منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7

العرض المتطور

  1. #1

    غير لائق اجتماعيا

    غير لائق اجتماعيا
    ابتعدت الشمس قليلا عن المكان وانسحب ضوئها حتى بلغ إطار النافذة ، لسعة برد لذيذة تسللت في الجو واعدة بمقدم المساء . كانت هي هناك بعيدة عن الشمس ، لكنها لم تكن تحتاج إلى دفئها ؛ فقد كانت تشعر بالدفء بل بالحرارة الشديدة تسري في روحها . نجحت حملتها على صفحات المجلة ، وها هي ذا رسائل القارئات أمامها تتفحصها بسعادة غامرة ؛ يخبرن أنها تعبر عنهن تماما ؛ عن أوضاعهن ومشاعرهن . لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تنجح في إحدى تحقيقاتها أو مقالاتها ؛ فمنذ انشغلت بقضايا المرأة ، وهي تلقى هذا النجاح ، لديها قلم شائق جذاب يختلف تماما عن اللاتي يكتبن في مثل هذه المواضيع ؛ لدرجة أنها أحيانا كانت تتلقى رسائل تأييد من رجال في قضايا نسائية خالصة ، لكنها لم تشعر بالسأم قط من هذا النجاح؛ كل واحد جديد يضاف له نشوته الخاصة ومذاقه الخاص .
    حملت الرسائل في رقة ووضعتها في ملف خاص ثم غادرت المكان . اتجهت إلى سيارتها ، وقد بدأت تشعر بالجوع يلتهم أحشائها . الغريب أنها لم تشعر به إطلاقا وهي تعمل . أدارت مفتاح السيارة وانطلقت . ضغطت زر إدارة المسجل ؛ لتستمع ببعض النغمات تريح أعصابها . ها هو البيت يقترب؛ الطعام والراحة أخيرا وفجأة ظهر هذا الشبح أمامها ، من أين جاء هذا الأحمق ؟ . حاولت أن تدير مقود السيارة إلى اليمين بسرعة ، أن تتخف من السرعة لكن لم يكن هناك مفر من الاصطدام . أوقفت السيارة ونزلت مهرولة ترقب الجسد المسجى على الإسفلت يتأوه:
    - آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه.
    لم تعرف ماذا تفعل إلاّ أنها لمحت هذا المستشفى أمامها وكأن السماء تساعدها . أسرعت إليها واستطاعت أن تأتي بهم ليأخذوه . وقفت تنظر إليهم وهم يحملوه..يا الهي أنقذه.. أنقذه يا الهي..

