منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

العرض المتطور

  1. #1

    ( العمامة ) بقلم صلاح جاد سلام



    جاء في القاموس المحيط :
    العِمامةُ، بالكسرِ( لغة ) : المِغْفَرُ، والبَيْضَةُ، وما يُلَفُّ على الرأس, والجمع : عَمائِمُ وعِمامٌ . آهـ
    وفى المخصص لابن سيده هى اللباس الذى يلاث على الرأس تكويرا . آهـ
    والعصابة والعمامة سواء .

    وهى بهذا التعريف تنتشر بشكل كبير بين كثير من الشعوب والأمم ، كما أنها تختلف فى شكلها ولونها ومغزاها اختلافا كثيرا ،
    فكثير من العرب يلبسونها ، ويشتهر الطوارق بلبسها ، وبذا فهى إحدى العلامات المميزة لهم ،
    ويشتهر السيخ فى الهند بلبس العمامة الكبيرة نسبيا ، وفى العالم الإسلامى يلبسها كثير من رجال الدين ، ويختلف لونها وشكلها ومغزاها باختلاف المذاهب الإسلامية ، لاسيما عند الشيعة وعند أهل السنة والجماعة ، ولبس السلاطين والحكام فى الشرق العمائم باعتبارها بديلا عن تيجان الملوك والحكام فى الغرب .
    واتخذ الخلفاء العمائم على القلانس ، فإن كانت القلانس مكشوفة زادوا في طولها وحدة رؤوسها ، حتى تكون فوق قلانس جميع الامة .

    وللعمامة عند العرب شأن كبير ، حتى قيل :
    "اختصت العرب بأربع : العمائم تيجانها والدروع حيطانها والسيوف سيجانها والشعر ديوانها".
    وكانت من علامات الشرف والسؤدد عندهم ،
    وفى هذا قال غيلان بن خرشة للاحنف بن قيس :
    يا أبا بحر مابقاء ما فيه للعرب ؟
    قال : اذا تقلدوا السيوف وشدوا العمائم واستجادوا النعال ولم تأخذهم حمية الاوغاد ،
    قيل : وما حمية الاوغاد ؟
    قال : أن يعدوا التواهب ذلا . آهـ
    قال شاعرهم مادحا ومفتخرا:
    فجاءت به سبط البنان كأنما *** عمامته بين الرجال لواء
    وقال آخر:
    تلوث عمامة وتجر رمحا *** كأنك من بني عبد المدان
    وقال غيره :
    تنخبتها للنسل وهي غريبة *** فجاءت به كالبدر خرقا معمما
    وقال أبو حزرة جرير بن عطية بن الخطفى ( ت 110 هـ ) :
    يا أيها الرجل المرخي عمامته *** هذا زمانك إني قد مضى زمني
    وقال امرؤ القيس :
    يا مال والسيد المعمم قد *** يبطره بعد رأيه السرف
    نحن بما عندنا وأنت بما عندك *** راض والرأي مختلف
    ونظم بعضهم فقال : إذا المرء أثرى ثم قال لقومه *** أنا السيد المفضى إليه المعمم
    ولم يعطهم شيئا أبوا أن يسودهم *** وهان عليهم زعمه وهو ألوم
    وقيل : [ جمال الرجل في عمته وجمال المرأة في خفها ] ،
    وسئل أبو الأسود الدؤلي عن العمامة فقال :
    هي جُنة في الحرب ومكنة من الحر ومدفئة من القر ووقار في الندى وواقية من الأحداث وزيادة في القامة ، وهى بعد من عادات العرب . آهـ
    وقيل لأعرابي : إنك تكثر من لبس العمامة ،،،
    فقال: إن شيئا فيه السمع والبصر لجدير أن يوقى من الحر والقر،
    وقيل : هي ستر للرأس من الحوادث كالحذف والصفع والضرب، وهي تستر ما يشين الرأس من شيب وصلع ،،
    قال الشاعر:
    إذا ما القلاسي والعمائم أجهلت *** ففيهن عن صلع الرجال حسور

    فالعمامة تضفي على صاحبها جمالا وحسنا ووقارا ، بالإضافة إلى منافعها وفوائدها .

    وكما اختلفت العمائم في أشكالها وألوانها وأطوالها ، اختلف أيضا في أسمائها تبعا لهذا ،،
    فمن أسمائها وهيآتها :
    ( المكورة والعصابة والـمِعْجَر والـمِشوَذ والمقطّعة والتلثيمة )
    وهذه الأسماء مأخوذة من هيئة تكويرها و طريقة تكويرها على الرأس ،،
    فمن الناس من يشدها ، ومنهم من يرخي طرفا منها بين كتفيه أو على أحدهما ، وهذا الجزء المتدلي يسمى ( العَذَبة والذؤابة والزوقلة ) ومنهم من يصغر حجمها ، وبعضهم يميلها وبعضهم يجعلها مستقيمة معتدلة .

    وقد سمى العرب هيئات العمائم بحسب أشكال الاعتمام ، فمن ذلك "الميلاء" وهي التي تمال إلى أحد جانبي الرأس و"القفداء" وهي التي لا عذبة لها و"العقداء" وهي المعقودة من الخلف و"العجراء" وهي الضخمة المكورة.

    وأطلق الإيرانيون علي العمامة اسم «دستار»،
    أما أبناء شبه القارة الهندية فيطلقون عليها اسم «سافا»،
    ، وهذا إلى جانب مسميات محلية لأشكال منها متنوعة وكثيرة .

    والعمائم كانت منذ القدم ــ ولا تزال ــ إحدى صور السمت عند العرب ، واشتهرت في القديم عمائم رجال صارت مضرب الأمثال في الهيبة وعلو المنزلة ، كعمامة أبي أُحَيْحَة سعيد بن العاص بن أمية المعروف بـذي العمامة ، الذي ذهبت عمامته مثلا لجمالها ومهابته فيها فقيل :
    ( أجمل من ذي العمامة ) ،،
    وقد عرف بذلك لأنه كان إذا لبس العمامة حرمت على كل رجل غيره اعترافا بعلو قدره . وهلك كافرا في السنة الأولى للهجرة .
    كما اشتهرت أيضا عمامة المُزْدَلف عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو من سادات العرب وفرسانهم المعدودين ، وقد عرفت عمامته بالمفردة .
    ومن المعتمين الملك حُجر بن الحارث آكل المرار الكندي والد رائد الشعر العربى امرؤ القيس .
    وأشتهر من المعتمين المخضرمين ( الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ) الزبرقان بن بدر التميمي السعدي ، وكان سيدا في الجاهلية عظيم القدر في الإسلام، وإنما قيل له الزبرقان لأنه لبس عمامة مزبرقة بالزعفران،
    وكان الزبير بن العوام معلما بعمامة صفراء فى يوم بدر .
    قالوا وكان مصعب بن الزبير يتعمم العقداء ، وهو ان يعقد العمامة في القفاء.
    وكان محمد بن سعد بن أبي وقاص الذي قتله الحجاج يعتم الميلاء ،،
    وفى هذا قال الفرزدق :
    ولو شهد الخيل ابن سعد لقنعوا *** عمامته الميلاء عضبا مهندا

    وفى العصر الحديث أطلق على السيد عمر مكرم ( ت 1822 م ) لقب قائد العمامة .
    وأقر الإسلام لبس العمائم ، ولم يحدد لها لونا ولا طولا ولا هيئة معينة .
    وقد لبس النبي صلى الله عليه وسلم العمامة ، وكانت له عمامة تسمى "السحاب" على ما ذكره ابن الأثير في ( أسد الغابة ).
    وفى صحيح الإمام مسلم بسنده عن المغيرة بن شعبة رضى الله عنه قال :
    تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلفت معه ، فلما قضى حاجته قال : " أمعك ماء ؟ " فأتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه ، فضاق كم الجبة ، فأخرج يده من تحت الجبة ، وألقى الجبة على منكبيه ، وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ، ثم ركب وركبت ، فانتهينا إلى القوم ، وقد قاموا في الصلاة ، يصلي بهم عبدالرحمن بن عوف ، وقد ركع بهم ركعة ، فلما أحس بالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب يتأخر ، فأومأ إليه ، فصلى بهم ، فلما سلم ، قام النبي صلى الله عليه وسلم وقمت ، فركعنا الركعة التي سبقتنا . آهـ
    و قال ابن القيم في زاد المعاد : وكان يلبسها يعنى العمامة ، ويلبس تحتها القلنسوة، وكان يلبس القلنسوة بغير عمامة ، ويلبس العمامة بغير قلنسوة . آهـ
    وقال النووي في شرح المهذب: لبس العمامة بإرسال طرفها وبغير إرساله ، ولا كراهة في واحد منهما ، ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء . آهـ

    وحظيت العمامة عند العرب باهتمام ملحوظ وذكر محفوظ ، حتى أصبح من شواهد النحويين قولهم ( إنما العامري عِمَّته ) ، يعنون بذلك أنه كثير التعهد لها ، شديد الاهتمام بها،
    وفى بعض الروايات أن أهل المدينة لما ثاروا على يزيد بن معاوية ( ت 64 هـ ) اجتمعوا في المسجد النبوي ، فقال بعضهم :
    قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي هذه ، ونزعها من رأسه ، ففعل الناس مثل ذلك حتى كثرت العمائم ،،،
    ولكن الأمر انتهى إلى ما وصفه الشاعر قائلا :
    رأيت بني مروان جلت سيوفهم *** عشا كان في الأبصار تحت العمائم

