الذكرى الـ22 لاستشهاد الأسير الشهيد عمر القاسم ... مانديلا فلسطين
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

عمر القاسم:
عمر محمود القاسم عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وأحد رموز الحركة الوطنية الأسيرة، وُلد في حارة السّعديّة في القدس القديمة سنة 1940م، وأنهى دراسته الابتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الأقصى، والتحق بعدها بمدرسة الرشيدية الثانوية في القدس التي تخرّج منها عام 1958م، ليعمل مدرسًا في إحدى مدارس القدس، وينتسب في الوقت نفسه لجامعة دمشق التي حصل منها على بكالوريوس في اللّغة الإنجليزيّة وآدابها.
التحق الشهيد بحركة القوميين العرب في مطلع شبابه، وسافر إلى خارج فلسطين ليلتحق بمعسكرات الثورة الفلسطينية حيث انخرط في العديد من الدورات العسكرية، قبل أن يُقرّر العودة إلى أرض الوطن بتاريخ 28/10/1968م على رأس مجموعة فدائية من الكوادر كان هدفها التمركز في رام الله. أثناء اجتيازهم لنهر الأردن اصطدم أفراد المجموعة بكمين إسرائيلي قرب قرية كَفر مالك، فاشتبكوا مع جنود الاحتلال حتّى نفذت ذخيرتهم، وتمكّن جنود الاحتلال من أسر المجموعة وقائدها عمر القاسم، وأُخضع هو وأفراد مجموعته لتعذيب قاسٍ جدًّا، ومن ثَمَّ أصدرت المحكمة العسكرية على الشهيد حكمًا بالسجن المؤبد.


بالرغم من قساوة السجن والسجّان، والشروط الحياتية القاسية، والمعاملة اللاإنسانية لم يستسلم عمر القاسم للواقع المرير، وساهم بتعبئة الأسرى واعدادهم داخل السجن وكان له الدور في تأسيس الحركة الوطنية الأسيرة في السجون الاسرائيلية، وشارك مع رفاقه واخوانه في مواجهة صور القمع الاسرائيلية وفي العديد من الاضرابات عن الطعام وكان من أبرز الداعين لتلك الاضرابات.
عمر القاسم يفتتح اكاديميات وطنية في السجون:
وكان الرفيق عمر يلجأ الى محاضرات ليلية مفتوحة للنقاش مثلا حول تطورات القضية الوطنية الفلسطينية، البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية، وأدبياتها الفكرية والسياسية والمادية التاريخية والمادية الديالكتيكية وتاريخ الفلسفة وفي محطات سياسية كبرى كان يتوقف مطولا لشرح وتحليل أبعادها وتحديدا أحداث أيلول عام 1970، وحرب تشرين والبرنامج المرحلي الذي تبنته م. ت. ف عام 1974.


وفي نطاق أقل لجأ الى نظام دورات الكادر وقد استغرقت احدى الدورات سنة تقريبا، تخرج منها مجموعة من الرفاق في موقع كادري.
وأبدى اهتماما خاصا بالحرب الشعبية والتجربة الفيتنامية والجزائرية وانتقل الى مجال الاهتمام بالادب والشعر، "يقول أحد الرفاق خلال احدى الجلسات طلب الرفيق عمر من أحدنا قراءة قصة ميخائيل نعيمة وبعد أن انتهى منها بدأ النقاش والتحليل بمشاركة عدد كبير من المعتقلين". مقابلة مع الرفيق خالد الزبدة.


وعشية انعقاد الدورة 19 للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، قاد الرفيق عمر في كافة السجون والمعتقلات النقاش السياسي من أجل صياغة المهام الراهنة للحركة الوطينة الفلسطينية في عصر الانتفاضة وساهم مساهمة رئيسية في توحيد المعتقلين على موقف سياسي موحد طالب الدورة 19 باعلان قيام الدولة الفلسطينية وصياغة برنامج السلام الفلسطيني.
وقد ربط الرفيق الرفيق عمر بين مزاولة دوره السياسي الفكري وبين اصدار الصحف وممارسة الكتابة، وكان من المبادرين لاصدار الصحف داخل المعتقلات، وبعد أن أصبح لكل منظمة اعتقالية صحيفة، اقترح مشروع المجلة الموحدة، وقد نجح هذا لمشروع في بعض الفترات وتراجع في فترات اخرى. وانصب اهتمامه في الكتابة على شؤون وأوضاع المعتقلين. فقد كتب "34" موضوعا شخص فيه تشخيصا قيما أوضاع المعتقلين وتناول المراحل التي مرت بها الحركة الاسيرة وتجارب الاضراب ودروسها، وسلوك المعتقلين من مختلف الجوانب.
تشير تقديرات بعض الرفاق الذين عايشوا الرفيق عمر طويلا داخل المعتقلات أن عمر أصدر "126" دفترا بحجم الكراس، تشمل مختلف المواضيع وتتضمن المراحل السياسية التي مرت بها الثورة الفلسطينية المعاصرة.
كان دائما يشجع المواهب الناشئة على الكتابة وخاصة لمجلة"الملحق الأدبي" التي تخرج منها عدد لا بأس به من الكتاب وكرس أيضا وقتا مهما لتدريس اللغة الانجليزية بشكل خاص واللغتين العبرية والفرنسية بشكل عام وبعض الكتب الأكاديمية الاخرى بهدف رفع المستوى العلمي للمعتقلين.


وقبل كل هذا أولى اهتماما خاصا لمحو الأمية، كان يقول يجب القضاء على الامية بأسرع وقت ممكن. يقول أحد رفاقه:"فوجىء عمر ذات مرة أنني لا أقرأ فقال: ستدخل الان دورة تعليمية، وبعد بضعة أشهر انتابني شعور عظيم عندما كتبت أول رسالة لأهلي وشعرت كم هو عظيم هذا الرجل المناضل. وبعد اتقاني الكتابة والقراءة طلبت منه أن اتعلم اللغة الانجليزية. ضحك عمر وقال اللغات في مثل وضعك تشبه الفواكه. أولا عليك أن تأكل مجدرة ومحشي وبعدين بطيخ. بمعنى اخر عليك أن تدرس السياسية والتنظيم وبعدها تنتقل الى اللغة. وكان أيضا يرفض اعطاءه الكتب الماركسية قبل قراءة ومناقشة تاريخ النضال الفلسطيني".

حقا قد كان الرفيق عمر متفانيا بالنضال كما يقول أحد رفاقه، ولا أغالي اذا قلت بأن عمر وشبيهين له لم يمتلكوا وقتا خاصا بهم بل كانوا يعيشوا لشعبهم، كانوا شمعة تحترق لتضيء الطريق أمام الاخرين.
ولشخصية عمر المتفانية أبعاد انسانية عميقة كان يلمسها زملاءه في السجون وعلى سبيل المثال، تعامله الخاص مع المعتقلين العرب، السوريين والمصريين والعراقيين، وذلك لأنهم منقطعون عن أهلهم، ولا توجد لهم زيارات حرص على تأمين احتياجاتهم الضرورية عبر علاقاته من أسرته وأمر المعتقلين الفلسطينين بزيارتهم وكان يصر على أن يشتركوا معه في الزيارات.


في 15 أيار 1974 استدعت إدارة السجن الشهيد الأسير عمر القاسم ومعه الشهيد أنيس دولة وأخذوهما على متن طائرة مروحية إلى حيث كان مقاومون من الجبهة الديمقراطية يحتجزون عدداً من الرهائن في أحد مباني الجليل في عملية "معلوت- ترشيحا"، وطلبوا منهما أن يتحدّثا للفدائيين لتسليم أنفسهم وإطلاق سراح الرهائن، فرفض عمر بإصرار مساومة الفدائيين، فانهال عليه الجلّادون بالضرب المبرح واحتجزوه لمدّة في الزنازين الانفرادية كعقابٍ له.

مرّةً أخرى تصدّى القاسم لجنود الاحتلال بعد عملية تبادل الأسرى عام 1985م بين الجبهة الشعبية - القيادة العامة ودولة الاحتلال، التي لم يفرج في إطارها عن القاسم، حيث تعرضت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال حينها لهجمة شرسة من قبل إدارة السجون لسحب إنجازاتها ومكاسبها وكسر شوكتها وإذلالها، إلاّ أنّ الأسرى تصدّوا لهذه الحملة، من أجل تثبيت تلك المكاسب التي تحققت بدماء وآلام الأسرى، وقد كان للقاسم دورٌ قياديٌ مميزٌ في ذلك.
ويرتفع عمر بانسانيته وتطوره الفكري، في نظرته العلمية في الصراع مع العدو الاسرائيلي حين يقول في احدى رسائله بتاريخ 31/7/86: "لن نسمح للحقد والممارسات الفاشية والعنصرية الاسرائيلية أن تخلق في نفوسنا الرغبة في الرد بالمثل والنظر لليهودية بشكل عنصري. اننا سنحارب العدو بما يخدم القيم الوطنية والانسانية والسلام، رغم أننا نتألم للمأسي التي تسببها حربهم العدوانية وممارساتهم العنصرية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وكذلك للاسرائيلين أنفسهم".


استشهد القائد عمر القاسم بعد اعتقال دام أكثر من واحد وعشرون عاما من الاعتقال، قضاها في غياهب سجون الاحتلال، متنقلا من سجن إلى سجن، ومن زنزانة إلى زنزانة، بحيث لم يبق سجين واحد لم يعرفه، أو لم يلتق به، فكل السجناء منذ عام 1968م وهو تاريخ اعتقاله، وحتى يوم استشهاده في الرابع من شهر حزيران 1989م بعد اصابته بمرض عضال ونتيجة لمماطلة الحكومة الاسرائيلية في معالجته وعدم الافراج عنه من أجل العناية الطبية خارج السجون. فقد ضربت الحكومة الاسرائيلية طوال شهرين عرض الحائط بكل المناشدات الصادرة عن الهيئات والمؤسسات الانسانية والدولية الداعية لاطلاق سراح المناضل الكبير وأبقته يكابد آلام المرض العضال في مستشفى السجون ، وشيع بموكب جنائزي كبير بالآلاف من جماهير الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية، ودفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس.

عرف الشهيد القاسم بأنه مناضلا صلبا، وقائدا فذا في سجون الاحتلال، مارس النضال داخل وخارج السجن، بأروع صوره، لقد أطلق عليه زملاءه بالمعتقل شيخ الأسرى والمفكرين، لما كان يتمتع به من قوة وبأس، قوة بالفكر والاراده، حيث اعتبره زملاؤه من ابرز المفكرين والمثقفين، الذين دخلوا المعتقلات الإسرائيلية، كما لقبه شعبه بمانديلا فلسطين. حيث كانت احدى رسائله إلى أحد أصدقائه خارج السجن:
_لكل كائن حي، دورة حياة، وبعد أن تكتمل هذه الدورة، فان الحياة تلفظه جانبا، ويبقى كذلك، إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ولكن، إذا قرر أحدهم، أن لا يقف جانبا، فقد يضطر إلى مضغ طعامه مرتين، الأولى حقيقية، وفيها يتذوق طعامه ويشعر بلذته، وبالمرة الثانية تكون زائفة، حيث لا يشعر بلذة أو طعما، وإنما مجرد أن يملأ الفم بالطعام لسد جوعه، كل هذا لأعبر لك، عن مدى تذوقي لطعم الحياة، فالأحداث تتكرر أمامي، فتبدوا زائفة أحيانا، وإذا ما اضطررت لصنع أحداث جديدة، فهذا يتطلب مني ثمنا باهظا ).



وتحدث الاسير عمر القاسم عن السجن قائلاً: إن العزاء الوحيد لنا بالسجن، هو وجودنا على ارض الوطن، والتعرف على أبناء صهيون عن قرب، من خلال وجودنا معهم وجها لوجه، أنتم ربما تقرؤون أو قرأتم عن الصهيونية في الكتب والمجلات، ولكننا ونحن داخل السجون، نلمسها طيلة أربع وعشرين ساعة في اليوم. قال لأخيه مرة قبل استشهاده: إذا استشهدت، فلا تأخذوا ثمن استشهادي، فروحي فداء حبي لوطني ولشعبي.

وموقف آخر عن صلابة الأسير الشهيد عمر القاسم، تجسدت أثناء مقابلة نافون له في السجن العام 1987. حينما طلب نافون من عمر، التعهد بعدم القيام بأي نشاط سياسي مقابل الافراج عنه والسماح له بالاقامة في القدس. وجاء رد عمر حازما، جاء رده واضحا وصريحا وعفويا: لقد أمضيت أكثر من عشرين عاما في الاعتقال، ولا يهمني مصيري الشخصي، ما يهمني هو قضية شعبي، وطالما بقي كابوس الاحتلال على صدر شعبي، سأبقى أقاتلكم.

من الأقوال الخالدة للشهيد القائد عمر القاسم: في السجن، لا ينتهي دور المناضل، بل يبدأ، وهو نضال مكمل ومترابط مع النضال خارجه، يجب أن نصمد في هذه الجبهة "جبهة المعتقلات"، وسوف نصمد رغم الاختلال الواضح والفادح في موازين القوى، لصالح العدو.

عرف عمر القاسم بقيادته لنضالات الاسرى وتحركاتهم وكان مثقفا ومنظرا واسع الثقافة ترك بصماته على أجيال من المناضلين اليساريين الفلسطينيين. وقتل في السجون الإسرائيلية بعد أن أمضى في السجون 22 عاما - ولهذا يلقب القاسم بـ"مانديلا فلسطين".

كتب عنه الأسير المحرر عبد الناصر فروانة : مَن لَم يَعرف عمر القاسم، لا يعرف الحركة الوطنية الأسيرة... فهو علم من أعلامها ورمزٌا من رموزها، وأحد أبُنائها الأساسيين، وكان على الدوام عماداً أساسياً من أعمدتها الراسخة... فكان في حياته قائداً فذاً، ومناضلاً شرساً، وأسيراً شامخاً، ونموذجاً رائعاً، وفي مماته شهيداً خالداً، و قنديلاًً لن ينطفئ نوره، نعم هذا هو عمر القاسم لمن لا يعرفه، بل يعجز القلم عن وصف خصاله وتجف الكلمات حينما تسرد سيرته، وتنحني القامات تقديراً، حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه.
هذا هو الشهيد القائد عمر محمود القاسم بن فلسطين البار، وأحد قادتها العظام عبر عصور التاريخ، الرمز المشرق للنضال الوطني الفلسطيني والعربي، وهو في أسره، وفي استشهاده، وكيف خلده أبناء شعبه الحر الميامين، فسيبقى عمر القاسم، النبراس الذي يضيء طريق المناضلين والأحرار، ليس في فلسطين فحسب، بل في كل ديار امتنا العربية، وفي كل دول العالم المتطلعة للحرية والعدالة والسلام

المزيد

http://www.alhourriah.net/ar/?page=det&id=8618