جغرافية أرمينيا...بقلم آرا سوفاليان
بين مد وجذر اشتملت أرمينيا من حيث المساحة على أواسط هضبة اناتوليا بالكامل وتشير كتب التاريخ العربية الاسلامية، (والدولة العربية كانت دولة عظمى بدءاً من الفتوحات الاسلامية) الى أن امبراطورية فارس تقع الى الشرق وعاصمتها المدائن، وامبراطورية الروم الى الغرب وعاصمتها القسطنطينية وفي الوسط أرمينستان أو بلاد الأرمن أو أرمينيا وعاصمتها آني.
من القرن السادس ق م. وحتى بداية القرن الأول الميلادي، حكم أرمينيا ملوك من الأسرة اليروانتية ـ الارداشيسية. ومن أشهر ملوك هذه الحقبة الملك ديكران (تيكرانيس) الثاني (95 ق م ـ55 ق م) الملقب بـ (ملك الملوك) بعد أن تنازل عن اللقب الأخير له ملك فارس.
ويشير التاريخ الأرمني الى أن الملك ديكران الثاني الكبير قد ضم إلى مملكته أجزاء من بلاد فارس وشمال العراق وسوريا وفلسطين ولبنان ووصل بجيوشه الى عكا وتم العثور هناك على لقى أثرية وعملة ذهبية ومصكوكات تؤيد هذا القول.
بعد الحرب العالمية الاولى التي شهدت مجازر مروعة أدت الى إبادة معظم الشعب الارمني الخاضع للإحتلال العثماني، تقرر تحديد مخطط أرمينيا, وتصدى لهذه المهمة وودورد ويلسون رئيس عصبة الامم ورئيس الولايات المتحدة الاميركية ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى آنذاك وكانت تُغلّب الديمقراطية ومبادئ الحق والعدالة على سياسة المصالح حيث لم تكن لها في ذاك الوقت أية مصالح حتى جاءها اليهود وجعلوا لها مصالح.
اصدرت عصبة الأمم في العام 1920 معاهدة سيفر وتحدد بموجها مساحة أرمينيا بما يعدل 160 ألف كيلو متر مربع وتقرر ان تحتوى على ارمينيا الحالية وعاصمتها يريفان وعلى ناخيتشفان و آرتساخ أوغارباغ وآخالكالاك وعلى ما يعرف بأرمينيا الغربية المشتملة على الألوية السبعة كارس وآرداهان وفان وموش وارزروم وارزنغا وطرابزون.
ولحق بالارمن ظلم كبير نتيجة هذا التقسيم لأنه لم يلحظ أي مدينة أو قرية عاش فيها الارمن خارج الأراضي التي حددتها معاهدة سيفر التي لم تلحظ أيضاً مملكة كيليكيا التي حكمتها أسرة لوزينيان وكان اشهر ملوكها الملك ليفون الثاني وعاصمتها سيس، حيث لم يشر اليها مجرد اشارة لا من قريب ولا من بعيد.
ولم يتم تطبيق معاهدة سيفر بالمطلق أما المساحة التي بلغت 160 ألف كيلو متر مربع فلقد تقلصت لتصبح 29743 كيلو متر مربع، فلقد ضاعت الاقضية السبعة بعد الفتنة التي دبرها من دبرها لقيصر روسيا فعاد بجيشه لحماية ملكه، وتعمد من جاء بعده ان يسير على نفس الدرب فترك الارمن لوحدهم في مواجهة كمال اتاتورك الذي تابع حرب الابادة ضد الارمن بعد تصعيدها لتشتمل على سلاح مدفعية الميدان، والديناميت الذي تسبب في هدم أكثر من ألف كنيسة في أرمينيا الغربية، بالاضافة الى كل ما يتعلق بالارمن أو يذكر بهم ولم تسلم قبورهم من هذا التدمير الذي يوصف بأنه أكثر بكثير مما يعرف بالارض المحروقة.
وجاءت تجليات ستالين وفي معرض سعيه لتطبيق نظرية التمازج الاقليمي لشعوب الاتحاد السوفياتي فأضاع آرتساخ ـ غاراباخ وفيها نصف مليون أرمني، يستحيل اجراء تمازج بينهم وبين الشعوب الأذرية المتخلفة، وأضاع ناخيتشفان أيضاً، حيث سارع الاذريون بتدمير كل الآثار الارمنية فيها، مما اضطر الارمن الى محاصرتها وإغلاقها، وضاعت آخالكالاك وضمت الى جورجيا ولكن لم يتم اضطهاد الارمن فيها بالمطلق...وفي المحصلة فإن معاهدة سيفر بقيت حبراً على ورق أما مساحة ارمينيا فلقد تدنت الى 29743 كيلو متر مربع، وبحساب بسيط نستدل ان ارمينيا تضم 18.58% فقط من المساحة التي حددت لها في سيفر وان 81.5 % الباقية ضاعت بسبب عوامل وظروف متعددة ولكن مؤقته.
عدد سكان ارمينيا الحالية 3262200 انسان تقريباً ومعدلات التوالد متدنية، ومعدلات الهجرة كبيرة لأن الارض الغنية التي تحوي الثروات والتي تحوي الانهار والارض الصالحة للزراعة هي في يد الاعداء، أما الارض التي بقيت للأرمن فهي جزيرة من الكتل الصخرية الجبلية العالية والباردة جداً في الشتاء، لدرجة ان القيام بأي مشروع كبير يقف في مواجهته حائل واحد هو الارض الغير صالحة، في حين استولى الاعداء على الاراضي السهلة والخصبة وذات المناخ المعتدل، وعدد سكان يريفان اليوم يزيد قليلاً عن المليون، ولولا الإبادة لكان العدد التقريبي للأرمن في كل ارمينيا هو 80 مليون بحسب معدلات التزايد الطبيعية، وهذه الخسارة الكبيرة غير قابلة للتعويض بالمطلق.
ولا شك أن موقع أرمينيا الوسط الذي يشكل مفارق الطرق المؤدية الى الجنوب أو الشرق أو الغرب، بالاضافة الى انضواء شعبها وملكها منذ بدايات العهد المسيحي. تحت راية الدين المسيحي وسط بحيرة من عبدة الأوثان جعلها مسرحاً لحروب دامية حرمت شعبها والى اليوم طعم الراحة والاستقرار.
هذه الجمهورية الفتية والتي تعتبر الجمهورية الثانية حيث كانت الاولى هي نتيجة الانتصارات الشعبية على الجيوش التركية في معركة سارداراباد الاسطورية بتاريخ 28 أيار 1918 والتي فرضت الهزيمة المنكرة على جحافل الجيوش التركية، حيث كانت القوات الارمنية تحارب لوحدها تركيا التي كانت في عداد الدول العظمى آنذاك والتي تحدت روسيا وبريطانيا وفرنسا ودخلت الحرب ضدهم مجتمعين، كانت أرمينيا وحيدة وبدون مساعدة من أحد تحارب تركيا بجيش من بقايا شعب صمم على العيش من جديد متحدياً المجاعة والتشرد والأوبئة والخيانة والعقوق من قبل جميع الحلفاء حتى روسيا واستطاع هذا الجيش المؤلف في معظمه من الابطال الذين فقدوا كل أهلهم في الابادة، ومؤلف أيضاً من الايتام من الصغار ومن الأرامل ومن النساء ومن الشيوخ وحتى من الاطفال الذين اتحدوا جميعاً في معركة البقاء أو الموت حيث لا خيار آخر فأجبروا تركيا على طلب توقيع معاهدة سلام وإعتراف بالدولة الارمنية الفتية، ويسجل التاريخ بأن تركيا هي الدولة صاحبة الاعتراف الاول بجمهورية ارمينيا قبل كل الدول ويبدوا انها كانت تريد الخلاص ووضع حد لهذه الحرب المروعة.
هذا الانتصار المعجزة جعل من ارمينيا جمهورية مستقلة للمرة الاولى منذ أمد بعيد وصار علمها علم مثلث الألوان من الأعلى الى الاسفل الأحمر وهو لون الدماء التي اهرقها الشعب الارمني البطل عبر كل الدهور، والازرق وهو لون سماء الوطن وبحاره، والبرتقالي وهو رمز تراب الوطن وثرواته وجهد وعطاء أبنائه.
أما الجمهورية الثانية والتي عادت لتتبنى علم الجمهورية الاولى بعد ان تبنت لسبعة عقود علم آخر هو الاحمر فالازرق فالاحمر، فلقد أعلنت استقلالها عن روسيا بتاريخ 23 أيلول من العام 1991 هذا الاستقلال الذي كان السبيل الوحيد لبقاء الشعب الارمني ولإثبات وجوده ضمن عائلة الشعوب الحرة على الرغم من ان تلك العائلة، فيها ما فيها من الشعوب التي لا تستحق ان يشار لها بالبنان والتي لا تستحق أن تكون تحت هذا الانضواء ولا تحت غيره.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 14 05 2013
arasouvalian@gmail.com