وانطلقت ثورة الثأر في العراق
جاسم الشمري – العراق
تشير التجربة التاريخية أن التغيير الحقيقي هو الذي ينطلق من الشعب، ومهما حاول السياسيون إخفاء الحقائق وتضليل الناس فإنهم في نهاية المطاف سيفشلون، وتنكشف ألاعيبهم السياسية ولا يمكنهم إخفاؤها حتى على ابسط الناس.
والعراق منذ احتلاله عام 2003 يعاني من سياسة التثقيف السلبي المبرمج عبر التصريحات والوعود الوهمية، والتي يطبل لها الإعلام والقنوات الرسمية الإعلامية الحكومية، وعلى رأسها فضائية "العراقية"، وأغلب الفضائيات التابعة للمشاركين في العملية السياسية التي خطط لها المحتل ورتبها، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن وجد ساسة العراق شماعة تركة النظام السابق لتعليق أخطائهم وفشلهم الذريع عليها في ادارة الملفات الأمنية والخدمية والاجتماعية والإستراتيجية والرياضية وغيرها من القطاعات، وعلى الرغم من هذه الإخفاقات الواضحة تحمل الشعب العراقي بكل رجولة وصبر هذه الأكاذيب من باب إعطاء الفرصة لهؤلاء من اجل التغيير المزعوم، وبعد أكثر من ثماني سنين من الاحتلال طفح الكيل وثار المارد، وحطم أغلاله لينطلق عبر مظاهرات عارمة عمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها.
والمتابع للمظاهرات يلاحظ انها كانت في مدن لم يتوقع رجال المنطقة الخضراء أن تنطلق منها، حيث إن الشرارة الأولى كانت في جنوب العراق، حيث ظن الطائفيون من ساسة العراق أنهم نجحوا في السيطرة على هذه المدن عبر العديد من الأساليب الترهيبية والترغيبية، ولكنه على الرغم من ذلك خرجت أصوات صادقة رضعت الحرية، وكفرت بالظلم، ولعنت الظلام وهي تقول: "لا مكانة لسراق الشعب العراقي في بلادنا بعد اليوم"، و"لا لحكومة الاحتلال"، وغيرها من الشعارات التي عكست مديات الكبت والظلم التي كتمت أنفاس العراقيين.
أما الشرارة الأخرى فقد انطلقت من أقصى شمال العراق من مدينة الأبطال السليمانية، حيث ظن الساسة الكرد الذين اختطفوا شمال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي أنهم نجحوا في قتل الروح الوطنية في عروق إخوتنا الأكراد، وذلك بعد أن تآمر منْ يدعون أنهم يمثلون الأكراد على اقتطاع هذا الجزء الثمين من بلادنا، وإن لم ينفصل، عبر سياسية تدعو للحقد والكراهية وتدعم روح الانفصال والابتعاد عن العراق عبر الخطابات الرسمية التحريضية التي تدعو للحقد والكراهية على العرب، وعملوا على وأد اللغة العربية واعتبارها من الخطوط الحمراء، بل حتى وصل الأمر إلى منع تسمية المواليد الجدد بأسماء عربية وإسلامية، وهذا كله ضمن مخطط التثقيف السلبي التخريبي الاقصائي الذي يهدف إلى التحضير لعملية ما يسمى اقتطاع شمال العراق في إقليم لا يرتبط أصلا بالعراق بكل حال من الأحوال، وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلت في هذه السياسة الحاقدة إلا أن ثمارها كانت على عكس ما تصور الساسة الأكراد، حيث وقف أبناء السليمانية وأربيل مع إخوانهم العرب في مظاهرات أكدت لحمة هذا الشعب الأصيل على الرغم من عظم المؤامرات التي تحاك ضده.
المظاهرات التي انطلقت في عموم العراق يوم الجمعة 25/ 2/ 2011 أثبتت للعالم أن الصبر العراقي قد نفد، وأن حكومة المالكي تواجه اليوم ثورة شعبية عارمة ستحرق المنطقة الخضراء على من فيها من الإرهابيين وأعوان المحتل الذين باعوا العراق من أجل مصالحهم الحزبية والطائفية والشخصية.
مظاهرات الجمعة هي شرارة مظاهرات الثأر، الثأر من أولئك المجرمين الذين سفكوا دماء العراقيين وجاؤوا على ظهور الدبابات الأمريكية، والثأر لكل شهداء العراق الذين سقطوا في سبيل كرامة بلاد الرافدين بآلة البطش الأمريكية والحكومية، والثأر للملايين الذين هجروا من ديارهم من غير ذنب سوى حبهم للعراق، الثأر لليتامى الذين زاد عددهم عن ثلاثة ملايين يتيم، والثأر للأرامل، والثأر للمعاقين وللعاطلين وللمتقاعدين ولكل أبناء الشعب العراقي من الذين ظن سراق الثروات أنهم ضحكوا عليهم، فأغلب ساسة العراق اليوم هم من السراق الذين أثروا على حساب العراقيين، وهذا ما تشهد به أملاكهم في المدن العربية المجاورة للعراق وكذلك لندن وباريس وأغلب عوائلهم في خارج العراق.
هذه المظاهرات ثورة ضد الظلم والطغيان والجوع والعطش والسلب والنهب وتزييف التاريخ، هي ثورة من أجل إعادة العراق إلى حاضنته العربية وإلى دوره الريادي في المنطقة، وفي الشرق الأوسط، هي ثورة من اجل العلم والتعليم والحياة الحرة الكريمة للعراقيين.
وسيرى العالم التغيير القادم في العراق -بإذن الله- وهذا ما يتخوف منه ساسة المنطقة الخضراء، ولهذا واجهوا المظاهرات السلمية بالسلاح الحي، وكانت الحصيلة أكثر من أربعين شهيدا ومئتي جريحاً، رحم الله شهداء العراق الذين سقطوا من أجل التغيير القادم، ولا أظنه بعيدا.
Jasemj1967@yahoo.com