حاولت كثيراً ألاّ أتحدث عن الإعلام كي لا أتّهم بأنني، وفي هذه الأوقات العصيبة، أخلط الأوراق، أو أغير في مقام الأولويات، لكنني وجدت أن واقع الحال يفرض عليّ ذلك.

إذ لم يعد خافياً على أحد مدى سطوة الإعلام وتأثيره في مجريات الأحداث و مواكبتها ،ولم يعد خافياً أن المهمة التي قام بها الإعلام المضاد في تأجيج الفتنة في سورية كان لها الدور الأخطر والأهم في تزييف وتزوير وفبركة الحقائق سعياً لغسل الوعي وتوجيهه فقط إلى ما تقدمه لهم على مائدة مدعومة بالتقنيات الفنيّة، وبدعم مادي كي لا تتوقف أو تفتر ماكينتها الإعلامية في تكريس ما يريدون، تقود المتابع، بالتكرار، ليصدق، وهنا يقع البلاء، ويحقق الإعلام «العدو» غايته. وأستطيع أن أقول بثقة ويقين، إن دور الإعلام المضاد طبعاً، كان يمارس حرباً أشد خطرا وتأثيراً، ولا يزال.
أنا لن أبخس إعلامنا الوطني حقّه وجهوده وتصديه لهذه الهجمة، بما يملك من وسائل فنيّة وتقنية متواضعة، واشتغاله على تفنيد «الفبركات» والأكاذيب التي يفتعلها الإعلام المضاد بشكل متواصل.
لكنني لا أفهم كيف أصل إلى معلومة ما عمّا يجري في بلدي من خلال فضائيات أو وسائل إعلام خارجه عن حدود الوطن، سواء كانت عربية أو أجنبية.!؟
لم يعد في إمكان أحد في هذا الزمن أن يخفي معلومة، مهما كانت، عن الناس، وقد أصبح الجميع يدرك ما يجري وتداعيات ما يجري وتوقعات ما يمكن أن يجري.. إذاً لا خوف على فكر الناس من إيصال أيّ معلومة مهما كانت شدّتها، سلباً أو إيجاباً. إن موضوع الإعلام ليس طارئاً ولا حديثا بل كان يواكب كل الأحداث التي تجري في العالم منذ أوقات سابقة جداً، ولا أعتقد أن أحدا ينسى سلوك ودور «غوبلز» وزير الدعاية السياسية النازي إبان الحرب العالمية الثانية، ومقولته الشهيرة في «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون»، ولكن، الآن بتوافر التقنيات الحديثة، ووساعة عالم الاتصالات أصبح أكثر خطورة وضرورة، فهل وصل إعلامنا إلى هذه الدرجة من إتقان التعامل والاشتغال بهذا السلاح الخطر، والشفافية والمصداقية والجديّة أيضاً.؟ هو سؤال أضعه برسم المسؤولين.
عندما انهار الاتحاد السوفييتي، وأعلنت بلغاريا رغبتها في بيع القطاع العام، ذهب «أثرياء العرب»، وبخاصة من دول النفط لشراء كازينوهات وملاه ومطاعم، بينما ذهب الصهاينة لشراء صحف ومجلات رسمية وساعات معدودة في محطات فضائية إعلامية!!
إن دلّ هذا السلوك، عبر كلّ المراحل، فهو يدل على أهمية الإعلام، سواء كان الإيجابي الشفاف، أو المزيّف الكاذب.
نحن، في هذه المرحلة الخطرة والمصيرية والسيادية، نحتاج إلى كل صوت شريف يقف مع حقنا، ومن أيّ مكان كان، ويجب أن نستثمر هذه الأصوات لمصلحة حقوقنا وقضيتنا، وأن نكون على مستوى العرفان والتقدير.
في فلسطين تشكّلت لجان شعبية، عنوانها الأوضح والمعلن هو «الدفاع عن سورية»، وكلنا يعرف ما يعني أن تتشكّل لجان كهذه تحت حراب الاحتلال لنصرة سورية، وسورية بالنسبة للصهاينة ألد الخصوم ، فهل كان إعلامنا بمستوى التركيز على تلك الجهود وليس فقط بكلمات تمرّ لدقائق على شريط إخباري أسفل شاشات العرض؟!
أن ينشر رجل بمستوى المهندس المناضل عبد الحكيم جمال عبد الناصر، وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كلمة تحية إلى سورية، وإلى جيش سورية، وقائد سورية («أسد الشام» كما أطلق على سيادته)، وبكلمات ناضحة بالمحبة، ثم لا نجد إشارة في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ترويجاً وتقديراً وبيان شكر.! وبالمناسبة، لا أستطيع أن أقفز عن الإشادة بالأداء المتميّز الرائع، لوفدنا العربي السوري إلى مؤتمر جنيف بكل أفراده، والتغطية الإعلامية الرائعة لوسائلنا الإعلامية المرافقة للوفد وبالتقدم الإعلامي الذي رافق الأزمة في سورية.