    ****************
    أخرجت بطاقتها الائتمانية من الحقيبة في ارتباك كادت معه أن تسقط منها وأعطتها لموظفة الاستقبال ذات الملامح الباردة..استخدمت البطاقة في هدوء ثم أشارت إليهم بيدها أن يحملوا الفتى إلى العلاج..صعدت الدرجات بسرعة في طريقها إلى الحجرة..من فرط قلقها نسيت رقم الحجرة لكنها تذكرته ثانية وهي تحدق في أرقام الحجرات الأخرى..وما إن خرج الطبيب حتى سألته عن كل شيء ، ثم دلفت إلى الحجرة لينتفض جسدها على صوت الصرخات:
    - " آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه. "
    أسرعت إليه قائلة:
    - "يا الهي ، ما بك؟"
    - " آآآآآآآآآه . .لم أعد صالحا للاستعمال الآدمي بعد اليوم .. آآآآآآه . .لقد ضاع مستقبلي."
    - " من فضلك اهدأ قليلا ، ستشعر بالتحسن بعد قليل .. إن الطبيب يقول............................"
    - " آآآآآآه .. لا تحدثينني عما يقوله الطبيب بل عما أحسه..آآآآآه.."
    - "آه .. وماذا تحس يا سيدي؟ "
    - " أحس بما يجب أن يحس به من طار جسده في الهواء ثم سقط على الأرض .. آآآآه.. "
    - " اصبر ؛ سأنادي الطبيب حالا .. "
    خرجت بسرعة مرتبكة لتنادي أحد الأطباء . جاء الرجل منزعجا لانزعاجها ، ولكن ما إن رآه حتى قال:
    - " ما المشكلة يا سيدتي ؟ .. انه مجرد كسر في الذراع ا ليسرى .. "
    أجابت بسرعة :
    - " لكنه لا يكف عن التأوه.. "
    - " سيكون على ما يرام الآن .. لا تقلقي .. هل أنت زوجته ؟ "
    أحمر وجهها قليلا:
    - " كلا ولكن أنا ..... آ .. لقد صدمته بسيارتي . "
    قال الطبيب وهو يهز رأسه في تفهم لم يخل من سخرية:
    - " آه .. هذا يفسر قلقك إذن..لو كنت زوجته ما قلقت إلى هذا الحد ، اطمئني ؛ انه لن يموت .. "
    ثم تركها وخرج من الحجرة
    - " آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه. "
    التفت إليه قائلة:
    - " كف عن هذا..انك تحطم أعصابي.. "
    - " وأنت حطمت عظامي .. يا لكم من قساة أيها المرفهون .. طبعا لا يهمك من أمر أمثالي شيئا .. آآه .. ولكنني لن أصمت سأطالب بحقي..إن أرواح الناس ليست هينة إلى هذا الحد يا سيدتييييييييي .. آآآآآآآآآه .. "
    ازداد ارتباكها وقالت بسرعة:
    - " سأدفع لك مصاريف العلاج وكل ما تريد ولكن ..................... "
    - " آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه. "
    - " كف عن هذا أرجوك .. "
    ثم خرجت من الحجرة بسرعة وأغلقت الباب وراءها ووقفت في الردهة تلهث ، يا الهي ، ما الذي فعلته بنفسها ، كيف ظهر هو أمامها هكذا من لا مكان . كان من المستحيل أن تتفادى الاصطدام . تذكرت شعورها بالجسد الطري يصطدم بمقدمة السيارة فارتجفت ، متى ينتهي هذا الكابوس . لمحت إحدى الممرضات تتقدم نحو الحجرة فتبعتها وقابلتهما الصيحة :
    - " أأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه. "
    أعطته الممرضة مسكنا وقبل أن تخرج أشارت لها بيدها أن تتبعها . ما المشكلة بالضبط؟ . خرجت خلفها وقلبها يخفق بقوة.. يا الهي هل سيموت ؟ ..
    ****************
    ابتعدت الممرضة بعدما أخبرتها بما تريد فدلفت هي إلى الحجرة في غيظ:
    - " آآآآآآآآآآآآآآآآآآه. "
    - "كف عن هذا..أنت نصاب!! "
    - " آه..ماذا تقولين؟..هل تريدين الهروب من مسئوليتك .. اسمعي ...................... "
    - " لن أسمع شيئا..لقد أخبرتني الممرضة أن هذه هي المرة الخامسة التي تأتي فيها إلى هنا مصابا في حادث سيارة.. "
    - " آه..إن حظي سيء..هذا كل ما في الأمر.. "
    - " أنت محترف..تريد أن تبتز مني مالا ولكنك غبي؛ كان لابد وأن تغير منطقة نشاطك . "
    كف عن التأوه ثم قال في وجوم:
    - " أنت على حق..لن آخذ منك شيئا ولكنني أريد منك أن توصلينني إلى البيت لأنني أنوي العودة الآن فلم يعد هناك مبررا للبقاء.. "
    ثم بدا وكأن صوته استعاد قليلا من مرحه وهو يتابع:
    - " ما دمت سأعود خالي الوفاض فلأوفر أجرة السيارة على الأقل. "
