كيف تنجح عمليات الاغتيال الصهيونية؟ (2/2)

عن موقع الناطوركيف تنجح عمليات الاغتيال الصهيونية؟ (2/2)
بواسطة أرقى وسائل التكنولوجيا وطابور من العملاء تجندهم دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ مقابل قدرات متواضعة على التخفي والتمويه لدى المقاومين الفلسطينيين تدور رحى حرب غير معتادة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. فيما تثير جرائم الاغتيال حيرة كبيرة بين المواطنين الفلسطينيين، وتطرح تساؤلات حول أدوات الاغتيال ووسائل الاحتلال الجديدة القديمة في هذه العمليات؛ الأمر الذي دفع المقاومة الفلسطينية إلى خوض هذه المعركة غير المتكافئة بأبسط الإمكانات والاحتياطات الأمنية.

"أخي المجاهد، أنت مراقب مراقبة لصيقة وعلى مدار الساعة، فأنت مطلوب.. عدوُّك يمتلك أدوات المراقبة والقتل؛ لذا لا بد من إجراءات صارمة لا فرصة فيها للمصادفة".
وضرورة أخذ الحيطة والحذر حتى أقصى درجة ممكنة؛ هروباً من حرب الاغتيالات التي صعّدتها الطائرات الإسرائيلية، وإليكم التعليمات التى يلزم جميع المقاومين اتباعها كاحتياطات لازمة، وأهمها إغلاق الهواتف الخلوية، وعدم الحديث عبرها بمختلف أنواعها إلا للضرورة القصوى، وعدم المكوث في مكان التحدث فترة طويلة، وعدم التنقل إلا لحاجة ملحّة، ومن دون استخدام السيارات الخاصة أو سيارات الأجرة، والتنقل سيراً على الأقدام وعبر شوارع ضيّقة لا يمكن مراقبتها من الجو، ويحظر وجود أكثر من مطلوب في مكان واحد.. ونصح البيان المطلوبين بضرورة التنكر عند التنقل من مكان إلى آخر.

■ سيناريو عملية اغتيال:
ومن خلال رصد العديد من عمليات الاغتيال في الآونة الأخيرة، وجمع شهادات الناجين، وما يتم تسريبه أو كشفه في الصحافة الإسرائيلية، فإنه يمكن رسم سيناريو لعملية الإعداد والتخطيط وتنفيذ جريمة الاغتيال على النحو الآتي:
تندرج على قائمة الاغتيالات أسماء عشرات المقاومين المحكوم عليهم بالإعدام بعد دراسة ملفاتهم الأمنية، وهنا تمثل أجهزة الأمن دور المدعي والقاضي والمنفذ للحكم، وتبدأ عملية الاغتيال بجمع المعلومات التي تركز على مكان سكن المجاهد وتحركاته، وخصوصاً المعتادة منها، وتشارك في العملية عدة أجهزة أمنية وعسكرية، وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة "الشاباك"، والذي يعتمد بالدرجة الأولى على شبكة العملاء، ثم الاستخبارات العسكرية التي تعتمد على أعلى وسائل التكنولوجيا، ولهذا الغرض شُكلت غرفة عمليات تحت قيادة هيئة الأركان لجيش الاحتلال التي يترأسها رئيس الأركان الإسرائيلي، وبمتابعة وزير الجيش الذي يرفع التقارير تباعاً لرئيس الوزراء. وعلى ضوء المعلومات الاستخبارية؛ يتم تحديد أسلوب عملية الاغتيال، ويتم إشراك سلاح الجو الذي أصبح في الآونة الأخيرة يساهم في ذلك بشكل كبير.

تعتمد مصادر المعلومات بدرجة كبيرة إلى جانب العملاء على الوسائل التقنية الحديثة؛ مثل الطائرات بدون طيار التي أصبحت شريكاً رئيساً في الإعداد للعملية، ثم استغلال تقنيات وسائل الاتصالات بالتنصت على أجهزة الاتصال خصوصاً الخلوي.

المعلومات من الميدان تصل من العملاء، وإذا ما كان الهدف المطلوب مقاوماً مطلوباً ومختفياً، ففي هذه الحالة يكون دور العملاء صعباً، فيتركز الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا، أما إذا كان الهدف شخصية سياسية معروفة وتحركاته مكشوفة؛ عندها تكون مهمة العملاء أسهل، أما الطائرة بدون طيار فتقوم ببث صور دقيقة على مدار الساعة للمنزل أو للسيارة التي يتحرك فيها المقاوم. ويقوم الشاباك بتحليل المعلومات لتحديد الثغرة والوقت المناسب للاغتيال، أما الثغرة فهي استغلال الحركة المعتادة، أو كشف خطة الحركة من خلال الاتصالات الهاتفية...

في وقت سابق تركزت أساليب الاغتيال في معظمها على تفجير سيارات المقاومين، أو الهاتف العمومي، أو عن طريق الوحدات الخاصة في الضفة الغربية خصوصاً. أما في قطاع غزة فالوضع يختلف، حيث الاعتماد يتم بشكل كلي على سلاح الجو في تنفيذ عمليات الاغتيال، وعادة يشترك جهاز الشاباك وجيش الاحتلال في ملاحقة المقاومين وتنفيذ عمليات الاغتيال، وحسب المصادر الإسرائيلية فإنه يُعتمد على جهاز الشاباك في جمع المعلومات وتنفيذ معظم عمليات الاغتيال، وذلك بسبب معرفة عناصر هذا الجهاز للظروف الميدانية والعلاقات مع العملاء..

