منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 26

العرض المتطور

  1. #1

    حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    رواية تاريخية ..قيل عنها الكثير ..
    تدور احداث القصة في تركيا ولبنان , ومن ثم الهند , وفرنساالقصة ضخمة
    760 صفحة
    11ميجا بايت
    ترجمة : حافظ الجمالي

    http://www.4shared.com/file/23434157...73/___-__.html

    http://www.4shared.com/document/y-o5wr6q/_____-__.html



    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    منقول
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    شكرالك على هذه الرواية
    ان شالله احملها واقراها كاملة
    تحيتي

  3. #3

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    السلام عليكم
    وصلني ملحص عن الرواية لمن ليس له صبر في القراءة ويتبع:
    1-\حياة أميرة عثمانية في المنفى"1" صحيح أن مسلسل (طعام .. صلاة .. حُب)،لم يحقق ذلك النجاح الكبير،أو لم يكسر الأرقام القياسية،إلا أن متعة السياحة في الكتب،وفكرة (تمرير) عدد كبير من الصفحات تحت غطاء (المسلسل)،مما يعني أن (المتصفح)،قد قرأ – في المسلسل الماضي – 38 صفحة!! بطبيعة الحال،هذا إذا كانت الحيلة قد انطلت عليه فقرأ 38 صفحة،تمثل سياحة في 470 صفحة ... ما سبق دفعني – أو دفع بي – إلا السياحة في كتاب آخر،ولكن هذه المرة لن نصحب (المقداد) وهو يجمع مهر (المياسة)،كما لا نكون مع زرقاء العينين،(مطلقة)،بل سنكون مع (موعظة)،ليس بالمعنى المباشر للكلمة. يستطيع المرء أن يتخيل حياة سليلة الخلفاء العثمانيين،وحياتها المترفة،ثم ينظر – بعين الاعتبار – إلى نمط حياتها بعد ذلك في المنفى. الكتاب – كما جاء في العنوان – هو (حياة أميرة عثمانية في المنفى)،لمؤلفته كينيزي مراد،وقد نقل الكتاب عن الفرنسية حافظ الجمالي،ونشرته دار طلاس في دمشق،سنة 1990م،في طبعته الأولى. اهتم كثيرا بالسير الذاتية،وبالرحلات،ويكمن سر ذلك في أنني أعتبرهما (مادة أولية) للتأريخ،فمن يكتب سيرة حياته،أو يسجل رحلته لا يحمل نفس التصورات التي يحملها (كاتب التأريخ)،ومن هنا فإن الأول يخبرك بمشاهداته،أو بمعلومة اطلع عليها بكل بساطة ... وتستطيع أنت – أو من يقرأ التأريخ بعد ذلك – أن يقارن بين معلومة (شاهد العيان)وبين ما كتبه المؤرخ.قبل أن نبدأ الرحلة،يبدو لي عنوان الكتاب وكأنه يحمل نوعا من (التداخل) – إن صح التعبير – فهو يشير إلى حياة (أميرة). صحيح أن الأميرة المقصودة هي (سلمى) و قبل أن تصبح هي الشخصية الرئيسة،أي قبل أن تتزوج - وهي في لبنان - وتذهب إلى الهند ثم إلى أوربا،كانت هناك أمها (السلطانة خديجة) والتي عاشت المنفى في لبنان،فنحن إذا أمام سيرة (أميرتين) عثمانيتين في المنفى. يبدو أنني قد عرفتكم – قبل أن نبدأ السياحة – على (سلمى) و(خديجة)،ومع ذلك فلا بأس أن أقول بأن السلطانة خديجة هي بنت السلطان مراد الخامس (خلعه السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1876م)،ابن السلطان عبد المجيد الأول (1839 – 1861)،ابن السلطان محمود الثاني (1808 – 1829) إلى آخر السلسلة الممتدة في تأريخ العثمانيين. القسم الأول : تركياتبدأ القصة من موت السلطان عبد الحميد الثاني،ولكنها تعطي – أيضا – صورة لحياة الأميرتين نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوصلت،بعد أن أرهقها الجهد إلى الباب الضخم،باب الحرملك،الذي يقوم على حراسته خصيان سودانيان،على رأس كل مهما طربوش فاقع الحمرة. (..) ومن غير أن تنظر إليهما،اجتازت العتبة،ووقفت لحظة أمام المرآة الفينيسية،لتتحقق من حسن ترتيب خصل شعرها الأحمر،وثوبها الحريري الأزرق،ثم لما راقها منظرها،دفعت ستارة البروكار ودخلت إلى الصالة الصغيرة،التي اعتادت أمها أن تبقى فيها بعد الظهر،بعد الحمام.(..) وكانت السلطانة المتمددة على الديوان،تنظر إلى سيدة القهوة الكبيرة،تصب سائلها في فنجان موضوع في كؤيس مطعّم بالزمرد.وكأنما داخل البنيّة فورة من كبرياء،فتجمدت وأخذت تتأمل أمها وهي في قفطانها الطويل. ومن عادة السلطانة(الأم)،متى ظهرت بين الناس،أن تتقيد بالموضة الغربية،التي أدخلت إلى إستانبول،منذ نهاية القرن التاسع عشر. أما في بيتها،فإنها تؤثر أن تعيش على "الطريقة التركية". ففي هذه الحالة لا نراها تستخدم مشدات البطن،ولا الأكمام المنفوخة،ولا التنورات الضيقة،بل تضع على جسمها الثياب التقليدية،بمتعة ظاهرة،وتتمدد بشكل مريح على الصوفات اللينة التي تُفرش بها صالات القصر الكبرى.- اقتربي،يا سلمى السلطانة.بهذه الكلمات تخاطب الأم ابنتها الصغيرة،ذلك أن البلاط العثماني لا يقبل إهمال تقاليده،ويخاطب الآباء أبناءهم،مضيفين إليها {هكذا! : ولعل المقصود يخاطبون أبناءهم بأسمائهم مضيفين ..} كل مالهم من الألقاب،حتى ينشأ الأبناء،منذ أصغر العمر،على تقاليد المرتبة التي يملكونها بحكم مولدهم،ويشعروا بكامل حقوقها وواجباتها. (..) سلمى تقبل بسرعة أصابع الأميرة المعطرة،وتحملها إلى جبهتها،كإشارة احترام،وأخيرا،بلغ بها الهيجان أقصى حدوده،ولم تعد تصبر على حبس الكلام أكثر من ذلك،وهتفت تقول :أيندجيم { : يا أمي العزيزة المحترمة} إن العم "حميد"قد مات!وظهر شيء من البريق على العينين الرماديتين – الخضراوين. مما حمل البنيّة على الظن بأن ذلك الألق علامة نشوة،ولكن سرعان ما انطلق صوت شديد البرودة يعيدها إلى النظام،إذ تقول :- كأنك تشيرين إلى جلالة السلطان عبد الحميد،على ما أظن. فليقبله الله في جناته. لقد كان سلطانا عظيما. ولكن من أين جاءك هذا الخبر الحزين؟- أهو خبر محزن؟ قالت البنيّة ذلك مندهشة،وهي تنظر إلى أمها. أو محزن موت هذا العم الكبير شديد القسوة،الذي أزاح أخاه عن العرش،أخاه الذي هو جد سلمى،وأشاع أنه مجنون؟ والحقيقة أن مرضعتها كثيرا ما روت لها قصة مراد الخامس،وهو أمير محبب،كريم،ومن المؤسف أن "مراد الخامس"لم يحكم إلا ثلاثة أشهر ... ذلك أن أعصابه الرقيقة هُزّت هزا عنيفا بدسائس البلاط،والاغتيالات التي رافقت وصوله إلى السلطة. فأصيب بانهيار نفسي عميق. لكن الطبيب النمساوي،المختص الكبير لييديرسدروف Liedersdorfكان قد أكد أنه إذا خلد إلى الراحة،فسيبرأ خلال عدة أسابيع. لكن المجموعة التي كانت حوله،لم تحسب أي حساب لهذا الرأي. فخلع مراد،وحبس مع أسرته كلها في قصر تشيراغان.ولقد عاش السلطان ثمانية وعشرين عاما في هذا الأسر،محاطا باستمرار بجواسيس أخيه الذي كان يخشى تدبير مؤامرة،تهدف إلى إعادته إلى العرش. وكان عمره ستا وثلاثين سنة،عندما دخل سجنه هذا،ولم يخرج منه إلا عندما مات. (..) ومن المستحيل أن تكون الأيندجيم قد شعرت ببعض الأسى،وهي التي بقيت خمسة وعشرين عاما سجينة في قصر تشيراغان،ولن تستطع استعادة حريتها إلا عندما قبلت ذلك الزوج الفظيع،الذي فرضه السلطان عبد الحميد.فلِم تكذب؟لكن هذه الفكرة الكافرة نبهت سلمة فجأة،وجعلتها تتخلى عما كانت تعيش فيه من أحلام. إذ كيف استطاعت أن تتخيل للحظة واحدة أن هذه الأم الكاملة إلى هذا الحد،تتدنى بنفسها إلى الكذب؟ إن الكذب أمر يناسب العبيد الذين يخشون العقاب،ولكن هل يناسب سلطانة؟ ومع حيرتها هذه،أجابت أخيرا :كنت أمر في الحديقة. وسمعت الأغوات يقولون ذلك.وفي نفس اللحظة ظهر في العتبة خصيّ،سمين بعض الشيء. وعلى يديه قفازان أبيضان،وعلى جسمه ذلك الثوب الأسود الكلاسيكي،ذو الياقة الشبيهة بياقة لباس الضباط،أي ما كان يسمى بالاستانبولين. وبعد أن انحنى أمام سيدته مرات ثلاثا،استوى واقفا،ويداه متصالبتان تواضعا فوق بطنه،ليقول بصوت حاد :سيدتي السلطانة العظيمة الاحترام ..فقاطعته الأميرة قائلة : إني أعلم. إذ لقد كانت سلمى أسرع منك. فقل ذلك لأختيّ،الأميرة فهيمة،والأميرة فاطمة،وكذلك أخبر أبناء الإخوة،الأميرين نهاد وفؤاد،أني أنتظرهم هنا هذا المساء.) {ص 14 - 16}.وحضرت الأميرتان نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفاطمتها الرقيقة العذبة،التي تلبس ثوبا من التفتا العاجية اللون،يُبرز حسن عينيها السوداوين وكذلك تتأمل فهيمتها المتألقة،التي تبرز قامتها الناعمة من داخل ثوب ذي ذيل،تناثرت عليه صور الفراشات،وكأنما قد أتى به مباشرة من عند أدلر موللر،أحسن خياط في فيينا – أما روائع باريس فإنها لم تعد تصل،مع الأسف،منذ أن خطر ببال الدولة،في آب / أغسطس / عام 1814،ذلك الخاطر بإعلان الحرب على فرنسا.(..) وفي أعلى السلم كانت السلطانة خديجة قد تقدمت. إنها تبدو أطول من أختيها،ولها مشية منزلقة،شهوانية،مغرية،وعلى شيء كبير من العظمة. ونراها تفرض نفسها على أكثر الناس بعدا. وعندما يتحدثون في الأسرة عن السلطانة،على الرغم من أن الأخوات كلهن سلطانات،فإنهم إنما يتحدثون عنها هي،بصورة مؤكدة. وتجمدت فاطمة،أمام أختها الكبرى،من غير أن تخفي إعجابها،ولكن فهيمة،المستاءة،والتي هي تبعا لمعايير الموضة،الأجمل بين أخواتها،أسرعت فقضت على السحر :- ما ذا يحدث يا أختي العزيزة حتى تستدعينا بمثل هذه السرعة؟ لقد اضطررت لإلغاء الأمسية التي دعيت إليها لدى سفير النمسا – هنغاريا. تلك الأمسية التي كنا نقدر أنها ستكون مسلية جدا. - إن الذي يحدث،هو أن عمنا السلطان عبد الحميد،قد قضى نحبه. هكذا قالت السلطانة بلهجة أكثر رسمية من المألوف،لاسيما وأنها لم تقرر بعد السلوك الذي عليها أن تعتمده في هذه المناسبة. واكتفت فهيمة برفع حاجبيها.لم يكن لموت هذا ... الطاغية،أن يحملني على العدول عن حضور البال (حفلة الرقص). ..) { ص 19 - 20}.وأسرة السلطانة خديجة تستعد لجنازة السلطان عبد الحميد،انتهت هذه الحلقة،فإلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  4. #4

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"2"في ظل النقاش حول وفاة (العم حميد) .. (وفي هذه اللحظة ظهر أحد الخصيان،يعلن عن وصول رسول من السلطان. وكان هذا الرسول سودانيا عظيم الهامة. ومع أنه عبد،فقد نهضوا جميعا،لا احتراما لشخصه،لأنه غير موجود بالنسبة إليهم،ولكن تعبيرا عن الاحترام للكلام الذي هو حامله. إن جلالته الإمبراطور،السلطان رشاد،أمير المؤمنين ... وظل الله على الأرض،وخاقان البحرين،الأسود والأبيض،وسلطان البرين،يرسل إلى أفراد أسرته هذه الرسالة : بمناسبة موت أخينا المحبوب جدا،السلطان عبد الحميد الثاني،ندعو الأمراء والأميرات من أسرة جلالة السلطان مراد إلى الاشتراك في المأتم،في الأماكن والطريقة المحددّة في الأعراف. فليكن السلام معكم،وليتولاكم الله جل وعلا بلطيف عنايته.وهنا نراهم يتقلبون الأمر الصادر. وليس من شك في أن رسالته ليست بدعوة،بل هي أمر.وما كاد الرسول يغادر المكان حتى دمدم الأمير نهاد،رافعا كتفيه وقائلا :ليحدث ما يحدث،فلن أذهب.وتتدخل السلطانة خديجة لتقول بلهجة اللائم. - يا نهاد،أظن أن (فؤاد) على حق. فالموقف خطير. وعلينا أن نبقى على وحدة الأسرة. - وحدة الأسرة! آه. لنتحدث عنها،يا خالتي العزيزة. إنها أسرة لم تنقطع منذ ستة قرون عن الاقتتال من أجل السلطة. فكم قتل جدنا مراد الثالث "قاهر الفرس"من إخوته؟ إنهم تسعة عشر فيما أظن. وكان أبوه أكثر تواضعا،إذ لم يقتل إلا خمسة. وأجابت الخالة :- لقد كان ذلك مبررا بضرورة الحكم. وقد حدث مثل هذا في كل الأسرة الحاكمة. لكن الذي حدث في أوربا،أن الملوك لم يكن لهم إخوة بهذا العدد. وأنا لا أحقد في هذا على السلطان عبد الحميد. ففي تلك الظروف الصعبة التي كانت فيها إنكلترا وفرنسا وروسيا تريد اقتسام أراضينا،كان يجب بلا ريب أن يوجد رجل مثله،لكي يدير دفة الحكم. ولقد استطاع خلال ثلاث وثلاثين سنة أن ينقذ الإمبراطورية من شرور الدول،التي كانت تريد تمزيقها. أما أبي. المفرط في حرصه على الشرف،والشديد الحساسية،فربما لم يكن قادرا على أن ينجح في ذلك. وأخيرا،أليست مصلحة البلاد أولى بالرعاية من سعادتنا الشخصية؟ وعندئذ تبادلت فهيمة السلطانة والأمير فؤاد غمزة عين ساخرة. ذلك أن كبراهم كانت دوما امرأة تحرص على الواجب. ولكن من يهتم اليوم بهذه المبادئ الكبرى؟ أما فهيمة فتريد قبل كل شيء أن تتمتع،وهي تقبل على المتعة إقبالا عنيفا بحكم شعورها أنها أضاعت في الأسر أجمل سني حياتها. إنها من المرح،والخفة بحيث لقبت بلقب "السلطانة الفراشة" (..) – إذا كنت أفهم سيادتك (أفنديمز)،فإنه ليس علينا فقط أن نحضر المراسم،بل لعل علينا،كذلك،أن نذرف فيها بعض الدموع،لنكون في مستوى الموقف. - يكفيكم أن تحضروها. ولكن تذكروا هذا،يا فؤاد،وأنت يا نهاد،فلئن وصلتما إلى العرش يوما،فانسجوا على مثال السلطان عبد الحميد لا على مثال جدكم السلطان مراد. إذ لا تملك المرأة،في آن واحد،أن يكون لها ولد،وأن تحتفظ بعذريتها. وعندما انفجرت ضاحكة من سحنتهما المندهشة – إذ إنهم لن يتعودوا أبدا على خشونة كلماتها – نهضت لتختم الاجتماع) {ص 22 - 24}.الآن يقترب الحديث عن شخصية سترافقنا طول هذه السياحة – إذا كتب لها الاستمرار - ولكن قبل ذلك نذهب إلى السوق في رفقة السلطانة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيفي صباح اليوم التالي،ما كادت السلطانة خديجة تستيقظ من نومها،حتى استولت عليها رغبة مفاجئة في المضيّ إلى السوق لتشتري بعض "الشرائط" والعادة هي أن الباعة النساء من الأغارقة والأرمن،هن اللواتي يأتين إلى القصر ليعرضوا{هكذا!} أشيائهن،إذ لا يحسن بالأميرة أن تتردد على هذه الأماكن الشعبية،حتى ولو بقيت بعيدة عن الأنظار في عربتها المغلقة أحسن الإغلاق. ولكنها اليوم لا تريد الانتظار.فاستدعت زينل،خصيّها المفضّل. وهو ألباني طويل القامة،ذو بشرة شديدة البياض. ويجب أن يكون في الأربعين من عمره،وتلاحظ السلطانة بشيء من المتعة أن سمته الجديدة،تريق عليه هيبة الباشا. وتتذكر الآن ذلك المراهق المرعوب الذي وصل منذ خمسة عشر سنة إلى قصر تشيراغان،حيث كانت تعيش سجينة مع أبيها،وإخوتها. وكان قد أرسل إليهم من قبل رئيس الخصيان لدى السلطان عبد الحميد،الذي وجد في إرساله هذا،وسيلة مناسبة للتخلص منه. ذلك مع أنه كان موهوبا بشكل خاص – لأنهم كانوا يعلمون الأطفال الذين يهيئونهم لخدمة البلاط الملكي – ويتميز بالذكاء والحيوية – فإنه فيما بعد بدا عصيا جدا على نظام الحريم القاسي. ومع ذلك،فإن زينل هذا سرعان ما تلاءم مع صورة الحياة في قصر تشيراغان. فهل كان مثلا يشعر بأنه أكثر حرية،من هؤلاء المساجين؟ وتذكر خديجة أنه كان يتبعها إلى كل مكان. وكان شديد الانتباه لأصغر حركاتها،على حين أنه كان يتجاهل أختيها الأميرة فهيمة و الأميرة فاطمة. ولقد اختارها هي وحدها ليقوم بخدمتها. (..) ومن أعماق صمتها تتجه إليه،وتقول له أخيرا :يا أغا أريد أن تجد لي عربة من عربات الأجرة،وبأسرع ما يمكن. وينحني الخصي،مخفيا دهشته. ذلك أن عربات القصر المغطاة والمكشوفة،وهي خمس،في أحسن حال! وبطبيعة الحال،فإن هذه العربات تحمل الشارات السلطانية ... فهل ترغب سيدته أن تمشي،مجهولة الهوية،في الوقت الذي كان فيه زوجها خيري بك،في رحلة خارج المدينة؟ و زينل هذا معتاد على نزوات النساء،فلطالما لاحظها بين نساء الحرملك،حيث كان يخدم لمدة أربعة عشر عاما. لكن سلطانته هذه مختلفة! فأنب نفسه على أنه شك فيها،ولو للحظة،وأسرع ليجد لها عربة أجرة. ){ص 25 - 27}.أخذت السلطانة معها (سلمى) في رحلة التسوق،وسارت العربة،حتى أوقفها الازدحام،فقال زينل نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي - يا صاحبة السعادة،لم يعد في وسعنا أن نتقدم. فمن هنا يجب أن يمر الموكب الجنائزي. وترتسم ابتسامة هادئة على محيا السلطانة.- أحقا هذا؟ لقد نسيت ذلك. إذن فسننتظر ريثما يمر.وألقت سلمى نظرة باتجاه أمها،إن هذا هو فعلا ما كانت تفكر به : فالشرائط لم تكن إلا ذريعة! فأيندجيم لا تهتم كثيرا بزينتها! والشيء الذي كانت تريده،هو أن ترى موكب الجنازة،ولما كانت التقاليد تقضي بأن لا تحضره الأميرات،فقد وجدت هذه الحيلة للحضور.وكان هناك جمهور كبير من الناس قد تجمع،على دهشة كبيرة من السلطانة. فقالت في نفسها : "يا بؤسهم،إن الناس لقليلو المتع،في أيام الحرب هذه،حتى يكفي أي شيء،لإخراجهم من منازلهم". وفجأة يسود الصمت. إذ لقد ظهر الموكب في أعلى الشارع.كان النعش مسبوقا بفرقة عسكرية موسيقية بالإستانبولية السوداء. ومرت الجنازة ببطء،محمولة على أكتاف الجنود. ويتبعها الأمراء،مشاة على الأقدام،بترتيب الأعمار،وعلى صدورهم أوسمة الألماس. ويأتي بعدهم الأصهار (الدامادا) أزواج الأميرات،ثم الباشوات في زيهم الاستعراضي الموحد،ثم الوزراء بالريدنجوت المزين الجوانب بمطرزات الذهب. وأخيرا،وعلى نفس مستوى الوزراء في هذه الاحتفالات الرسمية،يأتي ألكيسلر آغا،حارس أبواب السعادة،ورئيس الخصيان السود،في القصر.){ص 28}.ثم نصل إلى مربط الفرس،تقارن السلطانة بين جنازة عمها،وجنازة أبيها،ولكن قبل ذلك، يستمر وصف جنازة العم: (وعلى جانبي الموكب،وعلى طول الثلاثة الكيلومترات التي تفصل جامع أيا صوفيا،عن الضريح الذي سيقبر فيه السلطان،ينتشر الجنود في لباسهم الرسمي في وضعية التأهب. من الواضح كل الوضوح،أن حكومة تركيا الفتاة،التي أزاحت السلطان عبد الحميد عن العرش،قبل عشر سنوات،وتحت رعاية السلطان رشاد،هي التي بيدها مصائر الإمبراطورية. ولقد شاءت أن يكون الاحتفال بدفن السلطان ضخما. وفي وسع المرء أن يبدو طيبا مع الموتى.أما الطيب .. فإن الرجل الذي يحتفل بدفنه اليوم،لم يعرفه قط .. وكانت الدموع تغشّي نظرة السلطانة. وفجأة ترى نفسها قبل أربعة عشر عاما،في تلك الليلة شديدة البرد التي قبر فيها أبوها السلطان مراد،بأمر من السلطان عبد الحميد،بصورة سريعة جدا. إذ لم يصحبه إلى القبر إلا بعض خدمه الأوفياء،أما الشعب الذي أحبه حبا جما،فإنه لم يسمح له بالإعراب عن أسفه.وترتجف خديجة. ذلك أن العظمة التي تحيط بالموكب الجنائزي،لذلك الجلاد،أثار كراهيتها من جديد. (..) وشعرت السلطانة بأن طعما مرا يملأ فمها. أهو الغيرة؟ وهل تغار من ميت؟ .. إنها تفهم الآن ما هي الرغبة التي دفعتها لتجاوز الأعراف،من أجل حضور هذا الاحتفال الجنائزي. ولقد ظنت أن هذا منها ليس إلا من قبيل الفضول : والحقيقة أنها أرادت الشعور بالانتقام. فلقد جاءت تلاحظ وتستنشق وتتذوق موت الرجل الذي كان يقتل أباها،يوما بعد يوم،خلال ثمانية وعشرين عاما. (..) وفجأة ندت عن الحضور صرخات. وحاولت السلطانة داخل عربتها أن تكبت ابتسامة. إن هذا هو السبب الذي جعل الناس كثيرين في الاحتفال : إذ قلما يهتم الشعب باللياقات التي تمنع إحاطة الميت بالسخط. ولهذا جاء يحيي الطاغية التحية التي يستحقها!ولما كانت شديدة الانتباه،فإنها أصغت بأذنها،داخل هذا الصخب،إلى ما بدا لها أنه تأوهات وشهقات وبكاء. ولكن هذا مستحيل،ويجب أن تكون أساءت السمع! ومع ذلك ... فقد كان ما سمعته قائما فعلا. فتجمدت في مقعدها،وعلا وجهها شحوب كلون الموت.وما ذلك الذي طنت أنه صرخات كره،بدا فعلا صرخات تألم ويأس. فاشتد فيها الاستياء. ماذا؟ أهذا الشعب الذي كان في الماضي يهزأ بالطاغية،يبكي عليه اليوم؟ أو نسي تلك السنوات السوداء التي كانت فيها الشرطة ودوائر المخابرات تحكم حكما مطلقا؟ أو نسي كم صفق للانقلاب الذي قام به رجال تركيا الفتاة،وأطاحوا فيه بالسلطان عبد الحميد،وأحلوا محله أخاه "رشاد"؟ فهزت رأسها باحتقار،وكأنها تقول : "حقا إن ذاكرة الناس قصيرة".وبدا وجه امرأة من نافذة،وهي تتألم،وتتوجع،,تقول :أيها الأب. لِمَ تتركنا وتتخلى عنا؟ ففي زمانك كان لدينا خبز نأكله. أما اليوم فنحن نموت جوعا! وانضمت أصوات أخرى بعضها إلى بعض،لتقول :أين تمضي؟لا تتركنا وحيدين. ){ص 28 - 30}.لم أكن أرغب في إنهاء هذه الحلقة بهذا الكم من الكراهية .. ولكن : كم تبدو بائسة – يأكل الحقد،تحت ستائر الابتسامات، قلوبهم - حياة قوم في الأعالي،ربما حسدهم بعضنا!! ... إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  5. #5

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"3"لا يقف الأمر عند تلك المشاعر التي تكنها السلطانة لعمها،بل يبدو أن أسرتي السلطانين،كانتا تتجنبان اللقاء! (وكان قد حان الوقت لتمضي إلى تقديم تعازيها لأسرة الميت. وباستثناء الاحتفالات الرسمية التي يحاولن فها عدم التعرف ببعضهن على بعض،فإن هذه أول مرة تلتقي فيها الأسرتان.وتجتاز السلطانة خديجة الحديقة،متبوعة بأختيها وابنتها،لكي تتجه إلى الجسر المبني من الحجر الذي نبتت عليه الطحالب فيما بعد. وكانت النسوة الأربع يلبسن اللباس الأبيض {هذه "لقطة" تصلح كنهاية ممتازة لحلقة من مسلسل متلفز} لون الحزن،أما اللون الأسود المعتبر كلون الشؤم،فإنه محرم في البلاط العثماني.وساعدهن الخصيان،فصعدن إلى القارب اللطيف،بعد أن حياهن المجدفون العشرة الذين يلبسون،على ما كانت عليه الحال أيام سليمان الرائع،قمصانا واسعة من الباتيستا وسراويل قرمزية اللون. والمجدفون لا يكونون إلا عشرة،عندما يستقبل الأمراء والأميرات.أما الوزراء فحصتهم ثمانية مجدفين. وأما السلطان فإنه يستخدم عادة (قايق){نوع من القوارب التي تستعمل للنزهات القصيرة في البحر} فيه أربعة عشر مجدفا.وعندما كان القايق يسبح فوق الماء،كانت السلطانات يرفعن حجبهن لكي يتمتعن بالنسيم العليل،إذ ما من إنسان هناك لكي يراهن. أما المجدفون فعليهم أن يخفضوا عيونهم،وإلا فإن التسريح عقوبتهم. وفي الماضي كان هذا العقاب هو الموت.){ص 31}.من أي إسلام أخذت تلك العقوبة؟!!! والتي لاشك أن الإسلام بريء مها.. ويا له من فرق شايع بين العقوبتين (القتل) ثم (التسريح)!!! ويا ترى تحت أي تأثير تم تخفيف العقوبة؟! أهو (العدول عن الظلم) فقط،أم لأسباب أخرى؟!! الضغوط الأوربية مثلا!!!!!!!! ثم ..( وصلت الأميرات إلى قصر بيلربي،وقد دُخن قليلا بهواء البحر،فواكبهن الخصيان في البهو الكبير ذي السقوف المزينة بأشكال هندسية خضراء وحمراء،وذي الجدران المكسوة بمرايا دمشقية مطعمة بالصدف. وكان هذا القصر قد بني في القرن الماضي بأمر من السلطان عبد العزيز،الذي أراد له زينة شرقية فخمة ليتميز بها من الدُرجات{الموضات} الآتية من أوربا. ويروى أنه عندما جاءت أوجيني دو مونتيجو،التي كان يحبها حبا شديدا،أقامت فيه قبل أن تمضي لتدشين قناة السويس،فأمر السلطان بأن تطرز الناموسية،التي تنام تحتها الإمبراطورة بألف حبة من اللؤلؤ الناعم.(..) وعندما ظهرت السلطانات الثلاث،دمدم الحضور دمدمة الدهشة. لكن "الكادين"{أرملة السلطان عبد الحميد} تبتسم،وهي أذكى من أن يخفى عليها السبب السياسي لهذه الزيارة. ومع ذلك فإنها لا تقلل من شأن هذه الزيارة العظيمة. فنهضت على عجل،لاستقبالهن،إذ حتى في ذلك اليوم،الذي وصلت فيه إلى قمة الفخار والتشريف{كونها تستقبل العزاء في السلطان عبد الحميد،لعدم وجود أمه،وهي أكبر الزوجات سنا} لا تنسى الاحترام الواجب للأميرات بالدم. ومهما يكن الأمر فإنها،ككل زوجات السلطان،ليست إلا امرأة من الحريم،تميزت عن غيرها بحظوتها لدى السلطان الشديد القوة.أما سلمى الغارقة في تقديم احتراماتها الصغيرة،فإنها تقبل يد النساء المتميزات اللواتي يحطن بالزوجة العزيزة. وكانت تتهيأ للسلام على سيدة قميئة جدا جالسة على يمينها،ولكنها أمام نظرات البعض العنيفة التي ركزت عليها،لم تجد بدا من التوقف. فماذا أتت من السوء؟ وبحكم ما اعتراها من الاضطراب،نظرت إلى أمها التي كانت تدفعها بحزم إلى الأمام. - سلمى،هيا سلّمي على خالتك السلطانة نعيمة،ابنة المرحوم السلطان عبد الحميد. ولكن البُنية تراجعت وهي تهزّ خُصل شعرها الأحمر،لتثير أكثر العجب والاستغراب.فأزاحتها عنها أمها إزاحة مفاجئة،والتفتت إلى الأميرة قائلة :- أرجو أن تعذري هذه الطفلة،فحزنها على فقد عمها لابد أن يكون قد رفع حرارتها. لكن السلطانة نعيمة،التي قابلت هذا الكلام بشيء من الاحتقار،أزاحت وجهها،كما لو أنها لم تكن تستطيع أن تتحمل رؤية التي تكلمها. وعندئذ انتصبت خديجة بقامتها الطويلة،وألقت على الجماعة الحاضرة نظرة ساخرة،ومضت لتجلس على يسار"الكادين"التي دعتها إلى الجلوس بجانبها. فانتصرت. أما ما ظهر من عامية على ابنة عمها،فقد كان بمثابة الاحترام. وما من شخص هنا يخفى ذلك عليه. وهكذا فإن الجرح بعد أربع عشرة سنة،ما يزال ينزف،كما كان الأمر من قبل! ){ص 32 - 33}.عدم قدرة الأميرة نعيمة على إخفاء كراهيتها للسلطانة خديجة،لم يأت من فراغ،فعندما تزوجت الأخيرة بزوج فرضه السلطان عبد الحميد عليها نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي.. وكان القصر الذي أهديته من قبل السلطان – كما هي الحال مع كل أميرة تتزوج حديثا – ملاصقا لقصر ابنة عمها نعيمة. وتعودت خديجة أن تزور السيدة الشابة،قريبتها. وكانت تقدم لها نصائحها،كأخت كبرى،وتوصل إليها بواسطة زينل،بعض الهدايا الصغيرة. وسرعان ما جعلت منها صديقة. وكانت نعيمة تعشق زوجها الأنيق،المتفتح،أكبر العشق. فهل من انتقام منها أفضل من أن تسرقه منها. وأية وسيلة أوثق من هذه لكي تجرح جلادها وجلاد أبيها،ذلك الأب الذي كانت تحبه حبا جما،عندما تجعل ابنة السلطان تيأس من الحياة بهذه الصورة؟ وبهدوء وصبر،قامت خديجة،كما لو أنها تقوم بواجب العدالة،بإغواء كمال الدين. وكان ذلك سهلا عليها،لأن نعيمة القليلة الحذر،حرصت،خلافا للتقاليد، على أن يلتقي زوجها،أفضل صديقاتها.وكانت خديجة جميلة،فوقع الباشا في غرامها،وصارحها بحبه لها،في رسائل غرامية عنيفة،كانت تحفظ بعناية. (..) فجعلت من رسائل كما الدين حزمة،ونادت زينل وأمرته أن يسلمها إلى السلطان،مدعيا بأنه عثر عليها بالمصادفة. وكانت تحرص على الانتقام،وعلى حريتها. ولم يكن لمثل هذه الفضيحة إلا أن تؤدي إلى الطلاق.){ص 34}.نُفيَ كمال الدين باشا إلى بروسة العاصمة القديمة .. أما السلطانة خديجة،فقد استدعاها السلطان عبد الحميد .. (واكتفى بالضحك الساخر منها و ... أعادها إلى زوجها. ولن تتخلص خديجة من زوجها إلا بثورة 1908،التي خلعت السلطان عبد الحميد. (..) وبعد ذلك بسنة،وخلال نزهة في "مياه آسيا الحلوة"{نهر صغير في ضواحي إستانبول} التقت خديجة بدبلوماسي جميل،فوقعت في حبه،وقررت الزواج منه. وكان ذلك الدبلوماسي هو خيري رؤوف بك،أي أنه أبو سلمى وخيري الصغير){ص 34 - 35}. وجاء عيد (البيرم) – الأضحى – ولكن قبل ذلك،أليس ممن الممكن إعادة الروح – من الموتة الصغرى – إلا بالموسيقى؟ .. (وانتهى صوت منغم،عذب ومُلحّ،بأن يجعل سلمى تستفيق من نومها. فتفتح عينيها،وتبتسم للمراهقة التي تمس العود بريشتها،على مهبط السرير. وهذه عادة شرقية،للحذر من يقظة مفاجئة،ذلك أن الروح،على ما يقولون،تمضي إلى عوالم أخرى. ويجب أن نمنحها الوقت الكافي للرجوع بالتدريج إلى الجسم. (..) وفي ذلك الصباح،شعرت بأنها فرحة بشكل خاص : إنه البيرم. العيد الأكبر في الإسلام،الذي يستعيد ذكرى تضحية إبراهيم بابنه لله،وعلى كل إنسان أن يرتدي ألبسة جديدة ويتبادل الهدايا مع الآخرين. والمدينة كلها تدوي من ضجيج الألعاب،وصرخات البهالين،وباعة السكاكر. (..) ولكن الاحتفالات تكون أعظم ما تكون في قصر ضولمة باهتشه. حيث يستقبل السلطان،لمدة ثلاثة أيام،عظماء دولته وكل أفراد أسرته.وأبت سلمى كأس الحليب الصباحي،المفروض أن يحفظ لها بشرة حلوة،وقفزت من السرير. ومضت متعجلة إلى الحمام،حيث تقوم عبدتان بتهيئة حمام الورد لها (..) ومن أباريق الفضة يسيل الماء الفاتر على جسد الطفلة الأبيض. وبعد أن تنشفها العبدتان بالموسلين الأبيض،ترشان على جسمها وشعرها رذاذا من تويجات الورود،وتمسدانها لمدة طويلة. (..) وها إن هذه {السلطانة خديجة } دخلت بهوها الصغير،فنهض خيري بك، ليقبل يدها،وبعد أن قال لها ما تقتضي به الأعراف في هذه المناسبة من تمنيات وتهان،قدم لها علبة مجوهرات من المخمل وتقضي الأعراف أن يقدم الرجل لزوجته بمناسبة بيرم،وكذلك بمناسبة عيد ميلاد السلطان،هدية ما لامرأته. فإذا لم يفعل ذلك،فإن هذا إشارة إلى قرب الطلاق. ويتنهد الداماد داخل نفسه. ولكن من حسن الحظ أن سكرتيره يفكر بكل شيء! وكان داخل العلبة عقد عظيم من الياقوت الأزرق،بل شديد الزرقة. وتدمدم الأميرة قائلة :وأي ماء رائع! {في الهامش : في الشرق العربي اصطلح الناس على قول ماء الألماس،أو مية الألماس،على كل المجوهرات المصنوعة من الألماس}.وينحني الرجل بهدوء :لا شيء عظيم الجمال بالنسبة إليك،يا سلطانة! {التعجب من الأصل!}لقد قام سكرتيره بكل ما يجب أن يقوم به. ولكن أنى له،في مثل أيام الحرب هذه والتضييق من المخصصات المدنية {في الهامش : مبلغ يعطى لأفراد العائلة المالكة للإنفاق على حاجاتهم الشخصية}. أن يدفع ثمن هذا كله؟ (..) ثم سحب من جيبه علبة مجوهرات ثانية،أصغر من الأولى – وهذه اختارها هو – ووضعها بين يدي سلمى. إنها مشبّك،وهو عمل دقيق يمثل طاووسا،له ريش مزين بالزمرد.){ص 37 - 39}.عذرا .. الآن عرفت سبب علامة التعجب تلك،بعد أن قال للسلطانة أنه لن يذهب إلى الاحتفال،مع أنه سوف يذهب : ( ولكنه لا يستطيع إلا أن يثير زوجته. فمع مضي السنين،أصبح لا يتحمل دوره هذا المصطنع. أما الطلاق،فإنه ليس بموضع بحث. إذ لا يطلق الإنسان زوجته وهي سلطانة،فهي وحدها لها هذا الحق،إذا وافق السلطان على ذلك.وعلى كل حال فإن خيري بك لا يملك ما يلومها عليه. فهي زوجة كاملة،ولكنها أميرة إلى أقصى الحدود ... ومضجرة إلى حد الموت.{!!!!!!} هكذا كان يفكر،دون أن يعترف أنه مسحوق بشخصية أقوى من شخصيته،مما يحيله إلى مجرد ظل. ){ص 40}.ما أكثر من يعيشون كـ"ظل"رغم أنهم غير متزوجين بـ"سلطانة"!!!!!!! نترك هذه الملاحظة غير المهمة،وننقلكم إلى قصر : (.. ضولمة باهتشه كله بالرخام الأبيض،يمتد بكسل على طول البسفور. ويلاحظ الإنسان فيه كل أساليب العمارة،من كل العهود وكل البلاد،بنظام فوضوي غني. فهناك نجد الأعمدة الإغريقية،والأقواس المورسكية،والغوطية،أو الرومانية Romans،كما نجد الزخرفة المثقلة تغمر الواجهات بباقات الزهر،وأكاليله،والورود {لماذا يصر المترجم على إغضاب سيبويه؟!! فــ"الورد" جمع !!} والرصائع،المزينة بنعومة بالأرابسكات المذهبة. لكن"الطهوريين"يجدون ما يسمونه "بحلوى العروس"شيئا بشعا جدا. ولكن الكثرة،والكرم،والأناقة الخيالية،والجهل البريء،بكل قواعد الزخرفة القانونية،تجعل ذلك كله،قريبا إلى النفس،كما لو أن طفلا وضع كل أنواع الزينة المتباينة،التي وجدها في خزانة أمه،لكي يبدو أجمل مما هو. وهذا لا يفهمه إلا الشعراء،والشعب التركي شاعر. وعندما دخلت سلمى القصر،تجمدت أمام وابل الذهب والكريستال. وكثيرا ما كانت قد زارته من قبل،{لماذا يعقد تركيب الجملة؟!} ولكنها في كل مرة تقف فاغرة الفم أمام كل هذه الأثقال من الفخفخة. فالشمعدانات والثريات تدوي بآلاف وريقاتها البراقة،وسلّم الشرف مصنوع من "البكراة Baccarat"{في الهامش : البكرا : نوع من الزجاج الثقيل الفرنسي الأصل (من قرية بكرا)} وكذلك المواقد الضخمة ذات الجوانب المقصوصة قصة الماس،والتي تشع بنجمة أضواء متقزحة،يتغير لونها في مختلف ساعات النهار. وتحب البنية الصغيرة هذا البذخ. فهو يشد عزمها عندما يُدخل في روعها أن قوة الإمبراطورية لا تغلب،وأن ثروتها لا تنفد،وأن العالم جميل وسعيد. هنالك طبعا هذه الحرب،التي يتحدث عنها أصدقاء أبيها،ثم هؤلاء الرجال والنساء،ذو النظرات المحمومة،الذين يتزاحمون حول شبك قصرها،لكي يطلبوا الخبز. إلا أنهم يظهرون في عيني سلمى وكأنهم يسكنون كوكبا آخر،فالحرب بالنسبة إليها ليست إلا كلمة في الفم الثرثار،لدى الأشخاص الكبار.){ص 40 - 41}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة ...إذا أذن الله أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  6. #6

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"4"في هذه الحلقة نواصل متابعة الاحتفال بالـ(بيرم) – عيد الأضحى - ،فبعد انبهار (سلمى) بزينة القصر، نجد السلطانة خديجة وسلمى .. (وبعد مجموعة الخصيان التي استقبلتهما،ها نحن الآن أمام مجموعة من الفتيات،كلهن رائعات – ذلك أن البشاعة شيء محرّم في القصر – يحطن بهما لمساعدتهما على التخلص من حجبهما،على حين أن (القهوجية)،التي ترتدي بنطالا واسعا وقميصا صغيرا فضفاضا،مطرزا بالشركسيات،تقدم لهما القهوة معطرة بالهال،لكي يستريحا من عناء الرحلة.(..) وظهرت سيدة المراسم،التي تبدو فخمة في جاكيتتها الطويلة،المطرزة بالذهب،كعلامة على وظائفها العليا. ولقد جاءت لتبحث عن الأميرات،وتقودهن إلى السلطانة الوالدة،أم السلطان.{رشاد}. إذ أن كل زيارة إلى القصر تبدأ،أو يجب أن تبدأ بهذه السيدة العجوز،التي هي الشخصية الثانية في المملكة {هكذا!!} بعد ابنها. وتجلس السلطانة في جلالها،في بهو مفروش بالحرير البنفسجي،ويتألف أثاثه من مقاعد ثقيلة،من الطراز الفيكتوري. ويدعي العارفون أنها كانت جميلة جدا،ولكنها مع تقدم العمر،والإقامة الطويلة،في جناح الحريم،أصبحت ضخمة. ولم يبق منها إلا عيناها الزرقاوان الرائعتان،اللتان تشهدان على أصلها الشركسي.(..) وتتذكر هذه السيدة العجوز ذلك اليوم،الذي وقعت فيه عين السلطان عليها وأعجبته. وكثيرا ما تشير إلى ذلك في أحاديثها. وأصبحت نتيجة ذلك غوزدي Geuzde،أي تلك التي تلفت نظر السلطان. وحصلت على حق التفرد بغرفة لها على حدة. واشتُري لها فساتين جديدة من الحرير. وكان من حظها أن السلطان لم يتعب منها ولم يزهد بها،وأعاد طلبها مرات كثيرة. وحصلت على لقب "إقبال"أو المحظية،فنقلت عندئذ إلى غرفة أكبر. ووضع في خدمتها ثلاث كالفات{نساء مكلفات بخدمة القصر} وحان عليها الوقت لكي تحمل وتلد. وكثيرا ما سمعت سلمى حديث سيدات عجائز في القصر،يقصصن كيف أن هذه الشركسية الجميلة،عندما ولد ابنها رشاد،رفع من شأنها وأعطيت لقب "الكادين"الثالثة. ولم يكن يكفي الارتقاء عن مستوى الإماء،أن تكون الفتاة جميلة،بل إنها كانت بحاجة إلى الذكاء والعناد،لكي تحظى بهذه المرتبة المرغوبة والمحسود عليها. ذلك أنه كلما علت الفتاة في مراتب الحريم،ازدادت الخصومات واشتد التنافس،وكبرت الأخطار. وفي هذه القمم،يصبح الصراع عنيفا بلا رحمة. وكان أبناء هاته الكادينات،في الواقع،كلهم أمراء،من الأسرة المالكة. وكان العرف يقضي بأن يتربع أكبرهم سنا على العرش. ولكن خلال القرون الستة التي عاشتها الأسرة العثمانية،كثيرا ما رأى الناس،الأبناء الأوائل يختفون،كضحايا للحوادث،أو مرضى بأمراض غربية.ولم تترك هذه الكادين لأحد حق رعاية طفلها،لأنها كانت تعرف جيدا نماذج من المرضعات و الخصيان،أُغروا من قبل فتاة منافسة أخرى،وقتلوا الولد بصورة ما. ولقد أقسمت أن يكون ابنها سلطانا،وأنها ستكون السلطانة الوالدة. وكانت حياتها كلها مركزة على هذه الغاية. وكان عليها أن تنتظر عمر الثامنة والسبعين لكي يتحقق لها هذا الأمل. أما الآن فإن الطموح الذي رافقها خلال ستين سنة من الدبلوماسية والمؤامرات،قد فارقها،ولم تعد شيئا آخر غير امرأة عجوز متعبة. وأخذت السلطانة الأم وليدة،بيدها شديدة البياض،تدغدغ بضربات خفيفة خدها،مما يشير إلى الكثير من العطف،كما كالت المديح للسلطانة خديجة على مظهرها الجميل. ثم إنها عبّت نفسا طويلا من نارجيلتها المذهبة،وأغمضت عينيها وانتهت المقابلة. (..) وفجأة علت ضجة : فالسلطان عاد من صلاة السلاملك. وستبدأ مباشرة حفلة تقبيل اليد. (..) أما سلمى المحصورة بين سيدتين ضخمتين جدا،فإنها تجد صعوبة حتى في التنفس،ولكنها تأبى أن تتخلى عن مركزها هذا في الملاحظة،ولو دفعت لها كل أموال الدنيا.ورأت،وهي تنظر من حوالي ثلاثين مترا تحتها،غابة من الطرابيش الأرجوانية،والريدنجوتات السوداء أو الرمادية،التي تزينها ألوان الزي العسكري. ولما كانت قد بهرت بآلاف المصابيح الموجودة في قاعة العرش – وهي أكبر قاعة من نوعها في أوربا كلها – على ما يقال – فإنه كان عليها أن تنتظر مدة طويلة قبل أن يتاح لها التعرف على بعض الوجوه.وكان السلطان يجلس في صدر القاعة،ويبدو كشكل كهنوتي في عرشه الذهبي الواسع،المرصع بالأحجار الكريمة. ويقف على يمينه أمراء الأسرة،باللباس الرسمي الفخم،تبعا للمرتبة والعمر. (..) ويأتي كل واحد من الحضور بدوره،ويتقدم باتجاه العرش،ويركع ثلاث مرات (أو يسجد) على الأرض،ثم ينهض لا ليقبّل يد السلطان،إذ ليس من حق أحد أن يمسها،ولكن ليقبل رمز السلطة،وهو بطرشيل etole من المخمل الأحمر،المزين بأشكال بلاطية من الذهب،يمسك به رئيس المراسم. ثم يأتي كبار الموظفين،الذين يمثلون مختلف الوزارات،بالريدنجوت الأسود،ثم يأتي بعدهم،مبهورين بكل هذا البذخ،وجهاء القوم الذي أريد لهم أن يكافؤوا على ولائهم،الذي بدا بشكل متميز. ولما كان هؤلاء جميعا في أشد حالات التأثر من التشريف الذي يحاطون به،وكذلك من الخوف من سوء رعاية تقاليد المراسم المقدسة،فإنهم يقبلون البطرشيل،ثم يخرجون متراجعين إلى الوراء،متعثرين أحيانا،على مرأى من عيون الحضور الساخرة. ويسود الصمت فجأة. ويحبس كل إنسان أنفاسه،ذلك أن أعلى سلطة دينية في المملكة،أي شيخ الإسلام،الذي يضع عادة ثوبا أبيض طويلا،وعمامة من البروكار،يتقدم تجاه السلطان،الذي بدوره ينهض تكريما له،حتى يستقبله. ويأتي وراءه كبار العلماء،وفقهاء الدين،بثياب خضراء،أو بنفسجية،أو سمراء. ويتبعهم ممثلو المذاهب الدينية في المملكة،مثل بطريرك الروم الأرثوذكس والبطريرك الأرمني،الذين يلبسان لباسا أسود،وكبير أحبار اليهود،الحاخام،الذي يتمتع بوضع خاص،منذ أن جعلت السلطنة من نفسها،في القرن السادس عشر حامية لهذه الطائفة المضطهدة في أوربا. وخلال الحفلة التي دامت زهاء ثلاث ساعات،كانت الأوركسترا الإمبراطورية،ببذلة بيضاء يلبسها كل فرد من أفرادها،وفي صدرها،مقدمة حمراء وذهبية،تعزف "موسيقى"عسكرية عثمانية،وسيمفونيات حماسية لبيتهوفن. وكان يديرها الموسيقي المشهور لانج بك وهو رئيس أوركسترا فرنسي وقع في حب الشرق.وكانت النساء وراء مشربياتهن (أي الحواجز الخشبية المثقوبة ثقوبا كثيرة بصورة فنية)،يضحكن ملء قلوبهن،فيرى بعضهن بعضا رئيس القوى الألمانية،الجنرال فون ساندرس. ذلك الجنرال الذي تجعله يبوسته وتعاظمه شبيها بكاريكاتير للضابط الروسي. وكذلك الماركيز الجذاب بالا فيشيني،سفير النمسا وهنغاريا،الذي كثيرا ما يصادف في إستانبول مساء راكبا حصانه الأشقر. ويقول الناس إنه يعرف كل شيء،فإذا أخبر بشيء بدا مندهشا كأنه لا يعلم شيئا. إنه دبلوماسي كامل. والحقيقة أن هؤلاء السادة الثلاثة الحقيقيين للبلاد،هم الذين يحب النساء أن تراهم : الوزير الأول الكبير المرهف،طلعت باشا،الذي له جسم الثور،والذي تدل يداه الحمراوا اللون على أصله المتواضع،والقصير الشاحب اللون جمال باشا،وزير البحرية الذي يخفي تحت المظاهر الأليفة،قسوة صارمة،على مال يقال. فلقد أرسل عام 1915 إلى سوريا،فقمع الثورة التي التهبت مطالبة بالاستقلال،بعنف لا حد له،لقب من أجله "بجلاد الشام". {جمال باشا الجزار}.ولكن نجم المجلس كان بالتأكيد الوسيم أنور باشا. وهو رجل لطيف،نحيل،ووزير للحربية،ورئيس الثلاثي المشهور. ويقال أنه قادر على إغراء النساء جميعا. أما شجاعته فلا حد لها. (..) ولكنه في هذه الأشهر الأولى من عام 1918،حيث يتراجع الجيش على كل الجبهات،فقد سمعة الرجل الذي كان يطلق عليه لقب نابوليونيك،وبدأت تذبل يوما بعد يوم. وتطول الألسن لنقد ذاك الذي عبده الناس يوما ما.وتهمسُ إحدى السيدات قائلة : إنه لشيء مخجل أن يقيم هذه الاستقبالات المكلفة في هذه الأيام الشديدة الضيق.وتقول أخرى: إن هذا الابن لموظف صغير،لمسرور من أنه تزوج أميرة،سرورا تجاوز به كل الحدود. وحقا فإنه بطل ثورة تركيا الفتاة،كان قد تزوج السلطانة ناديا،ابنة أخ السلطان رشاد. وهو جد فخور بامرأته،حتى يريد أن يريها للناس جميعا،وهو يستمر في قلب هذه الحرب،بإقامة حفلات يبلغ فيها الإسراف غايته. وعلى حين أن الناس،حتى في القصر الملكي،قد ضيقوا على أنفسهم،فإنك ترى مائدته غنية جدا. ولكن الأسرة قد تسامحه على هذا كله،لو أنه لا يلعب هو نفسه دور الإمبراطور،مصدرا الأوامر باستمرار إلى الملك العجوز،فيذله ويذل الأسرة كلها معه. وتتألم الأميرات فيقلن مستنكرات :- انظروا كم أن جلالته مريض،وحصياته تجعله يتألم ألما لا يطاق. ولكن أنور باشا أرغمه مع ذلك،منذ عدة أشهر،على الذهاب إلى المحطة لاستقبال القيصر غليوم الثاني. والحقيقة أن ما يسوءهن ليس التعب الذي يسببه للباديشاه بالدرجة الأولى،بل الإذلال الذي يذيقه إياه : وأصلا فإنه ما من سلطان تحرك من قصره لاستقبال أحد الناس،ملكا كان أو إمبراطورا. وبصورة خاصة،فإنهن لسن على وشك نسيان شنق الشاب الجميل صالح باشا،زوج منيرة السلطانة،إحدى بنات أخ السلطان الأثيرات عنده. فلقد اتهمه بالتآمر على تركيا الفتاة،وقضى بشنقه. وجاءت السلطانة تقبل رجلي السلطان،وتوسل هذا الأخير إلى أنور باشا لتخفيف هذا الحكم على الدامادا،ولكن عبثا. وكان على السلطان رشاد أن يصادق على الحكم،وقلبه محطم. ويقال إنه أعاد التوقيع ثلاث مرات،بسبب الدموع التي كانت تشوش عليه الرؤية.وهكذا كانت التعليقات والانتقادات تأخذ سبيلها بين الناس،وكانت سلمى تصيخ السمع،بكامل أذنيها لما يقال،عندما انقطعت الموسيقى فجأة. فنهض السلطان،وأنهى الاحتفال. وترك قاعدة العرش ببطء،متبوعا بالأمراء،وحيا الهاتفين التقليديين من العلماء الذين يقولون :"أيها الباديشاه،كن متواضعا،وتذكر أن الله أكبر منك"وكانت النساء يستعجلن باتجاه القاعة الكبرى الزرقاء،حيث سيأتي الشاه ليزورهن. (..) ومن خلال أهداب عينيها،المنخفضتين نصفا،بدأت سلمى تتفحص هذا الرجل العجوز ذا الشعر الأبيض،الذي تشي نظرته الزجاجية،وشفتاه الثخينتان بطيب قلبه. وكان قد أجلس أمه بجانبه وبدا يبتسم بكل هدوء. وتفد بعدئذ السلطانات،اللواتي يسمونهن "السلطانة خانم". وكانت ذيولهن الطويلة تدمدم فوق السجادات الحريرية،وتقف كل منهن أمام السلطان وتحييه ثلاث مرات بانحناءات رشيقة من جسمها،وتنسحب لتجلس على يمين السلطان. ثم تأتي الكادينات والوصيفات اللواتي يجلسن إلى يساره. وأخيرا يأتي دور سيدات القصر والكالفات القديمات،اللواتي بعد أن يحنين الهامة حتى الأرض أمام السلطان،يذهبن فيجلسن في آخر الصالة.ومتى انتهت هذه التحيات،يظهر عبدان يمسكان بين أيديهما،قماشا من المخمل مملوءا بقطع ذهبية سُكت في السنة نفسها. وتأتي الخازنة الكبرى فتغرف ملء يديها من هذه القطع،وتنثرها باتجاه الأوركسترا {في حدود ستين عازفة} والكالفات الصغيرات اللواتي يجمعنها،وهن يباركن للباديشاه،على كرمه.وعندئذ تبدأ فترة المحادثة. فيرجو الباديشاه قريبتاه،وزوجاته بأن يجلسن. ويبدي قلقه على صحتهن،ويقول لكل منهن كلمة طيبة. (..) وبعد أن يسود الصمت فترة تظن كل سيدة أنها لن تنتهي،يبدأ الملك بالحديث عن حماماته. فهو هاوي لهذه الطيور التي يستوردها من أوربا.(..) ثم يتلكم على وروده الحلوة التي يقطعها،عندما يمضي من حديقة قصر الهامور الصغير،موضحا أنه لا ينبغي أن يقطف منها أكثر من وردة واحدة من كل شجرة،حتى لا يؤذيها. إنه رجل ذو رقة بالغة. ويحكى أن الشيء الوحيد الذي يخرج به عن طروه هو أن يضع أحد السفراء الأجانب،رجلا على رجل،في حضرته. وعندئذ يقول متألما : إن هذا الكافر حشر رجله في أنفي. ولكنه يكظم غيظه بقراءة سورة ما من السور القرآن،لأنه تقي جدا،وهو عضو في جماعة صوفية،ولكنه لا يتحدث عن هذا أبدا.){ص 41 - 48}.بعد ذلك ينصرف السلطان .. فتبدأ الاحتفالات ... والرقص ... ومسابقات الشعر ... و تقدم أصناف الأطعمة .. وأقزام السلطان يدخلون السرور على السيدات المحتفلات ... (وعندما قطعت سلمى البسفور الذي أضاءه القمر،في القايق الذي أعاد أهلها إلى قصر أورطاكوي،كانت تفكر بأن ذلك اليوم كان جميلا،وأن الحياة حلوة. فكيف يمكن أن نصدق طيور النمس،التي تتنبأ بانسحاق إمبراطورية بمثل هذا الغنى وهذه القوة؟.){ص 49}.كذبت طيور "النمس" وإن صدقت ... إلى اللقاء في الحلقة القادمة. أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  7. #7

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"5" هذه الحلقة،أبعد ما تكون عن أجواء الاحتفالات التي طغت على الحلقة الماضية .. (وكانت خديجة السلطانة تمضي كل أسبوع لزيارة مستشفى هازيكي ،في مركز المدينة،لكي تحمل إلى الجنود المرضى أو الجرحى،شيئا من الدعم المعنوي وبعض الهدايا الصغيرة. وحتى ذلك الحين،لم تكن قد أخذت معها سلمى،خوفا من أن تتأثر بهذه المناظر تأثرا سيئا. ولكن البنت أصبحت في السابعة والنصف،وتفهم الكثير من الأشياء. ومن ناحية أخرى،فإن السلطانة من أنصار الرواقية،(الصبر على المكاره). ولما كانت،من أبكر العمر،قد عاشت أقسى التجارب،وخرجت منها سليمة،فإنها ترى أن لا شيء يساوي التجربة والاختبار،في تعديل الطبع وتثقيفه. ولقد رأت النساء الجميلات من بنات الطبقة الممتازة في إستانبول،تلك الآثار السيئة للتربية الضعيفة،المرخية للعزم،فلم يعد في وسعها ألا أ، تحرص على صيانة سلمى منها.وعندما أخبرت زوجها بعزمها هذا،فإن هذا الرجل،اللامبالي في العادة،غضب غضبا شديدا.- إنك تريدين إفساد حياة هذه الصغيرة. وسيكون لديها الوقت،فيما بعد،لترى ألوان الشقاء،وربما تعيشها أيضا – من يدري؟ فدعيها إذن تعيش هادئة.ولكن السلطانة ترى أنها الحكم الوحيد هنا فيما يتعلق بتربية ابنتها،كما هي كذلك في كل ما يتعلق بشؤون البيت. وإذا هي تركت لزوجها أن يهتم بتنشئة ولدهما خيري – ذلك أن الصبيان،في ديار الإسلام،إنما يربون بدءا من السابعة من العمر،على أيدي الرجال – فإنها ستقبل ما تقضي به التقاليد طبعا،ولكنها تشك في أن تكون هذه التربية ناجحة. ذلك أن جبن كبير أولادها يجرح كبرياءها.(..) ومن حسن الحظ أن يكون الأمر شيئا آخر مع سلمى،فخديجة تجد فيها قوة شبابها وشجاعتها. أما خيري،فيبدو أنه يميل إلى أبيه. وانتهت هي باليأس من ابنها وزوجها. معا. ومع ذلك فإن الله وحده يعرف أنها أحبت خيري رؤوف بك،بكل ما في المرأة من عنف في الحب،إذا كانت في الثامنة عشرة من عمرها،وبكل مطالب المرأة التي كانتها في الثامنة والثلاثين عندما التقته. ولربما كانت قد أسرفت في مطالبته بما لا يستطيع. وهكذا فإن أحلامها كمراهقة وحيدة،وكامرأة أسيء إليها من زوجها الأول الذي كانت تكرهه،قد نقلتها إلى زوجها الثاني. (..) وذات صباح حار من أيام تموز / يوليو /،مضت السلطانة هي وابنتها إلى المستشفى. وكانت سلمى قد قضت نهار البارحة بصنع حزم صغيرة كهدايا للجرحى. وقامت إحدى الكالفات بتهيئة مناديل الشاش الزهرية. وفي كل واحد منها،وضعت علبة من التبغ،وحلوى وبعض النقود،ثم غلفت بشريط جميل من الساتان الأزرق. وهنالك المئات من هذه العلب،تملأ حتى القمة،جملة السلال المزينة بإطار من القماش الملون. وهذه تقدم انطباعا أجمل،وسلمى سعيدة جدا،لا تكاد تهدأ،من فرط الفرح،بعملية غير مألوفة من هذا النوع.(..) وأخيرا يصل الركب إلى إستانبول القديمة {في الهامش : كانوا يطلقون هذا الاسم على الحي القديم من استانبول} (..) وأبعد من ذلك تقوم سوق صغيرة. وهناك باعة سمان يعتلون عرشهم فوق أهرامات الخضار والفاكهة،ويقدمون لربات البيوت المحجبات بمناديل سوداء ما يحتجن إليه من بضاعتهم. وتحت شجرة من الأشجار يجلس الكاتب الشعبي،مع مجموعة أقلامه،ومحبراته،ويكتب عروض حال للناس،بوقار،على حين أن سيدات عجائز،يجلسن على الأرض ويحزرن المستقبل،برمي عظيمات على قطعة من سجادة قديمة. (..) وبعد ساعتين من بدأ الحركة،وصل الركب سالمين،ووقفت العربات جامدة في فناء المستشفى. ولم تنتظر سلمى أن يأتي زينل ليفتح لها الباب،بل قفزت منه قفزا على الأرض. فهي متلهفة لرؤية المحاربين الشجعان"كما يسميهم خالها فؤاد".المستشفى بناء كبير،رمادي اللون،بُني في القرن السادس عشر،بأمر من السلطان سليمان الرائع. ودخلت السلطانة وابنتها متبوعة بخادماتها،في البهو الكبير،حيث كان ينتظرهم مدير المستشفى. وانحنى بأكثر ما يستطيع أمام السلطانة،وألح عليها أن تمر بمكتبه لبعض الاستراحة وتناول القهوة قبل زيارة المرضى. ولكن السلطانة أبت ذلك عليه،على أكبر فرح من سلمى،وتحمل هذا الرجل الصغير سوء حظه بقلب طيب (..) وما إن دخلت الجماعة في الممر الأول حتى شعرت البنت الصغيرة أن حلقها تملكته رائحة حامضة حلوة،تنتزع منها قلبها. فتعض على أسنانها قائلة : لا مجال لان أكون مريضة! ولكن كلما تقدم الزوار قليلا،ازدادت الرائحة ثقلا،وقلّ احتمالها. وتفكر البُنية قائلة : "ما أغرب هذه الأدوية!". ولم تفهم القضية إلا عندما وصلت إلى الممر الثاني،وأصابها الرعب. ففي الأرض،وفي كل الزوايا،كانت هناك سطول صغيرة مفعمة بضمادات لطخت بالدم وفضلات الإنسان. وهناك رجال متمددون على فراش،أو على مجرد غطاء،وهم يئنون. وبعضهم ينادي أمه. وآخرون رؤوسهم مقلوبة،وعيونهم مغمضة،يبدو أنهم يتنفسون بصعوبة. وفي هذا الممر الذي لا هواء فيه،لا يوجد أقل من مئة. وإلى جانب بعض المتميزين نجد امرأة – هي أخت؟ أو زوجة؟ تسند عنقا،أو تعطي كأس ماء،أو تطرد الذباب الذي أغراه الدم.وشرح المدير القضية فقال :إن هذه الفضلات تبقى هنا ليلا ونهارا. ونحن نتسامح بذلك،لأنه ليس عندنا من عناصر الخدمة ما يكفي للقيام بواجب هؤلاء المساكين.فالممرضة،وهي فتاة ترتدي صدرية بيضاء،طويلة،وشعرها مرصوص بوشاح أبيض،هي الوحيدة التي تخدم كل غرف هذا الممر. وهي تقسم وقتها بين إعطاء الإبر،وأخذ الحرارة،وتوزيع الأدوية القليلة التي لا تزال جاهزة. وليس لديها أي وقت لراحتها الشخصية.ومع ذلك فإنها لا تزال تحتفظ بالبسمة،وتجد كلمة مواساة لكل مريض. وسلمى التي لم تعد لديها إلا رغبة واحدة،هي الهروب من هذا المكان،وتشعر فجأة بالخجل : إن عليها أن تقاوم.وبعد أن اجتازت الأم و ابنتها بعض الأمتار،التي بدت لها وكأنها لا تنتهي،دخلتا في قاعة كبيرة. وهنا،تصبح الرؤية أوضح. فلوحظت نوافذ عالية تثقب الجدران مطلية باللون الأزرق لاستبعاد "العين"،كما أن الأسرة تمتد على صفوف طويلة. وكان المرضى قد ناموا على الفُرش مباشرة،لأن الأغطية انتزعت منذ مدة طويلة لتحل محل الضمادات المفقودة – وبين هؤلاء ممن هم،في أكثر الأحوال في أول الشباب – من يئنون من الألم.(..) ثم إن أغلب المرضى يتقاسمون الأسرة الضيقة،اثنين اثنين. ومع ذلك فهم محظوظون لأن الموشكين على الموت،أولئك الذين لا ينتظر منهم أحد إلا النفس الأخير،وُضعوا تحت الأسرة،خوفا من أن يفقدوا المستشفى محلات ثمينة. وفي كل صباح،يتكرر الشيء نفسه،إذ ترفع الجثث لردها إلى أسرها،أو يلقى بها في الحفرة العامة. ويؤتى من جديد بالجرحى الذين لا يرجى بقاؤهم أحياء،فيوضعوا تحت الأسرة،وهكذا ... على حين أن القادمين الجدد يوضعون في مكانهم.وترتجف سلمى،مقسمة بين الغثيان والاستغراب. وتتساءل : "أين هم إذن محاربونا الشجعان؟". وهي لا تستطيع أن تربط بين الجنود الذين أُعجبت بهم في الاستعراضات،وبين هذه المخلوقات التي يشتد منها الأنين. وكأنها تحب أن تبكي،,لكنها لا تعرف ما إذا كانت تبكي بداعي الشفقة،أو بداعي خيبة الأمل. فالشجاعة أمام الموت،والفرح بأن يهب الإنسان حياته للوطن،أكل هذه العواطف التي يكثر الجنرال – الأمير من الحديث عنها،ليست إلا كذبة كبيرة؟ وتحس عندئذ بأن أمها تضغط على يدها،وتقول :- هيا،يا بنيتي الصغيرة،تشجعي،أنا هنا. غير أن هذا الحنان اللا مألوف يدخل إلى نفسها الاضطراب أكثر وأكثر أيضا،فتتوسل قائلة : أيندجيم! أرجوك لنمض.فتهز السلطانة رأسها بوقار حزين،وتقول : - يا سلمى،إن هؤلاء الرجال في نهاية البؤس،أو لست قادرة على منحهم شيئا من المواساة؟وتود سلمى لو أجابت بكلا،وأنها لا ترغب بعد الآن في رؤيتهم،وأنها تحتقرهم لتألمهم بهذه الصورة التي زال منها الخجل ... إنهم حيوانات! وفجأة ترى بأنها لم تعد تشعر لا بالشفقة ولا بالخوف،ولكن فقط بغضب هائل ضدّ هؤلاء الجرحى،وضد الجنرال – الأمير. بيد أنها تسمع نفسها تجيب :- بلى،أيندجيم.وتبدأ بتوزيع الهدايا الزهرية والزرقاء. وتجد خديجة أمام كل سرير كلمة مواساة مناسبة. أما الأقل ضعفا بين هؤلاء،فيشكرونها بابتسامة. وبعضهم يتمسك بها،كما لو أن وجود هذه السيدة الجميلة الرصينة في عالمهم المرعب،يمكن أن يدفع عنهم الموت. والبعض الآخر،يحولّون رؤوسهم عنها.وتتابع سلمى،وهي ممتلئة حقدا،وعيناها مثبتتان على أحذيتها البيضاء،فتشعر فجأة بأنها اختطفت : ذلك أن رجلا شدها إلى سريره وهو يدمدم القول : "نجلا،يا طفلتي الحبيبة"،وعلى وجهه سمات الضياع. فبدأت سلمى تصرخ،مرعوبة. فأسرعت أمها وأنقذتها مباشرة. ولكن بدلا من أن تبعدها عنه،أبقتها بجانبه،وأحاطتها بيدها الحامية. - إن هذا الجندي المسكين يظن أنك ابنته. فدعيه يتأملك،فلعل لحظته هذه هي آخر سعادة له في هذه الدنيا.أنا ابنته؟ فتتصلب – ترى كيف يتجرأ؟ومرت دقيقة،وكأنها زمن طويل. ثم إنها بصورة غير محسوسة،وأمام النظرات المفعمة حبا لهذا الأب المستعار،بدأت تشعر بذوبان عدائها،وتشاركه في البكاء رغما عنها. وبعد شهرين .. ){ص 56 - 62}.عفوا. انتهت الحلقة .. فإلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    عن
    أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة Mahmood-1380@hotmail.com
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  8. #8

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"6"كان من الطبيعي،بين ضفتي نهر (ثراء طبقة) و(بؤس) بقية الشعب،أن تكون النتيجة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوبعد شهرين من ذلك التاريخ {تأريخ زيارة السلطانة للمستشفى}،أذيع نبأ الهزيمة في 30/9/1918. إذ أن الإمبراطورية العثمانية كحلفائها ألمانيا والنمسا – هنغاريا- طلبت الهدنة .. وأخيرا انتهت الحرب،والشعب الذي استنفدت قواه،بدأ يتنفس.وسلمى الآن سعيدة : إذ لم يعد مجال لزيارة المستشفيات ولا رؤية الجرحى،ولا الموتى. (..) ألئك الذين سعدوا بالهدنة – وكانوا يقولون "السلام"بدأوا يفقدون روحهم،عندما تقدم أسطول المنتصرين،بعد ثلاث عشر يوما،وذات صباح بارد،كثير الضباب،من شهر تشرين الأول / أكتوبر /،واجتاز الدردنيل،ومضى منه إلى البسفور. هنالك ستون قطعة بحرية،إنكليزية و فرنسية وإيطالية وإغريقية – وكانت مشاركة هذه الأخيرة غير واردة في اتفاقات الهدنة – ولكن تركيا يومئذ أضعف من أن تحتج،لاسيما وأن البلاد فقدت حكومتها. ذلك أن الثلاثي الذي جرّها إلى الحرب،هرب في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الهدنة. وكانت القطع البحرية،المسبوقة بطرادات،تقترب من الشاطئ في صمت مهيب. وببطء دخلت في القرن الذهبي،حيث ألقت المراسي،ووجهت مدافعها إلى قصر السلطان ومقر الباب العالي،الذي هو مقر أعضاء الحكومة.وكانت السلطانة واقفة وراء النوافذ تنظر إليها. وتقول في ذات نفسها "لقد سقطنا إلى الحضيض". فلأول مرة منذ أن استولى أجدادها على المدينة،أي منذ خمسمائة سنة تقريبا،تراها احتلت من جديد. وهذه الإمبراطورية التي أرعبت أوربا خلال خمسة قرون،تجد نفسها الآن تحت رحمة أوربا. وهي سعيدة أن أباها مات،وعلى أقل تقدير،لم تقع هذه النكبة في أيامه. (..) فتشاهد منظرا،جعلها مذهولة : فعلى الأرصفة،من ناحية المدينة المسيحية،كان هناك جمهور متعدد الألوان يهز أعلاما.وتلاحظ خديجة وجود الأعلام الفرنسية والإنكليزية،والإيطالية. ولكن أكثرها أعلام مخططة بالبياض – وهي أعلام إغريقية!لم تصدق ما ترى،فسوت المنظار،ثم أعادته إلى مكانه بحركة غاضبة،قائلة : الخونة. إنهم يرحبون بقدوم العدو!وتشعر فجأة أنها متعبة لدرجة الموت،وتتساءل،"ولكن لماذا،لماذا". إن أغاريقنا عثمانيون {في الهامش : كانوا يطلقون اسم العثماني على كل سكان الإمبراطورية،سواء كانوا أغارقة،أم البلغار،أم العرب،أم من الأتراك،أم من أية قومية أخرى. أما كلمة تركي فكان يحتفظ بها للناس الذين هم من العرق التركي.}،كالآخرين! وهم مسيحيون. وليكن،ولكنهم يملكون كامل الحرية في ممارسة طقوس دينهم،وبطركهم هو أحد الشخصيات الأعظم أهمية في الإمبراطورية. وفي الواقع،فإنهم أكثر حظا من أتراك الأناضول،الذين ينهكون أنفسهم في فلاحة أرض غير معطاءة. وعندما استقلت اليونان منذ تسعين سنة،كان لهم كامل الحرية في الرحيل،فآثروا البقاء هنا،حيث تزدهر أحوالهم. أما الأرمن واليهود،فإنهم سادة التجارة والمال. وماذا يريدون أكثر؟والحقيقة أنها تعرف جيدا ماذا يريدون. ولكنها تأبي أن تصغي لهذه المطالب الخارجة عن الحدود. إنهم يريدون العودة ستة قرون إلى الوراء. وطرد أتراك تراقيا الشرقية،وإستانبول خاصة،لكي يعودوا إمبراطورية بيزنطة. وهم يعتمدون على المحتل لكي يساعدهم في تحقيق أحلامهم. (..) ثم إن الأحياء المسيحية في غلطة وبيرا،تزهو بحيوية جديدة. فالفنادق والحانات ملأى ببحارة وجنود يتكلمون بصوت أعلى من ذي قبل. وينقون مبالغ لم يقبضها القيمون عليها منذ زمن طويل. أما الضباط فإنهم يترددون على البارات الأنيقة،حيث تقوم لاجئات روسيات،طرتهن الثورة البلشفية،بتقديم المشروبات لهم (..) وستقر الإدارة بسرعة استعادة "حفلات الشاي الراقصة"،وسنرى العسكريين الوسيمين يراقصون الجميلات من المجتمع البيروتي،في رقصة الفالس (..) وفي الطرف المقابل،في المدينة الإسلامية،لا نجد إلا الحزن. فلا يخرج الإنسان من بيته إلا في أدنى الحدود،خوفا من أن يزعجه الجنود الذين كثيرا ما يكونون سكارى،أو على الأقل حتى لا يكون عليه في الأرصفة الضيقة أن يمحى أمام المنتصر. وإنه لإذلال جارح،بالنسبة إلى الأتراك،الذين تعودوا أن يغلبوا الآخرين من الشعوب،أن يغلبوا على يد هؤلاء (..) ولا يمكن أن نرى بلا استنكار وحقد،ذلك التعاظم الغالب،لدى الأقليات المسيحية،التي كنا نظن،حتى ذلك الحين،أننا نعيش معها في أحسن التفاهم. (..) غير أن المستقبل يبدو أكثر سوء : إذ يتحدث الناس،بقلق عن تعيين الجنرال فرانشي ديسبيري FrsnhetdEsperey. وهو المعروف بسلاطته وعنفه،لقيادة قوى الحلفاء. وتقول الإشاعات إنه يريد أن يجعل من إستانبول عاصمة فرنسية،وجعل سكانها الأتراك عبيدا. (..) وفجأة تقرع الطبول،ويبدأ عزف الأبواق. هاهو الجنرال يبدو أكثر فخامة مما كان الناس يتخيلون،بقبعته الحمراء،وقميصه الفضفاض،وهو على ظهر حصان أبيض رائع. وينفجر الجمهور تصفيقا. أما الحصان الأبيض فلم يخف على أحد : ذلك أن السلطان محمد الثاني المنتصر عام 1453،دخل إلى بيزنطة على حصان أبيض،وعلى حصان أبيض يعود جنرال مسيحي جدا،فيملك المدينة. ){ص 62 -70}.يبدو أن الجنرال (ديسبيري) اعتمد على ذكاء الأتراك / العثمانيين، في قراءة رمز (الحصان الأبيض)،ولكن الجنرال (غورو) لم يكن شديد الثقة في ذكائنا نحن العرب ... فركل قبر صلاح الدين وقال،مقولته المشهورة : "ها قد عدنا يا صلاح الدين".لم يتوقف الأمر عند رمز الحصان الأبيض .. (ويأتي خصيّ بالصحف. وهي كلها تنشر،في الصفحة الأولى ذلك البيان المشترك للمندوبين السامين،الإنكليزي والفرنسي والإيطالي. وهو يقول :"إن رجال المنظمة المسماة وطنية،يحاولون عرقلة الإرادة الطيبة الموجودة لدى الحكومة المركزية. ولهذا فإن قوى التحالف تجد نفسها مضطرة لاحتلال القسطنطينية". وتفكر سلمى وتقول في نفسها: "أي هوس في الاستمرار على إعطاء اسم مسيحي لهذه المدينة،التي أصبحت منذ خمسة قرون تسمى باسم إستانبول". ){ص 112 - 113}.يبدو أننا،قبل أن ننتقل – أو تنتقلون – إلى الحمام التركي،في حاجة إلى أن نعرج – في سياحتنا هذه – على كتاب،ألقينا عليه نظرة في مرة سابقة – حلقة واحدة ولم نكمل السياحة – وفيه تتحدث المؤلفة عن (الشرق) الذي اخترعه الأوربيون نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيولكن رغم هذه الثروة الطائلة من الصور المتوفرة أمام الرسامين الأوربيين فإن ثمة ما كان يكبلهم ويجعلهم يخرجون عن الموضوع الذي يرسمونه،والقليلون هم الذين استطاعوا أن يرسموا المشاهد الشرقية كما رأوها دون أن يضيفوا عليها شيئا من عندهم. وهكذا تحولت لوحات أكثر الرسامين الاستشراقيين من واقع تراه أعينهم إلى حكاية ترويها ريَشهم،وأصبح الشرق بين أيديهم رمزا وأسطورة. لقد قدموا لأوربا ما كانت تريد أن تراه أوربا،ولهذا فإن الجادين من رسامي المناظر لم يحظوا بالشعبية السريعة التي نالها الرسامون الاستشراقيون. ومن هؤلاء كان مثلا الرحالة الذكي والمُجد (إدوارد لير Edward Lear ) الذي لم يكن في رسومه مواصفات "الشرق" المطلوب في عصره. فمائياته الدقيقة والمتأنية لم تلقَ سوى اهتمام ضئيل إذ لم يكن فيها ما يثير،فكان أن مات مغموما محروما من أي تقدير لأنه،كما كتب إلى الليدي وولدغريف عام 1868،لم يفعل سوى أنه "رسم حياته بأمانة".أما (ج. ف.لويس John Frederick Lewis) فقد انتهج مسلكا مغايرا لطريق (لير) واختار منذ البداية أن يرسم شرق المستشرق،ووقع تحت تأثير الكتابات الاستشراقية فنشر مجموعة من أعمال الحفر بعنوان (رسوم القسطنطينية) عام 1837،أي قبل ثلاث سنوات من زيارته الفعلية لهذه المدينة.){ص 128 – 129 (أساطير الغرب عن الشرق : لفق تسد) / رنا قباني / ترجمة : د. صبح قباني / دمشق / دار طلاس / الطبعة الثالثة 1993م}.ونحن إذ نعلم أن مؤلفة كتاب (حياة أميرة عثمانية في المنفى) - وهي حفيدة السلطانة خديجة – لا تنقل،كل ما كتبت، من (مذكرات)،أو(وثائق)، ولكنها .. تركت لحدسها ليسد ما لم يرد في الوثائق. وفي ظل هذه الحقيقة،من حقنا أن نتساءل عن تأثر المؤلفة – الحفيدة – بثقافتها الغربية،أو سقوطها تحت سطوتها؟!! في ظل هذا ننقل وصف الأستاذة (رنا قباني) لإحدى اللوحات الاستشراقية،ثم نقارن بينها وبين ما جاء في كتاب (حياة أميرة ... ).ولكن. قبل نقل وصف اللوحة،نلفت النظر إلى عناوين لوحات أخرى،مثل لوحة (تنفيذ الإعدام دون محاكمة)،,التي رسمها (هنري رينو Henri Regnault) سنة 1870 ،ولوحة (بدوي يقايض على جارية بسلاح)،والتي رسمها (جون فيد John Faed) سنة 1857،ولوحة (سوق الجواري)،والتي رسمها (جيوم)،وليس لها تاريخ. أما لوحة (الحمام التركي)،فهي للشهير (جان أوغست دومنيك آنغر )،وقد رسمها سنة 1863 ،واللوحة : ( تشتمل على ست وعشرين امرأة عارية يستمتعن بملذات الحمام. لقد جعل (آنغر) المرأة العازفة في مقدمة اللوحة مديرة ظهرها للناظر لا إعراضا عنه بل لتقود عينيه إلى داخل المشهد،فهي غافلة عمّن وراءها ولكن نظرها يتركز فقط على النساء اللواتي هن قبالتها في اللوحة. وكذلك الأمر بالنسبة لهؤلاء فهن يبدون غير مدركات أن ثمة من ينظر إليهن فلا واحدة تتطلع نحو الخارج حيث المتفرج،إنهن في مكان حميم يحسبنه مغلقا في وجه كل من يريد أن يختلس النظر إليهن. ويزيد من الطابع النسوي لهذه اللوحة شكلها الدائري والتركيز على استدارة (..) والنحور والبطون فيها،كما أن استدارت اللوحة توحي إلى المشاهد بأنه يسترق النظر من خلال ثقب الباب فيدخل في روعه أنه تسلل إلى الشرق المحرم وأنه يرى عالم مسراته بدون أن يُرى. تبدو جميع النساء في اللوحة وكأنهن توالدن من نموذج واحد،فهن امرأة واحدة صُورت في أوضاع مختلفة. إنهن متشابكات في وضعيات غرامية (كتلميح غربي للعلاقات السحاقية الشرقية). والواقع أن المتفرج لا يرى أيّ نشاط ذي علاقة بالاستحمام : فالحمام هنا لا أكثر من مناسبة للتعري والمغازلة. واللوحة لا تخرج عن كونها خليطا من الأفكار المكررة والمبتذلة حول شهوانية الشرقية. فالمداعبة بين النساء والعطور،والموسيقى،كلها تمد المرء بإمكانيات لا حد لها من الإمتاع،إلا أن ذلك ينحدر إلى درجة الإسفاف المضحك فتكديس الأجساد في مثل هذه الكتلة الضخمة إنما يزعج أكثر مما يبهج.){ص 131 – 132 (أساطير الغرب عن الشرق ..}.نعود إلى السلطانة خديجة .. (وردا على الاستياء العام،فإن السلطانة خديجة فكرت بتنظيم واحدة من "هذه الدعوات إلى الحمام"(..) ولم تضع لذلك شرطا إلا شرطا واحدا : فليس على مدعوة أن تتحدث عن هذه الأحداث – ذلك أننا لن نصل مع ذلك إلى حد السماح للمحتل بأن يفسد كل شيء. وفي مثل هذه الأحوال البائسة تصبح التسلية نوعا من التحدي أو شبه الواجب الوطني تقريبا.(..) .. تستقبل المدعوات في البهو الكبير،من قبل كل العناصر النسوية في القصر،أي من حوالي الثلاثين"كالفا"الكبيرات أو الصغيرات،اللواتي عليهن أن يحيين المدعوات بوابل من الورود. وبعد أن يساعدن على خلع الشرف (الملاءة)،يأخذن بأيديهن إلى الأبهاء الصغيرة،المزينة بالمرايا والأزهار،المجاورة للحمام. وتتولى إحدى العبدات أن تجدل شعورهن بأشرطة ذهبية أو فضية طويلة،وتعيد هذه الجدائل بشباك إلى أعلى رؤوسهن،ثم تلفهن بمنشفة حمام كبيرة مطرزة تطريزا ناعما،وتضع في أقدامهن خفافا مطعمة بالصدف.(..) وتتجه المدعوات عندئذ إلى القاعات الساخنة،وكل واحدة منهن تحيط بها عبدتان مكلفتان بتحميمها،وتمسيدها،ونزع ما على جسمها من شعر،وتعطيرها من الرأس حتى القدمين. (..) وهناك حيث يكن متمددات بلذة عنيفة،يتذوقن شراب البنفسج أو الورد،التي تقدمها كالفات صامتات،ويكون هناك وراء بعض الستائر أوركسترا تقدم موسيقى ناعمة،خفيفة. (..) يقوم بين هؤلاء النسوة المستسلمات لأجسامهن،الحريصات على راحتها نوع من التواطؤ السعيد،المؤلف في آن واحد،من الميل الجنسي ومن الفرح الطفولي. فتراهن يعجبن ببعضهن(؟؟) وتأخذ كل منهن الأخرى من الخصر.){ص 73 -75}.لا تكتمل الصورة إلا بالعودة إلى كتاب الأستاذ (رنا). كلنا نعرف كيف هو (الشذوذ) – الآن - في الغرب،رغم انفتاحه،وخلوه من الكبت ... لننظر كيف كانوا ينظرون إلينا،وكيف كانوا ينظرون إلى أنفسهم. (وقد شهدت إحدى المحاكم الاسكتلندية في القرن التاسع عشر دعوى قضائية أقامتها تلميذة اسمها الآنسة (كامنغ) ضد معلمتين في مدرستها بتهمة السحاق. إلا أن القضاة "أثبتوا"براءة المعلمتين بحجة أنهما غير قادرتين على ارتكاب خطيئة "لا وجود لها في بريطانيا. وبعد أن أسقطوا الدعوى راحوا يكيلون الإهانات للآنسة (كامنغ) – وهي نصف هندية – لأنها وجهت أساسا هذا الاتهام :"رأى القضاة أنه نظرا لكون الآنسة (كامنغ) قد نشأت في الشرق الفاسق،فلا يمكنها أن تدرك مدى الاشمئزاز الذي تخلفه مثل هذه التهمة في بريطانيا. "وقد أشار القاضي (لورد كيدوبانك) إلى أنه كان شخصيا في الهند ويستطيع أن يقول إنّ الآنسة (كامنغ) قد نما لديها حب الاستطلاع حيال الأمور الجنسية عن طريق مربياتها الهنديات الداعرات اللواتي بإمكانهن،خلافا للنساء البريطانيات،التحدث بمثل هذه القذارات.){ص 89 – 90 (أساطير الغرب عن الشرق ..}.انتهت الحلقة .. ولم يبق غير بعض الشهادات الغربية،قيلت في حق كتاب الأستاذة (رنا).تقول ديبورا ميسن ،في جريدة (نيويورك تايمز ) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيلقد بينت رنا قباني أن محصلة كتابات الرحالين الاستشراقيين كانت تأكيد التحامل الغربي وتخليد الصورة التي لفقتها أوربا عن الشرق).ويقول بيتر كونراد،في جريدة (الأوبزرفر) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيإن رنا قباني،المولودة في دمشق،أخذت على عاتقها إنقاذ الشرق العربي الإسلامي مما لحق بهما من ازدراء غربي على مدى قرون عديدة،ولاشك أنها في غضبتها العارمة،التي تغلي في كل سطر من سطور كتابها،كانت على حق تماما).وتقول إنيجلا كارتر،في جريدة (الغارديان) نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيإن رنا قباني استطاعت،كامرأة عربية ذات حجة قوية،أن تسقط الأقنعة عن وجوه الكتاب الغربيين الاستشراقيين الذين كانوا في نظر مواطنيهم أنصاف آلهة).يبدو أن قدر هذه الكاتبة أن تكشف (أقنعة الغرب)،قديما وحديثا!! فقد كشفت في ..(مقدمة كتابها الصادر بالإنكليزية "الروايات الإمبريالية" عن اعتداءات وقعت عليها عند التحاقها بأول دفعة فتيات في جامعة كامبريدج التي كانت مغلقة أمام النساء حتى عام 1980. وذكرت أنها تعرضت إلى موقف في هذه الجامعة التي تعتبر أرقى مؤسسة أكاديمية غربية تبين حجم النفاق الغربي في اتهام العرب باحتقار المرأة،وذكرت كيف عرض عليها المشرف على أطروحتها للدكتوراه أن تكون عشيقته وأوصى بطردها من الجامعة عندما رفضت ذلك.){جريدة الحياة العدد 12079 في 2/11/1416هـ = 21/3/1996م}.إلى اللقاء في الحلقة القادمة ... إذا أذن الله.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

  9. #9

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"7"يبدو أننا سنظل في جو (الحمام التركي)،ولكن هذه المرة،من أجل حديث السيدات عن (الغرب)،وسلوكه الذي كان يتسلل إلى (تركيا)،تلك التي كانت لا تزال معظم نسائها يحتفظن بـ(الحجاب)،بينما تتسلل القيم الغربية،خصوصا عبر(السفارات الأجنبية) ..(وتتحدث امرأة شابة عن زوجها،وهو موظف كبير في وزارة الخارجية. فهو رجل حديث يأخذها معه إلى كل الاستقبالات الرسمية. وتروي أنها رافقته،ذات ليلة،إلى عشاء دعت إليه السفارة السويسرية،وهي إحدى السفارات القليلة،التي ظلت على الحياد.- فلم يكن هناك إلا أوربيات،أنيقات جدا،ولكن بلباس يكشف الصدور والظهور كشفا خجلت منه عنهن،والأدعى إلى الاستغراب،هو أنه ما من واحد من الرجال الحاضرين أعار ذلك انتباها. فهم يمشون بين هؤلاء النساء المعروضات بهذه الصورة دون أن يبدو عليهم أي اهتمام. - ولكن هذا معروف،فالغربيون لا يملكون رغبات قوية،على ما تقول السيدة المجاورة لها،التي تبدي مظهر الخبير العليم،ولهذا فإن نساءهن يستطعن التنزه وهن نصف عاريات.فيضحك الجميع. - ما شاء الله – والحمد لله – إنه لا يمكن أن نقول مثل هذا عن رجالنا. فهم لا يستطيعون أن يلمحوا ساعدا،أو كعب قدم،من غير أن يُجَنّوا به!وتتنهد امرأة سمراء جميلة،وتقول :- كم يجب أن تكون هؤلاء الأوربيات بائسات. فلو كنت مكانهن لمت من الأسى.- ولكنهن لا يعين ذلك .. فهن يحسبن بأنهن حرات،ويقلن إن رجالهن متسامحون،على حين أنهم غير مبالين.وتشير سيدة نحيلة قصيرة،ممن يدعين أنهن من المثقفات إلى أن :- هذا ربما ينشأ عن دينهم. فالنبي عيسى {عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام}– الذي يعتبرونه كإله،ذلك أنهم يؤمون بعدة آلهة،أو لنقل بثلاثة : هم الآب والابن والروح القدس- هذا النبي {عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام} كان يبتعد عن النساء،ولم يتزوج قط. وأهم الفرق المسيحية،أي الفرقة الكاثوليكية،تعتبر أن الطهارة الجنسية هي أعلى صور الكمال. ولهذا فإن رهبانهم يبقون عزابا،وكذلك بعض فتياتهم اللواتي يسمونهن راهبات.وأمام هذه الكلمة يصرخن جميعا : عازبات؟ كما لو أنهن لا يصدقن. إذ أن العزوبة بالنسبة إليهن هي اللعنة. أوليس أول واجب من واجبات المرأة أن تنجب،أوَلم يكن للنبي {صلى الله عليه وسلم} نفسه تسع زوجات؟ إن هؤلاء المسلمات لا يرين أن الجنس شيء يتصل بفكرة الخطيئة،بل العكس تماما.){ص 75 - 76}. ويمتد الحديث عن المسيحية،ليصل إلى (أكل لحم المسيح) {عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام}/وهل ذلك من باب (الرمز) أم أنهم يعتبرون ذلك حقيقة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي - ربما كان هذا مجرد رمز.- هذا ما كنت احسبه. ولكن لا. إنهم يقسمون أن إلههم كائن في هذا الخبز،لحما ودما،فيعروهن من ذلك رجفة.- ويجرؤون على القول إننا متعصبون!وتخلص المثقفة إلى القول،بصورة الجزم القاطع.إن القضية هي دوما على هذه الصورة. فالأقوياء لا يفرضون قوانينهم علينا،بل يفرضون كذلك أفكارهم. وكان شيئا من الحزن يرين الآن على الحضور. فكيف حدث أن وصلن للحديث في السياسة؟ وهذا على الرغم من أن الجميع تعاهدن على تجنب كل موضوع مزعج.وكانت هذه اللحظة هي التي اختارتها إحدى الأميرات لكي تقول،بلهجة غريبة :- هل تعرفن آخر خبر؟فاتجهت جميع الأنظار إليها،وقلن :- قوليه بسرعة،لا ترهقينا بالانتظار.- حسنا،هاكن : إن روز دور ... الوردة الذهبية.ولمعت عيون المدعوات من جديد : فماذا عساه أن يكون روز دور قد فعل؟- إن روز دور قد طلب يد صبيحة السلطانة. فتكاثرت علائم الاستغراب (..) أفتتزوج الجميلة صبيحة،الابنة المفضلة للسلطان وحيد الدين،اللواء الشاب،بطل غاليبولي،الذي أنقذ،في أشد ساعات الحرب،إستانبول من يد البريطانيين،الذين كانوا يهاجمون الدردنيل! ولكن الجميع يعتبرون أن روز دور هو وجه أسطوري. ذلك أنه تحدى رأي رؤسائه،وتحدى جيشا أوربيا أكثر عددا،وأفضل عدة. فلقد استطاع،بجرأته،وثقته المطلقة بنفسه وبرجاله،أن يتغلب على وضع أجمع الخبراء كلهم – في إستانبول وفي الجبهة – على أنه ميئوس منه. وقد جعل منه هذا النصر،الذي يعود إلى عبقريته العسكرية،مشهورا،لاسيما وأنه بعد عدة أشهر،عندما واجه الجيش الروسي،استعاد مدينة بيتليس وموش،فحقق بذلك النجاحات التركية الوحيدة،بين مجموعة الهزائم. (..) وعندما عاد إلى إستانبول منذ نهاية الحرب،صار يرى في البلاط. ويحب السلطان أن يستشيره حول الوضع المعنوي للجيش،وأن يستمع إلى آرائه المتميزة عن الآخرين. (..) وعندما يأتي إلى القصر،كانت الأميرات المختبئات وراء المشربيات (الشمعدانات)،ينظرن إلى الضابط الوسيم الذي يمر،وعليه أكاليل المجد،ولقد حلمت أكثر من واحدة منهن أن تصبح امرأته،بل إن سلطانة صبية تجرأت فكتبت إليه رسائل بريئة غرامية،وكانت توصلها إليه بواسطة أحد العبيد. لكن هذا القاسي القلب لم يتنازل مرة ليجيب،فأوقعها ذلك في المرض،من شدة الحزن. أتراه كان يظهر بمظهر اللامبالي،لأنه كان يطمع ببنت السلطان،وهو من أصل متواضع؟ ولكن هذا غير مهم. ففي تركيا ليس هناك أرستقراطية،خارج الأسرة المالكة. وفي وسع الإنسان أن يصل إلى أعلى المراتب،اعتمادا على مزاياه وحدها. (..) – ولكن أخيرا،ماذا قال السلطان للباشا،تماما؟- لقد قال : إن ابنته ما تزال صغيرة،وإنه سيفكر.- أصغيرة،صبيحة السلطانة؟ولكن عمرها لا يقل عن عشرين سنة!وعندئذ خفضت الأميرة صوتها،ودمدمت تقول :- يبدو أن السلطان يتردد. ولاشك أن الباشا هو أفضل لواء في جيشنا،ولكنه شديد العنف،ويكثر من الشراب. ثم إنهم يقولون،إن له آراء تميل به إلى الحكم الجمهوري.واعترت المجموعة رجفة المذعور.- أو هو جمهوري،هذا الروز دور؟ إن هذا مستحيل! وعندئذ لم تعد الأميرة تحتمل {الكلام هنا،لا يستقيم،فأي أميرة هي؟! وكيف تجهل ذلك "النجم"؟!!}،فالتفتت إلى جارتها،لتقول:عفوا سيدتي،ولكن من هو هذا الروز دور؟كيف يا سلطانة،ألا تعرفين! قالت ذلك مندهشة. ولكنه هو اللواء مصطفى كمال!){ص77 -79} كأن التأريخ يعيد نفسه،في صورة الانبهار بالغرب – بصحافته في حالتنا هذه – كما صوره الحديث عن (المنع) وأثره .. ( .. "الجيش اليوناني يحتل إزمير،وبعد بعض المعارك الدامية،عاد الهدوء". وتنهد خيري رؤوف بك،واسترخى جسمه على المقعد الأكاجو،ليقول :- لئن كانت الصحافة الأجنبية هي التي تكتب ذلك،فيجب أن يكون صحيحا.وكمثل الكثيرين من أبناء جيله،ومحيطه،كان الداماد شديد الإعجاب بأوربا،وليس لديه إلا الازدراء،لما يسميه"بالتركيات"،,لاسيما صحافة بلده،بل إنه لا يقرؤها،ويكلف من يرسل إليه كل يوم نصف دزينة من الصحف الفرنسية والإنكليزية. إن هذا هو وجهة نظر العدو.فليكن،ولكنه في رأيه أكثر موضوعية من وجهة نظر الصحف المحلية،الخاضعة للرقابة. وينسى أن هذه غير مفروضة إلا من قبل المحتلين،هؤلاء الأوربيين الذين ما أكثر ما يعجب بهم. وعنده أن هذه تفاصيل،ذلك أن الإعلام،في تركيا،كان دوما،على كل حال،تحت المراقبة،(..) أما أن الصحافة في البلاد"الحرة"خاضعة لرقابة في مثل الصرامة،ولكن برهافة أكبر – من حيث أن الحكومات قد فهمت أن المنع أو البطش،لم يكونا خطرين فقط،بل بلا جدوى – فإنه لا يريد أن يفهم ذلك. ويعتبر أنهم نمامون،أولئك الذين يقولون : إن الديمقراطية قد أصبحت سيدة من يحسن التلاعب بالأخبار وتزوريها.ففي أوربا،على ما ترى هذه العقول الفاسدة،لا تسجن السلطة مديري الصحف،بل يدعونهم إلى العشاء،ويصارحون "بالمشكلات الحقيقية"على أفضل وجه. وعندما "يدللونهم"بهذه الصورة،فإنهم يصلون في أكثر الأحيان إلى استبقائهم في نوع من الحياد المحابي.لكن هذه الملاحظة تستفز خيري بك. وعلى فرض أنه صدقها،فإن هذا لا يغير شيئا من قناعته بأن سلام تركيا،إنما يمر من باب"تغريبها". وكثيرا ما يقول : "يجب أن نأخذ من أوربا ورودها،ولتذهب الأشواك غير مأسوف عليها". ){ص 81 - 82}. ختام هذه الحلقة سوف يكون ... بعد اختيار سلمى لعقد من الزمرد،من بين الكثير،والكثير من المجوهرات،وعندها نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعييقدم "الجواهري"مباركته ببعض الكلمات.ويمسك بالعلبتين،ويدخلهما في حقيبة من الجلد القاتم. ثم قدم تحياته،وودع الأميرة،مستأذنا بالانصراف.وتنظر إليه سلمى وهو يخرج،فلا تصدق عينيها.- أيندجيم،لِمَ حمل مجوهراتك،وأين هي التي اشتريتها اليوم؟والحقيقة أن زيارات مميجان أغا،التي تباعدت في الأيام الأخيرة،كانت دوما مناسبة لمشتريات عظيمة. - يا سلمى،إني لم أشتر ... بل إني بعت المجوهرات التي أشرتِ إليها.. أترين؟ فالحرب ثم الاحتلال،جعلا الأشياء غالية جدا. ولدينا هنا ستون أمة يجب الإنفاق عليهن. وحقا فأنا أستطيع أن أتخلص من نصفهم عددا. ولكن إلى أين يذهبن؟ وكثيرات هن اللواتي يقمن عندي منذ الطفولة. أما الأخريات فقد كبرن لدى أبي. وكن دوما وفيات لنا. ولا يطاوعني قلبي في الاستغناء عنهن. ولهذا فأنا أبيع مجوهراتي. وعلى كل حال،فإن لديّ الكثير الكثير منها!- ولكن إذن،يا أيندجيم،نحن فقراء.وشعرت سلمى بأنها مسحوقة. إذ لقد رأت في الطريق أطفالا،شاحبي اللون،كانوا يبيعون شرائط الأحذية،وخيطانا ودبابيس،موضوعة في علبة من الكرتون،مربوطة بأعناقهم. وقالت لها الآنسة روز{مربيتها} إن هؤلاء "فقراء صغار". فأعطتهم بعض قطع النقود وابتعدت عنهم بسرعة،خجلا من نظراتهم الطامعة والحزينة،التي كانوا ينظرون بها إلى ثوبها الجميل،وخُصل شعرها المعتنى بها. وقد آلت على نفسها أنها لن تكون أبدا،أبدا فقيرة. وبعد قليل،اطمأنت وهي تفكر أن الإنسان يولد إما غنيا،وإما فقيرا،كما يولد أبيض أو أسود. وأن العالم مقسم على هذه الصورة،وأنها،لحسن الحظ،في الطرف الأفضل.أما الآن،فإن حديث أمها يغرقها في مهاو من المخاوف : فعندما تزول المجوهرات،أيكون عليها عندئذ أن تذهب لتبيع الدبابيس في الطرقات؟وتطمئنها أمها قائلة : ولكن لا،أيتها الحمقاء الصغيرة،فنحن لسنا فقراء. وبالمقابل فإن حولنا عددا يتزايد من هؤلاء. ولهذا قررت منذ الغد أن أصنع "فقرا مين تسور باسو"أي حساء للفقراء.){ص 103 - 104}.إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.

