الحجُّ النفسيّ
حقيقٌ علينا ونحن نتفيّؤ ظلال أشهر الحج أن ننتهز هذه الفرصة، فنزج بأنفسنا في أجواء الحج والحجيج ، فإن كان قد فاتنا الانخراط الجسديّ في زمر الحجيج وصفوفهم ، ففاتنا بذا مشاركتهم في ورود المشاعر وأداء المناسك ، فتعالوا بنا لنزاحم أفواج الحجيج بأن نشرع وإياكم في أداء مناسك حج نفسيّ تنعقد في نواصيه رفعة درجات ، وسموّ مقامات ، وحصاد حسنات ٍ واستدرار خيرات !
فإذا كان الحج في اللغة هو : القصدَ إلى معظّم ، إذ يقصد الحجيج بيت الله الحرامَ بمكة المكرّمة للقيام بمناسك مخصوصة لا يستقيم الحجّ بدونها من : إحرام وطواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ومن ثمّ مبيت بمنى وبالتالي رمي جمرات ونحر هدي وحلق أوتقصير وطواف إفاضة وأخيراً طواف الوداع ، فبوسعنا نحن أن نقصد خصالاً نفسيّة عظيمة ، فنيمّم وجوهنا شطر ( القيم الخلقيّة النفسية القرآنيّة النبويّة ) فيكون حجّنا صوبها ، نغترف منها غرفات من حقّ عساها تجعل لنا في دين الله قدم صدق وفضل سبق !
نهلّ بعزيمة إيمانية راسخة للتشبّث بهذه القيم الخلقيّة النبيلة ، كما يهلّ حجّاج بيت الله الحرام للحج بهمّة وعزيمة وشوق ، ونصدع بامتثالها والفخر بها والدّعوة إليها كما يصدع الحجيج بالتلبية ، ونطوف حول هذه القيم النفسية معظِّمين ، كما يطوف حجيجنا ببيت الله الحرام مخبتين طائعين ، ونتردد بالسعي بين أنواعها كما يسعى الحجّاج بين الصفا والمروة ، ونقف على صعيدها منيبين ممتثلين ، كما يقف حجاج بيت الله الحرام على صعيد عرفات ملبّين موحّدين ، ونفيض بها ومنها على سائر الأنام كما يفيض الحجيج من عرفات إلى المشعر الحرام ، وننحر كلّ هوى يناقض هذه القيم ويضادّها كما ينحر حجاج بيت الله هديهم ، ونرمي كلّ ما يناهض ومَنْ يناهض هذه القيم ذوْداً عنها ودفاعا ، كما يرمي حجاج بيت الله تعالى الجمرات في منى ، ونطرح عنا كلّ خصلة ذميمة تشين هذه المنظومة القيميّة كما يطرح حجاج بيت الله أدرانهم وتفثهم بحلق أو تقصير على صعيد منى ، ونبيت مع هذه القيم ونبيّتها معنا حيث نبيت ، كما يبيت حجاج بيت الله أيّام التشريق بمنى ، ونظلّ نفيض ونتزوّد من هذه القيم كما يفيض الحجيج من منى لأداء طواف الإفاضة ، لنختم حجّنا النفسي ذاك بطواف وداع نعظّم فيه تلك الحرمات النفسية الخلقيّة المجيدة ،كما يختم حجاج بيت الله الحرام حجّهم بطواف وداع يعظّمون فيه ربّ البيت العتيق ! ونترك ونفارق كلّ خَلّة نفسية مُردِية ، كما يترك الحجيج وراءهم أوزارهم وآصارهم !