دراسة نقدية موجزة في قصيدة (لا شرقية ولا غربية) للشاعرة كرامة شعبان
قبل أن نبدأ بدراسة قصيدة الشاعرة كرامة شعبان كان لزاما علينا أن نصافح العنوان فقد جاء معبرا عن الفكرة الرئيسية وإن جاء مباشراً ، فقد جاء مقتبساً من الآية 35 من سورة النور وهو توظيف تميز بقوة السبك واللحمة فتميز العنوان ( لا شرقية ولا غربية ) بالإيجاز والإسهاب معاً ، فجاء مؤثراًفي النفس وجاذباً للقراءة .
وقد استخدمت الكاتبة ضمير المتكلم ( أنا ) لتعكسلنا حالة نفسية مضطربة ، فهي تبوح لنا بسرها وتكشف لنا آلامه وهمومه ، فتقول:
قد أطلقت سبعيـن طيـــرا زاجـــلا
كتب النوى فــي ريشهـــا كلماتــي
هذي مواعيـــد اللقـــاء وغيمــــــة
فـــي عينهــا رهن الدجى دمعاتــي
هذي شهادة مولــدي قـــد أشعلــت
كـانون عمـــر عاثــــر الخطـــوات
فاستخدام الكاتبة لضمير المتكلم هنا جعلنا نتشوق لمعرفة ما ستؤول إليه الحالة ، ومن هنا بدأ تسلسل الأحداث فالقصيدة تحوي هدفاً معيناً، وهو عشق اثنتين الضفة الغربية والضفة الشرقية وأدَّى التضمين غايته فالشمس لا تصيب الاثنتين لا أول النهار ولا آخره مما يجعل نورهما براقا طيبا ........
فأرى انعكاسي وانعكاس سريرتي
وأظل أعشـق فــي اثنتيـن حياتـــي
فالشاعرة هنا وإن كشفت لنا أسرارها من خلال استخدامها لضمير المتكلم ، إلا أننا نلمح ضمير الغائب ولو بالإيحاء ، كما نلمح روحاً حركية تحركها الحروف وتجعل القارئ ينشد لقراءتها ويعيش أجواءها وهذا حقق أسلوب التشويق وجذب الانتباه.
إن الوصف الدقيق الموجز للحالة وتحويل هذه الحالة عبر مرآة الكلمات والحروف المتجانسة جعلنا نشاهد الموقف بأم أعيننا ، فلنتوقف قليلاً عند هذاالمشهد المؤثر:
زيتونـــة فــي كف جـــدي أثمــرت
فاسـّاقطت فــي كفــّــه سنواتــــــي
هــا كف جدي والتجاعيــد استوت
طرقا لكـي تهدي النـــدى لرفاتـــي
وهنا فقد نجحت الكاتبة في استخدام الألفاظ المعبرة والموحية عن الحالة او النفسية المضطربة (فاسَّاقطت) (سنواتي) (التجاعيد) ، ( رفاتي ) ...
فدقة التصوير والابتعاد عن الألفاظ المتراتبة بعلاقات جديدة بين الألفاظ والمعاني المتكررة بما يوحي بنضج ٍ ووعيٍ عميقين .
لقد كان حضور الكاتبة قوياً ممزوجاً بدقة الملاحظة وقوة الخيال المبتكر إضافة إلى سلاسة الأسلوب والغوص في المعاني وفي صميم أعماق النفس البشرية ، وعدم الوقوف على السطح ، مما أعطى النص مجالاً واضحاً في الشكل والمضمون .
كما أن الشاعرة حشدت أكبر قدر من الأخيلة والصور المعبرة وتشكيل الحروف والكلمات كعجينة في يدها تشكلها كما تشاء ساعد على ذلك حرف التاء " الروي " الذي يوحي بأكثر من مدلول ومغزى......
أما الجملة لدى الشاعرة فقد تراوحت بين الاسمية والفعلية بشكل متساوٍ تقريباً وحسب الحالة المطروحة مما أعطى الأسلوب متانة تشيع في أجواء النص كافة ، وكان عدم لجوء الشاعرة للجمل المعترضة أن زاد أسلوبها قوةً ونقاءً.
إنَّ مصدر الفكرة هنا هو التجربة ، وتجربة الشاعرة هنا تهمها هي أكثر من غيرها.
لقدأعجبتنا الفكرة وجذبتنا العواطف الجياشة ، وبراعة الخيال ، ولعل أجمل ما في القصيدة الموسيقى الجميلة المتنوعة ، وأحسب الأسلوب لا يقل قوة وجمالاً ووضوحاً عن موسيقاه فقد صاغت لنا الكاتبة قضيتها بأسلوب واضح سلس يصل إلى قلوب القراء دون استئذان .