منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    لسان الضاد /د. عبدالرحمن سليمان

    لسان الضاد
    لسان الضاد

    من منا لم يسمع أن العربية "لسان الضاد"؟ الإشارات في كتب اللغة والأدب كثيرة، وقد أورد منها أستاذنا الدكتور فاروق مواسي في مقالته (الضاد ولغة الضاد)* ما يغني فأحيل إليها، فأكتفي في هذا السياق بالأبيات التالية:

    يقول المتنبي:
    ما بقومي شُرفت بل شُرفوا بي === بنفسي فخرت لا بجدودي
    وبهم فخر كل من نطق الضاد === وعوذ الجاني وغوث الطريد

    ويقول البارودي:
    فلا حَـدٌّ يباعدُنـا === ولا دين يفرقُنا
    لسانُ الضادِ يجمعنا === بغسان وعدنان

    وكان عباس محمود العقاد يرى أن العربية أجدر أن تسمى بـ (لغة الحاء) بدلا من (لغة الضاد). وذكر مثالا لذلك كلمات تبدأ بـ /الضاد/ مثل الضرر والضيق والضير والضنك والضياع الخ. أما /الحاء/، فهي تدل، عنده، على معان أشرف مثل الحب والحسن والحرية والحياة والحق الخ.

    لا أريد مناقشة قول العقاد رحمة الله عليه، فحديثه مبني على الذوق وليس علميا، والذوق والحس لا يعتد بهما في الحديث العلمي، فضلا عن أنه يبدو أنه كان يتطير بالضاد والله أعلم .. ثم وما لي وتطير العقاد إن صحّ!

    ما أريد أن أطرحه هو أن حرف /الضاد/ ليس مخصوصا بالعربية الشمالية وحدها كما كان الأوائل والمتأخرون، فلقد كان حرف /الضاد/ موجودا في كل اللغات السامية، إلا أنها كلها أهملته بل دمجته في /الدال/ تارة وفي /الظاء/ تارة أخرى، إلا العربية الشمالية (عربيتنا الفصيحة) والعربية الجنوبية (الحميرية والحضرمية والقتبانية والسبئية) والعربية الوسطى (اللحيانية والثمودية) بالإضافة إلى الأوغاريتية والحبشية.

    إذن حرف /الضاد/ موجود في العربية بلهجاتها الكثيرة، وفي الحبشية وهي خليط من العربية واللهجات الإفريقية بعد هجرة قدامى اليمينيين إلى إفريقيا. أما الأوغاريتية فورود /الضاد/ فيها ملفت للنظر، ذلك أن الأوغاريتية هي لغة سامية كانت تستعمل في غربي سورية ابتداء من مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد، واحتفاظها بحرف /الضاد/، بعكس كل اللغات السامية الشمالية، دليل على أن الأوغاريتيين لم يكونوا من الكنعانيين، بل كانوا عربا هاجروا إلى الشمال وقهروا الكنعانيين وأسسوا الدولة الأغاريتية في رأس شمرا غربي سورية. ومما يعضد هذا الرأي، الذي ذهب إليه أكثر من باحث في تاريخ الأوغاريتيين، أن للأوغاريتية أبجديتين: واحدة تحتوي على اثنين وعشرين صوتاً لكتابات العامة، وأخرى فيها ثمانية وعشرون صوتاً لكتابات الخاصة، فضلا عن شبه لغتهم المثير للانتباه بالعربية. وهذا، بالضبط، ما جعل بعض الباحثين يعتقدون بأن ملوك الأوغاريتيين كانوا عرباً غزوا غربي سورية وأنشؤوا فيها مملكتهم، فاستعملوا الأبجدية ذات الثمانية والعشرين حرفا لكتاباتهم هم، وتركوا عامة الكنعانيين، الذين كان الأوغاريتيون يحكمونهم، يكتبون بأبجدية تحتوي على اثنين وعشرين حرفا تماما مثل الأبجدية الفينيقية والآرامية والعبرية .. لذلك نرى حرف الضاد قد اختفى من الفينيقية والآرامية والعبرية وسائر اللغات الكنعانية، تماما مثلما اختفت حروف /الظاء/ و/الخاء/ و/الثاء/ و/الذال/ و/الغين/ من الفينيقية والآرامية والعبرية من جهة، ومن أكثر اللهجات العربية المحكية اليوم من جهة أخرى ..

    وأما في العبرية، فقد اندمج حرف /الضاد/ هو و/الظاء/ في حرف /الصاد/ كما يبدو من هذا المثال (قارن: צבי: /صبي/ < ظبي وצחק: /صحق/ < ضحك). وأصوات العربية هي الأصل في الدراسات السامية. وهنالك إجماع بشأن ذلك بين المشتغلين باللغات السامية، عمره أكثر من قرن، لا يزال منعقداً حتى اليوم، مفاده أن الأصوات السامية الأصلية هي تسعة وعشرون صوتاً، ورد جميعها في الحميرية فقط. أما عربيتنا الشمالية فتحتوي على ثمانية وعشرين حرفاً منها. والحرف التاسع والعشرون الموجود في العربية الجنوبية (الحميرية) وغير الموجود في العربية الشمالية، هو حرف بمنزلة بين منزلة الـ /سين/ ومنزلة الـ /شين/ في النطق، ولا يعرف أحد كيف كان يلفظ في الماضي، ذلك لأن الحميرية لغة مندثرة (ويقابله في العبرية حرف الـ: /ساميك/ ס، الذي كان يلفظ بطريقة مختلفة عن الـ /سين/: שׂ، إلا أنهما أصبحا صوتاً واحداً في العبرية لاندثار العبرية قروناً طويلة قبل إحياء اليهود لها، مما يجعل معرفة نطقه الأصلي، هو الآخر، أمرا مستحيلا).

    ولعل السبب الرئيسي لهذا الإجماع هو القوانين الصوتية المضطردة التي تحكمه. إن حرف /الثاء/ السامي الأصلي على سبيل المثال، يبقى في العربية /ثاء/ ويصبح في العبرية (شِين) وفي السريانية (تاء). مثال: السامية الأم: (ثُوم)، العربية (ثُوم)، العبرية (שום: /شُوم/) والسريانية (ܬܘܡܐ: /تُوما/ ـ والألف آخر الكلمة السريانية هي أداة التعريف في السريانية). وهذا قانون صوتي مضطرد لا شواذ له.

    إذن الأصوات السامية تسعة وعشرون صوتاً صامتاً احتفظت الحميرية بها كلها والعربية الشمالية بثمانية وعشرين منها. أما العبرية والسريانية والآرامية والبابلية وغيرها من اللغات السامية فدمجت بعض الحروف ذات المخارج المتقاربة في بعضها لتصبح صوتاً واحداً في النطق وحرفين اثنين في الكتابة (مثل الساميك: ס والسين שׂ في العبرية على سبيل المثال). ومن أمثلة ذلك في العبرية:

    اندماج الضاد بالصاد والظاء، وقد تقدم ذكره.

    اندماج الحاء بالخاء:


    مثلا: חתם: /حتم/ (= العربية: ختم)؛ חתף: /حتف/ (= العربية خطف)؛ חםץ: /حمص/ (= العربية حمض)؛ חנט: /حنط/ (= العربية حنط) ومثله كثير.

    اندماج العين بالغين:

    مثلاً: עצם: /عصم/ ويجانسه تأثيلياً: /غمض/ وأصل هذه الـ /عين/ العبرية هو الـ /غين/. والدليل على أن اليهود كانوا يلفظون هذه الـ /عين/ /غيناً/ عندما كان لغتهم حية هو أيضا رسمُ اليونان لأسماء مدن فلسطينية مثل غمورا (עמרה) وغزة (עזה) بـ /الغين/ وليس بـ /العين/ كما يفعل اليهود اليوم، ومثله كثير. ومما زاد في البلبة اليوم بلبلةً هو عجز اليهود الغربيين (الأشكناز) عن نطق الـ /عين/ السامية فجعلوا منها /همزة/ قطع فصار حرف الـ /عين/ في العبرية يدل على ثلاثة أصوات سامية هي الـ /عين/ والـ /غين/ والـ /ألف/ (همزة القطع). ومثله في البلبلة المحدثة: خلط الـ /حاء/ بالـ /خاء/ بالـ /كاف/ المخففة اللفظ التي تكون آخر الكلمة (مثل: מלך = /مِلِخ/ بدلاً من /مِلِك/ "مَلِك")؛ وصاروا يلفظون חמור هكذا: /خَمور/ (بالـ /خاء/ مثلما لفظوا /كاف/ מלך = /مِلِخ/ خاء وذلك بدلا من /حَمور/ (= حِمار)؛ ومثله: עם: /عِم/ (= مَعَ) التي يلفظونها /إِم/، وناهيك بذلك خلطا وفقرا في الأصوات!

    الخلاصة:

    إن حرف الضاد حرف أصيل في السامية الأم (والسامية الأم: هي العربية عندي)، احتفظت العربية الشمالية والحميرية والأوغاريتية والحبشية به، بينما اندمج في سائر اللغات السامية مع /الصاد/. وربما كانت تسمية العرب العربية بـ (لسان الضاد) صدى للأزمان البعيدة، وهو ما أميل إليه .. فالتسمية صحيحة إذا نظرنا إليها من هذا المنظور (العربية أم الساميات هي لسان الضاد لا تزال تحتفظ به حتى اليوم)، وغير صحيحة إذا حصرناها إطلاقا بعربية الشمال، أي عربيتنا الحالية، دون أخذ السياق التاريخي والتأثيلي، وأصولية العربية وأمومتها للغات السامية، بعين الاعتبار.
    ــــــــــــ

    * انظر على سبيل المثال:
    http://www.diwanalarab.com/spip.php?article10629

    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  2. #2
    بمعنى لم نقرأ بعد كلمة ضاد قراءة علمية دقيقة .
    إذا كان الأمر صحيح ؟
    فالمسألة مثيرة للغرابة . مطموسي البصيرة .
    و تبدو لي قراءة كلمة أو حرف الضاد مسألة ممكنة وواردة .

المواضيع المتشابهه

  1. بين الضاد والظاء
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-11-2017, 06:27 PM
  2. لسان الضاد: مشكلات وثقة بالله
    بواسطة فيصل الملوحي في المنتدى فرسان اللغة العربية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05-18-2017, 07:27 AM
  3. كيف نفرّق بين الضاد والظاء ... ؟
    بواسطة سامي العبيدي في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-21-2010, 05:55 PM
  4. حصن سليمان.. حجارة ضخمة لا يحملها إلا جنّ النبي سليمان!!
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان السياحة.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-06-2009, 03:30 AM
  5. الضاد و لغة الضـــاد
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان التصويب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-24-2007, 07:27 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •