إلى المفكرين السوريين المؤتمرين الآن في دولة الإمارات
:::::هذه رؤية المفكر السوري محمد نمر المدني::::::
أخاطب المؤتمرين وأخاطب الشعب السوري كله, لابصفة المعارض ولا بصفة الموالي, بل بصفتي مواطن سوري, فالمواطنة أولاً, وباسم المواطنة نطرح أفكارنا ومشاركاتنا لكي نتحاور جميعنا.يتميز مؤتمركم بأنه للفكر والبحث وهذا أفضل عمل يقوم به سوريين منذ احتدام الأزمة.سورية هي الشعب السوري كله. ومصلحة سورية هي مصلحة كل مواطن. فالمؤتمر يجب أن يفكر بكل سوري. ويخاطب الجميع وينشغل بقضايا ومشكلات الجميع.إن سورية اليوم بحاجة لمفكريها أكثر من حاجتها للسياسيين أو المسلحين أو المتظاهرين.سورية بحاجة للفكر أكثر من حاجتها للدبابة والمدرعة والبندقية. ويتعين على المفكرين أن يحدّدوا دور المواطن ودور المسلح ودور البندقية والدبابة, ودور من يسمون بالمعارض والموالي.. ومن ثم توجيه هؤلاء جميعهم إلى الطريق الأفضل الذي يخدم مصلحة الوطن. نرجو ألا تتحول قضية الشعب السوري إلى ظاهرة مؤتمرات وأجندات, فإما أن نجتمع في مؤتمر وحوار مفيد ونستخرج أفكاراً مهمة جداً وعملية أو لانجتمع ولا نعيد تكرار بيانات وتصريحات قلناها أو قالها غيرنا من قبل.إننا كمواطنين سوريين نعيش بالفعل مرحلة صعبة, فنصبح قضية مأساوية, وتصبح قضيتنا بحاجة للنقاش والبحث عن حلول. فالشارع السوري بكل أطيافه يسير نحو المجهول دون أن يدري مصيره المقبل. وهذا مايتطلب جهداً كبيرا من المفكرين السوريين للبحث الجاد عن سبل وحلول مفيدة لسورية وللشعب السوري كله. إنكم تنقذون أرواحاً ووطناً, إنكم تكتبون على صفحات التاريخ كل كلمة تقال أو همسة ترسل. فليكن كل واحد منكم على قدر هذه المسؤولية التاريخية. الشعب السوري لاينتظر بيانات سياسية عالية اللهجة, ولا مواضيع إنشائية, بل ينتظر بالدرجة الأولى فكراً رفيعاً ينقذه من متاهة الأحداث وتأثيراتها وآلامها. إن صيغ التخاطب والتحاور والاعتبار بين السوريين بلغت أسوأ مراحلها, نلمس ذلك في الإعلام والصحافة والأنترنيت وفي الشارع حيث يقتل السوري أخاه السوري. ففي الصحافة يقول له "..اخرس ياخائن يا حقير..", وعلى الأرض يقول له: "..خذ رصاصة في قلبك يا خائن يا حقير..".. وهذا ناتج عن سوء تربية وطنية واجتماعية وأخلاقية, وسوء فهم للمواطنة والوطن, وعن ضعف تربوي فكري عام, لذلك نرجو من المؤتمرين البحث في طرق تربوية جديدة تنقذ المواطن. وتنشر الفكر الجديد والوعي العام. إن كل سوري هو مواطننا مهما كان ومهما كنا نحن, لذلك نرجو من المؤتمر أن يخاطب جميع السوريين بدون استثناء أحد منهم. لأن الوطن بحاجة لكل مواطن. حتى الشخص الذي مارس القتل, والذي يختلف السوريين على تحديد هويته, فهو في الحقيقة سوري ولابد من مخاطبته وتوعيته لكي يتوقف عن القتل. ليس في سورية شريحتين ولا ثلاثة, ليس هناك من موال ومعارض ولا وسط, كلهم سوريين. وإن عملية التحول التي تحدث باستمرار تؤكد بأن السوريين جميعهم في طبقة واحدة وفي صف واحد. لذلك ندعو لوقف التصنيف والتشريح في المجتمع السوري. كيف نوقف عملية التصنيف؟. بأن نتبنى الجميع ونخاطبهم جميعاً.إن خطاب الفكر الناضج والمقنع والسليم, لابد له أن يسمو ويرتفع ويطغى على خطاب الفتنة. لذلك فإنه لابد للسوريين من صياغة خطاب عقلاني جديد يصل إلى كل مواطن بفضل جدارته وأهميته. لقد ظهرت معالم الفوضى الاجتماعية في كل المدن السورية, ففي حين انشغلت السلطة بأمور سياسية, بات كل مواطن يتصرف بموجب مصلحته ومنفعته المالية على حساب غيره وعلى حساب القانون. ونلمس هذا في المخابز ومخالفات البناء ورفع أسعار السلع واحتكارها.. وغير ذلك الكثير. أحد المدونين على فيس بوك اختصر الوصف بعبارة: (إنه زمن وبائي, إنه الطاعون). فقد شاهدت كثير من الخلاقات بين الجيران حول إنشاء مبان شاهقة مخالفة تحرم المباني الملاصقة لها من النور والتهوية. وهذه الفوضى الاجتماعية لايمكن أن تتوقف بذاتها دون نشر وعي وطني وثقافي جاد.