منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5

العرض المتطور

  1. #1

    أوراق من حياة تابعي



    أوراق من حياة تابعي
    (الورقة الثانية)
    (الجزء الأول)
    كان المجلس عامراً بذكر طاووس الإمام القدوة الفقيه عالم اليمن، والأميرُ محمد بن يوسف الوالي قد برزت كل معاني الإفلاس والحنق إلى وجهه، فلقد أثبت الجالسون وهم العارفون بأمر طاووس بالأدلة المتواترة أن الرجل ليس ممن يُقدَر عليه بوسائل السلطان من ترغيب أو ترهيب ، وعلى هذا فلا طاقة للأمير على كبح جماحه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
    قطع حديثهم ضجراً مطلقاً صرخة المتأفف:
    - لكنني سأجبره على أخذ شيء مني، وليكفّ من بعد لسانه عني
    أحرجته نظرات الجلوس المملوءة تشكيكاً في كلامه واستغراباً من انفعاليته الساذجة:
    - تعال يا سنان، يا سنان، تعال يا لُكع
    أقبل أحد حرسه، تبدو عليه معالمن البساطة والخضوع التام لمولاه
    - أجل يا مولاي
    - خذ هذه الصرة (وأخرج من جيبه صرة مملوءة نقوداً) ففيها سبع مئة دينار ، أعطها طاووس
    العالم، سيحاول ألا يأخذها، فلا تترك وسيلة لإيصالها إليه إلا أتيتها، فإن جزاءك لدي إن كان ذلك عظيم عظيم
    تنفس الرسول صعداء السعادة، أمسك بالصرة وقد برز له منها الجزاء الموعود، فسعى ينهب الطريق نهباً إلى طاووس تشيعه نظرات الجلوس الواجمة، فيما ابتسم الأمير ابتسامة راحة وتفاؤل بالنصر.
    وصل سنان بيت طاووس الإمام ، دق الباب ففتحه ، كان وجهه العامر صفاء ووقاراً كافياً وحده ليشعر الحارس البسيط بهيبة تمنعه أن يفكر لحظة في شأن الصرة، بيد أن الجائزة ونظرات الإمام الفاحصة أرغمتاه على الكلام بلهجة متلعثمة:
    - إمامنا، هذه صرة نقود أرسلها إليك مولاي الأمير
    كان بصره معلقاً بمرأى وجه الشيخ الجميل جلالةً، فلم ينظر إلى يده لولا أن وجد يد الشيخ تدفعها بأنفة:
    - أما يعلم أميرك أني لا أقبل مثل هذا، أعدها إليه، قل له قد ضللتَ الطريق
    - إمامَنا .. أنا .. أنا
    أغلق الإمام الباب بشدة ، فترك سنان محبطاً، لكنه تذكر الجائزة ، فجدّد العزم، وأعاد ضرب الباب مرة أخرى، فأتاه صوت الإمام من الداخل:
    - أما زلت هنا يا هذا؟
    - يا إمامنا ، أنا موكَل بإيصالها إليك، لا أملك أن ...
    - لا تحاول يا بني ، ليس طاووس من يُشرى بالمال
    (يتبع)
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
    إمام الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي

  2. #2
    أوراق من حياة تابعي(القصة الثانية)(الجزء الرابع)اتجه الركب إلى بيت طاووس الإمام، وظلالٌ من المشاعر الرهيبة تملأ صدر سنان وتغشي على بصيرته وعقله معاً.
    - أأخذ الإمام المال بوسيلة من الشيطان وهو يعلم أنه مني ؟؟ أم أخذه وهو لا يعلم؟ ما من دليل أنه مال الوالي... بلى بلى تلك الصرة رآها في يدي .... لا لم يرها ..... على كلٍِّ هو هو .....آآآآآآآآآآآآآآه يا رأسي
    أي بلاء أنا فيه الساعة ؟؟!!! الجنود من حولي ينظرون إلي نظرات كلها ريب وشك، أراني بينهم أسيراً مساقاً إلى حتفه.
    أكان علي ألا ألقي الصّرة في الكوّة ؟؟ لما أكن لأنجو من غضب الأمير لو كان ذلك.
    لا ... كان يعرف من قبل طبع طاووس ، وما كان ليؤنبني أو ليُغلظ لي.
    وهو غارق في بحر أفكاره ،وجد نفسه والجندَ عند دار طاووس.
    تقدّم عديٌُّ الجمع، وأشار إلى سنان أن يُقبل بحركة آمرة، فتقدّم مسلمَ الجَنان، وقرع الباب.
    فتح الإمامُ طاووسُ ليلقى الوجوه المتجهمة مقابله تلقي بالموت دون أن تموت.
    ابتدأ عديٌُُّ الحديثَ وقدرأى ترددسنان:
    - السلام عليك يا إمامنا
    - وعليكم السلام ورحمة الله. بلهجة صارمة تحمل معنى السؤال عن سبب الزيارة رد الإمام.
    أشار عدي إلى سنان وهو يتابع كلامه:
    - أتذكر هذا الرجل يا إمامنا؟
    نظر طاووس نظرة فاحصة سريعة إلى سنان، وأعاد الالتفات إلى عدي:
    - ليس وجهه بالغريب عني، لكني أرى كثيراً من الخلق كل يوم. ما شأنه؟
    - هو الجندي الذي حمل إليك صرة الأعطية التي أنبأتك عنها، وزعم أنك أخذتها.
    هنا تدخل سنان بلهجة المستشفع:
    - ألاتذكرني يا شيخنا يوم أتيتك بالصرة ورفضتها وقلت لي ..
    -نعم نعم أذكر، لكن كيف زعمت أني أخذتها؟
    انفرجت أسارير سنان وقد لمح شيئاً من تساهل في كلام الإمام :
    - قد تركتها لك، رميت بها من هذه الكوة
    حدّق الإمام فيه تحديقة العجب المطلق ، والتفت إلى الكوّة:
    -رميتها هنا؟
    - نعم،ورأيتها وقدبلغت منتهى دربها
    ملأت البسمة الحانية وجهَ الإمام:
    - إذن فانظرها
    أسرع سنن ومعه عدي فنظرا من الكوة فإذا الصرة مكانها لم تبرحه .
    أطلق سنان تنهيدة ارتياح هائلة ، وهوى إلى الأرض، فيما ابتسم الإمام وهو يردد: (وكان الإنسان أكثر شيءجدلاً) .. سبحانك اللهم ، أقبل يا بنَيّ ، انتزعها من مكانها من داخل البيت إن كانت أقرب ثمة، وأعدها إلى مولاك وقل له: لا يأخذ طاووس أجراً على أمره بالمعروف
    ولا على نهيه عن المنكر ، ولا يأخذ أجراً على تركهما ، فليتعظ

    (تمت هذه القصة)
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
    إمام الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي

  3. #3
    أوراق من حياة تابعي
    (القصة الثالثة)
    (الجزء الأول)
    وصل اللص آخر الأمر نافذةَ الدار، تلك التي علّق بها حبلاً تسوّر به الحائط اللَّبني ، فتمكن آخر الأمر من ولوج البيت.
    لم يكن اختياره هذا البيت المتواضع بالشأن السهل عليه، بيد أن خبرته كذلك في المنهة التي ساقته إليها ظروفه ليست بالعريضة، وإتيان البيوت من ظهورها ولا سيما تلك المبنية من اللِّبن يحتاج اكتساباً.
    راح يحدّق من مقامه في جوف النافذة بمحتويات البيت، لم يلق شيئاً يغريه، فسكنته الخيبة بادئ الرأي، ثم عزّى نفسه:
    - فلأحمل ما أستطيع حمله، ولأرض بما قُسم لي من غنيمة اليوم.
    سلك طريقه متشبثاً بفجوات الحائط، وصل الأرض بسلام منهياً رحلته التسلقية بقفزة من علو منخفض:
    - ليس في صحن الدار هنا يء جدير بالحمل.
    لفت نظره باب مفتوح، يشع منه ضوء قنديل ضئيل:
    - لعل هنالك فرجاً.
    قالها في نفسه ، راح يسير خطوات واسعة معتمداً على رؤوس أصابعه، حتى بلغ بابَ الحجرة التي يُطل منها ضوء السراج.
    لقي هنالك شيخاً كبيراً ، محتبياً بالأرض وقد جعل مصحفه على حجره، وعلّق على علوّ منخفض من الحائط سراجاً أشرفت ذبالته على أن تذوب.
    كان الشيخ منحنياً على صورة عجيبة، حتى ليكاد رأسه يدخل في مصحفه ، فيحار الناظر إليه: أما يزال صاحياً أم غلبته سِنة من النوم؟ ولا يملك الجزم.
    راح اللص معتمداً على رؤوس أصابعه خطوات داخل الغرفة، وينظر فيها فلا يسترعي انتباهه شيء يمكن أن يحمله، لا شيء يستحق السرقة.
    راعه صوت الشيخ قائلاًدون أن يغير من هيئته:
    - لم تجد ما تحمل، أليس كذلك؟

