دولة الاسلام السياسي:
الطموح الحاضر والاستراتيجية الغائبة

حازم خيري

ثمة دولة وليدة تلوح بوادرها في الفضائين العربي والاسلامي، تستند في صعودها إلى قاعدة صلبة من الأنصار، يزيد من حماسهم ترنح الأنظمة القائمة تحت وطأة ضربات الربيع العربي، وتخلى الغربيين – لا عتبارات خاصة بهم – عن هذه الأنظمة الهرمة. بيد ان الخلل الرهيب في دولة الاسلام السياسي الوليدة، هو افتقارها لرؤية استراتيجية واعدة، بمنأى عن الوهم والشعارات الجوفاء، تُمكن لها في الداخل والخارج، على نحو قابل للتخصيب وادامة النجاح.

أولى ركائز هذه الاستراتيجية الغائبة هو وجوب التعامل غير العشوائي مع الأنظمة القائمة، والتى تستند في مقاومتها للزوال إلى دولة عميقة شديدة الترهل والفساد، يصعب النيل منها بالفهلوة، فالطامح إلى احتوء هكذا بيروقراطية أقرب إلى الغرق في أوحالها منه إلى السيطرة عليها وتطهيرها. النموذج المصري خير دليل، فقد فشل الاسلاميون في التعامل مع البيروقراطية المصرية. غرقوا في أوحالها، قلدوا سلوكياتها، استسلموا لاغراء فكرة التمكين على خطورتها. ظنوا أن قرابتهم اللصيقة مصدر قوة في الحكم كما في أوقات النضال والمقاومة!

ركيزة أخرى ليس بمقدور الاسلاميين تجاهلها والقفز فوقها، وهي حتمية قيادة مجتمعاتهم لخارج حدود الجاهلية الأخلاقية، ليس بطرائق الوعظ التقليدية، فالأمر تجاوز في تعقدة وتشابكه مثل تلك الوسائل البريئة. وإنما بتفكيك جريء، وتشريح قاس لتجربتنا الحياتية، خاصة في ظل الأنظمة القائمة، مع ضرورة مراجعة الاسلاميين أنفسهم لدورهم في المشهد الأخلاقي، فاسهامهم قوي في صياغة الوجدان الأخلاقي، وتغاضيهم تم عن الكثير، في مقابل الاحتضان والحشد.

الحضارة الاسلامية تلهث على شفا الافلاس! أضحت فاقدة تماما للقدرة على الابداع والابتكار، وهو ما يستصرخ الاسلاميين تضمين استراتيجيتهم الغائبة هذه الاشكالية المؤرقة، واقتراح حلول خلاقة، ربما تفرض عليهم حماية ما يبغضونه، أعني التفكير الفلسفي، فلا سبيل برأيي أمام الاسلاميين سوى السماح بطرائق اخرى من التفكير، لا بديل أمامهم عن المخاطرة والألم. يُعيد هذا لحضارتنا رحابتها ويفتح المجال أمام بروز صفوة فاضلة وذوى النظر البعيد.

ركيزة أخرى تستحق الاهتمام الشديد، وهي عدم استساغة الوجدان الشعبي لفكرتي الحرية والحقيقة، فلا معنى للحرية ولا حب للحقيقة، على الأقل لغير المُريح منها! الحرية والحقيقة هما الحاضر الغائب، الكل يذكرهما ويمجدهما، بيد أنهما – لشعوبنا - كالسراب، محض وهم..


تلك كانت بعض ملامح الاستراتيجية الغائبة لدولة الاسلام السياسي/الخلافة الاسلامية، أختمها بالملمح الأكثر ايلاما وهو تسيد الحضارة الغربية للحياة، فلا يكاد المرء يفكر في أمر إلا ويكتشف أن الغربيين قد سبقوه إليه، لا يكاد المرء يسلك طريقا إلا ويكتشف أن الغربيين قد مروا منه، فلا يملك إلا التقليد والمحاكاة، وهو ما تضطر اليه مجتمعاتنا بعد الكثير من الجدل العقيم والنقاش حول مدى المشروعية والجواز. الغربيون هم النموذج والمشكلة بالنسبة الحضارتنا ولغيرها من الحضارات. تشعر وأنت ترقب ما يحدث في الأرض وفي الفضاء أن الحياة لم تُخلق إلا لهم. أن الجرأة لم تُخلق إلا لهم. الحرية أصبحت غرب. والحقيقة أصبحت غرب..