الإسلام و بناء الإنسان العربى
العمل على إعادة المعنى الإيجابى والبنائى للإسلام
الإسلام دين عظيم ، ولكننا أهملناه كثيرأ ، وتركنا معناه واكتفينا بالأقوال والمواعظ والشكليات منه ، وهذه دعوة لنعمل معاّ لإعادة المعنى له ، كما كان أيام الرسول و خلافته الراشدة.
الدين الإسلامى الحقيقى يتعامل مع الإنسان كمنظومة متكاملة من نفس وروح وجسد وفكر وقلب. ولكن فى عصرنا الحالى، عصر التهافت على الإنتاج الإستهلاكى والبضائع والسوق ، تغير مفهوم الدين ، وتحول الى كلمات وعبارات تتعامل مع الإنسان ليس كمنظومة متكاملة بل كأجزاء منفصلة ليس لها علاقة بعضها ببعض. الدين فى حياة الشعوب العربية مهم للغاية، ولكن الكثير من المفاهيم الدينية والسلوكيات تحتاج إلى مراجعات كثيرة ، من أجل البناء الصحى المتوازن.
الأهداف الأساسية للدين الإسلامى هى التوحيد وما يتبعه وتزكية النفس (النماء الإنسانى للفرد والجماعة) وعمارة الارض. و لقد حدث خلل شديد فى التعليم الدينى وفى الخطاب الدينى وفى السلوك بحيث فقد الدين معناه وأهدافه، وتركز على شكليات وعبارات تقال وتكرر. أصبح توحيد الله قولا فقط بلا إنعكاس حقيقى على حياة الغالبية التى تقوله، وأهمل تطبيق الدين الكثير من مضامينه التى ترقى بالإنسان. لقد أصبح من الصعوبة بمكان ان نرى إنعكاسات الإيمان والتدبر و التفكر وارتباطهم بالعمل على عمارة الارض(للهندسة والعلوم دور كبير فى عمارة الأرض) ، وتنمية النفس البشرية وحل مشاكل الخلق.
لقد أعطانا القرأن صوراّ من أنواع النفوس: النفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس الراضية المرضية. والسؤال هو: هل السلوك الدينى السائد الأن تخطى بالناس مرحلة النفس الأمارة بالسوء الى حالة النفس اللوامة التى تحاسب نفسها؟ لذلك فمن أهم مشاريع بناء الإنسان هى المشاريع التى تعيد الدين إلى وضعه الإيجابى و الطبيعى…إلى معناه الحقيقى...إلى وظيفته كعنصر قوة فى الحياة وطاقة فى العمل والإنتاج المفيد ، وتبعده عن الشكليات، وتذكرنا بمعناه الأصيل الذى تاه فى زحمة الأحداث والتسويق ، وتشوه تحت ضخ الإعلانات التجارية وإنتشار الفن الهابط، وتسطح تحت تأثيرالثقافة المتردية وتقليد الغرب. وأهتم كثيرا من العرب بالتركيز على إتهام وسب الأشخاص ، كعلاج لحالتنا ، مع عدم الإلتزام بمنهج الرسول فى التعامل مع الأخر. وفى الوضع الراهن الذى ضعف فيه تأثير العربى و المسلم على ما يحدث حوله فى وطنه وفى العالم ، وإنبهاره بالغرب وتقليده مع سبه فى نفس الوقت ، إستسلم العديد من العرب و المسلمين الى ردود الفعل الكلامية والخطابية ، دون العمل على تحقيق المعنى الإيجابى للدين.
الدين طاقة إيجابية خلاقة وليس هو التجهم أو الإنعزال أوالتمسك بالعبارات وتكرارها فى كل مناسبه دون ربط الإيمان بالعمل. لقد نسى المتكلمون بإسم الدين دورهم فى تنمية النفس البشرية، ودورهم فى إنتاج العلم بدلاّ من الكلام عنه. نسمع عن العلم و الإعجاز العلمى كثيراّ فى العالم العربى ، مقالات واقوال وكتابات ومحاضرات وخطب ، ولكننا لانراه فى حياتنا ولا فى مدارسنا وجامعاتنا ولا فى معاهد الأبحاث، ولا فى مؤسساتنا التشريعيه والتنفيذية، العلم عندنا للإستهلاك المحلى كلاما، ولكننا فى الواقع نستورده ولا ننتجه.
ولقد أهمل كثير من الناس معانى الاخوة والكفالة والحب فى الله، و تمسك أخرون ببعض الأحكام الفقهية دون فهم مهمة الأحكام الفقهية لحل مشاكل الناس لها ، وليس تعقيدها ، وتحولت العديد من مفاهيم الدين الإيجابية والعملية الى مناظرات كلامية وجدال عقيم بلا عمل ولا علم مفيد. وتحول الدفاع عن الإسلام إلى كلام فى كلام ، وسب وإتهامات وجدل لا يسمن ولا يغنى من جوع. واصبحت التربية الدينية لا تربى، وتغير مفهوم التربية الى محاضرات فى التربية تلقى وليس الى سلوك يتبع ، لقد تاه معنى التربية الدينية ايضا.
لذلك لابد من وجود مشروعات للبناء تعيد المعنى إلى الدين وإلى التربية الدينية كسلوك وليس اشكال ومقالات وخطب ووعظ. وبناء الإنسان العربى لا يتم دون ان نعيد المعنى الى الفقه كأداة للفهم، وإعادة المعنى للعلم كأداة لحل المشاكل ، فليس العلم هوالكلام والخطب والمقالات عن العلم ، وصدق رسول الله (صلى الله عيله وسلم) الذى قال:
اللهم إنى أعوذ بك من هؤلاء الأربع
قلب لا يخشع
وعين لا تدمع
و دعاء لا يرفع (او دعوة لا يستجاب له)
و علم لا ينفع.
وبناء على ذلك أعتقد ان بناء الإنسان يعتمدعلى بعدين:
00- بعد إسلامى للإرشاد والتوجيه والهداية إلى ما يرضى الله ورسوله ( تطبيق مفهوم التوحيد على الحياة)
00- بعد علمى لفهم أعمق لمكونات الإنسان ( عقل وقلب و ساعد أو جسد أو عضلات) ، بهدف البناء والتزكية والتنمية البشرية , وعمارة الأرض( تحقيق مفهوم الإستخلاف على الأرض.
وتحياتى العطرة
وللحديث بقية
عبد الحميد