إلى روح شيخنا العلامة
صادق حبنكة الميداني

كان لشيخنا عمامة ، لها عندي شيء ليس لغيرها،و مكانة لعلها جاءتها من مكانة صاحبها، كانت طربوشاً قديماً حوله لفة بيضاء ، تظهر بشكلها شيئاً من عراقة دمشق و أصالتها ، إذ كان هذا غطاء الرأس الذي يعتمره أغلب علمائها في سالف الأيام .
و كان لتلك العمامة أثر في نفسي ، أثر يبث لدي البهجة و السرور ، ويشعرني أن شيئاً من تراث دمشق الذي تبدد أكثره ما زال موجوداً ، و يا ...أسفا إن كان ما بقي منه عمامة لا غير .
و في لقاءاتي بشيخنا كم أطلت نظري إليها لتتراءى لي دمشق القديمة كلها ظاهرة فيها ، بناسها و حاراتها و بيوتها العتيقة ، وبعلمائها الأجلاء ، الذين كانوا يعتمرون عمامات تشبهها و لهم في الدفاع عن دينهم و الذود عن حماه صولات و جولات .
و لكم أملت أن يرى الناس في العمامة ما أراه ، ولا سيما أن شيخنا يحتفظ بها منذ أمد بعيد ، مذ كان ما ترمز إليه في نفسي موجوداً ، فهي قطعة حقيقية منه ، صنعت على عهده ، و بقيت إلى عهدنا ، لكنَ الآخرين ما كانوا يرون فيها سوى عمامة قديمة....ولا يزيدون !!
إلى أن جاء يوم رأيت فيه العمامة فلم تصنع بي ما اعتدت أن تصنع ، بل فجرت ثبج بحر من الأحزان ، مع أن تلك كانت المرة الأولى التي تحقق فيها لي ما رجوته ، كان كثير من الناس يتدافعون ليقتربوا منها و يحملوها، وهي تعلوهم فوق صندوق خشبي طويل .
كانت تلك المرة الأولى التي تحقق فيها للعمامة ما أملته .... لكنها كانت المرة الأولى التي لم يكن فيها صاحبها يعتمرها.
منقول عن الأستاذ عبد الله راتب النفاخ بتصرف