تربية جيل الآي والتاب
د. محمود نديم نحاس
كنا نطلق اسم الشاشة الصغيرة على شاشة التلفاز على اعتبار أن الشاشة الكبيرة هي شاشة دار السينما. وبالفعل فإن أول تلفاز اشتريته كانت شاشته 12 بوصة أبيض وأسود من إحدى الماركات المشهورة، فذاك ما سمحت به ميزانيتي وقتها. لكن مع ظهور الحاسبات الشخصية ثم الهواتف الذكية وأجهزة الألعاب صرنا نتحدث عن شاشات أصغر فأصغر، فالشاشة تصغر من الأي باد إلى الآي فون إلى الآي بود، وكذلك تصغر شاشات أجهزة التاب وغيرها من الأجهزة المنافسة. المشترك في كل هذه الأجهزة مهما صغرت شاشتها أنها تمكِّن صاحبها من الدخول على الشابكة (شبكة الإنترنت) وتنزيل ما يريد من تطبيقات. وإذا كنا نرى أولاد الابتدائية اليوم يحملون أجهزة الأي بود التي يستطيعون بها القيام بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال فإننا بلا شك في حاجة ماسة إلى الإبداع في اختراع طرق تربية خاصة بجيل الآي وجيل التاب.
كانت الأم في الماضي تستطيع أن تتحكم ببرامج التلفاز التي تعرضها لأولادها، أو بالألعاب التي تشتريها لهم لجهاز البلاي ستيشن، فأنى لها أن تتحكم بما ينزله أطفالها على أجهزتهم الخاصة؟ وأن تعرف مع مَن يتراسلون؟ إذ من الملاحظ أن كثيراً من الأطفال عندما يصبح أحد أجهزة الآي أو التاب في أيديهم فإنهم يهجرون غيره من أجهزة الألعاب، بل وحتى جهاز الحاسب نفسه.
يمكن استخدام أجهزة الآي وأجهزة التاب في التعليم لما يحتويه موقعا مخزني البرامج الأبل ستور (لأجهزة الآي) والبلاي ستور (لأجهزة التاب) من تطبيقات تعليمية رائعة، لكن هل فعلاً يقتني الأولاد هذه الأجهزة من أجل التعليم؟ أم من أجل اللعب ومشاهدة أفلام الكرتون أو حتى الأفلام من كل نوع؟ إضافة إلى الاتصال غير الهاتفي مع مَن هبّ ودبّ؟ مما قد يعرّضهم للتحرش أو الابتزاز في غفلة من الأهل، لاسيما إن كان الأهل أقل متابعة للتقنية من أطفالهم. فهؤلاء الأطفال يتعلمون من زملائهم في المدرسة أو ممن يتحادثون معهم عبر برامج الشات Chat كيفية الوصول مجاناً إلى البرامج غير المجانية عن طريق ما يُسمى الجيلبريك Jailbreak أو كسر السجن. فقد يظن الأبوان أن أولادهما لن يصلوا إلى ما لا يريدانه لهم لأنهم غير مخولّين بالدفع للحصول على البرامج، لكن سرعان ما يكتشفان أن أولادهما قد وصلوا إليه مجاناً دون استئذانهما.
في أبل ستور أو بلاي ستور يُذكر بأن هذه اللعبة أو هذا التطبيق غير مناسب للأطفال دون عمر كذا، وذلك لتبرئة ساحتهم من الناحية القانونية لكن من يمنع الأطفال من تنزيلها ولاسيما عن طريق الجيلبريك؟ هذا إضافة إلى أن بعض الصور أو الكلمات غير المناسبة لأعمارهم قد يجدونها أمامهم وهم يتصفحون مخزن التطبيقات، أو قد يجدون كلمات خادشة للحياء أو متعلقة بالشذوذ، أو كلمات جذّابة مثل: خاص بالكبار، أو ممنوع للأحداث.
ومادام الجهاز يستطيع الدخول على الشابكة فكل المواقع متاحة. فموقع اليوتيوب رغم أهميته فإنه يحتوي على ما لا يناسب الأطفال، بدءاً من الصور الأولية التي توضع دعاية لأي عرض مروراً بما يحتويه العرض من مشاهد خادشة أو مؤذية، وانتهاء بالصور التي تظهر بعد ذلك كدعاية للعروض الأخرى.
القضية معقدة وتستدعي من كل المهتمين بالتربية أن يولوها اهتمامهم، وأن يقوموا بدراسات وأبحاث توصلنا إلى طرق مناسبة لتربية هذا الجيل، وحسبي هنا أني عرضت المشكلة ونبّهت الآباء والمربين إليها، ولا أدّعي بأن عندي حلولاً سحرية لمعالجتها. ورحم الله القائل: ورُبَّ مسألة لو عُرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها كبار الصحابة يستشيرهم ويستنير بآرائهم، وهذه القضية من القضايا المهمة في التربية فلتعقد لها الندوات والمؤتمرات، فأطفالنا هم أمل المستقبل، فكيف نريدهم أن يكونوا ؟