    (يتبع)








    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
    إمام الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي

  4. #4
    أوراق من حياة تابعي

    القصة الرابعةفرغ أبو أيوب ميمون بن مهران الجزري عالم الجزيرة من صلاته وأوراده بعدها ، فقام من مجلسه .
    توفف لحظة يعدل عباءته فاحتمل بعضا من أسفلها لئلا تعيقه في مشيه ، ثم بدأ يسير بخطوات وئيدة نحو باب المسجد.
    وقعت عينه على الشاب الذي أتاه بعد صلاة الظهر طالبا أن يلقاه في بيته لشأن خاص، كان واقفا بحياء يرقب الإمام كأنما ينتظر منه تأكيد العدة فابتسم له الإمام ابتسامة واضحة الدلالة تقول له اتبعني إلى الدار.
    استقر المقام بهما في مجلس الدار ، والإمام تفرض هيبته وهيبة منزله نفسيهما على الجو كله ، فتقدمان معا تفسيرا تمثيليا لقوله تعالى "ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون"
    نظر الشيخ في وجه الشاب نظرة تقول: هات مالديك يابني ، ابتلع الشاب ريقه، تنحنح قليلا ، عدل جلسته ، ثم ابتدأ بصوت خفيض: إمامنا الجليل، حفظكم الله ونفع بكم الاسلام والمسلمين ، إنه لشرف عظيم لي أن أسألكم زواج ابنتكم بارك الله بها .
    أطرق الشيخ قليلا، أطلق زفرة عميقة ، التفت إلى الشاب قائلا ويده تضغط بحنان على رأس عصاه المعتمد عليها: اعلم يابني أني لا أرضى ابنتي لك ،
    فإنها تحب الحلي و الحلل .
    رفع الشاب حاجبيه عجبا ، وأردف سريعا: فإن عندي هذا الذي تحبه .
    ابتسم الشيخ بسخرية والتفت إلى الشاب ببعض استخفاف: فالآن لا أرضاك أنت لها .
    وجم الشاب، سقط في يده :أراد أن يستدرك ، أن يقول شيئا، فلمح على وجه الشيخ أمارات إنتهاء الحديث دون رجعة ودون أي فسحة متروكة للتعديل، فهيبة الشيخ ليست مما يمكن تجاوزه.
    قام خائبا على استحياء، استأذن وهو واقف ، ألقى السلام على الشيخ، ومضى مرتبكا نحو الباب .
    وكما كان يتوقع أو يشعر لو أن له عينين تبصران من ظهره ، كان الإمام يشيعه بنظرات تحمل معاني كثيرة
    أوراق من حياة تابعي
    القصة الخامسةالجزء الثاني- أبهذا تكلّم الأمير يا ....
    قبل أن يسرد الجلاد في شتائمه أو يوجّه لابن المسيّب ضربة ما، صاح به الوالي:
    كفاك ، فما كان ابن المسيب ليغيّر ولو قُرض بالمقاريض، إن أردتُ بالسياط إلا أن أُرهب مَن حوله، أما هو فليس لنا به حيلة.

    (بعد أيام وقد وصل نبأ استشهاد ابن الزبير المدينةَ)
    راح ابن الأسود يردد مضطرباً ويده ترتجف:
    - قد تحقّق ما أوعدنيه ابن المسيّب، ما كان أغناني عن ضربه ... ما كان أغناني عن ضربه.
    قال أحد مَن حوله مهوّناً عليه:
    - تلك مشيئة الله ، والحربُ كانت دائرة على أمير المؤمنين منذ زمن و....
    - لقد قال لي ابن المسيّب: إن هي إ‘لا أيام حتى يأتيك ما تكره، وقد أتاني، أين أنا الساعةَ من سياط سعيد !!، أسأجد في الناس من ينرني وقد فعلت بإمام الناس ما لم يفعل بنو مروان، ونحن من قمنا عليهم لله ولرسوله، فكيف بنا الساعةَ وقد قال لي أمير المؤمنين رحمه الله يوماً: استمع ما يقول سعيد، فلستُ أراه إلا ناصحاً مستقيماً على أمر الله ورسوله لا يزيغ، فاستمعت قوله بجلده
    ما كان لي ولسياط سعيد ... ما كان لي ولسياط سعيد.
    راح ابن الأسود يضغط بكفّيه على رأسه متندّما، والقوم من حوله يريدون عزاءه ولا يملكون، فالمصاب حقاً لم يكن مما يداريه العزاء.

    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
    إمام الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي

  5. #5
    أوراق من حياة تابعي
    القصة السادسة
    كانت الشمس تميل إلى الاستواء حين خرج أبو مسلم الخولاني الداراني سيد التابعين وزاهد عصره من بيته ، نظر قليلاً في السماء مستطلعاً حال شمسها ، ثم مضى يسير على مهل قاصداً السوق، ملقياً السلامَ على عابري الطريق.
    كانت زوجه قد أنبأته بنفاد الدقيق من البيت ، فنهض مرغماً وهو الكاره ارتياد الأسواق ليجتلب ما لا غنى عنه، فلا خبز بلا دقيق.
    لم يكن لدى زوجه دراهم خبأتْها ، ولم يتبق معه كذلك، فطفقا يبحثان في ما حولهما عن شيء يباع فيسد ثمن الدقيق ، فلم يلقيا إلا درهماً كانا قد باعا به غزلاً.
    لم يكن يحمل إلا الجراب الفارغ، ولم يكن الدرهم ليملأ الجراب.
    خرج مقابله من أحد الأزقة سائل عليه آثار المسكنة:
    - أعطني مما أعطاك الله
    نظر فيه نظرة واحدة ، ودون أن يفكر كثيراً مد يده إلى جيب ثوبه ، فأخرج الدرهم وجعله في كف السائل.
    - بارك الله بك حماك الله وفقك الله
    وسط سيل الأدعية تابع أبو مسلم طريقه ، والسؤال الذي يشغله: بأي وجه سيدخل على زوجه؟
    لمعت في ذهنه فكرة وقد لقي داراً خربة مهجورة
    (الفصل الثاني)
    أتى أبو مسلم دارَه، بعيد العشاء، مؤمّلاً أن تكون زوجه قد نسيت أو خبت نار غضبها من حادثة الصباح.
    ولج الباب وجِلاً محترساً، فأتاه صوتها:
    - أبا مسلم ... أأتيت؟
    كان صوتاً ينم عن راحة، فاستبشر واستغرب، إذ ما حسب أن يتلاشى انفعالها تماماً

    (يتبع)
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
    إمام الأدب العربي مصطفى صادق الرافعي

المواضيع المتشابهه

  1. من أوراق السادات
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-26-2013, 01:54 AM
  2. أوراق السريرة
    بواسطة يسري راغب شراب في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-26-2011, 09:56 AM
  3. أوراق ...
    بواسطة كاظم الفضلي في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 01-21-2010, 05:33 AM
  4. أوراق مبعثرة .. شيء أنا
    بواسطة انيس القصاص في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-18-2009, 09:10 AM
  5. أوراق مهربة
    بواسطة هشام بن الشاوي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-09-2008, 10:38 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •