الْبِشَارَةُ
... فها أنتم ترون الذي ألمَّ بنا في هذه الأيام من ضيق شديد بسبب أذيته البالغة لنا جميعاً بدون استثناء، ولا أحسبكم إلا مجمعين معي على أنه لم يصبنا خطأ ولا رمانا بجهالة، بل تعمد شنَّ منتهى العدوان علينا، وقصد عمداً إلى سحقنا، ورغب أشد الرغبة في إلحاق الضرر بنا، ولن يكون بعد الذي تبين لكم ولي من زبدة أمره وخلاصة غيه وجبروته إلاَّ الجاني الوحيد والآثم الأوحد، والمسؤول الأخير والأول عمَّا نحن فيه من كرب عظيم ...
تبادلوا في ما بينهم الإقرار جهراً بكل كلمة نطق بها صاحبهم، إلا أنهم اختلفوا في شأن الدعاء بالشر على المقصود بها، وطلب الخلاص العاجل منه، أو الدعاء له بالخير، وطلب الهداية السريعة له، فتعالت أصوات صاخبة باللعنة عليه وبالويل له والثبور، ودعا آخرون له بصوت خفيض طمعاً في عودته الوشيكة إلى رشده، والشفاء الحثيث من طغيانه وفساده ...
بلغه سائر ما دار من حديث بينهم في شأنه، فتلقى استنكار المستنكرين بسخرية جامحة واستهزاء فاضح، واستقبل دعاء من التمسوا الهداية له والاستقامة بالتجاهل واللامبالاة وباحتقار لا مزيد عليه ...
لم تمض سوى أيام معدودة بعد ذلك، حتى جاءهم البشير بخبر مصرعه الشنيع، فابتهج بالخبر من انتظر سماعه طويلاً، وهم الذين ظلوا يرجون الخلاص منه ومن أمثاله صباح مساء، وبكى حسرة عليه من كره له سوء الخاتمة والمنقلب، وهم الذين كانوا يسألون له الهداية، ولم يرضوا له الوفاة قبل التوبة النصوح ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com