تبادل الأدوار...بقلم آرا سوفاليان
في ذروة الحرب الأهلية في لبنان كان بيت أهلي يغص بعمّاتي وأولادهن وأزواجهن وسياراتهن وبإبنة خالة أبي وعائلتها...لا أعرف بالضبط أين كنا ننام وكيف كنا ننام...كانت الفرشات في بيت أهلي الكبير تحتل الصالون فوق السجاد وفي الممرات... كان والدي يدخل البيت وفي كلتا يديه أكياس خضار وفواكه ولحم وخبز... كنا نذهب انا وأولاد عماتي وبنات عماتي الى الكنيسة والى نادي الأرمن نحضر تمارين الكورال ونعود ونحن نضع أيدينا في ايدي بعض، لا أعرف الأطباق والأوعية التي كانت أمي تحضر فيها الطعام لنا جميعاً ...كنا سعيدين ومستغربين ان يكون في بيوتنا لاجئين...كانت الجَمعة حلوة والاجتماع بأقربائنا البعيدين رغم القرب مسألة ممتعة...أقرباؤنا لاجئين عندنا...عبارة غريبة جداً...بكولونياتهم الأصلية الفرنسية الغريبة وشامبوياتهم التي لم تصل الينا بعد ولا نعرفها وباسطواناتهم وكاسيتاتهم وبلهجتهم اللبنانية الجميلة، ونحن نشتهي علبة السمن أو علبة الحليب أو كيلو الليمون أو كيلو البرتقال أو الموز!!! وكان ابي يتدبر كل ذلك وزيادة ...من أين ؟ لا أعرف...أكيد من السيارات العامة التكاسي في كراج لبنان الموحدّ في منطقة البرامكة، وأنا اليوم عاجز عن تأمين ربطة خبز... أحببناهم وأحببنا ماكياجاتهم الساحرة الأصلية...تلك الماكياجات التي لم تكن لدينا ادنى فكرة عن أسمائها ولا أسعارها وسياراتهم الفخمة وسياراتنا الغير فخمة بسبب منع الاستيراد لمدة قرن... مع العلم ان سعر سيارة واحدة من سياراتنا هنا في سوريا يفوق سعر كل سياراتهم مجتمعة وهذا قانون الندرة فهناك من يدفع 100 $ ثمناً لشربة ماء في الصحراء.
كنا نقول أن مرابحنا أكثر من مرابحهم فنحن في أمن وأمان وهم أضاعوا الأمن والأمان وحربهم الأهلية أقسى من حرماننا رغم المال الذي حصلوا عليه نتيجة سفر اولادهم وعملهم خارج لبنان والازدهار والمال الذي نجم عن ذلك، وحريتهم الفضفاضة التي كانوا ينعمون بها لا معنى لها في ظل ما هم فيه من حرب وبؤس ورعب وخوف والمهم هو أمننا وأماننا...كنا سعداء وكنا أقوياء وغير قابلين للإختراق وضد الكسر وفجأة خسرنا كل شيء ولم تنفعنا تضحياتنا في شيء...كانوا يتحدثون عن القنص فنضحك ويحدثونا عن المفخخات فنستغرب ويحدثونا عن الحرائق والمجازر والثأر والخطف والقتل والتشنيع المتبادل فلا نفهم كل ذلك الى أن وصلت النار الى ذقوننا وها نحن اليوم ندخل نفس المسرحية ونلعب تلك الأدوار...تعلموا ألف ألف درس من تجربتهم وحصنوا أنفسهم بالعلم ـ وبالارساليات التبشيرية والمدارس التي انبثقت عنها ـ والمعاهد ـ والجامعات التي تضاهي تلك الموجودة في الغرب وكل ذلك بهمة بعض المتنورين الذين لم يسمحوا بخراب التعليم ـ واهتموا بالاطفال ثم بالشباب لإدراكهم بأن هؤلاء هم بذور المواسم القادمة ـ واهتموا باللغة الأجنبية الى أقصى درجة حيث يتعلم الطفل في الروضة أغنية بالفرنسية يتلوها أغنية بالانكليزية ـ ...أما نحن فحالنا حال...ومع ذلك فألف ألف انسان لا يمكنهم إقناعي بأنه حان الوقت لتبادل الأدوار.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 15 12 2012
arasouvalian@gmail.com