منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    كسيرُالجناحَيْن !

    كسيرُالجناحَيْن
    يُذيقُ الشــــــــامَ الأمَرّيْن


    آية مُحكمة بيّنة في كتاب الله تعالى ، موجزة المبنى ، عظيمة المعنى ، واسعة المغزى ، فسيحة المَرْمَى ، لو عمل الناس بها ووقفوا عند حدودها لكفتهم ، إنها قول الحق جلّ شأنه : ( وما خلقت الجن والإنس إلإ ليعبدون ) (الذاريات56) حيث فسّر الإمام الرازي هذه العبادة المطلوب تحصيلها من العباد بقوله : ( هي التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله ، فإنّ هذين النوعين لم يخل شرع منهما ) (تفسير الرازي14/234) فهذان جناحان يحلّق بهما المرء في سماء العبودية لله تعالى ! وحبلان يشدّان فيه عُرى التقوى والإيمان !
    وقد قرن سبحانه وتعالى بين التعظيم لأمره والشفقة على خلقه في مواضع من كتابه ؛ وذلك لأنّ هَذَينِ الأصْلينِ هُمَا جِمَاعُ الدِّينِ وأسّه ولبّه ، فبيّن أنّ الملائكة أولئكم العباد المكرمين معظمون لأمر الله مشفقون على خلق الله :
    فقال ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر7)، وقال تعالى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الأرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الشورى 5).
    فقوله: (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) مشعِرٌ بالتعظيم لأمر اللّه، وقوله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) مشعِرٌ بالشفقة على خلق اللّه !
    لذا حثّ الله عباده على ترسّم خطا الملائكة الكرام في تعظيم أمره والشفقة على خلقه فقال تعالى : (يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ) (المائدة8).
    قوله: (كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ) إشارةٌ على التَّعْظيم لأمر اللَّه، ومعنى القيام للَّه: هو أن يَقُومَ للَّه بالحقِّ في كلِّ ما يَلْزَمه،من إظهار العبوديّة وتعظيم الربوبيّة ، وقوله: (شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ) إشارةٌ إلى الشَّفقة على خَلْقِ اللَّه (تفسير الرازي 6/184).
    وبيّن جلّ شأنه أنّ مَنْ عظّم أمر ربّه وأشفق على خلقه حاز معيّته ،
    فقال : (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل128)، ولازِمُ معيّته سبحانه : الرحمة والتسديد والتوفيق !
    فقوله تعالى: (الَّذِينَ اتَّقَواْ) إشارة إلى التعظيم لأمر الله، وقوله- جل ذكره – (وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) إشارة إلى الشفقة على خلق الله، فكمال الطريق إذن : حبلُ عامرٌ مع الحق، وحبل ُعامرٌ مع الخلْق.
    ومضى السلف الصالح يتواصَوْن بتعهّد هذين الجناحين وهذين الحبلين ، فقد قيل لهرم ابن حيّان عند الموت: أوْصِ! فقال: إنما الوصية في المال ولا مال لي، ولكني أوصيك بخواتيم سورة النحل (تفسير الخازن: 2/ 108)، إشارة إلى قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل128).
    وما أن وطأت قدما رسول الله – صلى الله عليه وسلم - المدينة المنوّرة دار هجرته حتى سارع إلى بناء مسجد قباء ، ليعَظّمَ اللهُ تعالى في رحابه ، ثمّ ثنّى عليه الصلاة والسلام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وفي ذلك ترجمة لمبدأ الشفقة على خلق الله تعالى !
    لنخلص من ذلك كلّه : أنّ عدم التعظيم لأمر الله ، والترخّص في الشفقة على خلق الله إنما هو دَيْدن أهل الكفر والزيغ والضلال ، تأمّل في ذلك قوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (فصّلت7،6) فشركهم بربّهم يخرق تعظيمهم له ، ومنعهم الزكاة يضادّ شفقتهم على خلقه .
    وجماع القول في ذلك أنّ َالتَّعْظِيمَ لأمْرِ اللَّهِ ، والشفقة على خلق الله ، يَكُونُ بتعظيم حرماته { ذلك ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربّه } (الحج30) وكذا بتعظيم شعائره كما قال جلّ شأنه { ذلك ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } (الحج32) والشعائر جمع شعيرة ، وهي كلّ ما أشعر الله تعالى بتعظيمه ، ومن طليعة ذلك دماءُ الشعوب ، التي ينبغي أن تقصر كلّ نفس آثمة عن الولوغ فيها ، وأعراض الشعوب وحرماتها التي ينبغي أن ترتدع كلّ نفس شقيّة عن تلويثها ، وثروات الشعوب ومقدّراتها التي يتوجّب على كلّ يد آثمة أن تكفّ عن إهدارها ... أما الشفقة على خلق الله تعالى فتعني خفض جناح الرحمة لهم ، والرأفة بهم ، والقيام على مصالحهم ، وإحاطتهم بالنصح والعناية والكلاءة !
    في ضوء ذلك : فإذا ما استباح طاغية دماء شعب وحرماته يكون قد كسر جناح التعظيم لأمر الله بمخالفته إياه وخروجه عليه ، ومن جانب آخر قد كسر جناح الشفقة على خلق الله ، وبذا قد رثّ حبلاه فانقطعا به عن سبيل كلّ تقوى وإيمان ، وتفرّقا به عن طريق النجاة والأمان ! فيكون بصنيعه هذا قد حكم على نفسه بالشقوة : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لا تنزع الرحمة إلا من شقيّ ) (مسند الإمام أحمد وسنده حسن).
    وجعل بينه وبين رحمة الله تعالى له حجاباً ، فقد قال رسول الله صلى الله عليهوسلم ( من لا يَرْحَم لا يُرْحَم ) (البخاري)
    وتجدر الإشارة إلى أنّ الشفقة على خلق الله تمتدّ وتتسع لتشمل سائر المخلوقات ، العاقلة منها وغير العاقلة لأنها خلق الله ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا يسأل اللهُ عنها يوم القيامة) (مسند الإمام أحمد) فما بالك بمن يقتل أنفساً مؤمنة معصومة مظلومة ؟!
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دخلت امرأة النار في هرّةربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ) (رواه البخاري ) فما بالك بمن يحاصر شعباً بأكمله ، فيزج بهم في وطأة مَسغبة ، ويقحمهم في أتون مَكربة ، فضلا عن انتهاكه لحرماتهم وإزهاقه لأرواحهم بعد سَوْمهم سوء العذاب ؟
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : (من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يومالقيامة )(رواه البزار والطبراني بإسناد حسن) فما بالك بمن يقصف الآمنين في بيوتهم ، ويمطرهم بوابل من الرّصاص والقذائف فيروّع بذا شيوخهم ونساءهم وأطفالهم ؟! بل ويحيلهم أشلاء متناثرة!
    وعلى هذا النحو فانّ المنكّل بشعبه قد نزعت الشفقة من قلبه ، فإذا به يبيت ويصبح في مساخط ربّه ، ويلتفح بزفرات أبناء شعبه الذين تتقطع قلوبهم منه كمدا وعليه غيظاً!
    وكان الأجدر بكلّ من وُلّي على شعبه أن يُشعر قلبَه الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا يكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ والولوغ في دمائهم ! فإنّ ذلك إدغالٌ في القلب ومنهكة للدين، ومن أحدث له ملكُه وسلطانه مخيلةً وأبّهة فلينظر إلى عظم مُلك الله فوقه وقدرته عليه ، فإن ذلك يطامن مِن جماح مَنْ أوتي مسكة مِن لبّ ، ويفيء إليه ما عزب عنه من عقله.
    ولمّا كانت القاعدة الشرعية تقول : ( إذا عظم الزمان والمكان عظمت الطاعة والعصيان ) فإن كسير الجناحين يكون قد جنى وزراً كبيراً وحصد شرّاً مستطيرا ، باستطالته على رقاب أبناء شعبه المرابطين في أرض الشام ، فبدل أن يكون لبنة صالحة في صرح رباطهم ، رضي لنفسه أن يكون معول هدم ينهش صرح صمودهم ويفتك بمعالم رباطهم ! ففي ظلّه نزلت بساحتهم كروب ، وادلهمّت عليهم خطوب !

    وبهذا يكون كسير الجناحين قد ضيّع نفسه في الدّارين : ذلك أن ممشاه هذا سيسوقه في دنياه إلى وبال ، ويُسلمه في أخراه إلى دار الخزي والهوان ، جهنم وبئس المآل !
    فالحاكم العدل في حكمه قيام للناس ، والحاكم الجائر يجرّ على نفسه وشعبه الضنك والبأس ، ويحفّ رعيته بأجواء الإحباط واليأس ! من أجل ذلك فإنّ الإسلام لم يتشدّد في شيء
    من الحقوق والمعاملات تشدّده في حقن دماء الأبرياء ، وصيانة أعراضهم وحرماتهم ، فقد قال سبحانه { ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيما } (النساء93)
    وقال عليه الصلاة والسلام : ( لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يُصِب دما حراما ) (البخاري)
    وعليه : فليحذر كلّ طاغية مُساماة الله في عظمته والتشبّه به في جبروته ؛ فإن الله يذل كلّ جبّار، ويهين كل ظالم ، ويقصم كلّ طاغية ، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجته ، وعجّل له هلكته ، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة ، وتعجيل نقمة من إقامةٍ على ظلم ، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد.
    وعليه نقول لكلّ كسير جناحين قولا لا مُدالسة فيه ولا خداع : ليس شي‏ء أعجل لنقمة ، ولا أجلب لغمّة ، ولا أحرى بزوال نعمة ، ولا أعظم لتبعة من سفك الدماء ، والله سبحانه مُبتدئ قضاءه بين عباده يوم القيامة فيما تسافكوا من الدماء ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) (متفق عليه) فلن يقوى سلطان ، ولن يستقرّ مُلْك بسفك دم ؛ بل إنّ ذلك مما يضعفه ويوهنه ، وينقض دعائمة فيزيله وينقله!

    وبعد : فما حلّق ذَوُو أجنحة مكسورة ... ورفرفت أجنحتهم الكسيرة تلك في سماء معمورة ، إلا إذا كانت عيون أحرار الأمة عن أمثال هؤلاء ساهية ! وقلوبهم لاهية ، وخذلت جموعُ الأمّة بعضَها بعضا ، فلم تهبّ لنصرة المستضعفين ، ولم تضرب بيد من حديد على أيدي الباغين العابثين !
    أمَا وقد بات الشام مسرحاً للمظالم حيث الدّماء المسفوحة ، والقلوب الدّامية المجروحة ، والأعراض المكلومة ، والحرمات المستباحة ، فقد باتت معه كرامات أمّة الإسلام طعينة مهينة ، ولله درّ القائل :

    يا شام هل يحجز الأشواقَ قضبان؟ ... أم يحجب الطيفَ أســوارٌ وجدرانُ؟
    قد استوينا فكـل رهـن محبســـــه ... للظلم من حولـه ســـــــــوط وسجّانُ
    لنـا إذا هبّت الأنســــــــام لاعجـة ... من حرقــــــة الوجـــد فالأكباد نيرانُ
    يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت ... في الأفق بارقـــــــــة تخبو وتزدانُ
    لا عتب أن فـرقتنا للنوى ســـــبـلٌ ... فالدهر ذو دولة والوصــــــــل ميانُ
    وهـكـذا تنضب الأرواح نازفــــــة ... بكل جرح مرارات وأشــــــــــــــطانُ
    نباكر الغَمَّ في الإصبـــــاح متقـداً ... وفي العشــــــــــية آهات وأشــــجانُ
    تطير أرواحنا شـــوقاً ولـو قـدرت ... طارت إليكم مع الأرواح أبـــــــــدانُ
    أنتم ندامى الهـوى ما للهوى بـدل ... منكم إذا ســــــــامر المشتاق ندمانُ
    لسنا من الحب في شيء لو انصرفت ... عنكم صبابتنــا أو ضلّ وجــدانُ
    نسلـو الحياة ولا نســــلو تذكركـم ... وهل تداوى بغير الذكـــــــر ولهـانُ
    وحسبكم أنكم في القلب مســـكنكم ... حيث الأســـى راتع واليأس حــرانُ
    أواصر الحب كـلُّ الحب تجمعنــــا ... رغم القيود أمَا قد قال حــــســـانُ :
    إما ســـــــــألت فإنـا معشـر نـجُبٌ ... الأزد نــــســـبتنا والماء غســـــانُ
    الله أكبـر! هـذا الظلـم فرّقنـــــــــا ... وللمقاديــــــــــــــر إيــلاف وإظعــانُ
    وأعذب الحبّ ما كـانت موارده ... بـالقدس،أوّاه هل للقدس نســــــــيانُ؟
    يا شامُ يا معقلَ الإسلام ما ركضت ... بُلْقُ الخيـــــــول ومدّ الظلَّ أفنــانُ
    إذا تضاءل هـذا الحــبّ عن بلـــــد ... ففي مرابعــــــــكم فيء وأكنـــــانُ
    تالله ما الغوطـــــــــة الغناء منيتنا ...وفي مسارحها للحُـسـْـــــن غزلانُ
    ولا رســـــــــوم لأجداد بسـاحتكـم ... إذ كان يملكها أزدٌ وزهـــــــــــرانُ
    ولا صبَا بردى يســبي مشاعرنـا ... لكنما حبّكم دينٌ وإيمـــــــــــــــــانُ

    أجل : فحبّ الشام وأهل الشام ، ونصرة الشام وأهل الشام ، هو دين وإيمان ، وبالتالي هو ميزان حرارة تُقاس به عافية الإسلام ، في كلّ نفسٍ رضيت بالله ربّاً وبالإسلام دينا وبمحمّد – صلى الله عليه وسلم – نبيّاً ورسولا ... فهل من مدّكر ؟!

  2. #2
    السلام عليكم , د. عيد , لقد خطّ بنانك نافعاً أجل تعظيم الله والشفقة على العباد جناحان يحلّق بهما المرء في سماء العبودية لله تعالى . الموضوع راق , وهات المزيد . وفقت لكل خير .
    وما بكم من نعمة فمن الله

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •