محاولات الغرب والصهاينة تغييب البُعد الإسلامي (43)
مصطفى إنشاصي
البعد الإسلامي الأصيل في الصراع كانت ضرورة تغييبه أمراً مشتركاً داخلياً وخارجياً، لذلك سعت جميع الأطراف الرسمية داخل الوطن وخارجه لإضعاف دوره في المواجهة وتغييبه عن ساحة العمل السياسي والمقاوم. وقد كان أعداءنا مطمئنين جداً إلى سلامة سير اتجاه الصراع لصالحهم، طوال العقود السابقة على بداية عودة الإسلام السياسي والمقاوم لأخذ دوره المفترض له في هذا الصراع. وذلك ما فاخرت به صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية ودعت في مقال نشرته بتارخ 11/3/1978، وسائل الإعلام اليهودية إلى عدم غفلتها عن هذا الخطر، وسعيها لتغييبه دائماً، جاء فيه:
"إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من إستراتيجية (إسرائيل) في حربها مع العرب، هذه الحقيقة: هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا تلك في استمرار منع استيقاظ الروح الدينية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف لإخماد أي بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".هذا الاهتمام والتضامن الإسلامي بهذا الكم والكيفية لا يحدث إلا مع فلسطين والقدس والأقصى لما لهما من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين وما يستشعرونه من واجب ديني عليهم للدفاع عنها، وهو نفسه الذي يخيف ويرعب أعداءنا ويدفعهم للتحرك لممارسة الضغوط على المعنيين من أجل عدم اتخاذ قرارات أو توصيات تؤثر على خططهم، وفي حال الرفض العمل على إفشاله وعدم عقده أو العمل على إجهاض أي نتائج له، وكذلك محاولة تشويه مثل هذه المؤتمرات والجهود وذلك ما حدث فعلاً مع هذا التحرك الإسلامي الكبير سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي. فقد أشاع الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية آنذاك أن المؤتمر سوف يبحث في مسألة الخلافة واختيار خليفة جديد، وقد كتب الحاج أمين الحسيني حول ذلك في رسالة إلى شوكت علي في لندن جاء فيها حول اتهام المفتي والثعالبي وشوكت علي بأن غايتهم: "أن يؤتَ بالخليفة عبد المجيد وينصب خليفة على المسلمين في القدس الشريف. وقد قصدوا من نشر هذه الأراجيف أن يضطرب الرأي العام الإسلامي في جميع الأقطار".وأشاعت الصهيونية أيضاً أن المؤتمر سوف يطالب بمخصصات الحرمين، وإنشاء جامعة إسلامية في القدس، ولما وصلت هذه الشائعات إلى القاهرة ثار طلاب الأزهر الشريف ومشوا في مظاهرة عدائية ضد المؤتمر، وكان اعتقادهم بأن إنشاء جامعة في القدس سوف يشكل خطراً كبيراً على الأزهر، والواقع أن ثورة طلاب الأزهر نفسها كانت سياسية ولم تكن دينية، فقد غضب الملك أحمد فؤاد لدى سماعه بموضوع الخلافة وهو الذي كان يُعد نفسه ليصبح خليفة المسلمين، فأثار بواسطة رئيس وزراءه إسماعيل صدقي حملة واسعة ضد المؤتمر في الصحافة الأزهرية.
مما اضطر الحاج أمين الحسيني السفر فجأة إلى القاهرة، وقد بذل جهدا في إقناع رئيس الوزراء بأن الأبحاث في المؤتمر ستكون بعيدة كل البعد عن أن تمس الشؤون المصرية البحتة من سياسية وقومية، أو أن تتعرض للأزهر الشريف، كما أوضح أن الجامعة في القدس يقصد منها خدمة مسلمي فلسطين، ثم نفى الإشاعات حول البحث في الخلافة. أما الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر فقد وافق في النهاية بعد شرط مكتوب بعدم بحث موضوع الخلافة في المؤتمر.أما في الداخل، فقد حرك الاحتلال البريطاني خصوم الحاج أمين الحسيني لمقاومته، فأشاع هؤلاء بأن الحكومة البريطانية أخذت عهداً على إلحاح أمين ألا يبحث في المؤتمر السياسة البريطانية وألا يجري التعرض لصك (الانتداب)، واتخذوا من جريدتي "مرآة الشرق" و"الصراط المستقيم" ميداناً لهم، ثم قاموا بعقد مؤتمر معاكس في فندق الملك داود أثناء انعقاد المؤتمر الإسلامي العام وأسموه "مؤتمر الأمة الإسلامية الفلسطينية"، وكان على رأس هذا المؤتمر كبار المعارضين من راغب النشاشيبي وفخري النشاشيبي وعمر الصالح البرغوثي والشيخ أسعد الشقيري، وأما أبرز مقرراتهم فقد كانت مقاومة المجلس الإسلامي الأعلى ومقاومة رئيسه وباعتراف الشباب الوطنيين الذين لم يكونوا منتمين إلى أي من الفئتين السياسيتين، أن انعقاد المؤتمر المشاغب أثناء انعقاد المؤتمر العام كان فضيحة أثارت نفور الشعب واشمئزازه.ذلك الذي حدث في وقت مبكر من نشأة القضية المركزية لم ينفك يلازمها حتى اليوم، ويمكن لأي باحث أن يرصد عشرات الأحداث من هذا النوع حدثت في مراحل عصيبة من المراحل التي مرت بها قضية الأمة، وكلها تهدف لامتصاص التفاعل والتضامن الجماهيري والشعبي من المحيط إلى المحيط الذي لو كان هناك معارضة حقيقية في وطننا وأحسنت استغلاله واستثماره لأطاحت بكثير من العروش وما انتظرت أمريكا أن تقوم لصالحها بذلك، ولأوقفت مهزلة الهرولة العربية والإسلامية للتطبيع مع كيان العدو الصهيوني والتآمر على مقاومة وتضحيات الجماهير الفلسطينية. كما قامت الأنظمة بتجفيف منابع الدعم المالي الشعبي لصمود ومقاومة الجماهير الفلسطينية بحجة توحيد قنوات توصيل هذا الدعم وحصرها في الاتجاه الرسمي!وذلك ما يحاك في الخفاء والعلن لإجهاض الثورة المشتعلة في فلسطين، في كل فلسطين، فلتحذر الفصائل المقاومة ذلك ...القدس كلمة السر لوحدة المسلمين!
نصح الباحث الأمريكي (توماس ريكس) من جامعة (فيلانوفا)، مخاطباً الفلسطينيين بقوله:"هل تعرفون ما هي قوتكم كشعب؟ إنها القدس، لقد كنت في منطقة نائية في أقصى جنوب أفغانستان، والتقيت نساءً وشباباً في مقتبل العمر، وكذلك شيوخاً أوشكوا على الموت، ما كان يأتي ذكر اسم هذه المدينة المقدسة على لساني إلا وانهمرت دموعهم"!