ابتسام شاكوش في (انتظرني حتى أكبر)..سلبية الواقع وهاجس القص
دمشق
ثقافة وفنون
الثلاثاء 4 كانون الثاني 2011
فائزة داوود
يدرج البعض فكرة (ابتعاد الأدب عن واقع الإنسان العربي) من ضمن الأسباب التي أدت إلى إحجام إنسان الشارع العادي عن القراءة ومتابعة الأعمال الإبداعية،.
وبعيداً عن الأسباب الأخرى ومدى واقعيتها أو عدمه، لابد أن نتساءل عن هواجس هذا الإنسان وأوجاعه، وبعد ذلك علينا أن نبحث عن هموم المبدعين من خلال أعمالهم الشعرية والقصصية والروائية لنقرر بعدها إن كانت الفكرة متورطة في ابتعاد القارئ العربي عن إرثه الإبداعي القديم منه والجديد، أم أن الفكرة مشجباً يعلق عليه البعض حججهم!. ربما رددنا العبارة الأخيرة بعد قراءة مجموعة (انتظرني حتى أكبر) القصصية للأديبة ابتسام شاكوش، حيث نجد القاصة مندغمة بواقع الإنسان العربي تردد بقص كلاسيكي شائق هواجسه وتطلق احتجاجاته بصراخ قصصي بعيداً عن المباشرة والافتعال، واعتمدت في سردها هذا على القصة (الحكاية) وعلى نمط (ق.ق.ج)، حيث تلتقط من خلال النمط الأخير بعين خبيرة وبصيرة نافذة بعض العيوب متكئة في معظمها على الواقع المعيش من خلال قصة (صدق) وبطلها المحاضر الذي يعاني من الإزدواجية وقصر الرؤية، حيث يعلن أمام الجمهور (المتلقي) أن الصدق هو طريقنا الوحيد، وبعد انتهاء المحاضرة تتأبط ذراعه حبيبته وتسأله عما يقصده بهذه العبارة فيجيبها: الصدق طريقنا وهو طريقنا الوحيد، ألا ترين كيف تدوسه نعالنا في كل ذهاب وإياب؟. وفي نمط (ق.ق.ج) تعود القاصة إلى التراث الأدبي العربي لتعرض أمامنا مفارقة مؤلمة وذلك من خلال قصة الأطلال: (مر قيس بن الملوح على الديار، ديار ليلى، ليقبل ذا الجدار وذا الجدار) فلم يجد من الديار سوى أطلال اتخذها السابلة مكاناً لقضاء الحاجة. تتكرر اللقطات اللاذعة في المجموعة ففي قصة (شرف) نرى البطل يرغي ويزبد مهدداً بالانتقام من أخته التي سافرت بقصد العمل دون أن تستشيره ثم ينطفئ الحماس حين يسلمه الشرطي شيكاً من أخته. ‏
حكائية أم قصصية ‏
أما النمط القصصي (الحكائي) فقد طغى على المجموعة تقريباً حيث تناولت فيه القاصة الأسلوب الكلاسيكي ويبدو ذلك واضحاً في قصة المارد، وفيها تمزج الأديبة التخييل بالواقع والمشتهى بالحلم حين يصبح التنين الصحراوي رجلاً بساق واحدة تنتظره البطلة، وهاهو يدور حولها، يبتعد، يقترب، يرقص، يتخذ أشكالاً مختلفة، ثم تتلبد السماء بالغبار وتمطر، وتراه وحلاً فتهتف، الطين! إنه بداية الخلق ومادة التكوين، ويأتيها صوت آخر: الطين بداية الخلق، هذا صحيح، لكن ماترينه هو الوحل، ماكان الوحل بداية لشيء أبداً. ‏
وفي قصتها (الركض في شباك العنكبوت) تمزج القاصة بين التاريخ والواقع من خلال امرأة حكاءة تلتقي بها أثناء تجولها على الشبكة العنكبوتية فتقع البطلة بوهم الماضي وتتقمص شخصية شهرزاد وتتخيل أنها مكلفة بالبحث عن البطل خالد بن الوليد، وكان التخييل أو الفانتازيا وسيلة البطلة في المقارنة بين ماقرأناه عن الماضي التليد في كتب التاريخ وبين الواقع المذل الذي تغيرت فيه كل المفاهيم وفقدت فيه الأِشياء رمزيتها. إلا أنني تساءلت بعد انتهاء القصة إن كان التاريخ حقيقة أم تمنياً؟ ولماذا تسكننا بما يخفيه من أسرار نوستالجيا عقيمة؟. ‏
اختصار الواقع ‏
أما قصة (لاتتركني أنطح الجدار) فتتحدث عن علاقة رجل وامرأة، وفيها تتناول القاصة نمطاً جديداً من هذه العلاقة التي بدأت تفرض على المجتمع في العقد الأخير وأدت إلى صراع غير معلن، ثم بدأت المرأة ذاتها تعلنها كونها المتطلبة أكثر من أمها وجدتها بحكم أنها صارت تعرف وأن من حقها أن تختار رجلها وأن تعترض على سلوكه وأن تعبر عن ذاتها ورغباتها، باختصار، تضع القاصة يدها على تلك الحالة التي أفرزتها طبيعة الحراك الاجتماعي في المجتمع العربي (خاصة منه السوري). وتبدو القصة التي عنونت الأديبة مجموعتها بها (انتظرني حتى أكبر) أنها تختصر واقعاً عربياً بكامل أطيافه وانتماءاته حيث تسمعنا القاصة صوت الطفل يهدد أستاذه الذي شبهه بالقرد بأنه سينتقم منه حين يكبر وهذا التهديد الداخلي يتكرر كلما شاهد الفتى قرداً يهان ويذل لكن التهديد ظل سلاحاً سرياً رغم أن الفتى كبر وصار رجلاً وأباً. أخيراً يتساءل قارئ مجموعة (انتظرني حتى أكبر) القصصية أيهما أكثر التصاقاً بواقع الإنسان العربي، هل هو المواطن نفسه؟ أم المبدع روائياً كان أم قصصياً؟ ‏

‏ جريدة تشرين