 PM
  5. "الرواية العربية و الشعر " ندوة جمعية الرواية العربية بمدينة قابس
    بواسطة فيصل الزوايدي في المنتدى فرسان الأدبي العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 03-25-2009, 05:29 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •