جدارية محمود درويش
--------------------------------------------------------------------------------
"لقد استبد بي هاجس النهاية منذ أدركت أن الموت النهائي هو موت اللغة إذ خُيِّل إليَّ بفعل التخدير أنني أعرف الكلمات، وأعجز عن النطق بها فكتبت على ورق الطبيب.. لقد فقدت اللغة أي لم يبقَ مني شيء."محمود درويش
هذه بعض المقتطفات من جدارية محمود درويش تلقيتها عبر بريدي الالكتروني واحببت مشاركتكم اياها
هذا هُوَ اسمُكَ /
قالتِ امرأةٌ ،
وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ…
أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي .
ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ
طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني
كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ
أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً…
وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في
الفَلَك الأَخيرِ
.
.
.
.
سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها
إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ …
كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من
تَفَتُّح عُشْبَةٍ ،
لا القُوَّةُ انتصرتْ
ولا العَدْلُ الشريدُ
سأَصير يوماً ما أُريدُ
سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي
وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ
اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من
الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ
عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ
رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني
وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ
الطريدُ .
.
.
.
.
لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى
لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ
كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ
.
.
.
.
...
تقولُ مُمَرِّضتي :
كُنْتَ تهذي طويلا ً ، وتسألني :
هل الموتُ ما تفعلين بي الآنَ
أَم هُوَ مَوْتُ اللُغَةْ ؟
خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةٌ …
على مَهَلٍ أُدوِّنُها ، على مَهَلٍ ، على
وزن النوارس في كتاب الماءِ . أَكتُبُها
وأُورِثُها لمنْ يتساءلون : لمنْ نُغَنِّي
حين تنتشرُ المُلُوحَةُ في الندى ؟ …
خضراءُ ، أكتُبُها على نَثْرِ السنابل في
كتاب الحقلِ ، قَوَّسَها امتلاءٌ شاحبٌ
فيها وفيَّ . وكُلَّما صادَقْتُ أَو
آخَيْتُ سُنْبُلةً تَعَلَّمْتُ البقاءَ من
الفَنَاء وضدَّه : (( أَنا حَبَّةُ القمح
التي ماتت لكي تَخْضَرَّ ثانيةً . وفي
موتي حياةٌ ما … ))
.
.
.
.
.......
واسمي ، إن أخطأتُ لَفْظَ اسمي
بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي :
ميمُ / المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى
حاءُ / الحديقةُ والحبيبةُ ، حيرتانِ وحسرتان
ميمُ / المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته
الموعود منفيّاً ، مريضَ المُشْتَهَى
واو / الوداعُ ، الوردةُ الوسطى ،
ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ ، وَوَعْدُ الوالدين
دال / الدليلُ ، الدربُ ، دمعةُ
دارةٍ دَرَسَتْ ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني /
وهذا الاسمُ لي …
ولأصدقائي ، أينما كانوا ، ولي
جَسَدي المُؤَقَّتُ ، حاضراً أم غائباً …
مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن …
لي مِتْرٌ و75 سنتمتراً …
والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ ،
يشربني على مَهَلٍ ، ولي
ما كان لي : أَمسي ، وما سيكون لي
غَدِيَ البعيدُ ، وعودة الروح الشريد
كأنَّ شيئا ً لم يَكُنْ
وكأنَّ شيئاً لم يكن
جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ …
والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ
ومن أَبطالِهِ …
يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ …
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
واسمي -
وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت -
لي .
أَما أَنا - وقد امتلأتُ
بكُلِّ أَسباب الرحيل -
فلستُ لي .
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي …
( نقلاً عن جسد المختارات )
انتهت
عن
منتدى البيارق