  10. #10

    رد: حياة أميرة عثمانية في المنفى _ كينيز مراد

    حياة أميرة عثمانية في المنفى"8"في هذه الحلقة سنأخذ جزء من حلم "سلمى"المشترك مع المثقفة خالدة أديب نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوخالدة أديب؟ إن سلمى تعود فترى المرأة ذات الثوب الأسود،التي كانت تخطب في الجماهير،مساء الاستيلاء على إزمير. وعندها أن خالدة هذه تجسد فكرة الحرية. ستعمل إذن في حقل المرأة،وستلغي هذه الملاءات البغيضة،وهذه المشربيات الخانقة،وتُفتح نوافذ العربات،وأبواب الحريم. وستساعدها سلمى. وهما معا،ستؤسسان عالما جديدا،لا يضيق به صدر الإنسان أبدا. ويكون بوسع النساء أن تصبح ملوكا وسلاطين،كما هي الحال في إنكلترا.){ص 145}.لكن حلم سلمى لم يحالفه الحظ سريعا .. (في هذا اليوم،كان مزاج سلمى سيئا. فقد احتفلت البارحة بعيد ميلادها الثاني عشر،أي في أبأس يوم من أيام حياتها.ذلك أنها وجدت بين الهدايا العديدة التي قُدمت لها،علبة كبيرة كتلك التي تتلقى فيها أمها،أثوابها من باريس. ورفعت الغطاء،كالمحمومة،مغلقة عينها،ثم فتحتهما ... لتجد شرشفا من الحرير،فيروزي اللون،ومعه وشاح من الموسلين.فانقبضت حنجرتها،وفاضت عيناها بالدموع. فأدارت ظهرها لما وجدته،وعلى الرغم من إلحاح الكالفات اللواتي يهنئنها بالصعود إلى مرتبة امرأة،فإنها رفضت،بكل حسم،أن تجرب هذا السجن المتنقل.وإنها الآن لعاتبة على والدتها،أنها خضعت للأعراف،لاسيما وأن استخدام الشرشف كان في طريقه إلى الزوال،إن لم يكن في المدن الصغيرة،ففي العاصمة على الأقل. وكانت الأنيقات من الفتيات والنساء قد حَوّلن هذا الثوب الفضفاض إلى ثوب من قطعتين متلائمتين فيما بينهما،ثم دفعن الحجاب بأناقة إلى طرف الرأس،ولم يعد إلا زينة لها أطيب الآثار.){ص 167}. يبدو أن (الحجاب) لم يكن هو الوحيد الذي في طريقه إلى الانحسار،فبعد انتصار (الكمالية)،يصل (زينل) إلى قصر السلطانة خديجة،,فتسأله سلمىنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي- يا آغا،ماذا يجري؟غير أنه لم يسمع. فبدأت بدورها تعدو وراءه،وتصل لاهثة،إلى عتبة البهو الصغير في الحين الذي كان فيه زينل،المترنح ينحني في تحيته الثالثة : - أيتها السلطانة المحترمة جدا.وتراه يلهث ويدير عينين يائستين.- أيتها الأميرة المحترمة جدا ... ويفتح فاه،ولكن الأصوات تنحبس في حلقه،وفجأة تراه ينفجر شاهقا من البكاء.فتشير السلطانة بأن يؤتى له بمقعد،ويرطب وجهه بالماء (..) واستطاع الخصي،بعد بضع دقائق أن يستعيد هدوءه, فوقف وصالب كفيه على البطن،وخفض بصره،وتمتم،وكل أعضائه ما تزال ترتجف،قائلا :- إن جلالته ... قد .. هرب!فانتصبت السلطانة واقفة،وقالت له : - أيها الكذاب! كيف تجرؤ؟ ولم تستطع أن تكمل جملتها،إذ أنها هي الأخرى يتملكها الإحساس بالاختناق. وحتى الإماء،والكالفات،المندهشات،لا يفكرن في تقديم المساعدة إليها. وجاء صوت صاف يفسد الصمت :- قل ما عندك،يا آغا،أرجوك. وكانت سلمى،الجريئة وحدها بين كل هؤلاء النساء،الموشكة على السقوط على الأرض،تريد أن تعرف. فيقول:- إن جلالة السلطان،قد ترك إستانبول هذا الصباح،برفقة ابنه،الأمير إيرطو غرول،وتسعة عناصر من حاشيته. فقد ركبوا البحر على متن بارجة بريطانية اسمها "مالايا".(..) وتتساءل سلمى وتقول : كم هو مخجل! ترى كيف استطاع أن يفعل بنا هذا؟ وإذن فقد كان الطباخون على حق،عندما كانوا يقولون إن السلطان بدأ يخاف. وعندما كنت أنقل أحاديثهم إلى أيندجيم،انزعجت وغضبت وقالت إن الطباخين لا يمكن أن يفهموا إلا سلوك الطباخين،وليس سلوك السلطان. بيد أنهم هم الذين كانوا على حق,ولقد سلك السلطان سلوك الطباخين،وبدأت تدور في غرفتها،راكلة قطع الأثاث الناعمة من الغضب. (..) وفجأة ساد الصمت،وسلمى تلاحظ،بعد أن فتحت عينيها،نسيم آغا،الخصي الأسود المفضل لدى السلطان وحيد الدين،الذي كان يدخل عليها. ترى لماذا لم يسافر مع سيده فانتصبت السلطانة،وفي نفسها بصيص من الأمل في النظرات. - تبارك الله الذي أرسلك،يا آغا!قالت هذا وهي ترجو الآغا أن يجلس،بغية أن تظهر للخادم الوفي،اعترافها بجميله. لكنه يحرص على أن يبقى واقفا : ففي أيام الشقاء بالضبط،وعندما تكون الأسرة المالكة هدفا للاحتقار والنميمة،يحرص هو أن يبرهن على احترام أكبر. (..) ويقص الخصي،ودموعه تغرغر في عينيه،ما يلي :إن السيد ناداني في مساء اليوم السابق لسفره،وأسر إليّ بسره الكبير،وأمرني بأن أهيئ له بعض الحقائب. وتجرأت ونظرت إليه،ورأيت أن عينيه كانتا حمراوين. فقال لي : "كن مقتصدا،وخذ قليلا من الأشياء"فأخذت سبع"بدلات" فقط. وكذلك،على ما أمرني به،ذلك اللباس الرسمي الفخم الذي لبسه يوم تتويجه. وكان قد طلب إلى عمر ياور باشا،أن يقوم بحساب المال الذي يملكه،وقال لي وهو يضحك،وكما لو أنه يبكي : "ستأتي إلينا خلال بضعة أيام. ولكن كن مستعدا،يا نسيمي،للكثير من العذاب،وذلك لأن الله يشهد أنه ليس لديّ الكفاية من الموارد لأعول بها أسرتي. ولكن على أنه ما من إنسان سيعرف ذلك،إذ أن الشعب يقيس شرفنا بمقياس أموالنا". (..) ويتابع الخصي كلامه،فيقول :إنك تتذكرين،إفنديميز،تلك المحبرة الذهبية،وحامل السجائر المطعم بالياقوت،اللذين اعتاد الباديشاه استعمالهما؟ ففي اليوم السابق لسفره،أمر ياور باشا أن يردهما إلى الخزانة،وأن يأتيه بالوصل. ودهش لذلك زكي بك والكولونيل ريشارد ماكسويل،اللذان كانا هناك،وأشارا على جلالته أن يأخذ معه بعض الأشياء الثمينة،لكي يستطيع أن يعيش في الخارج. فرأيت سيدّنا يشحب لونه،وردّ على الكولونيل بلهجة شديدة البرودة : "إن ما معي يكفيني أما الأشياء الموجودة في القصر فإنها ملك الدولة!"ثم التفت إلى زكي بك،وترك لغضبه أن ينفجر،وقال : "من الذي رخص لك أن تكلمني بهذه الصورة؟ أتريد أن تلوث شرف الأسرة العثمانية؟ اعرف إذن أنه لم يوجد في أسرتنا من هو سارق. فامض الآن في سبيلك!"ولم يكن يملك يوم سفره إلا 35 ألف جنيه إسترليني،ورقا"){في الهامش : مذكرات نسيم آغا}. - هذا صحيح تماما. وفي وسعي أن أؤكده.والتفت الحاضرون جميعا. ذلك أنه ظهر في العتبة الجنرال عثمان فؤاد،مصحوبا برجل طويل القامة،في ثياب الضباط. وهذا الأخير هو الذي تدخل وقال هذا،بصورة قليلة الاحتفال بالبروتوكول. فذهلت الكالفات. وصرن ينظر بعضهن إلى بعض : ترى هل يجب أن ينسحبن؟ لكن الفضول كان أقوى من المواضعات الاجتماعية. فاكتفين برد الأغطية على وجوههن. وبحركة آلية،بحثت السلطانة،في الديوان عن قطعة الموسلين لكي تحجب عن ناظر الأجنبي شعرها الغزير. وعندما لم تجد ذلك،هزت كتفيها بصورة غير ملحوظة! ما أهمية ذلك! فالأحداث أخطر من أن تصر على الشكليات. (..) أما الضابط،فقد بدا متضايقا. وقال : - على الرغم من أني ضابط في الجيش الوطني – وحك حنجرته – ولا أتنكر لأي شيء في المعركة التي خضناها،فقد كنت أريد أن أقول لك،يا سلطانة،أننا كثيرون {هكذا}ألئك الذين يأسفون على إلغاء الملكية. ومنذ زمن طويل،كنا نشك في نيات كمال باشا. ولكن كان علينا أن نختار إما البلد،وإما الملكية. وكان ذلك صعبا. ذلك أننا كضباط عثمانيين،كنا أقسمنا يمين الولاء للسلطان. واستقال البعض منا. وأنا على الرغم من الصلاة التي تشدني إلى أسرتكم،فقد قررت البقاء. فتركيا بحاجة إلى كل جنودها.ويشعر الإنسان أن العقيد (كريم) قد حضر خطابه بعناية،ولكنه ليس مع ذلك مرتاحا. وكان الصمت،في البهو الصغير،يزداد كثافة. وكانت الكالفات يحبسن أنفاسهن،في حين أن السلطانة تعبث بخاتمها. وفجأة،ترفع رأسها،لتقول : أعتقد،يا سيادة العقيد،أنك لم تأت لتحدثني عن حالاتك النفسية.فترتعد سلمى. إذ ما من مرة رأت أمها بمثل هذه الشدة في الوخز،تجاه إنسان ثانوي. ولكن ربما كانت لا ترى الآن أن العقيد رجل ثانوي،بل كممثل للسلطة الجديدة. وربما كانت هذه الصفة هي التي تسحقها باحتقارها.فاحمر وجه العقيد،وحسبت سلمى أنه على وشك النهوض للرحيل. وأجاب العقيد بقوله :الحقيقة،يا سيدتي السلطانة،أن ذكرى طيبك الماضي،هو الذي دفعني إلى المجيء.{سبق للسلطانة أن خبأته في قصرها،أيام مقاومة الاحتلال،ووقفت في وجه الجنود الذي يبحثون عنه،وأشهرت مسدسها. وقالت أن عليهم أن يحضروا ورقة من السلطان نفسه،لتسمح لهم بتفتيش قصرها،فأحاطوا بالقصر،وتم تهريب العقيد في ملاءة امرأة}.وألاحظ الآن أني قد أخطأت،وأن بعض الأشياء،للأسف،لا يمكن أن تنسجم فيما بينها.فعضت السلطانة خديجة شفتيها. ذلك أن الجرح مال بها عن العدالة. ولكن الآن،وقد حدث الأذى وتم،فإنها لن تمضي إلى حد الاعتذار! واكتفت بالقول : - إنني أصغي إليك. وعلى الرغم من أنها أرادت،بهذه الكلمات،أن تلطف الجو،فإن هذه قرعت الأسماع كأمر ملكي.ولما كان الأمير فؤاد ديبلوماسيا،فقد تناول هو الكلام،قائلا :هيا،يا صديقي،فنحن نتحرق شوقا إلى حديثك. (..) أستطيع أن أؤكد لك بأن أنقرة هي التي دفعت بالسلطان إلى الهرب. (..) وتدخلت السلطانة وعيناها تبرقان : إن مصلحة أنقرة واضحة،ولكن مهما كانت الضغوط،فإنه لم يكن للباديشاه أن يهرب. ){ص 179 - 187}. وصل مسلسل إلغاء الخلافة ذروته نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيوفي يوم 27/2/1924،وُجهت الضربة الأخيرة فأدانت المجموعة الكمالية ما يحاك من مؤامرات من أنصار العهد القديم،وقضت بإلغاء الخلافة. وفي اليوم الثالث من أيار،وبعد أسبوع من الاحتجاجات والمشادات،انتهى البرلمان بالخنوع. وصوت برفع اليد لا على طرد الخليفة عبد المجيد فورا،بل على طرد أفراد الأسرة العثمانية جميعا.وكان علينا جميعا أن نرحل في غضون ثلاثة أيام. (..) وكانت المراهقة،بعينيها، تسأل أمها،ولكن أمها أخفت وجهها بيديها،وبصعوبة ما استطاعت سلمى أن تسمعها تقول : - المنفى؟ .. هذا غير ممكن ..أما الجنرال الأمير فكان في البهو الصغير المزين بأزهار النرجس،يدور كالأسد المستعد للانقضاض. - لقد جُردنا من جنسيتنا،ومُنعنا من أن تطأ أقدامنا أرض الوطن مرة ثانية. وأموالنا مصادرة. وكل ما هو من حقنا الآن،هو أن نحمل معنا حاجاتنا الشخصية. آه! كدت أنسى شيئا،فقد قررت الحكومة الكريمة منح كل منا ألف ليرة ذهبية،بحيث نستطيع العيش بضعة أشهر! هاك،يا عمتي العزيزة جلية الموقف. فنحن مطرودون كمجريمن! ولاسيما أولئك الذين من بيننا وهبوا دمهم لتركيا.قال هذا يضع يده على صدره المزدان بالأوسمة التي نالها في ساحة القتال. (..) ويقول الجنرال الأمير :سلطانة تذكري أنه ليس لدينا إلا ثلاثة أيام. (..) هنالك ضباب .. وسلمى لا تذكر إلا ضبابا من الأنين،والجنود،والدموع،والصغائر،والإخلاص،والوفاء اللا منتظر،والخيانات أيضا .. وخلال ثلاثة أيام، تاهت البُنية،ورُدّت على أعقابها من غرفة إلى أخرى من قبل الخادمات والخصيان الذين ينتزعون الثياب المعلقة من أماكنها،ويطوونها،ويضعونها في الحقائب (..) ومع ذلك فإن بعض الصور من داخل هذا الضباب تطفو على السطح،كجزيرات صغيرة من الألوان : مثل صورة الخياطات المنحنيات على أرواب أمها،واللواتي يخفين في تضاعيفها بعض الحلي : ويقلن إن للسلطانة الحق في حملها معها،ولكن لا يعرف أحد،ما إذا كان أحد رجال الجمارك يُبرز الكثير من قوة الوجدان! بل يبدو أنها رأت زمردة تختفي في جيب إحداهن ... ثم زينل،زينل الطيب،الواقف فوق صندوق،يصرخ بكل الناس،وينقد الجميع،ويهز ساعديه كما لو كان رئيس أوركسترا. وأخيرا صورة أمها في وسط هذه الفوضى،وهي تمر من جديد،باسمة،وتواسي وتهدئ. - لا تخافوا شيئا،يا أولادي،إنها ليست أكثر من زوبعة تثور ثم تهدأ بعد بضعة أشهر. وعندئذ سيستدعينا الشعب. ولكن الشعب، في الوقت الحاضر يصمت. ذلك أن الحكومة قامت بما هو ضروري للجمه. فقد أقامت في كل المدن الكبرى محاكم استثنائية،لها الحق في إصدار الحكم بالإعدام،وعممت "قانون الخيانة"على كل ألئك الذين قد يناقشون قضية طرد الخليفة والأمراء من البلاد. وخلال ثلاثة أيام تتابع الأصدقاء لزيارة قصر أورطاكوي،وعلى الأقل ألئك الذين تجرؤوا على تحدي المراقبة. وخلال ثلاثة أيام أيضا،تساءل أهل البيت،أين يذهبون؟ إذ لم يحدث مرة قبل اليوم أن أميرة عثمانية خرجت من بلدها. وبين"القديمات"قليلات هن اللواتي خرجن من قصورهن. ولقد اقترح أول الأمر الذهاب إلى فرنسا،إلى نيس حيث الطقس لطيف كما هو في إستانبول،وحيث السماء،على ما يبدو،تظل زرقاء صافية،وحيث البوسفور يسمى البحر الأبيض المتوسط. ولكن الأميرة اختارت أخيرا بيروت "لأنها قريبة جدا،ولأننا نستطيع العودة منها بسرعة!". وتساءلت سلمى عما يفكر به أبوها حول هذا الموضوع. فمنذ جاء هذا الخبر لم تره مطلقا. ويخيل إليها أنه غارق،ذلك المسكين،في نخل كتبه،والنظر في أوراقه ... وخالجتها فجأة رغبة حادة في أن تراه،إذ لم تعد تطيق الوجود مع كل هؤلاء النسوة اللاتي يقبلن يدها،بهيئة المحزونات الكئيبات.ولم يعد هناك حرس على باب الحرملك. فعات سلمى ومرت في البهو،صادمة الكالفات.واندفعت نحو أمها. - أيندجيم،بابا،أيون هو بابا؟وبرقة عير مألوفة،تداعب السلطانة شعر ابنتها وتقول لها :كوني شجاعة،يا سلماي. فقد خُير الدامادون {أزواج الأميرات} بين الرحيل مع زوجاتهم،أو الانفصال عنهن،والبقاء هنا. وأبوك لن يأتي إلينا بعد الآن.فرنّت الكلمة في الفراغ ... وهو فراغ،يعمّق مجراه،ويزداد برودة،داخل صدرها،وداخل بطنها،وحتى آخر نقطة من أصابعها ... "لن ... يأتي ... بعد الآن".الساعة هي الثامنة صباحا،وضوء النهار شفاف في يوم الجمعة 7 / 3 / 1924.وفي القطار الذي ينقلهم بعيدا عن إستانبول،كانت سلمى،ملتفة على نفسها فوق المقعد،تنظر إلى بلدها الذي يتركها ... أي إلى غابات الصنوبر التي تمر أمامها،وإلى الأنهار المتألقة،والنساء في أغطيتهن البيضاء وسط حقول اللفت.وأمام عينيها،كانت السماء تمطر رذاذا.){ص 208 - 212}. انتهى القسم التركي ... ألقاكم في (بيروت) ... إذا أذن الله.
    تعددت يابني قومي مصائبنا فأقفلت بالنبا المفتوح إقفالا
    كنا نعالج جرحا واحد فغدت جراحنا اليوم ألوانا وأشكالا

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ومضة بل مشهد من كتاب "حياة أميرة عثمانية ..."
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-26-2016, 12:32 PM
  2. حياة أميرة عثمانية في المنفى
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 05-22-2015, 12:50 PM
  3. المنفى – ريتشارد نورث باترسون
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-01-2013, 10:35 AM
  4. مشاهدات عائد من المنفى إلى منفاه
    بواسطة عماد على قطرى في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-09-2010, 09:17 PM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2008, 04:36 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •