حوارات الأربعاء ..
أحد مؤسسي التلفزيون السوري
خــلدون المــالـــــح :التلفــزيـون الســــوري بــــدأ كبيــــراً . . .
حفـــــــرتُ الصخـــر لأنتـــج “صـــح النــــوم”
السينما محطتي التي أنوي الرسوّ فيها
رائد من روّاد العمل التلفزيوني في سورية وأحد المؤسسين له.. لم يترك مجالاً فنياً إلا وعمل فيه.. أعدّ وقدّم البرامج التلفزيونية وأنتج أوائل مسلسلات دريد لحام ونهاد قلعي وكانوا معاً في برنامج “الإجازة السعيدة” بعيد افتتاح التلفزيون السوري، كما أخرج مسلسلات “مقالب غوّار” و”صح النوم” و”ملح وسكر” والحلقات الأخيرة من مسلسل “حمّام الهنا” تلك الأعمال التي كلما عُرِضت تبدو وكأنها تُعرَض للمرة الأولى..
أما شخصية غوّار التي كانت له يد في بلورتها فقد آلمه تخلّي الفنان دريد لحام عنها في مسلسل “وادي المسك”.. واليوم يبدو غائباً عن الساحة الدرامية رغم كل النجاح الذي حققه مبرراً ذلك بأنه قال كل ما يريده..
من هنا فهو يعكف حالياً على قراءة نصوص سينمائية بعد أن أضحت السينما المحطة التي ينوي أن يرسو فيها وهو في عمر السبعين .

< احتفل التلفزيون السوري مؤخراً بعيده الخمسين.. كرائد من روّاد العمل التلفزيوني في سورية والوطن العربي ماذا تقول عن هذه المسيرة؟
<< عندما نقول العيد الخمسين للتلفزيون العربي السوري فهذا يعني أنه من أوائل المحطات التلفزيونية العربية، إن لم يكن أولها.. وهو عندما تأسس عام 1960 لم يكن في المنطقة العربية سوى محطتين متواضعتين هما محطة بيروت ومحطة بغداد التي كانت تبث أفلاماً في نطاق مدينة بغداد فقط.. ويمكن القول إن كل المحطات التي تم إنشاؤها بعد تأسيس التلفزيون العربي في كلٍ من دمشق والقاهرة استفادت من تجربتهما وخبراتهما، لذلك فالتلفزيون السوري ومنذ بدايته بدأ كبيراً، وصحيح أننا في السنة الأولى من تأسيسه كنا نعمل في (صالون) صغير في قمة جبل قاسيون، ولكن هذا لم يطُل كثيراً، إذ سرعان ما نزلنا إلى مبنى التلفزيون في ساحة الأمويين الذي كان مجهزاً بكل الإمكانيات التقنية والهندسية والاستوديوهات، وهذا يجعلني أؤكد على تفرّد التلفزيون السوري عن كل المحطات التي تم إنشاؤها بعده، وقد أتاح لنا هذا الأمر التعامل مع هذا الفن بشروط سليمة إلى حد كبير.. كنا نعمل بتقنيات بدائية بالمقارنة مع ما هو موجود اليوم، إلا أن هذه التقنيات في ذاك الوقت كانت لا تقل عن أية تقنيات كانت موجودة في العالم، خاصة وأن التلفزيون بالأساس اختراع عالمي لا يتجاوز عمره 60 عاماً، فعندما افتتحنا التلفزيون العربي السوري وبدأنا بالإرسال كانت معظم المحطات الأوروبية محطات ناشئة كالتلفزيون الإيطالي على سبيل المثال الذي لا يمكننا اليوم أن نحصي عدد قنواته، وقد كان في البداية قناة واحدة تبث بالأبيض والأسود لمدة 4 إلى 5 ساعات يومياً، في حين أن التلفزيون السوري وخلال سنة واحدة فقط أصبح يبث ساعة يومياً، وهذه بداية ليست متواضعة، وذلك كله حصل بفضل الأشخاص الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية التأسيس وهم لم يأتوا من فراغ، إذ أن معظمهم كان قد أتى من الإذاعة، فكانت المجموعة الأولى التي أسست التلفزيون من خيرة أصحاب الخبرة في الإذاعة، وهذا الكلام ينطبق على كل العناصر الجيدة المتميزة التي انتقلت بخبراتها من الإذاعة إلى التلفزيون سواء في مجال هندسة الصوت أو تشغيل الآلات التلفزيونية، لذلك ليس غريباً على تلفزيون عريق عمره 50 سنة أن يتطور خلال نصف قرن بهذا الشكل، لأنه بالأساس بدأ بداية سليمة وبشروط صحيحة .
< وكيف تفسر نجاح الرواد الأوائل في التأسيس؟
<< لا أعرف إن كانت عبارة “نجاح الروّاد” دقيقة، فليسوا كلهم أكملوا الطريق، ولا كلهم تطوروا.. هناك نخبة محدودة فقط من الرواد هي التي استمرت وأعطت خبراتها للأجيال التي تبعتها بعد أن أصبح مساعد المخرج مخرجاً.. وهنا يجب ألا ننسى الدور الكبير الذي قامت به فرقة الفنون الشعبية آنذاك والتي اكتسبت معرفة من خلال عملها في البرامج والتي اتجه بعض أفرادها نحو العمل في التلفزيون وقد كانوا عناصر متميزة في مجال عملها واستطاعت بعض هذه العناصر أن تحقق النجاح والنجومية وأن تستمر لسنوات طويلة، وبعضها ما زال مستمراً حتى الآن وما زال له شأن كبير في عملية التطوير في التلفزيون .
< ما رأيك بالتطور الذي حققه التلفزيون عبر مسيرة صار عمرها 50 سنة؟ وهل تجاوز تلك البداية التي وصفتَها بالكبيرة؟
<< التلفزيون سار خطوات ثابتة منذ تأسيسه، وقد استمر في التطور، ولكن ما يؤخذ عليه أنه تأخر كثيراً في تلوين شاشته، ففي العام 1976 كان عدد لا بأس به من المحطات يبث برامجه بالألوان، في حين أن التلفزيون السوري لم يفعل ذلك إلا في بداية الثمانينيات ودون سبب مقنع، لذلك أعتقد أن هذا التأخير كان من الأخطاء التي ارتُكِبت بحق مسيرة التلفزيون، خاصة وأن الإرسال الملون لم يكن يحتاج لأكثر من 3 كاميرات ملوّنة قيمتها أقل من تكاليف سهرة تلفزيونية من التي كان يقدمها التلفزيون، وأذكر أنني أثرتُ هذا الموضوع عام 1978 لأن الإنتاج السوري في تلك الفترة كان ممنوعاً من الوصول إلى المحطات الملونة بسبب رفضها لأعمال الأبيض والأسود.. وبالإضافة إلى ذلك دخل التلفزيون مجال البث الفضائي متأخراً أيضاً، ومع هذا بقي وعلى الرغم من ذلك يتطور ضمن بنائه الصغير وأجهزته واستوديوهاته التي يعود عمرها للعام 1960 وأصبح يفتتح قنوات جديدة، وينتج، ويحاول أن ينافس المحطات الأخرى، وما استطاع أن يحققه حتى الآن أنه ما زال في ميدان السباق، وهو من بين المحطات العشر –إن جاز التعبير- التي يقبل عليها المشاهد في الداخل والخارج .

< كيف تنظر إلى أهمية وضرورة وجود قناة خاصة بالدراما بعد التطور الذي حققته الدرما السورية؟
<< هي محطة مستهلِكة لما في مكتبة التلفزيون السوري، ومن المعروف أن هذه المكتبة غنية جداً، ففيها أعمال من مرحلة الأبيض والأسود، وفيها الأعمال الملونة، إضافة إلى ما حصلت عليه المكتبة من إنتاج القطاع الخاص، وبالتالي تملك فضائية سورية-دراما مادة درامية تستحق أن تكون لها محطة خاصة بها وتكون جذابة لمن يرغب في متابعة الأعمال الدرامية، ولا ننكر أن هناك منافسة حقيقية في هذا المجال بوجود عدد من المحطات العربية المتخصصة بالدراما .
< كيف تفسِّر غياب برامج المنوعات التي كانت مزدهرة في بدايات التلفزيون وكنتَ أحد المبدعين فيها؟
<< كان التلفزيون السوري أحد المنتجين لبرامج المنوعات التي ازدهرت ازدهاراً كبيراً في بداياته في الوقت الذي كانت فيه هذه البرامج شبه غائبة عن التلفزيونات الأخرى، والمؤسف أن ما يحصل اليوم هو العكس، حيث غابت هذه البرامج عن التلفزيون السوري وازدهرت في المحطات الأخرى، وبالتالي فإن من يراقب هذا اللون من البرامج على مدى 50 عاماً في الوطن العربي سيؤكد ما تقولين، ففي السنوات الأولى من عمر التلفزيونات في الوطن العربي كانت سورية متميزة بالبرامج الخفيفة والترفيهية والمنوعة، وعلى سبيل المثال أشير إلى أنه في العام 1961 أجرى تلفزيون القاهرة في فترة الوحدة استفتاء لأحسن البرامج التي كانت تبث في تلفزيون القاهرة وكان تلفزيون دمشق آنذاك يزوّد تلفزيون القاهرة ببرنامجين أسبوعيين، الأول كان بعنوان “سهرة دمشق” وهو من إعدادي وتقديمي وإخراجي وكان يتضمن فقرات منوعة، إضافة إلى مَشاهد لدريد ونهاد اللذين تحولا بفضله إلى نجمين، والثاني كان بعنوان “البيت السعيد” وقد فاز هذا البرنامج في الاستفتاء كأحسن برنامج أسرة، في حين فاز “سهرة دمشق” كأحسن برنامج منوعات.. إذاً القاهرة العريقة بمختلف ألوان الفنون قيّمت عملنا في السنة الأولى وبإمكانياتنا المتواضعة هذا التقييم المشرِّف.. واستمر هذا الأمر وكان لي في كل سنة برنامج منوعات.. هذه البرامج كانت تقدم حصيلة الفن في سورية من خلال فقراتها المتنوعة والغنية والتي عرَّفت المشاهد المحلي والعربي على فنانين أصبحوا نجوماً كصباح فخري الذي أطل على المشاهدين من خلال برنامج قدمه التلفزيون بعنوان “الله يمسيكم بالخير” وغيره من الفنانين كدريد لحام ونهاد قلعي ورفيق سبيعي، وهذا يعني أن التلفزيون السوري كان الحافز والمحرك للحركة الفنية في ذلك الوقت، في تلك السنوات كان الاهتمام بهذا اللون من البرامج كبيراً، وأذكر أنني ومنذ تأسيس التلفزيون ولسنوات طويلة كنتُ مسؤولاً عن دائرة المنوعات التي أعطيتُها اهتمامي واستغليتُ كل إمكانية فنية وتعاملتُ معها ولم يفتني شيء من الحركة الفنية السورية إلا واستفدتُ منه، ولكن ما حدث أن اهتمام المحطات العربية بالدراما جعل الإنتاج الفني بقطاعيه العام والخاص يدخل هذه المنافسة ويهتم بالدراما التي تشتريها كل المحطات، في حين أن المادة المنوعة كانت للاستهلاك المحلي باعتبار أن المحطات لا تقبلها لأن برنامج المنوعات لم يكن يذاع إلا في القناة التي تنتجه، أما عندما يُنتَج مسلسل فتشتريه كل المحطات.. لهذا السبب أُهمِلت البرامج المنوعة، في حين كان يجب على التلفزيون أن يبقي عليها، ولكن دخول القطاع الخاص في مجال الإنتاج الدرامي وهجوم الفنانين والمنتجين والفنيين على الدراما أدى إلى إهمال برامج المنوعات.. أذكر أنه في العام 1963 كنتُ أقدم على الهواء مباشرة برنامج “7×7” وهو برنامج منوعات ومسابقات وقد طارت شهرته إلى لبنان حيث طلبت مني القناة 11 في تلفزيون لبنان والمشرق أن أقدم البرنامج نفسه باسم وشكل جديدين، وهذا ما حصل فقدمتُه لمدة ثلاث سنوات وكان أهم برنامج أذيع في لبنان .
< كانت علاقتك مميزة مع دريد لحام ونهاد قلعي وقد جمعتكم مسيرة غنية أثمرت عدة أعمال أصبحت من كلاسيكيات التلفزيون السوري . ماذا تحدثنا عن تلك المرحلة؟
<< مسيرتي مع دريد لحام مسيرة عمر، ومع هذا لم أكن معه في كل ما قدمه، ولم يكن دائماً معي في كل ما عملتُه إلا أننا كنا معاً في أهم محطاته الفنية، والمحطة الأولى كانت يوم تحوّل من أستاذ جامعي إلى فنان مع افتتاح التلفزيون السوري من خلال برنامج “الإجازة السعيدة” وكذلك في برنامج “سهرة دمشق” وبرامج أخرى، والمؤسف أن التلفزيون لم يكن يهتم بتصوير أعماله، وبغياب القطاع الخاص آنذاك كان التلفزيون هو الجهة الوحيدة التي كانت تنتج ولم يكن يخطر ببال التلفزيون في يوم من الأيام أن دريد لحام سيعطي نتاجه للمحطات العربية، وأشير هنا إلى أنه في ذلك الوقت كانت هناك جهتان تنتجان وتبيعان إنتاجهما للمحطات العربية هما التلفزيون المصري والتلفزيون اللبناني، لذلك عُرِف دريد ونهاد على الصعيد العربي من خلال لبنان عندما تعاقدا مع التلفزيون اللبناني لإنتاج عدد من الأعمال منها مسلسل “مقالب غوّار” الذي كان عبارة عن مَشاهد قدمها دريد ونهاد في برنامج “سهرة دمشق” فأعادا كتابتها بحيث أصبح كل مقلب من المقالب حلقة كاملة، ومن يتابع التسجيلات القديمة وخاصة تلك التي تم تسجيلها في لبنان سيجد فيها حشواً ليصبح المقلب الذي يمكن أن يُقدَّم في عشر دقائق ساعة كاملة، وقد قام التلفزيون اللبناني بتوزيعها بشكل متواضع على بعض المحطات، وعندما شاهدتُها وجدتُ أنه من الأفضل إعادة تصويرها، وهذا ما حصل حيث أعدتُ تصوير “مقالب غوّار” بشروط فنية أفضل، ومع هذا لم يفكر التلفزيون بتصوير هذا العمل، وأنا في الحقيقة كان رأيي أن هذه الطاقة الفنية لدريد لحام ونهاد قلعي كانت تستحق شروطاً فنية أفضل لأعمالهما التي يجب أن تنطلق باتجاه السوق العربية، لذلك عرضتُ الفكرة على دريد لحام لتقديم مجموعة من الأعمال بشروط أفضل فوافق إلا أنني اضطررتُ للسفر عام 1968 ببعثة اطلاعية خارج سورية، وبعد عودتي وجدتُ أن دريد ونهاد تعاونا مع المخرج فيصل الياسري لتصوير مسلسل “حمّام الهنا” وكانوا قد وصلوا إلى الحلقة 11 وعندما عدتُ أكملتُ لهم العمل وهذا أنعش الرغبة لديّ بضرورة أن ننتج بشروط أفضل، إلا أن دريد ونهاد أخبراني أن التلفزيون اللبناني عرض عليهما توقيع عقود على مشروع جديد مقابل أجر مادي كبير فأكدتُ لهما أن الظروف المادية التي سيوفرها التلفزيون اللبناني أتعهد بتوفيرها مع أنني لم أكن أملك في جيبي قرشاً واحداً، وعندما علم التلفزيون اللبناني بذلك بدأ برفع المبلغ لأنسحب من العملية، إلا أنني أصريتُ على موقفي وانطلقنا بمسلسل “صح النوم” وأستطيع القول إنني حفرتُ في الصخر حتى استطعتُ إنتاج هذا المسلسل بأفضل الشروط الممكنة في ذلك الوقت، وحققتُ في ذلك العمل قفزة نوعية متميزة وكان أول مسلسل في الدراما السورية ينتشر في أنحاء الوطن العربي، وقد ثبت أن مسلسل “صح النوم” عمل لا يملّ منه الناس، والتلفزيون السوري لا يملك نسخة لهذا العمل لذلك يُطلَب مني من قبل المحطات العربية دائماً مع بقية الأعمال الأخرى، وأنا حريص على أن لا تُبتَذَل هذه الأعمال، لذلك جاء حرصي الشديد في ألا أبيع حقوق بثها لسنة أو سنتين ولمرة واحدة أو مرتين على الأكثر بهدف تلبية طلب المحطات ولكن دون أن تُستَهلَك، وأؤكد أن الطلب على هذه الأعمال (صح النوم-مقالب غوار-ملح وسكر) اليوم يفوق الطلب عليها في السنوات السابقة.
< هل تعتقد أن نجاح هذه الأعمال والطلب المتزايد عليها دليل على خلوّ الساحة الكوميدية من أعمال هامة؟
<< الكوميديا أصعب أنواع الفنون وهذا الأمر أصبح بديهياً للجميع، ولكن لا يمكن أن أنكر وجود أعمال كوميدية، فالساحة الدرامية ليست خالية من هكذا نوع ولكن ما أنا متأكد منه أنه لا يوجد عمل كوميدي أحبه الجمهور وتفاعل معه مثل مسلسل “صح النوم” الذي لايزال يستقطب الجمهور، والمحطات تلح في طلبه، وقد عجزت الأعمال التي جاءت بعده أن تحل محله أو تنافسه على الأقل .
< قلتَ ذات مرة أن مسلسل “وادي المسك” وهو آخر عمل تلفزيوني جمعك مع دريد لحام كان امتحاناً صعباً، فما الذي قصدتَه بذلك؟
<< هذا العمل من أوائل الأعمال التي نُفِّذَت بكاميرا واحدة، وقد أُنتِج في ظروف فنية صعبة جداً، خاصة وأن التلفزيون لم يكن آنئذ يمد يد المساعدة للقطاع الخاص كما يفعل اليوم، وقد أجبرتني الظروف على تنفيذه بزمن قصير جداً وقد عملتُ فيه بحزن شديد لأنني كنتُ أرى دريد لحام وهو يغتال شخصية غوّار فيطلق النار عليها من خلال إصراره على تقديم شخصية «التكميل» وهذا ما كنتُ أرفضه لأن غوّار كان يجب ألا يموت وكان يجب أن يستمر لأن هذه الشخصية حققت نجاحاً أسطورياً وباتت شخصية غوار أسطورية عُرِف من خلالها دريد لحام في جميع أنحاء الوطن العربي إلا أن دريد لحام كان مصرّاً على التخلص منها بأي شكل من الأشكال، وقد حاولتُ كثيراً ثنيه عن ذلك إلا أنه كان مصرّاً وكدتُ أنسحب من العمل لولا تدخّل البعض ولولا التزاماتي فيه مع بعض المحطات، وبالتالي فإن هذا الانسحاب كان سيكلفني الكثير فأكملتُ العمل وشاهدتُ بأم عيني كيف أطلق دريد لحام النار على شخصية غوار الذي كان بالنسبة لي كالوليد الذي أنجبتُه وما إن كبر حتى أتى من قتله .
< حدّثنا عن خصوصية مسلسل “الجمل” الذي جاء مختلفاً في مضمونه وشكله عما سبق وقدمتَه من أعمال .
<< في مسلسل “الجمل” لا أعتقد أنني لجأتُ إلى نوع درامي مختلف عما قدمتُه لأهرب من تلك الأعمال التي أعتز أنني أنتجتُها وأخرجتُها، وأنا أجد أنه من تلك الأعمال التي أعتز أنني أخرجتُها، وأرى أنه من حق أي مخرج أو كاتب السعي نحو التنويع في الأعمال التي يقدمها، ولا أرى مشكلة إن فعل المخرج ذلك فينتقل بين هذا الشكل وذاك المضمون ما دام يمتلك أدواته الإخراجية، وطالما أنه يمتلك هذه المفاتيح فله الحق في فتح أي باب من الأبواب، و”الجمل” نوع مختلف شكلاً ومضموناً وقد حقق نجاحاً كبيراً ونال العديد من الجوائز .
< أخرجتَ للتلفزيون عدداً من الأعمال المسرحية كغربة وضيعة تشرين، فكيف تفسر ندرة الإخراج التلفزيوني للأعمال المسرحية؟
<< المؤسف أن هذه المهنة لم تعد موجودة اليوم، والمسرحيات التي أعدتُ إخراجها تلفزيونياً إنما لتتناسب مع العرض التلفزيوني وذلك بهدف تنقيتها وتخليصها من شوائبها الفنية التي يمكن أن تؤثر فيها في حال لو تم الفعل عبر المسرح مباشرة.. الإخراج التلفزيوني ضروري للعمل المسرحي إذ من الخطأ أن تُنقَل الأعمال المسرحية كما هي على المسرح إلى التلفزيون .
< منذ سنوات وأنت شبه غائب عن الساحة الدرامية، فما هي الأسباب؟
<< لا أعتقد وأنا في عمر السبعين أنني قادر جسدياً على خوض غمار الدراما التلفزيونية، إضافة إلى أنني أشعر أنني قلتُ كل ما أريد قوله في الأعمال التي قدمتُها ولم يعد عندي ما أود قوله، لذلك فإن السينما اليوم هي التي تغريني أكثر ولديّ نيّة حقيقية اتجاهها، ولا أخفي سراً إن قلتُ إنني في الفترة الأخيرة قرأتُ العديد من السيناريوهات السينمائية، وللأسف لم يعجبني منها ما يمكن أن يحرّضني على تقديم عمل سينمائي، لذلك كثّفتُ مطالعاتي مؤخراً لعلّي أعثر على فكرة أقوم بصياغتها ومن ثم إخراجها، وأتمنى ألا يطول ذلك .
< في ظل تشاؤم البعض من مستقبل الدراما، كيف ترى الوضع؟
<< أنا متفائل بمستقبل الدراما السورية، وأرى أنها تطورت تطوراً عظيماً وسوف تستمر في ذلك لأن وجودها أصبح مفروغاً منه، وحاجة المحطات لها أصبحت ملحّة، وبالتالي ما دامت الدراما السورية مادة مطلوبة من المحطات فلا خوف عليها .
< يعاني البعض من مشاكل في تسويق الدراما السورية، فكيف السبيل لحلّ هذه المشكلة في حال وجودها؟
<< بالعموم لا أرى مشكلة في تسويق الدراما السورية، فأغلب المحطات تسعى إليها ولأن تكون جزءاً من برامجها، وأعتقد أن تلك المشكلة التي برزت في إحدى السنوات حول تسويق الدراما السورية كان سببها الكم الكبير الذي ظهر منها بحيث أن المحطات كانت غير قادرة على استيعاب هذا الكم، وأنا أحذِّر من خطر الوقوع في هذا المطب مرة أخرى لأن الدراما السورية يجب أن تتجه نحو النوع .

حوار : أمينة عباس

http://www.albaath.news.sy/user/?id=940&a=84028