    لا تعرف لماذا وافقت..ربما لأنها وجدته غير ذي خطر بذراعه المكسور . كان المنزل بعيدا فعلا وكان عليها أن تحيد في حارات كثيرة وللمرة الخامسة أشار بيده قائلا:
    - " نعم..الحارة القادمة.. "
    - " أين تسكن يا رجل؟ ؛ في الأدغال.. "
    هز كتفيه ولم يقل شيئا .كانت قد بدأت تشعر بشيء من القلق ؛ قد يكون الفتى مكسور الذراع لكنه قوي إلى حد ما دعك من احتمال كونه يحمل سلاحا . أدارت عجلة القيادة بيد واحدة، بينما تزحف يدها الأخرى إلى الحقيبة بجوارها في هدوء؛ تبحث عن رشاشة الفلفل التي كانت قد اشترتها عندما كانت في الخارج في واحد من أسفارها..أخيرا أشار إشارة أخيرة بيده أن هذا هو المكان المطلوب . كان هناك بعض الصبية يلعبون الكرة ارتموا على جانبي الشارع وهم يرمقون السيارة في انبهار تمهيدا للاقتراب بعد ذلك ، دون أن ينطق بكلمة فتح الباب ونزل . أسرع واحد من الصبية نحوه قائلا:
    - " أهلا يا أبيه..ماذا حدث لذراعك؟ "
    رد وهو يمسح على رأسه:
    - " لا شيء .. مجرد حادث بسيط .. "
    ثم عاد والتفت إليها ناظرا من نافذة السيارة:
    - " ألن تتفضلي ؟ .. يمكنني أن أحضر لك كوبا من الماء !! "
    قال العبارة الأخيرة في سخرية لكن الغريب أنها وجدت نفسها تضغط ذر إغلاق الزجاج وتنزل من السيارة مستجيبة للدعوة الوهمية..ربما دافع الفضول لأن ترى هذا العالم الذي لم تره من قبل سوى في التلفاز..الآن ترى الواقع مجسما بصورة حقيقية أسوأ من اللازم..كان باب المنزل الضيق- الذي اختفى نصفه تحت الأرض- مفتوح..استطاعت أن ترى من خلاله مراهق يجلس على الأرض بفانلته الداخلية يطالع في كتاب مدرسي..ما إن رآه حتى رفع رأسه إليه قائلا:
    - " أهلا يا أبيه .. "
    ثم ابتسم ابتسامة خبيثة غامزا وهو يشير برأسه ناحيتها قائلا:
    - " ومن هذه ؟ "
    أشار إليه بيده أشارة لا معنى لها وسار إلى قلة ماء على النافذة من الخارج ، قائلا في تهكم:
    - " آسف ليس لدينا ما نقدمه لك سوى هذه ، والآن ألا ترين سبب ما فعلته ؟ "
    - " أنت تحاول فقط إيجاد مبررات لنفسك .. "
    - " أنا لا أسرق ولا أتسول ؛ فقط أقامر بنفسي ألقيها أمام أي سيارة مارة ، إما أن أفوز ببعض المال أو أخسر نفسي نهائيا. "
    ثم قال مشيرا لذراعه المكسور:
    - " أو قليل من الخسائر على الأقل . "
    كادت أن ترد لكنه عاد يكمل في عصبية:
    - " هل تعتقدين أنني أريد أن أفعل هذا؟..لقد تخرجت من الأوائل على دفعتي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية .. تقدمت للاختبارات واجتزت جميعها بتفوق ، ولكنني فوجئت بأنني لم أقبل ..أتعلمين لماذا؟.. لأنني غير لائق اجتماعيا كما قالوا وبعد ذلك لم أجد عملا آخر ، أرأيت ؟ ، إن المشكلة عندكم أنتم وليست عندي أنا . "
    لم تعرف من يقصد بكلمة أنتم..همت بأن تقول شيئا لكنها فوجئت به يقول وهو مستندا إلى الباب:
    - " كنت أود استقبالك لكن كما ترين المكان لا يليق بك ، مع السلامة يا أستاذة. "
    ثم صفق الباب في وجهها..لا تعرف كيف اتجهت إلى السيارة متجاوزة نظرات النسوة اللاتي يرمقنها عبر النوافذ ومن أمام الأبواب ولا كيف وعبرت أكوام الأطفال المجتمعين حولها ، بيد ليست لها قادت السيارة عبر متاهات الحارات الضيقة ، وعندما وصلت أخيرا إلى الشارع الرئيسي ، كانت الدموع المتجمدة في عينيها قررت الإفلات . إهانة شديدة شعرت بها في روحها..ربما كان سببها أنه أغلق الباب في وجهها لكنها كانت تشعر بإهانة أقوى وأعمق من هذه..طوال الطريق لم تكن ترى شيئا تقريبا مما أمامها ، أطياف السيارات وأشباح السائرين في عالم آخر منفصل عنها بحاجز غير مرئي ، لسبب ما لم تتجه إلى المنزل بل اتجهت إلى المجلة..وصلت إلى المكان الذي كان شبه خاو بعدما غادر الجميع . توجهت إلى مكتبها البارد وفتحت أحد الأدراج أخرجت من بين كوم من الورق المقال الذي أعدته للعدد القادم ؛ ( لماذا يبخل الرجل الشرقي بمشاعره ). كومت الورقة وألقتها في القمامة ، وبدأت تكتب العنوان الجديد ( غير لائق اجتماعيا ) .

    تمت بحمد الله
    الأحد 4 مايو 2008

  2. #2
    الحقيقة سهم اجتماعي صوب بالم واحكام....
    يبقى لنا الا نعمم ولكن ماكتبته هو حاله عامة حقيقة
    ومن امتلك الاحساس الايماني الصحيح اظن انه يملك من الصفات الانسانية الجميلة واكثر
    كل الشكر لك ولجهدك وابداعك
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    الحقيقة سهم اجتماعي صوب بالم واحكام....
    يبقى لنا الا نعمم ولكن ماكتبته هو حاله عامة حقيقة
    ومن امتلك الاحساس الايماني الصحيح اظن انه يملك من الصفات الانسانية الجميلة واكثر
    كل الشكر لك ولجهدك وابداعك
    أشكرك كثيرا، عرمرورك الجميل، وعلى رأيك في القصة

    دمتِ بخير

  4. #4
    هبة الله محمد

    قصة فعلا مثيرة ...وتناقش مآسي اجتماعية واقعية

    شكرا لك ولابداعك

    تحيتي

    ظميان غدير

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظميان غدير مشاهدة المشاركة
    هبة الله محمد

    قصة فعلا مثيرة ...وتناقش مآسي اجتماعية واقعية

    شكرا لك ولابداعك

    تحيتي

    ظميان غدير
    فخر لي أن يكون هذا رأي حضرتك في لقصة

    أشكرك كثيرا

    دمتم بفرح

  6. #6
    اختي العزيزة هبة الله/
    اهلا بك بيننا في هذا الصرح الجميل
    قصة رائعة وفكرتها اجتماعية وواقعية طرحت فيها مشكلة يواجهها الكثير من الناس
    لك خيال جميل يسحب القارئ للمتابعة رغم طول السيناريو.
    لي رأي بسيط وهو لو اختصرت من التفاصيل لكان أفضل بحيث تركت للقارئ المجال ليغوص في الفكرة والشخوص ويعرف التفاصيل حسب فهمه للقصة.
    عندك مخزون جيد من المفردات والتعابير أعجبتني
    فلك تحية عطرة على جهودك وابقي معنا ولا تحرمينا من جديدك

  7. #7
    أديب
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    الدولة
    العراق
    المشاركات
    2,207

    السلام عليكم

    تحية لكِ أستاذة هبة .

    القصة فيها تعبير عن الفارق الطبقي في المجتمع

    حيث طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء وما بينهما .

    وهذا ما يدفع البعض إلى المقامرة حتى بروحه من أجل توفير أبسط متطلبات الحياة

    والبعض الآخر يصب نار غضبه على طبقة الأغنياء ويحملهم مسؤولية ما يحصل وحصل له كهذا الشاب في هذه القصة .

    السرد جميل وفيه تعبير يشد المتلقي

    ومن ناحية الفكرة قد تكون الفكرة ليست بجديدة للذي يطالعها لأول وهلة .

    وكمثال على ذلك لدينا فلم دم الغزال والذي قام ببطولته نور الشريف ويسرى ومنى زكي

    فالشاب في هذه القصة يسلك نفس سلوك بطل فلم دم الغزال نور الشريف وهو ينال لقمة عيشه من هكذا فعل أي يقوم بإلقاء نفسه أمام السيارات الفارهة ، لذا الفكرة قد تكون مقتبسة مع فارق بسيط .

    شكراً لكِ أستاذة

المواضيع المتشابهه

  1. فيلم المتنفس ، وثائقي يناقش علاقة مصر مع قطاع غزة تاريخياًو سياسياً و اجتماعيا،
    بواسطة أحمد أبورتيمة في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-10-2012, 11:19 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •