منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5

العرض المتطور

  1. #1

    أنعام قصة قصيرة حمادي بلخشين

    أنعام

    ـــــــــــــ 1 ـــــــــــــــــــ


    " لا تكوني قاسية الى هذا الحد.. أرجوك يا ابنتي.. لا أريد سوى زيارة خاطفة.. ستكون الأخيرة دون شك.. أرجوك أرجوك.. بحق أبينا الذي في السماء.. حسنا حسنا لا تغضبي.. لنقل بحقّ محمّد.. إن كان ذلك سيرضيك.. ألا يسعك تنفيذ رغبة رجل يموت... أعتذر لك عما حدث آخر مرّة .. كنت مثيرة أكثر مما يجب.. أفهميني جيدا..نحن أمام معطيات جديدة.. لقد تغير الوضع عما كان عليه منذ يومين.. سأموت.. نعم سأموت.. قد يحصل هذا بعد ساعات.. ربما أقل.. لن يقدر حتي المسيح نفسه عن مساعدتي.. أرجوك صغيرتي فيرونيكا ... أين الرحمة التي علمكها الدين الجديد؟.. اللعنة.. ماذا عساك تخسرين...ألم تكوني يوما مدللتي؟ ألم تنالي الأفضل من كل شيء.. لقد عشت كأميرة حقيقية.. أرجوك لا تدعيني أصمك بالجحود".


    أغرورقت عيناي بالدموع و أنا اتابع، و لليوم الثالث على التوالي، توسلات الملياردير النرويجي تور بيارن هنسن وهو يناشد ابنته الوحيدة فيرونيكا بأن تمن عليه بزيارة أخيرة قبل نقلته الى العالم الآخر...

    كان حزني في تلك الساعة( كما هو حال تعاطفي) أعمق منه اليوم من سابقيه من الأيام، لأن التدهور الصحيّ السّريع و المفاجئ (و خصوصا العصيّ عن التفسير) الذي قد طرأ على مريضي الذي كلفت بالإشراف عليه باعتبارى رئيسة الممرضات، قد سفه كلّ تكهنات الخبراء و المستشارين ماحيا من أذهان اللجنة الطبية المنتخبة على صعيد عالميّ، أي أمل في الشفاء.
    منذ أيام أربعة، كان الأمل في عودة المليادير النرويجي العجوز الى حياة طبيعية يفوق التسعين بالمائة، خصوصا بعد تحسن صحته الذي أعقب تجربة أحدث دواء لم يطرح بعد في الأسواق.. أما الآن فلم يبق لديه سوى ساعات معدودات كي يعيشها. لكم وددت ـ فكرت في هذا منذ اول أمس ـ لو أنني أعرف هاته الفيرونيكا العاقة، حتى أتطوع بالإتصال بها حتى لو استقلت طائرة الى أقصى الشمال النرويجي المتجمد لتحقيق طلب والد يموت... ستتضاعف حظوظ نجاحي دون أدنى شك، إذا كانت تلك الفيرونيكا الجاحدة مسلمة حقا.
    أعلم جيدا أن مريضي لا يستحق دموعي و لا حتى تعاطفي، و لكنني كيف أصنع بقلبي.. منذ أسبوعين استغل تور بيارن هنسن لطفي الزائد و معاملتي الرقيقة التي أوزعها بالتساوي على إناث المرضى و ذكرانهم، ليفاجئني بكل وقاحة: " سميرة.. هل تعرفين... لو كنت محجبة.. لهان عليّ دفع مليون كرونة كي أمضى معك ليلة واحدة !" كنت مصعوقة حين أضاف مبتهجا: " هذه فنتازيا قديمة ظلت تلازمني . فمنذ شبابي الباكر كنت و لا أزال أحلم بالنوم مع امراة محجّبة !" كنت أحاول كتمان غيظي حين أضاف معتذرا " لا تأخذي مزاح شيخ مريض بعين الإعتبار "... هكذا هم الأغنياء لا يكفون عن التصور بان كل شيء قابل للشراء..منذ تلك الصدمة بدأت اقتنع بقول زوجي بان المرأة المكشوفة المفاتن هي اول من يعين مغتصبيها.. هاهو تور بيارن هنسن يسلبني حتى شرف اغتصابي حين أعتبرني مجرّد بضاعة لا يحول بين تناولها غير دفع ثمنها.. إجتاحنى شعور غامر باحتقار ذاتيّ، حين تبيّن لي بأنني كنت مبذولة لديه إلى درجة لم أستحق معها مجرّد الأخذ و الردّ.. حتى المراودة استكثرها عليّ.. اعتبر نيلي بديهة.. كل ما كان عليه تحديد ثمن لا يقاوم كي يمارس حقّ المشترى في الإستفادة من بضاعته...فجأة توقفت عن سيل افكارى حين وجدت نفسي أقرن اسم جارتي و صديقتي فيرونيكا هنسن.. باسم تور بيارن هنسن... خفق قلبي بشدة حين تذكرت أن صديقتي فيرونيكا محجبة.. رباه هل تكون هي نفسها.. إزداد خفقان قلبي حين تذكرت أن جارتي الباكستانية بشتانا قد أفادتني منذ أربعة أيام أنها شاهدت فيرونيكا هنسن منذ و هي تغادر هذه المصحّة باكية.. السفر المفاجئ لفيرونيكا هنسن حال بيني و بين سؤالها عما ألمّ بها فأبكاها.. كان علي انتظار عودتها ـ التي حصلت بالأمس فجرا ـ حتى أسألها.. بعد خمس دقائق و حين شرعت في تشكيل رقم جارتي و صديقتي فيرونيكا هنسن على هاتفي النقال، كنت أعلم علم اليقين بأنها هي نفسها إبنة الملياريدر الموشك على الرحيل. لم يكلفني التحقق من ذلك سوى فتح الملف الطبي للمريض تور بيارن هنسن لأجد رقم هاتف جارتي و صديقتي فيرونيكا ضمن أرقام هواتف من يجب أخذ موافقتهم الخطيةّ في صورة اللّجوء إلى تدخل جراحي عاجل.. رباه.. لم أكن أعلم حين كنت ــ إلى حد لحظات قليلة ــ على استعداد للسفر الى أقصى نقطة في النرويج لجلب البنت العاقة، أن تلك الرحلة لن يكلفني سوى ربع ساعة على السيارة لسحب جارتي و صديقتي من يديها الى حيث يرقد والد مكلوم على شفا حفرة من القبر!

    و أنا أنتظر سماع صوت فيرونيكا، لم كان أهتم بإسرارها لي في ما سبق


    من معرفتنا، بأنها مجهولة الأب، و بأنها لا تعرف عن والدها شيئا يستحق الذكر، لأن ما سأواجهها به لا يمكن دحضه بحال من الأحوال.

    و أنا ارتقب صوت فيرونيكا، لم يكن يروادني أدني شك في نهاية سارّة بين أب مهجور و ابنة عاقة.. نهاية تستهل بحضور عاجل من فيرونيكا و تنتهي بين أحضان والد مهجور مشرف على الموت.. كنت جدّ متأكّدة من تلك النهاية السعيدة التي ستتحقق فور تذكير صديقتي بواجبها تجاه أب أوصى الإسلام بمصاحبته في الدنيا معروفا حتى وهو كافر، بل حتى وهو يدعوها صراحة الى الكفر. خصوصا و أن عمق تدين جارتي و صديقتي النرويجية قد حملها بعد تعلم العربية، على الشروع في قراءة التفاسير المترجمة التي أتت فيها على الربع الأول من القرآن الكريم كما أخبرتني بنفسها منذ مدة.


    ذلك هو السيناريو الذي توقعت حصوله و لكن الذي حدث لم يكن في حسباني!

    ــــــــــــــ 2 ــــــــــــــــــــ


    " منذ سن الثامنة شرع في اغتصابي بطريقة منهجية.. عزلني عن العالمي.. لم أدخل مدرسة كبقية الأطفال.. تلقيت تعليمي بالبيت.. حرمت من الاختلاط بأترابي من جيران و أقارب.. كنت لا أغادر البيت إلا و أنا مخفورة بسائق أو برئيس خدم.. الى حد الثالثة عشرة ظللت أعتقد أن تلك الممارسة تدخل ضمن واجب البنت تجاه أبيها.. حتى مدرّساتي الخصوصيات كن يوحين لي ــ لا أشك أن ذلك كان بإيعاز منه ــ بأن ما يحصل كان طبيعيا..حين تأكدت من إجرامه شكوته للسلطات النرويجية، صحيح أنه لم يسجن بسبب كثرة معارفه.. لكنني غادرت سجنه الى الأبد.. سميرة أرجوك... لا تحاولى إقناعي بزيارته ..صدقيني. إنه شيطان حقيقي لا أمل في اصلاحه...حين زرته منذ أربعة أيام.. حصل ذلك بعد فراق أكثر من عشر سنين .. فعلت ذلك مدفوعة بايماني الجديد، و كلي أمل في طي صفحة الماضي الأسود .. فور احتضانه لي فوجئت به و هو يتحسس مناطق لا تحلّ لغير الزوج .. أقدم على فعل ذلك قبل أن يعبر لي و بكل صفاقة عن رغبته الآثمة في وصل ما قطع بيننا! " الساعة فقط ازددت فيك رغبة.. فمنذ شبابي الباكر كنت و لا أزال احلم بالنوم مع امراة محجبة"...هكذا قال لي.. سميرة كفّي أرجوك .. لا يهمني حتى و ان كانت حالته قد تدهورت.. هل تعلمين ان دخول الكافر النار و الى الأبد سببه علم الله تعالى بان ذلك الكافر سيظل كافرا الي الأبد قال الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم (( و لو ردّوا [ و الحديث عن كفار عاينوا النار و قيل دخلوها أصلا] لعادوا لما نهوا عنه [ من الكفر] و انهم لكاذبون [في دعواهم التوبة])) صدق الله العظيم . وهكذا أبي في فسقه..فلو رد صحيحا لعاد إلى مراودتي كأشد ما يكون."
    ـــــــــــــ 3 ـــــــــــــ
    لم أشعر بأن الرجل الأبيض (الذي فتن نخبنا ببريق حضارته التي تخفي وراءها عفنا ثقافيا دفينا) لا يختلف أحيانا في سلوكه عن الأنعام، إلاّ حين أخبرتني صديقتي فيرونيكا هنسن بأن الآية القرآنية الكريمة التي أستشهدت بها كانت من سورة الأنعام!
    أوسلو 6 سبتمبر 2010

  2. #2
    ماأروع ماكتبت...
    ذكرتني بموقف شهدته وانا اهبط الميترو في باريس...
    أسود يلطم أبيض على خده ويهرب...
    لما سألت والدي..قال لي الزنوج يعانون ظلما وعنصرية في بلد الحضارة هذه لذا هذه المواقف كثيرة جدا....وربما انجرفوا لعالم الجريمة اكثر...
    سلمت يداك على هذه الثصة الإنسانية والتي أمطت اللثام على حقيقة مازالت واقعة رغم كل الرتوش الظاهري..
    تثبيت
    ( ننتظر المزيد من سهاب مصوبه لهناك فيكفينا مافينا)
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    العراق
    المشاركات
    2,207
    السلام عليكم

    توقفت عند قوله بحق أبينا الذي في السماء وبعد ذلك يقول لا تغضبي بحق لنقل بحق محمد .

    ومرة أخرى يقول لها كنتِ مثيرة وبعد هذا يقول يا ابنتي .

    هنا لم أفهم لغة المخاطبة الواردة أعلاه .

    لكن مع تتابع النص اكتشفت ما اشكل عليّ .

    حقاً استمتعت بهذا النص الجميل والذي يستحق التثبيت .

    تقديري لك
    إِلبِس أَخاكَ عَلى عُيوبِه ------ وَاِستُر وَغَطِّ عَلى ذُنوبِه
    وَاِصبِر عَلى ظُلمِ السَفيهِ ------ وَلِلزَمانِ عَلى خُطوبِه
    وَدَعِ الجَوابَ تَفَضُّلاً ------ وَكِلِ الظَلومَ إِلى حَسيبِه
    وَاِعلَم بِأَنَّ الحِلمَ عِن ------ دَ الغَيظِ أَحسَنُ مِن رُكوبِه

  4. #4
    اخي الكريم علي جاسم اسعدني حضورك اسعد الله ايامك و ادام تالقك لك كل المودة و التقدير

  5. #5
    الأخت الكريمة ريمة شكرا على المرور و الإضافة لك خالص المودة و كل التقدير

المواضيع المتشابهه

  1. خال قصة قصيرة حمادي بلخشين
    بواسطة حمادي بلخشين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-27-2012, 03:03 AM
  2. خلط قصة قصيرة حمادي بلخشين
    بواسطة حمادي بلخشين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-22-2012, 08:31 AM
  3. بخل قصة قصيرة حمادي بلخشين
    بواسطة حمادي بلخشين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-10-2011, 07:14 PM
  4. خال قصة قصيرة حمادي بلخشين
    بواسطة حمادي بلخشين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-30-2011, 04:27 PM
  5. رجم قصة قصيرة حمادي بلخشين
    بواسطة حمادي بلخشين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05-21-2011, 09:26 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •