حريق المجمع العلمي في مصر...بقلم آرا سوفاليان
البرابرة... أعداء الحضارة واعداء الانسانية فهم يحرقون كل ما يعرفونه وما لا يعرفونه بقصد الارهاب وايقاع أفدح الخسائر في الطرف الآخر الذي لا يمكن اطلاق صفة العدو عليه بل المعتدى عليه...لا بد ان تخلص الانسانية من الحروب والتدمير والقتل إن هي نجحت في بناء المدينة الفاضلة، أو بالاحرى اتحاد المدن الفاضلة التي يحكمها المجلس الأعلى للمدن الفاضلة، بقيادة الحكماء.
وبعد ارساء قواعد العدل في الأرض سيتجه الانسان لإكتشاف الفضاء... لإكتشافه وليس لغزوه لأن الغزو كلمة ممجوجة وعليها ما عليها.
في كل مرة يتعرض الرعاع لإرث انساني تحدث كارثة، ويقدر العلماء ان احراق مكتبة بغداد من قبل هولاكو جد الأتراك الحاليين وتدميرها ورمي ما بقي منها في دجلة والفرات، أدى الى تأخر البشرية ألف عام، ولنفترض ان البشرية لم تتأخر ألف عام فترى ما هي المتحصلات؟
المتحصلات أو المكاسب كثيرة جداً ومن ضمنها الأشياء الآتية:
منذ ثلاثمائة سنة كان الفرنسيون يحاربون الكوليرا بالمدافع فيطلقون النار في الهواء معتقدين بأنهم يحرقون الهواء لضرورات التعقيم، وكانو يحرقون المرضى بالكلس وهم أحياء، والمفجع ان عربات تقل المرضى برفقة رجال دين وراهبات وحوذية أصحاء، والكل يعرف انه لا عودة من المكان الذي يقصدونه...وهذا قمة التحضر والفداء...خاصة وان رجال الدين والراهبات هم مجرد متطوعين سيصابوا بالمرض نتيجة الاحتكاك بالمرضى ومع ذلك يرافقون العربات وبأيديهم مسابح وردية والكتب المقدسة في رحلات اللا عودة.
واليوم وبعد 300 سنة فإن رأس مال الكوليرا هو كيس سيروم وابرة انتيبيوتيك...ولكم ان تتصورا حجم الكارثة التي نتجت عن احراق مكتبة بغداد من قبل أجداد الأتراك الحاليين وتأخير البشرية ألف سنة وليس 300 سنة.
لم يكن في نهايات العصر العباسي مايكروفيلم ولا كاميرات ديجيتال ولا ماسحات ضوئية، بل عدة الطرب المؤلفة من الراقصات والعود والقانون والدف والمزاهر والصنوج والخشاخيش والفقاقيش ونراجيل الحشيش، وقد تم تأليف جيش مسلح بهذه العدة خرج لمقابلة هولاكو بهز الخصور وهز الطبنجات فقابلهم هولاكو وقضى وطره وكل جنوده معه قضى وطره منهم، قضى وطره من هذا الجيش وعدته وعتاده وكان ذلك يوم وهذا يوم.
لو ان حادث احراق مكتبة بغداد لم يحدث لكان الانسان قد عرف النهضة الصناعية والعلمية قبل القرن التاسع عشر بكثير، ولكان السرطان اليوم من الامراض المضحكة، وكانت الشيفرا الوراثية وسلالم الدي إن أي والاستنساخ وتعديل المورثات وتبديل الشيفرة الوراثية وفلترتها وتصحيحها قد تم انجازه ليلتفت الانسان الى أشياء أخرى، وكان المكسب الانساني الحتمي هو التخلص من كل الأمراض والعيوب والصفات الوراثية العوراء.
لو أن ان تقنية المايكرو فيلم وتصوير الديجيتال كانت موجودة في آواخر العصر العباسي لكان احراق كل بغداد لن يؤدي الى شيء...واليوم وبعد احراق المجمع العلمي في مصر فهل يا ترى تكرر ما حدث لمكتبة بغداد بسواعد أبناء ابا جهل ام لا...بمعنى هل تم انقاذ هذا الارث الرائع الذي يعود الى بدايات نشوء الانسانية في مصر مروراً بكل العهود والفتوحات والغزاة ونابوليون منهم، أم أن أصحاب الشأن كانوا منشغلين في أمور أخرى أهمْ.
بمعنى آخر هل تم حفظ صور لهذه الكتب أم ان هذه الكنوز صارت في مهب الريح.
في حكومات الدول المهلهلة نجد ان كونديشن واحد في مكتب وزير أو خاتم ماسي بيد زوجته يساوي من حيث القيمة التاريخية، كل كتب المجمع العلمي في مصر ومعها كل كتب مكتبة بغداد ومن ألّفها...وبالتالي فإن الرشوة تجعل المرتشي يبدل الخيارات في سلم الأولويات، فالخاتم الماسي يحدد درجة اولية لشيء آخر لا أولوية له ويتم اهمال كل مشاريع التوثيق والميكرو فيلم والمسح ليتم المسح...الكنوز القومية هي ملك الأمة وليست ملك الحكومات ولا الأفراد...والجهل ملكية خاصة بإمتياز تؤيده الحكومات المهلهلة فيؤدي بالمجتمع وأرثه الى نتائج كارثية...وبالتالي وبانتظار الاجابة الشافية التي تنفي ضياع هذه الكنوز القومية في مصر لأن لها قاعدة تصوير وحفظ بالمايكرو فيلم، أتمنى أن تكون هذه الكارثة القومية آخر الكوارث، وتصبحون على مكتبة.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 08 11 2012
arasouvalian@gmail.com