لم يعد خافياً أن مسار «المفاوضات» بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين لن تصل في أحسن الظروف، إلى تحقيق الحد الأدنى من ثوابت الشعب الفلسطيني، وهذا يعني أن «سياسة» توفير بيئة ودفع محموم لمواصلة التفاوض من قِبل «حلفاء» الصهاينة المتنفّذين، هي في صلب استراتيجية الاحتلال، والتوسع، وفي فرض حصارات على تجمعات الفلسطينيين في القرى والمدن التي يوجدون فيها، للوصول إلى «دولة يهودية عنصرية»، ما يعني طرد من بقي من الفلسطينيين إلى شتات جديد.

هذا مختصر ما يجري، وما يسعى إليه الصهاينة لتحقيق التوسع على حساب الشعب الفلسطيني مالك الأرض والتاريخ، وفي الوقت نفسه تسعى السلطة الفلسطينية إلى إقامة دولة فلسطينية بحدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وحتى هذا، «إذا تحقق»، لا يمكن أن يكون في حسابات الشعب الفلسطيني الحريص والمصمم على فلسطينيته في أرض فلسطين الجغرافية من البحر إلى النهر، وليس أدل على تصميمه هذا من أنه استطاع، وعلى مدى أكثر من أربع وستين سنة على احتلال فلسطين، من إفشال كل المؤامرات والاتفاقيات والمفاوضات التي استهدفت تنازله عن حقه المشروع في أرضه.
واستطاع أن يستولد ثقافات جديدة تنتمي بمجموعها إلى منظومة ثقافة المقاومة بالعام مما فرض على الكيان التخبطّ في كثير من مساراته الاحتلالية، وفرضَ أيضاً، على السلطويين، التلاعب في خطاباتهم ودلالاتهم السياسية في محاولات مستميتة من كلا الطرفين لامتصاص غضب الناس، وكتم، أو تأجيل لحظة الانفجار الشعبي العارم.
ولعل الفضل الأكبر في تفعيل الصمود الفلسطيني يعود إلى أهلنا المتمسكين بحقهم، الثابتين في مدنهم وقراهم وأرضهم في فلسطين، في يافا وعكا والجليل والقدس والنقب، هؤلاء الأصلاء الذين اعتبرَهم الكثيرون، عبر فترة زمنية طويلة، أنهم تخلّوا عن هويتهم الوطنية تحت الاحتلال، واندمجوا في المجتمع «اليهودي» تحت مسمّى مزيّف حرص الصهاينة وعملاؤهم على ترويجه في كل مناسبة بأنهم «عرب إسرائيل»، لنكتشف بعد انتشار ثورة الإعلام، أنهم الأكثر تمسّكاً بهويتهم وأصالتهم كفلسطينيين، وأنهم «عرب فلسطين»، يمارسون كل صنوف الصمود والمواجهة اليومية مع الكيان ووسائله الشيطانية، ويتصدون بالوعي لكل المخططات المشبوهة التي تستهدفهم، وما «يوم الأرض» إلا أنموذج لهذا الصمود والتصدي والتمسّك بالأرض «الوطن».
ومن يتابع الحراك السياسي والثقافي النشط في فلسطين، يدرك ماذا أعني بحديثي عن مستوى الوعي، وعن رهافة الحسّ الوطني والقومي لدى شعبنا الفلسطيني المتمسّك بهويته وأرضه وتراثه وتاريخه، ولا تقتصر تلك النشاطات على منطقة أو بلدة واحدة في فلسطين بل هي ظاهرة عامّة منتشرة في كثير من المدن والقرى ومناطق تجمّع الفلسطينيين في الداخل.
فعلى المستوى السياسي، الوطني الفلسطيني، والقومي العربي، نجد أن الفلسطينيين حاضرون في كل مناسبة بالوسائل المتاحة أمامهم، يتعرضون للاعتقال والقمع، لكنهم لا يستسلمون، ويشكلون لجاناً لدعم صمودهم، ونصرةً لقضايا الأمّة العربية، وأشير هنا بكثير من التقدير والعرفان إلى «اللجنة الشعبية للدفاع عن سورية في فلسطين»، التي يمتدّ نشاطها على مساحة الوطن المحتل، ومواقفها وحراكها المناصر والداعم للتمسك بالسيادة السورية كرديف أصيل من خلال الوعي بأن الامتداد القومي الطبيعي لفلسطين يقع في قلب سورية وهي تدفع ثمن موقفها هذا في متاهة (الربيع العربي)، بل هي المستهدفة أصلاً من كل هذه الفوضى لفك ارتباطها بالقضية الفلسطينية، ولمصلحة الكيان المحتلّ.
ولا بأس أن نشير أيضاً إلى حراك ثقافي مرفوع على الوعي أيضاً من خلال النشاطات التربوية والتعليمية والفنيّة المتسارعة التي تقوم بها بلدة «دير حنا في الجليل»، من خلال برنامجها المتطوّر «بلدي ثقافتي، همزة وصل».
تحية بحجم الأمل إلى أهلنا الصامدين الصابرين في فلسطين، في قراهم ومدنهم وأرضهم.