ظــاهــرة ..
تحول مخرجي الدراما الجيدين إلى منتجين منفذينإنها ظاهرة غير صحية وضارة بلا شك نرى أثرها في هبوط مستوى درامانا التلفزيونية ونوعية معظم إنتاجاتها المتردية والمسيئة في مقولاتها ومضامينها إلى الفن والثقافة في سورية الرائدة، فالمخرجون الجيدون انصرفوا قبل عدة أعوام عن العمل لدى القطاع الخاص، الذي لَّمع أسماءهم واستثمرها بعد أن هجروا القطاع العام الذي أهّلهم ودربهم، وتحولوا الآن إلى العمل لدى شركات أجنبية أو عربية ذات توجهات أجنبية بصفة منتجين منفذين، رغم أنهم قالوا وما زالوا يقولون إنهم يحبون وطنهم سورية ويحملون في أعمالهم الدرامية مشاريع تطوير هذا الوطن، ومساعدة أهله على النهوض والتقدم والبناء من أجل التحرير ومستقبل الأبناء والأحفاد. إن شركة «أوربيت» كلفت المخرج السوري الجيد الأكاديمي هثيم حقي بإنتاج أعمال طويلة مثل «الحصرم الشامي» بأجزائه الثلاثة حتى الآن، فظهر أنها مسلسلات تجارية بحتة تسيء إلى تاريخ سورية المعاصر، وتسخر من قيم أهلها الوطنية والأخلاقية وأنها ملأى بالأكاذيب والافتراءات الساذجة ضد الطبقة الوسطى السورية التي اشتغلت بالسياسة والثقافة والصناعة والزراعة.
كما كلفت «أوربيت» منتجها المنفذ أو وكيلها في سورية المذكور، بإنتاج عدة أفلام ومسلسلات أخرى لا تختلف في أهدافها ومضامينها عن الحصرم الشامي المذكور، ولحسن الحظ أنها سقطت فنياً وجماهيرياً وستوالي سقوطها في عروضها القادمة، حسب ما توقعه لها نقيب الفنانين المخرج أسعد عيد في مقابلة صحفية، وقد أوعزت محطة «م.بي.سي» إلى منتجها أو وكيلها في سورية المخرج الموهوب «بسام الملا» بإنتاج وإخراج أجزاء أخرى من «باب الحارة»، على الرغم من فشل الجزء الثالث وسخف مضامينه وانحدار مستواه الفني، كما رأينا في رمضان الماضي. لكن هذا المنتج المنفذ الوكيل ما زال يؤكد أن مشروع باب الحارة بجميع أجزائه السابقة واللاحقة هو مشروعه الشخصي الخاص، شاء من شاء وأبى من أبى، وهو لا يجهل بل يتجاهل دور شركة عاج والمنتج السوري السيد «هاني العشي» في استكتاب وإنتاج نص باب الحارة الأصلي بجزئيه وتكليف المخرج الملا، الذي تجاهل أيضاً الأداء الجيد للممثلين ودورهم في جماهيرية الجزئين الأولين عربياً، ومسؤوليته في إفشال الجزء الثالث منه وكذلك ما سيليه من أجزاء كما نتوقع لها، بدليل التصريحات التي أدلى بها كاتبها في إحدى الصحف السورية اليومية وأقوال المخرج المنتج الوكيل الملّا بنفسه على شاشة برنامج «أنت ونجمك» الفضائي، ورغم ما عبر عنه بعض الفنانين المشاركين معه من حب عميق للمخرج المبدع، وشكره على إسناده إليهم هذا العام أية أدوار مازالت على قيد الحياة في الحزئين الرابع والخامس وعدم معاقبتهم بالموت أو السجن أو السفر كما فعل مع زملائهم من نجوم «باب الحارة» وعلى رأسهم الفنانون عباس النوري وسامر المصري ونزار أبو حجر.
المخرج الجيد الثالث الذي تحول إلى الإنتاج التنفيذي هو نجدة أنزور الذي خسرته الدراما السورية مخرجاً، اعتمد على الصورة بشكل أساسي وأدخل تقنيات التقطيع المباشر وانسجامه مع حركة الكاميرا وأداء الممثلين، والذي كان محظوظاً أيضاً عندما حصل في بداياته على نصوص جيدة تأكدنا الآن أنها كانت السبب الأهم في شهرته السريعة، كما كانت الحال لدى زملائه المتفوقين مثل هثيم حقي وحاتم علي وهشام شربتجي، ويبدو لنا أن هذا الحظ الجيد هو القاسم المشترك بينهم، وأحد أسباب التخلي عن مهنتهم الأصلية الإبداعية وهي الإخراج، والانتقال إلى مهنة مختلفة في جوهرها ومشروعها وهي الإنتاج والتسويق، ولا بأس طبعاً في أن يكون المنتج ملماً بالإخراج والتصوير والتمثيل والموسيقى من غير أن ينقلب المخرج الجيد، وهو عندنا قطع نادر مطلوب، إلى مجرد وكيل أو منتج منفذ للشركة الممولة ليس له الحق حتى في اختيار النصوص والممثلين وأماكن أو أجواء التصوير، إلا إذا كان هو نفسه المخرج كما في باب الحارة، أما الأعمال التي نفذ مهمة إنتاجها المخرج نجدة أنزور فقد هبطت بعد «فسحة سماوية» بالتدريج ووصلت في «منمنمات اجتماعية» إلى الحضيض.