تصل التعليمات لسلاح الجو بقصف الهدف، وحدة جمع المعلومات الأساسية في سلاح الاستخبارات تتلقى المعلومات تباعاً، وفي القاعدة يتلقى الضابط المناوب الأمر بتنفيذ عدة عمليات استعداداً للإغارة الجوية.

تنطلق الطائرات في طريقها بعد أن تصل إليها المعلومات بأن المجاهد خرج من منزله واستقل السيارة المستهدفة، أو موجود في النقطة "x".

تقوم الطائرات بتشخيص السيارة بناء على صور الطائرة بدون طيار وتقارير العملاء، وبعد أن تصل المعلومات النهائية للضابط المناوب من الطائرات، ويؤكد الطيارون أن الهدف في مرمى النيران، وأن إمكانية الإصابة عالية، يتلقى الطيارون الأمر النهائي، فيقومون بالضغط في طائراتهم على أزرار الموت وتنطلق الصواريخ نحو السيارة "أو المبنى".

وتمتلك طائرات الأباتشي وسائل تقنية عالية في تحديد الهدف، كما أنه ثبت قيام العملاء برش السيارات المستهدفة بمادة مشعة تساعد الطائرات على تتبع الهدف، أو من خلال إشارة الجهاز الخلوي الذي يحمله المجاهد، وهكذا تكون الإصابة مباشرة.

وإذا لم يشاهدوا أحداً يخرج من السيارة عن طريق صور الطائرة بدون طيار التي تبثها لغرفة العمليات يكون كل شيء تم حسب الخطة، ولكن على الطائرات أن تبقى في الجو لدقائق أخرى للتأكد بشكل نهائي من أن الجريمة تمت على أكمل وجه، وأنه لا توجد نسبة 1% لنجاة أحد من السيارة، وإذا ما ثبت أن هناك فرصة للنجاة؛ فيجب إطلاق صواريخ أخرى حتى لو تجمع مواطنون حول السيارة، وإذا خرج الهدف من السيارة فيجب ملاحقته بالصواريخ ما دامت إشارة الخلوي لا تزال تعمل والصور من الطائرة تؤكد أنه الهدف، أما إذا أظهرت الصور التي تبثها الطائرة بدون طيار سيارة متفحمة تقريباً وأشلاء جثث متفحمة أيضاً؛ عندها فقط تعطى الأوامر للطائرات بالعودة.

■ عميل بين يديك:
المثال في السيناريو السابق كشف عن جزء من فصوله أسرى فلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن نجحت عمليات اغتيال نشطاء المقاومة التي نفذها الاحتلال مؤخرًا.
وتشير إفادات الناجين إلى أن "الهاتف الخلوي" هو العنصر الأول في نجاح مخابرات الاحتلال في الوصول للشخص المراد تصفيته أو اعتقاله، إلى جانب تحديد بصمة الصوت للشخص المستهدف إسرائيلياً، خصوصاً أن غالبية المقاومين يجهلون مدى قدرات مخابرات الاحتلال في مجال مراقبة الاتصالات التي تجرى عبر الهاتف المحمول والتحكم بأسراره.

وأوضح الأسرى أن رجال المقاومة يعتقدون أن سلطات الاحتلال لا يمكنها مراقبة شبكة الجوال الفلسطينية أو أي شركة جوال مستقلة، وأن استخدامهم لأسماء حركية والتحدث بأسلوب الشفرات، أو تغيير لهجتهم عند التحدث في الهاتف يكفي لتجاوز مسألة المراقبة، غير أن ذلك لا يكفي في بعض الأحيان.

وكشف العديد من الأسرى الفلسطينيين؛ أن قوات الاحتلال تمكنت من إحباط العمليات التي كانوا ينوون القيام بها واعتقالهم من خلال كشفها "لبصمات أصواتهم ومراقبة اتصالاتهم الهاتفية"، مشيرين إلى أن سلطات الاحتلال عرضت عليهم أثناء التحقيق معهم جميع مكالماتهم التي أجروها.

ويؤكد مهندسو اتصالات فلسطينيون أن سلطات الاحتلال تمتلك القدرة على "استخراج بصمة صوت من تريد من الفلسطينيين، ومن ثم استخراج جميع مكالماته التي تحدّث بها من خلال جميع وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، حتى لو حاول تغيير نبرة صوته أو لهجته".
ويعتقد هؤلاء أن قوات الاحتلال إذا أرادت اصطياد شخص ما؛ فإنها تعمل أولاً على الحصول على بصمة صوته من خلال التنصت على اتصالاته الهاتفية، ثم تستخرج جميع المكالمات التي أجراها سابقاً ولاحقاً، وكذلك التنصت على جميع المكالمات التي يجريها من يتحدثون إليه ويتحدث إليهم ومن ثم تحديد موقعه.

ويؤكد مهندسو الاتصالات الفلسطينيون أن بإمكان مخابرات الاحتلال أيضاً تحديد المكان. وأوضح هؤلاء أن السر في قدرة مخابرات الاحتلال في تحديد مكان أي هاتف محمول حتى لو كان مغلقاً يرجع لوجود تخزين دائم للكهرباء في الجهاز المحمول- ليس تحت تصرف صاحب الهاتف- يحافظ على ذاكرة الجهاز وبرمجته، مشيرين إلى أنه من خلال موجات كهرومغناطيسية أو إرسال رسائل صوتية معينة يمكن تحديد مكان صاحب الهاتف، سواء كان مفتوحاً أم مغلقاً؛ حيث يحدث تواصل بين الجهاز ومحطات التقوية والإرسال للشركة مقدمة الخدمة، ومن ثم بالجهاز المراد رصده.

وكانت الصحف الإسرائيلية قد كشفت قبل أكثر من عام عن جانب من هذه المعلومات؛ الأمر الذي أغضب جهاز الأمن العام الإسرائيلي، ودفعه لمطالبة وزارة العدل الإسرائيلية بعدم نشر هذه المعلومات؛ بحجة أنها تضر بجهوده في "مكافحة الإرهاب والإجرام"، على حد زعمه.

ومن الأمور التي كشفها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال جهاز "مراقبة الاتصالات على نظام قاعدة البيانات"، ويطلقون عليه تجاوزاً اسم "الفرازة". وهو يسمح لسلطات الاحتلال بالتسجيل التلقائي لكلمات معينة؛ مثل: السلاح أو المتفجرات والاستشهاديين... إلخ، أو أي مكالمات مموهة تحمل كلمات مثل: "عريس" وتعني "استشهادي"، و"تفاح روسي" وتعني "رصاص وقنابل"... إلخ، وكل المصطلحات التي استخدمتها فصائل المقاومة في السابق وتعرفت عليها مخابرات الاحتلال.

ويقوم هذا الجهاز بتخزين المكالمات على إسطوانات يمكن استرجاعها بعد معرفة رقم متصل ما، واسترجاع مكالمات من اتصل به على مدى شهور سابقة..

■ من ملفات الاغتيال:
في عمليات اغتيال عديدة نجح معظمها ونجا في قليل منها المستهدفون؛ ثبت أن الرصد لا يتم فقط من خلال العملاء، بل بالاعتماد على التكنولوجيا، ويمثل الهاتف الخلوي للمستهدف جهاز الرصد الأول له.

قبل عدة شهور حاولت قوات الاحتلال اغتيال أحد عناصر كتائب القسام- رائد العطار- وآخرين كانوا برفقته من مدينة رفح، وخلال تحرك العطار بسيارته على الطريق الشرقي بين رفح وخان يونس رنّ هاتفه الخلوي، كانت على الخط فتاة تسأل عن شخص بالخطأ، ومن خلال الحس الأمني شعر العطار بريبة، ومباشرة سمع أصوات الأباتشي التي كانت تستعد للانقضاض عليهم، ومباشرة قفزوا من السيارة وألقوا الأجهزة الخلوية بعيداً، واختبأوا في حين بقيت الأباتشي تحلّق فوق المنطقة بحثا عن المقاتلين، لكنهم فيما يبدو فقدوا الإشارة التي تحدد مكانهم بالضبط، في هذه الأثناء خرج صبيان على درّاجاتهم بالقرب من المنطقة المستهدفة، ويبدو أن الطيارين والمعلومات الآنية توقعت أن يكونوا هم المستهدفين، فأطلقوا نحوهم الصواريخ فقتلتهم على الفور، وبحسب بعض المصادر؛ فإن إلقاء العطار ومن معه للخلوي ربما كان السبب الرئيس في نجاتهم وليس مجرد تركهم للسيارة.

في عملية أخرى كان المقاومون الثلاثة أحمد شتيوي ووحيد الهمص وأحمد أبو هلال خارج السيارة، ويجلسون في منطقة تنمو فيها أشجار صغيرة على شاطئ بحر غزة، وربما شعروا بوجود الأباتشي مبكراً وتركوا السيارة، ولكنهم لم يتركوا أجهزتهم الخلوية لذلك تمكنت صورايخ الأباتشي من استهدافهم بدقة.

أما الاستشهادي حمدي كلخ "في عملية اغتيال أخرى"؛ فقد تمكن من التنكر، وكان يركب عربة "كارو" شرق مدينة خان يونس، واتخذ الاحتياطات اللازمة في التمويه ولم يتحرك في سيارة، ولكن حسب مصادر في حماس بمدينة خان يونس؛ فقد كان الفقيد يتحدث بجهازه الخلوي لحظة انطلاق صواريخ الأباتشي نحوه، فكانت إصابته في رأسه مباشرة فانفصل عن جسده.

■ إجراءات وقائية:
ومن الإجراءات الوقائية التي نصحت بها دراسة أمنية، أعدها أسرى في سجن عسقلان الإسرائيلي مؤخرًا، أنه ينبغي إذا تم اعتقال أحد المقاومين أن يقوم ذوو العلاقة به بتغيير شرائح أجهزة المحمول التي يملكونها، ويحظر على المقاوم تسجيل اسمه عند شراء أي جهاز أو شريحة.

وأيضاً يجب على المقاوم المستخدم للهاتف المحمول ألا يجري اتصالاته من مكان يوجد فيه باستمرار، وأن يجري اتصالاته من خارج مكان سكنه؛ نظراً لأن ذلك قد يؤدي لمعرفة أين يقطن.

ومن خلال دراسة عشرات عمليات الاغتيال، ونتائج التحقيق مع بعض العملاء المشاركين فيها.. تشير اللجنة العلمية بسجن عسقلان إلى أن نجاح عشرات عمليات الاغتيال يرجع لعدة أسباب؛ منها: عدم حذر النشطاء الفلسطينيين المستهدفين، واستخدامهم الهواتف النقالة خاصة في أحاديثهم؛ دون الانتباه لقدرة قوات الاحتلال على مراقبة جميع تلك المكالمات وتسجيلها، والتعرف على بصمة صوت المتحدث حتى لو تحدث عن طريق هاتف آخر؛ وكذلك ظاهرة العملاء الذين يقومون بمساعدة قوات الاحتلال في تتبع المطلوبين الفلسطينيين.

وتشرح الدراسة بناء على اعترافات العملاء الذين شاركوا في عمليات الاغتيال طريقة تنفيذ قوات الاحتلال لها؛ حيث تطلب من العميل أن يقوم بوضع مادة مشعة لا تُرى بالعين المجردة على سيارة المطلوب اغتياله؛ بواسطة قلم أو بخاخة رش أو أي طريقة أخرى؛ ليتم بعد ذلك قصفها.

■ أسرار فرق الاغتيالات الخاصة:
حصلت صحيفة "ذي اندبندنت اون صنداي" البريطانية على معلومات تكشف لأول مرة عن إحدى عمليات وحدة الاغتيال في الجيش الإسرائيلي خلال فترة المواجهات التي شهدتها الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

فقد كشف مجند سابق للصحيفة عن دوره في كمين اتسم بالفوضى أثناء إحدى التكليفات، حيث قتل صدفة اثنين من رفاقه اضافة الى اثنين من النشطاء الفلسطينيين المستهدفين إسرائيليا. ويقول الجندي السابق، الذي تم تدريبه على أعمال القنص، إنه أطلق 11 رصاصة على رأس أحد النشطاء الفلسطينيين بعد أن صدرت له أوامر بقتله.

وتقول الصحيفة إن هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها أحد أفراد الفرقة عن سياسة القتل المستهدف التي يتبعها الجيش الإسرائيلي. وتركت العملية، التي وقعت قبل أكثر من ثماني سنوات وجرت في بداية الانتفاضة ندوبا نفسية لدى القناص السابق. وحتى هذا اليوم، فإه لم يصارح والديه بدوره في ما سمي بـ"أول عملية اغتيال وجها لوجه خلال الانتفاضة"..

وتبدو العملية التي وصفها الجندي السابق بالتافهة تقريبا بالمقارنة مع الكثير مما حدث منذ ذلك الحين في عدوان غزة، والذي بلغ الذروة بسقوط ما يزيد عن 1330 ضحية من الفلسطينيين في عملية "الرصاص المسكوب" في كانون الثاني "يناير" من هذا العام.

وكادت العملية تدخل في عالم الغيب بالنسبة للجميع باستثناء أولئك المتأثرين بشكل مباشر، لولا الرواية غير العادية التي رواها لمجموعة "كسر الصمت"، التي قامت بجمع شهادات من مئات من الجنود السابقين الذين يعانون من القلق بشأن ما شاهدوه وما فعلوه- بما في ذلك الانتهاكات بحق فلسطينيين- أثناء خدمتهم العسكرية في الأراضي المحتلة.

وتتعارض الرواية- التي كشف عنها الجندي بتوسع في مقابلة مع الصحيفة البريطانية وأثبتتها شهادة جندي آخر لمجموعة "كسر الصمت"- بشكل مباشر مع عناصر في الرواية الرسمية للجيش الإسرائيلي في ذلك الحين، وتلقي ضوءا جديدا على أسلوب الاغتيالات المستهدفة الذي ينتهجه الجيش الإسرائيلي.

وكذلك هو الحال بالنسبة لتعليقات والد أحد الفلسطينيين القتلى، وأحد الناجين، والتي تابعتها "ذي اندبندنت اون صنداي" التي قالت: "لا يمكن الكشف عن اسم مصدرنا، لأسباب ليس أقلها أنه من الناحية النظرية يمكن أن توجه إليه اتهامات في الخارج عن دوره المباشر في عملية اغتيال من النوع الذي تعتبره معظم الدول الغربية انتهاكا صارخا للقانون الدولي، بعد أن قرر إزالة الستار عما حدث...

وقال الجندي السابق إن وحدته الخاصة تدربت على عملية اغتيال، ولكنها أبلغت بأنها ستكون عملية اعتقال، وأنهم سيطلقون النار فقط إذا كان بحوزة الرجل المستهدف أسلحة في سيارته. وقال الجندي: "شعرنا بصدمة المفاجأة لأنها ستكون عملية اعتقال. لقد أردنا أن نقتل". ثم توجهت الوحدة إلى غزة وتمركزت هناك، وكان ذلك في الثاني والعشرين من تشرين الثاني "نوفمبر" من عام 2000.

كان المستهدف الرئيسي للفرقة ناشط فلسطيني اسمه جمال عبد الرازق، وكان يجلس في المقعد الأمامي لسيارة "هيونداي" سوداء اللون يقودها زميله عوني ضهير تتجه شمالا نحو خان يونس، وكان الرجلان لا يدركان أبدا الفخ الذي ينتظرهما قرب أحد المفترقات.

وكان عبد الرازق معتادا على رؤية ناقلة جند مدرعة بجانب الطريق، ولكن لم تكن لديه أدنى فكرة عن أنه تم استبدال طاقمها المعتاد بعناصر من الوحدة الخاصة المختارة التابعة لسلاح الجو، ومن بينهم ما لا يقل عن اثنين من القناصة المدربين جيدا.

وحتى قبل أن يغادر منزله في رفح ذلك الصباح، كان جهاز الأمن العام الإسرائيلي "شين بيت" يراقب كل خطوة يقوم بها عبد الرازق بدقة متناهية، بفضل معلومات مستمرة من هواتف خلوية لعميلين فلسطينيين، من بينهما أحد أعمامه. ويقول الرجل الذي كان يوشك على تصفيته أنه شعر "بالدهشة" من التفاصيل التي كان "شين بيت" ينقلها إلى قائد الوحدة. ويضيف: "كمية القهوة التي كانت في كأسه أثناء مغادرته.

عرفوا أنه كان لديه سائق، وقالوا إنه كان معهما أسلحة في الصندوق الخلفي وليس داخل السيارة. لمدة 20 دقيقة كنا نعتقد أنها ستكون عملية اعتقال بسيطة لأنه لم يكن لديهم أسلحة في السيارة".

وقال الجندي إن الأوامر تغيرت فجأة بعد ذلك. وأضاف: "قالوا إن أمامه دقيقة واحدة حتى الوصول، ثم تلقينا أمرا بأنها ستكون عملية اغتيال". ويعتقد الجندي أن ذلك الأمر جاء من غرفة عمليات أقيمت لهذا الغرض، وكان انطباعه أن "جميع كبار القادة كانوا هناك"، ومن بينهم ضابط برتبة بريغادير جنرال.

ولم يكن الناشطان قد اشتبها بأي شيء لدى اقترابهما من المفترق، حتى عندما تحركت شاحنة نقل تابعة للجيش الإسرائيلي من طريق جانبية لتقطع الطريق أمامهما. ولم تتوفر لديهما أية إمكانية لمعرفة أن الشاحنة كانت مليئة بالجنود المسلحين، الذين كانوا ينتظرون تلك اللحظة. ووقفت سيارة دفع رباعية بالقرب من الطريق، تحسبا فقط لحدوث "خطأ كبير".

ولكن شيئا خاطئا وقع فعلا: فقد تحركت الشاحنة بشكل مبكر جداا، لتغلق الطريق ليس فقط أمام الناشطين، وإنما أيضا في وجه سيارة أجرة كانت تسير أمامهما، وكانت تقل سامي أبو لبن "29 عاما"، وهو خباز، ونائل اللداوي "22 عاما"، وهو طالب. وكانا في طريقهما من رفح إلى خان يونس لشراء بعض الوقود النادر لإشعال أفران المخبزة.

وقال القناص إنه شعر لدى اقتراب اللحظة الحاسمة بأن الجزء السفلي من جسمه بدأ يرتجف. وأضاف: "ما يحدث الآن هو أنني أنتظر قدوم سيارة وأفقد السيطرة على قدمي.

كانت لدي بندقية "ام 16" مزودة بمنظار قنص خاص. وكان هذا من أغرب الأشياء التي حدثت لي على الإطلاق. شعرت أنني في غاية التركيز. ثم بدأ عد الثواني، وبدأنا نشاهد السيارات. ورأينا سيارتين قادمتين، وليست واحدة. وكانت هناك سيارة أولى قريبة جدا من السيارة التالية عندما انعطفت الشاحنة التي تحركت مبكرا، وتوقفت السيارتان. كل شيء توقف. أمهلونا ثانيتين وقالوا لنا "أطلقوا النار".

وكان عبد الرازق المستهدف يحتل المقعد الأمامي الأقرب إلى ناقلة الجنود. وقال الجندي: "لم يكن لدي شك في أنني رأيته عبر المنظار. بدأنا بإطلاق النار.. وقمت بالعد لاحقا، 11 رصاصة في رأسه. كان من الممكن أن أطلق رصاصة واحدة وانتهى الأمر..
وبقدر ما استطاع أن يتذكر فإن أمر إطلاق النار كان واضحا.

لكن الجندي السابق قال إنه لم يكن متأكدا ما إذا كانت القوات المجوقلة داخل الشاحنة اعتقدت خطأ أن هناك إطلاق نار ضدها من السيارة المدنية، لكنه شدد على أن بعد أن توقف هو شخصيا عن إطلاق نيران بندقيته "بدأ إطلاق النار يتحول إلى الأسوأ. واعتقد أن الذين كانوا في الشاحنة انتابهم الفزع فأخذوا يطلقون النار. وبدأت إحدى السيارتين في التحرك إلا أن قائد الفرقة صاح قائلا "توقف.. توقف".

لم يستغرق الأمر أكثر من ثوان قليلة حتى توقفت السيارة تماما، وما شاهدته فيما بعد أن آثار الرصاصات كانت تغطي السيارتين كليهما، حتى السيارة الأولى التي كانت مارة هناك بمحض الصدفة".

قتل عبد الرازق وضهير وكذلك أبو لبن واللداوي. وبأعجوبة نجا من دون اي خدش سائق سيارة التاكسي ناهد فوجو. ولا يذكر القناص أكثر من وجود أربع جثث على الأرض، "أصبت بالذهول لدى رؤية الجثث. بدت وقد غطاها الذباب. وتردد السؤال: من أطلق النار على السيارة الأولى "الأجرة"، فلم يحر أحد جوابا.

اعتقد أن الشعور بالذهول انتاب الجميع. كان واضحا أن العملية اتسمت بالفوضى، لكن أحدا لم يعترف بذلك". ولم يقم القائد بأي استفسار رسمي إلا بعد عودة الوحدة إلى قاعدتها الرئيسة.

ويضيف الجندي قائلا "ثم جاء القائد وقال: أهنئكم. استلمت مكالمات هاتفية من رئيس الوزراء ومن وزير "الدفاع" ورئيس الأركان، كلهم كانوا يمتدحون عملنا. لقد نجحنا تماما في مهمتنا، شكرا لكم. وبعد ذلك شعرت أننا كنا جميعا سعداء".

وقال إن الحوار دار حول المخاطر الحقيقية فيما يتعلق بإمكان إصابة جنود بنيران صديقة حيث إن سيارة واحدة من سيارات الجيش الإسرائيلي أصيبت بالرصاص أثناء تبادل إطلاق النار، وفي النهاية قام جندي أو أكثر بإطلاق النار على الجثث الملقاة على الأرض.

وعن انطباعاته قال إنهم "كانوا يريدون أن تعرف الصحافة أو الفلسطينيون أننا نرفع من مستوى المواجهة. وكان الشعور جماعيا بتحقيق النجاح الباهر. وقد انتظرت الساعة التي سيتم فيها التحقيق كي تظهر منه مشاعر الاستياء من بعض الفشل، إلا أن ذلك لم يحدث. أما ما شعرت به فهو أن القادة كانوا يعرفون أن العملية سجلت نجاحا سياسيا عظيما بالنسبة إليهم".

لم تلبث العملية أن أثارت الانتباه، حيث قال الجنرال يائير نافيه وهو المسؤول عن القوات الإسرائيلية في غزة، إن الهدف منها كان إلقاء القبض على الأشخاص، إلا أن عبد الرازق بدأ بإطلاق النار من بندقية كلاشينكوف على القوات الإسرائيلية مما دفع بتلك القوات إلى إطلاق النار على سيارته. وفيما قيل إن الهدف الرئيس كان عبد الرازق، فإن الضحيتين في سيارة الأجرة كانا من نشطاء فتح "وكانا على علاقة بعبد الرازق".

وفي الأسبوع الماضي قال اللداوي إن توقيت وجود ابنه هناك كان كارثيا، وإن العائلة لا تعرف شيئا عن الشخصين الآخرين. وقال "كان الأمر مجرد صدفة، وليست لعائلتنا أي علاقة بالمقاومة". أما سائق سيارة الأجرة فإنه بالإضافة إلى قوله إنه لم يستلم "حتى شيكلا واحدا" كتعويض، فإنه لم يرغب في الحديث إلينا، قائلا "هل تريدون إجراء مقابلة معي حتى يقوم الإسرائيليون بقصف منزلي؟".

وقال الجيش الإسرائيلي ردا على التساؤلات التفصيلية حول الحادث والمفارقات بين روايتهم للحادث في ذلك الوقت وما رواه الفلسطينيون، وما كشف عنه الجندي السابق، إنهم "ينظرون بعين الاهتمام إلى انتهاكات حقوق الإنسان"، إلا أنهم "يأسفون لأن كسر حاجز الصمت لا يوفر لهم التفاصيل أو البيانات فيما يتعلق بتلك الأحداث حتى يمكنه إجراء تحقيق شامل". وأضاف "لم يتصل هؤلاء الجنود والقادة بكبار القادة ولم يقدموا شكواهم خلال فترة قيامهم بالخدمة العسكرية".

■ الموساد يكشف عملية اغتيال د. الشقاقي
نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في ملحقها الأسبوعي فصلاً من كتاب "نقطة اللاعودة"، من تأليف الصحافي رونين برغمان، الذي يكشف عن رواية "الموساد" لتفاصيل اغتيال مؤسس "حركة الجهاد الإسلامي"، الدكتور فتحي الشقاقي، في تشرين الأول من عام 1995، في جزيرة مالطا الايطالية.

وجاء في الكتاب أنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، أمر في كانون الثاني باغتيال الشقاقي "في أعقاب تنفيذ الجهاد الإسلامي عملية بيت ليد في كانون الثاني 1995"، حيث قتل 22 إسرائيليا وجرح 108.

بعد صدور الأوامر من رابين، بدأ "الموساد" الاستعداد لاغتيال الشقاقي، عن طريق وحدة منبثقة تسمى "خلية قيسارية". كان الشقاقي، وقبل تنفيذ عملية بيت ليد، تحت الرقابة الإسرائيلية لسنوات طويلة، لذا استطاع "الموساد" في حينه، وبعد أوامر رابين، أن "يحدد مكان الشقاقي في دمشق بسهولة". إلا أنَّ رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي، حذّر من مغبة هذه العملية، معتبراً أنَّ عملية كهذه "ستؤدي إلى غضب سوري كبير".

قبل رابين توصيات ساغي، وأمر "الموساد" بتجهيز خطةٍ بديلة لاغتيال الشقاقي في مكان غير دمشق. وجد "الموساد" صعوبة في هذا الشأن إلا أنه عمل كما يريد رابين.

كان الشقاقي على علم بأنَّه ملاحَق، لذا لم يخرج كثيراً من دمشق وكان حريصاً، حسبما قال الإسرائيليون. وذكرت مصادر من "الموساد" أنَّ الشقاقي كان يسافر فقط إلى إيران عن طريق رحلات جوية مباشرة. ومع هذه الصعوبة، وضع "الموساد" خطة بديلة وسعى إلى تطبيقها.

في بداية شهر تشرين الأول من عام 1995، تلقى الشقاقي دعوةً إلى المشاركة في ندوة "تجمع رؤساء التنظيمات" بإحدى الدول العربية. وعلم الموساد أنّ سعيد موسى مرارة "أبو موسى" من "فتح" سيشارك أيضاً في الندوة.

وقال أحد أعضاء "الموساد"، لم يتم الكشف عن اسمه، إن أبو موسى من خصوم الشقاقي، وإذا شارك في المؤتمر، فإنَّ الشقاقي سيشارك. وطالب المختصين في الموساد "بالاستعداد".

مسار سفر الشقاقي كان معروفاً للموساد من خلال رحلاته السابقة، أي عن طريق مالطا. عندها أعد أعضاء "قيسارية" خطتين: اختطاف الشقاقي أثناء سفره من مالطا إلى الدولة العربية المعنية. إلا أنَّ رابين لم يوافق على هذه الخطة "خشية التورط دولياً". أما الخطة الثانية، فكانت تصفية الشقاقي أثناء وجوده في مالطا.

سافر رجال "الموساد" إلى مالطا وانتظروا الشقاقي في المطار. لم يخرج الشقاقي في الرحلة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة. بدأ رجال "الموساد" يفقدون الأمل بهبوط الشقاقي في مالطا، لكنهم سمعوا صوت أحد رجال "الموساد" في أجهزة الاتصال يقول "لحظة، لحظة، هناك أحد يجلس جانباً ووحيداً". اقترب رجل "الموساد" من هناك، وقال مرة أخرى في الجهاز "على ما يبدو هذا هو، وضع على رأسه شعراً مستعاراً للتمويه".

انتظر الشقاقي ساعة في مالطا، ومن بعدها سافر إلى المؤتمر، من دون معرفته أنه مراقب. ويقول "الموساد" إنَّ الشقاقي التقى هناك أبو موسى وطلال ناجي من قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة تحت قيادة أحمد جبريل.

في السادس والعشرين من تشرين الأول، عاد الشقاقي إلى مالطا. وعرف "الموساد" أنَّ الشقاقي يستعمل جواز سفر باسم إبراهيم الشاويش. ولم يجد صعوبة في تحديد مكانه في مالطا، بناءً على اسمه في جواز السفر.

وصل الشقاقي في صبيحة اليوم نفسه إلى مالطا، واستأجر غرفة في فندق يقع في مدينة النقاهة "سليمة". استأجر غرفة لليلة واحدة. كان رقم الغرفة 616. في الساعة الحادية عشرة والنصف، خرج الشقاقي من الفندق بهدف التسوق. دخل إلى متجر "ماركس أند سبنسر" واشترى ثوباً من هناك. وانتقل إلى متجر آخر واشترى أيضاً ثلاثة قمصان.

وحسب رواية "الموساد"، واصل الشقاقي سيره على الأقدام في مالطا ولم ينتبه إلى الدراجة النارية من نوع "ياماها" التي لاحقته طيلة الطريق بحذر. بدأ سائق الدراجة النارية يقترب من الشقاقي حتى سار إلى جانبه محتسباً كل خطوة. أخرج الراكب الثاني، الجالس وراء السائق، مسدساً من جيبه مع كاتم للصوت، وأطلق النار على الشقاقي.. ثلاثة عيارات نارية في رأسه حتى تأكد من أنه "لن يخرج حياً من هذه العملية".

أُلصق بالمسدس الإسرائيلي جيب لالتقاط العيارات النارية الفارغة، لتفريغ منطقة الجريمة من الأدلة وتجنب التحقيقات وإبعاد الشبهات المؤكدة حول إسرائيل.
وكشف "الموساد" أنَّ الدراجة النارية كانت قد سرقت قبل ليلة واحدة من تنفيذ العملية وتم "تخليص" عملاء "الموساد" من مالطا، من دون الكشف عن تفاصيل "تخليصهم".

أعضاء الخلية "قيسارية"، هم أيضاً شاركوا في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في الأردن، وتم في ما بعد تفكيكها.
ورأى "الموساد" عملية اغتيال الشقاقي إحدى "أنجح العمليات التي قام بها". إلا أنَّه "أدخل إسرائيل في حالة من التأهب القصوى بعدما وصلت إنذارات بعمليات تفجيرية"...

■ عمليات التصفية: هل يمكن اعتبارها حكما بالإعدام؟
من الأمور المعروفة أن إسرائيل لا تفرض عقوبة الإعدام على المتهمين بارتكاب جرائم القتل مع سبق الإصرار، أو حتى على فلسطينيين أدينوا بتنفيذ عمليات “إرهابية”. فلماذا إذن تنفذ عقوبة الإعدام بحق ناشطي المنظمات الفلسطينية داخل مناطق السلطة الفلسطينية، وبالأخص في قطاع غزة؟!

صحيح إن إسرائيل ألغت في أواسط الخمسينات، عقوبة الإعدام التي كانت مفروضة على مرتكبي جريمة القتل المتعمد، وذلك بموجب قانون خاص سنته الكنيست؛ ومع ذلك أبقى القانون عقوبة الإعدام على مرتكبي جرائم الحرب النازيين ومساعديهم، الذين شاركوا في عملية إبادة الشعب اليهودي إبان الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى من ساعد العدو في أثناء الحرب، وأدين بالخيانة.

كذلك يحق للمحاكم العسكرية الإسرائيلية بموجب أنظمة الطوارئ، فرض عقوبة الإعدام على مرتكبي جريمة القتل المتعمد، شرط أن يتخذ القضاة الذين ينظرون في القضية قرارهم بالإجماع، وشرط أن يكون بين هؤلاء القضاة اثنان من القانونيين.

ومع ذلك لم يطلب الادعاء العام العسكري من المحاكم العسكرية فرض عقوبة الإعدام على مرتكبي مثل هذه الجرائم، إلا أنه كانت هناك حالات معدودة، قررت فيها المحكمة العسكرية فرض عقوبة الإعدام على مخربين، دون أن يكون الادعاء العسكري قد طلب ذلك.

وحتى في هذه الحالات، قررت محكمة الاستئناف العسكرية تخفيف حكم الإعدام واستبداله بالسجن المؤبد.

وفيما يخص عمليات التصفية التي يقوم بها جيش الدفاع ضد عناصر إرهابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن هذه العمليات ليست حكما بالإعدام، بل هي إجراء أمني وقائي يأتي من باب الدفاع عن النفس، ويستهدف أشخاصا معروفين بمسؤولياتهم عن ارتكاب جرائم إرهابية ضد مواطنين إسرائيليين، وبأنهم مستمرون في تخطيط وتنفيذ جرائم مشابهة أخرى. كما تنفذ عمليات التصفية ضد مخربين تعتبرهم إسرائيل بمثابة قنبلة زمنية، قد يسفر العمل التخريبي الذي يوشكون على تنفيذه، عن وقوع إصابات عديدة في صفوف المدنيين الإسرائيليين.

وبما أن هؤلاء الأشخاص يقيمون في مناطق السلطة الفلسطينية، فلا يمكن لإسرائيل عادة اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة على جرائمهم. كما أن السلطة الفلسطينية لا تقوم عادة باعتقال مخططي ومنفذي الأعمال الإرهابية، ولا تعمل على تدمير البنية التحتية الإرهابية في المناطق..

وفيما يخص موقف النظام القضائي الإسرائيلي من عمليات التصفية، فقد قدمت على مر السنين عدة التماسات إلى محكمة العدل العليا للبت في مدى شرعية هذه العمليات، ومدى انسجامها مع القانون الدولي. وفي أواخر عام 2006 أصدرت محكمة العدل العليا، برئاسة القاضي السابق اهارون باراك قرارا حول الموضوع. وأجاز هذا القرار للدوائر الأمنية الإسرائيلية القيام بعمليات تصفية، على أساس أنها تشكل جزءا حتميا من الحرب ضد الإرهاب.

ومع ذلك وضعت محكمة العدل العليا قيودا مشددة على تنفيذ عمليات التصفية، ليقتصر على عمليات وقائية هدفها منع أعمال ضدها مخطط لها، مع حظر أعمال استهداف انتقامية أو عقابية ردا على أعمال كان قد تم ارتكابها.

كما يجيز قرار محكمة العدل القيام بعملية استهداف ضد من تعتبره الدوائر الأمنية خطرا داهما، وشرط أن يكون ضلوعه في الإرهاب طويل الأمد ومتواصلا، وليس عرضيا . كما يحظر قرار محكمة العدل العليا المذكور، تنفيذ عملية تصفية إذا كان ممكنا اعتقال المستهدف دون تعريض حياة الجنود لخطر ملموس، أو إذا كانت عملية التصفية تصاحبها إصابة غير مناسبة لمدنيين أبرياء.


تاريخ النشر: 2009-12-15 15:24:37