فلكي لاندخل في عصر الطاعون يتعين على المفكرين أن يعثروا على حلول اجتماعية تحدد حقوق المواطن وحقوق المجتمع. وإنه لابد من عقد اجتماعي يتفق عليه الجميع ويحترمونه. إن الاقتتال الأهلي والطائفي بات على شفا هاوية. ورغم ذلك يمكن لأي سوري أن يقوم بدور هام في منع حدوث تلك الاقتتالات والفتن. ولا يخفى عن أحد أن الشارع محتدم إلى أبعد الحدود, فأنا شهدت بعيني اقتتال أخوة في نفس العائلة بسبب اختلافهم على الموالاة والمعارضة. وفي الإعلام بأنواعه المكتوب والمرئي والإذاعي نجد صيغ خطاب وتهديد واستهزاء تعبّر فعلاً عن احتدام الفكر الإقتتالي بكل أشكاله. لهذا نرجو من المؤتمرين البحث في طرق إيقاف هذا الخطاب الفتنوي المخرب بالطرق الفكرية والعقلية. وإنه لابد من توصل المؤتمرين إلى قواعد عامة تكون بمثابة عقد اجتماعي بين السوريين. منذ شهرين فتحت صفحات حوار على شبكة الأنترنيت بأسماء: (فكر لأجل سورية), (كلنا سوريين), (سورية للجميع), (نكتب لأجل سورية). فنحن بحاجة لأن نسلك هذا السبيل الناضج. طريق التعاون والتحاور وفهم الجميع. والتحاور مع الجميع. في مؤتمر أنطاليا طرح أكراد سوريين فكرة إلغاء عروبة سورية, وكأنهم جاؤوا ليتقاسموا الأرباح والغنائم. وكأنهم ظنوا بأن سورية جريحة, في حين أن سورية لن تجرح مهما طال الزمن.. وإن المجتمعين باسم المعارضة جميعهم لا يمتلك أحد منهم أي تخويل وطني أو سياسي أو شعبي يمنحه الأحقية في أن يمنح أو يمنع رغبة وميزة أو طلب لأولئك الأشخاص من الأكراد. لهذا فإن كل سوري مقتنع اليوم بأنه لايمكن لأحد أن يطالب بميزة ولا حتى بألقاب ولا كراسي. في حين يمكن لأي سوري أن يقدم كل مايريد في سبيل رفع مكانة الوطن والمواطن. وإن مطلب الأكراد السوريين ذاك يعبّر عن وجود محاولات ورغبات لاكتساب مصالح خاصة على حساب الوطن والشعب. وهذا مثال يوضح عمق الفوضى التي تعيشها سورية. إننا لانكتب سورية على صفحة بيضاء, بل هي أشد الصفحات تجعداً وتعقيداً وتلطخاً, وإن عملية الإصلاح في سورية التي تطلبت من السلطة حتى الآن إصدار أكثر من ألف قرار وقانون وتشريع وتعميم, ورغم كل هذا يأتي اعتراف السيدة بثينة شعبان اليوم بأن هناك كثيرا من التقصير. إن جهد هذا الإصلاح في سورية يزيد مئات الأضعاف عن الجهد الذي يتطلبه إنشاء دولة جديدة مثل دولة جنوب السودان مثلاً. فسورية تحتاج لعمل كبير, ولفكر واسع ومبتكر, ولأعمال ترميم هائلة جداً, وتحتاج أيضاً لمساهمة كل السوريين بدون استثناء. وأنا شخصياً أقبل باستشارات فكرية من الخارج حين تكون قادرة على تحقيق فوائد للسوريين. وإنه لاحاجة لسورية وللسوريين اليوم لأية أفكار جاهزة نخرجها من الحقائب ونقرأها جهاراً كأننا نقوم بأدوار تمثيلية. أنتم تعلمون يا سادة بأنه ليس بإمكان كل الفلاسفة المشاهير لو أنهم اجتمعوا الآن أن يعثروا على حلول وأفكار سحرية تنقذ الوطن بشكل فوري. أرجو منكم جميعاً أن تتواضعوا في مجال الفكر والثقافة لأجل الوطن ولأجل السوريين. فإن المواطن السوري ينتظر الكلمة المفيدة التي تقولونها.أقدر جهودكم عالياً وأشكركم باسم كل مواطن سوري. \\\\\ دمشق - محمد نمر المدني كاتب وباحث ومفكر \\\\\\\