ثمة مخرج تحول إلى الإنتاج لكنه كان وما زال مخرجاً روتينياً بالأصل هو يوسف زرق، كما أن هناك مخرجاً تلفزيونياً جيداً نسبياً تخرّج من الإذاعة وحاول الآن أن يصبح منتجاً منفذاً أسوة بزملائه، لكنه لم يوفق إلا بالحصول هذا العام على عقد دسم بإخراج الأعمال «الكوميدية» الخليجية، وهو كما يظن وكما وصفته ابنته رشا شربتجي في مقابلة تلفزيونية «ملك الكوميديا السورية»، لكنها نقدته بعدها وتفوقت عليه، حتى ناصبها العداء وقال في إحدى لقاءاته الفضائية إنه علّمها التسول فسبقته إلى الأبواب».
ثمة أيضاً قاسم مشترك آخر بين المخرجين المتحولين إلى منتجين منفذين هو إيمانهم بأن الدراما موجودة للتسلية وحدها، وأن التشويق بمشاهدتها يكمن في القسوة والعنف والدماء، وقد عبر جمعيهم تقريباً عن هذا الرأي في وسائل الإعلام والندوات في عدد من المراكز الثقافية السورية وانضم إليهم بعض كتاب السيناريو المحترفين. أما المخرج الجيد الرابع الذي تحول أيضاً إلى منتج منفذ فهو الفنان حاتم علي، إنه يعمل منذ ما ينوف عن عام لصالح شركة عربية هي مركز دبي للإنتاج الفني، وبقي بهذا من حيث الشكل مخلصاً لمشروعه العربي ومحاولة إصلاح ما أفسدته مضامين مسلسله الأخير «الملك فاروق»، لكن المسلسل الذي رأيناه من إنتاجه التنفيذي بعنوان «طوق الياسمين» كان أدنى بكثير من مستويات أعمال حاتم علي السابقة، وبدا لنا عملاً تجارياً استهلاكياً بحتاً وضعيفاً من الناحية الفنية والفكرية، وربما جاء على سياق فيلم «الليل الطويل» الذي أنتجته شركة هثيم حقي «أوربيت» واستبعدته لجنة التحكيم الدولية في مهرجان «وهران» مؤخراً من المسابقة، وكذلك الفيلم الموسيقي الغنائي «سيلينا» الذي قوبل جماهيرياً وثقافياً بعدم الرضا إلى حد الامتعاض والتحسر على أيام فيروز ومسرح الرحابنة.
ثمة أيضاً ممثلون جيدون خسرتهم الدراما السورية لأنهم تحولوا إلى تنفيذ شغل الإنتاج، ومنهم أيمن زيدان وطلحت حمدي وعبد الهادي الصباغ وجومانة مراد وفراس إبراهيم وسوزان نجم الدين، والمشكلة لدى هؤلاء الفنانين هي سوء اختيارهم أدوارهم التي كانت غالباً لا تناسبهم فيزيولوجياً، ومحاولتهم السيطرة على شغل المخرج والممثلين ومهندس الصوت والإضاءة، وذلك بموجب مهمة الإشراف الفني أو الإشراف العام التي يقال إنهم استولوا قسراً عليها بصفتهم منتجين منفذين، وممارسة صلاحياتهم الواسعة التي منحتها لهم ميزانية الشركة المنتجة الممولة وصاحبة الحق في العروض الرمضانية الأولى والحصرية، ونرى الآن عدداً آخر من الممثلين وبعضهم من الجيدين يتحولون إلى منتجين منفذين، مثل بسام كوسا ولورا أبو أسعد ونزار أبو حجر وعبد الفتاح المزين وسلوم حداد وأيمن رضا وغيرهم، يبحثون عن فضائيات ممولة لمشاريع إنتاج مسلسلات قادمة يحلمون ببطولاتها والإشراف على تنفيذها ويقسمون على طاعة الشركة الممولة طاعة عمياء.

عدنان حبال