    وتمثل الحجاج الثقفى ( ت 95 هـ ) فى أول خطبة له واليا على الكوفة من قبل عبد الملك بن مروان ( ت 86 هـ ) بقول سُحَيْم بن وَثِيلٍ الرِياحيّ اليربوعي التميمي ( 40 ق.هـ - 60 هـ ):
    أَنَا ابنُ جلا وطلّاعُ الثَّنايَا *** متَى أضَعِ العِمامَةَ تَعرِفُوني
    وقال الفرزدق همام بن غالب ( ت 110 هـ ) :
    إذا مالكٌ ألقَى العِمَامَةَ فاحْذَرُوا *** بَوَادِرَ كَفَّيْ مَالِكٍ حِينَ يَغْضَبُ
    فَإنّهُمَا إنْ يَظْلِمَاكَ، فَفِيهِمَا *** نَكالٌ لِعُرْيانِ العَذابِ عَصَبْصَبُ
    [ عصبصب : شديد ]
    وجاء الفخر بالعمامة في أشعارهم من مثل قول عنترة العبسي :
    وما الفخر إلا أن تكون عمامتي *** مكورة الأطراف بالصارم الهندي

    وعن رؤيا العمامة ( فى المنام ) قيل : فى لبسها بضعة وجوه من التأويل ، وذلك بمقدار قيمة العمامة وطولها ولونها .
    وقيل فى رؤيا نزع العمامة وجوه كثيرة من التأويل ، وعودها على الرأس عوض ما فقد ، ولكل إنسان ما يناسبه من كل ذلك ، مما يطلب فى مظانه .

    وقد صنفت في العمامة رسائل كثيرة منها :
    * ( تحفة الأمة بأحكام العمة ) للشيخ (محب الدين أبي الفضل محمد بن أحمد بن أيوب الشافعي) المعروف بخطيب العادلية ( ت 905 هـ ) ،،،
    * ( صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة ) لكمال الدين محمد بن أبي شريف القدسي ( ت 905 هـ ) ،،،
    * ( درر الغمامة في در الطليسان والعذبة والعمامة ) للشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي المكي الشافعي ( ت 974 هـ ) ،،،
    * ( أزهار الكمامة في أخبار العمامة) للشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد المقري المغربي المالكي ( ت 1041 هـ)
    * ( المقالة العذبة في العمامة والعذبة ) للشيخ نور الدين علي بن سلطان محمد القاري الهروي الفقيه الحنفي ( ت 1014 هـ ) ،،،
    * ( الدعامة في أحكام سنة العمامة ) للعلامة جعفر بن إدريس الكتاني الحسني ( ت 1323 هـ) ،،،
    * ( العمامة ) للحافظ أبى موسى المديني ( ت 581 هـ )

    ومن الطريف أن الناس ــ حتى وقت ليس ببعيد ــ كانوا ينظرون إلى الرجل الذى يكون عارى الرأس من العمامة نظرة استهجان ، قد يصل إلى الإزدراء ، وكأنه بهذا العمل ساقط المروءة ، مستهينا بالآداب العامة ، وما كانوا يخلعون العمامة ويكشفون رؤوسهم إلا فى بعض المناسك تعبدا لله تعالى .
    ولذلك قضت الأعراف والتقاليد بفرض عقوبة قاسية زاجرة ورادعة على من يتعمد إسقاط عمامة من على رأس رجل آخر،
    أما الآن ــ في العصر الحديث ــ فقد تقلص الإلتزام بلبس العمامة لدى كثير من أبناء الشعوب العربية ، من بعد انتشار الأزياء الغربية وغلبتها ، و من ثم لم تعد العمامة زيا مميزا إلا عند السودانيين والعمانيين والموريتانيين وصعيد مصر وبعض أهل اليمن وبعض علماء الدين ورجال العلوم الشرعية ، وأعداد قليلة فى أماكن وبلاد متفرقة هنا وهناك .

    ومن نافلة القول وترصيع البيان تسجيل بعض الأمثال بصدد العمامة ، من مثل :
    العمائم تيجان العرب ،
    و من الأمثال البغدادية : ألف عمامة ولا أم خزامة ،
    و من الأمثال المصرية : ولا كل من لبس العمامة زانها ، ولا كل من ركب الفرس خيال .
    صلاح جاد سلام

  2. #2
    ماشاء الله..بحث قيم وجهد مشكور ثمين
    ينقل لقسم الأبحاث الادبية
    الف تحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    لاأظن ان احدا سبقك في هذا البحث القيم جدا
    شكرا لك أسجل إعجابي واحترامي ومتابع معك
    أسامه
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

المواضيع المتشابهه

  1. [[ الجرجير أحد النباتات المفيدة ]] بقلم صلاح جاد سلام
    بواسطة صلاح جاد سلام في المنتدى فرسان الغذاء والدواء
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-02-2013, 10:13 AM
  2. نرحب بالأديب/ صلاح جاد سلام
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-26-2011, 03:06 PM
  3. [[ فى رحاب الهجرة النبوية المباركة ]] بقلم صلاح جاد سلام
    بواسطة صلاح جاد سلام في المنتدى فرسان السيرة النبوية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-28-2011, 03:58 AM
  4. ( قالوا فى المال ) بقلم صلاح جاد سلام
    بواسطة صلاح جاد سلام في المنتدى فرسان العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-25-2011, 09:27 AM
  5. [[ أدب التوقيعات فى لغتنا العربية ]] بقلم صلاح جاد سلام
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-07-2011, 03:35 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •