منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رحلة

العرض المتطور

  1. #1

    رحلة

    رحلة

    بينما كنت أتأكد من أنني لم أنس شيئا ، و قلبي مفعم بالسرور و الأمل ، رحت أستعرض في خيالي كل ما خططنا القيام به ، ومع كل صورة كان قلبي يشع يشع سعادة و يزداد خفقا ، وكيف لا و نحن ننتظر هذا اليوم بغارغ الصبر ، لننفض عن أكتاف أيامنا غبار الروتين الذي كنا أسراه طيلة تسعة أشهر خلت ..
    سيفرح أولادي كثيرا و سيمرحون و سيتعيدون نشاطهم من جديد ..
    كانت الساعة الرابعة فجرا ، توجهت لأوقظ الأولاد فوجدتهم مستيقظين يتسامرون بهمس ناعم ، فأخبروني بأنهم _ ومن شدة ابتهاجهم _ جاهدوا في شد حبال النوم إلى أعينهم ولكن محاولاتهم باءت بالفشل ..
    انتشر الجميع في المنزل كطيور الصباح ، و بعد الانتهاء من صلاة الفجر بدأنا بارتداء ملابسنا تجهيزا للانطلاق باكرا ، فجأة سمعت صوت هاتف زوجي يرن ، بصراحة لم أهتم فلطالما اتصل به أصدقاؤه و أقاربه ، و بدأت بإحكام إغلاق النوافذ و أبواب الشرفات ، ولما تجهزنا تماما ، حملنا الحقائب و توجهنا نحو الباب ، إلا أن زوجي لم يلحق بنا ، ذهبت إليه لأستكشف السبب فوجدته
    جالسا على الأريكة و حاضنا رأسه بين كفيه و قد وصل رأسه أطراف ركبتيه ، اقتربت منه و جلست إلى جانبه ..
    _ ما الأمر عزيزي ..أرى أنك لست على ما يرام ؟
    لم يحرك ساكنا ، فأعدت سؤالي بنبرة أعلى قليلا و لكن دون جدوى ، فوضعت يدي على كتفه عله يشعر بوجودي على الأقل ..
    رفع رأسه لأرى وجهه محمرا و قد انتفخت أوداجه ، فالتفت إلي
    _ أخي سالم ..
    _ ما به ..شغلت فكري ؟
    _ إنه يعالج سكرات الموت ، و يطلبون مني الذهاب إليه حالا ..
    _ لا حول و لا قوة إلا بالله ...
    _ وماذا تنتظر ، هيا لنمضي إليه..
    _ و لكن ...ولكن ...الأولاد ... الرحلة !!
    أنا حزين و عاجز
    _ لابأس عزيزي فالصيف لا يزال في أوله ، و سنذهب في وقت لاحق ، أدرك أخيك، هيا لنذهب إليه
    نهض متثاقلا و كأنه يحمل الدنيا على كتفيه
    _ ليتني لم أرد على الهاتف ، أبعد كل هذه السنوات يتذكروني ؟
    _ على العكس الحمد لله أنك رددت ، ربما هي فرصة للتسامح و تصافي القلوب .
    كانت خطواته تحمل ترددا و تباطؤا كبيرا و قبل أن يهم بالخروج ، أومأت إلى الأولات لينزلوا الحقائب إلى صندوق السيارة ، ففعلوا ..
    و في الطريق طلبت منه التوجه إلى منزل أخيه
    أجابني مستغربا : علينا أن نكون في المشفى و ليس في المنزل .
    _ وهل تعرف في أي مشفى هو ؟
    _ آآآ ..لقد أنساني وقع الخبر السؤال عن ذلك
    _ حسنا ..سنعرف ذلك الآن فلابد أن أحدهم في البيت و ربما عرفناه من الخادمة ..
    وفي الطريق كنت أحاول إخفاء ابتسامتي الماكرة عنه ، ولما وصلنا دهش زوجي من وجود الجميع في البيت ، فسألهم عن اسم المشفى ، ولكنهم لم يجيبوه بل طلبوا منه التفضل بالدخول ، فرفض مصرا على طلبه ، دخلت فناء المنزل و صرت أسحبه من يده ..
    _ ادخل عزيزي ربما اراد أحدهم الذهاب معنا
    فدخل ، و تحلق الجميع حولنا كالفراشات الزاهية المرفرفة ، لقد كان الجميع يبدو و كأنه جاهز لمغادرة المنزل ، و أمطرونا بعبارات الترحيب
    إلا ان زوجي لم يكترث بذلك و قاطعهم بصوته الغاضب :
    من سيذهب معنا ؟ ..هيا ..ليس هذا وقت الترحيب
    صمت الجميع لتتكلم زوجة أخيه وهي تتصنع البكاء : إنه هنا و يرفض الذهاب إلى المشفى قبل وصولك
    _ ألا يزال عنيدا ؟
    و مضى إلى غرفة أخيه مسرعا كالحصان و تبعناه جميعنا
    كان أخيه مستلق على السرير و الغطاء لا يبدي منه سوى رأسه رغم حرارة الجو ، فلما التقت عيناه بعيني زوجي فاضت عيناه بالدموع و رحب بزوجي بصوته الذي قطعته نوبة البكاء المرير
    _ أهلا بقدومك أخي الغالي
    _ من الأفضل أن نسرع بالذهاب إلى المشفى و نتكلم فيما بعد
    _ لا ..لا فلربما مت قبل الوصول ، أريد منك أن تسامحني بداية ، سامحني لأنني سمحت لخلاف عابر أن يحول دوننا و يقطعنا عن بعض لعشر سنوات
    و الله لم أذق طعم الهناء منذ أن افترقنا رغم كل ما لدي من أسباب السعادة ..
    اقترب منه زوجي فقبل رأسه ، و إذ بكليهما يجهش بالبكاء و تعانقا عناقا قويا استمر لبضع دقائق ..
    كنا نترقب الموقف بدموع الفرح التي ماجت بأعيننا
    _ قاطع الموقف سؤال أخيه : ها هل سامحتني يأخي الأكبر ؟
    و كيف لا أسامحك و أنت ابن أمي و أبي ، و سأطلب منك ان تسامحني أنت أيضا ولكن في الطريق ، فليس من الحكمة أن نتأخر ..
    عندها نهض أخيه من السرير كالأسد الذي انتفض في عرينه و أخبره بأنه شفي للتو و پانه لابأس عليه بعد الآن ، فظهر زيه المجهز للخروج من المنزل فلم يكن يرتدي ثياب النوم ..
    كان زوجي غارق في عوالم الدهشة وما زاد دهشته صوت ضحكاتنا التي صدحت لتطوف ارجاء المنزل كلها ، فالتفت إلينا و سألنا : هل يخبرني أحد بما يحصل ؟ أتهزؤون بي و أنا العم الأكبر ؟
    بدأ الأولاد جميعا يقفزون مرحا و يطلبون منا أن نخبره بالحقيقة ..
    _و عن أي حقيقة تتحدثون ؟ ما الذي يحدث ؟
    أشفقت عليه من شدة استغرابه فأخبرته بأنني أنا وزوجة أخيه قد خططنا لهذا الأمر أملا بعودة المياه إلى مجاريها كما أخبرته بأن هذا الخصام لم يعد مقبولا أبدا ، فنظر إلي نظرة السعيد المكابر
    _ آه من كيدكن حقاً إن كيدكن عظيم .
    قلت له : وما ذنب الأولاد ؟
    إن من حقهم أن يتواصلوا مع بعضهم البعض ، و إن من واجبنا أن نفسد على الشيطان نزغه بيننا
    _ ألم يخطر ببالكن تنفيذ خطتكن إلا في يوم الرحلة !!!
    غمزته قائلة : لقد حسبنا حساب ذلك ،
    فنطق أخوه بخجل وطلب منه ان يرافقنا هو و عائلته في رحلتنا
    _ هذا أمر جميل ولكن أرجو ان تحددوا الزمان الذي يناسبكم لنرتب أمورنا تبعا لذلك
    _ لا يا أخي الحبيب ، فنحن على أتم الاستعداد و لقد جهزنا كل شيئ ، ولا ينقصنا إلا موافقتك
    _الماء يجري من تحتي و أنا لا أدري بشيئ ، لم أكن أعلم بأن للرجال كيد أيضا ، لقد أحكمت الخطة معهن جيدا هااا
    _ رأيت أن الكيد يحلو ها هنا فكدنا لك جميعا ، و الحمد لله أن كان قلبك السمح هو سيد الموقف .
    سعد الجميع و بدأت الحقائب بالظهور ، و جميع الأولاد ينتظرون الإذن بالمضي إلى السيارات ..
    التفت إلي زوجي وقال : علي أن أذهب لإحضار الحقأئب و لن أتأخر بإذن الله
    _ الحقائب في صندوق السيارة عزيزي ، قلتها و أنا أنثر ابتسامتي الواثقة على المشهد كله ..
    هز رأسه راضيا مربتا على كتفي : آه منك ومن ذكائك !! فلم ألحظ ذلك
    _و من الجيد أنك لم تلحظ .
    _ الحمد لله أن حباني زوجة صالحة مثلك .

    تدخل أخوه ليعترف بإحسان زوجته و يثني عليها هو أيضا : الحمد لله أن حبانا زوجتان صالحتان ..
    قالت بابتسامة خجولة : الشكر لكما لأنكما لم تخيبوا مساعينا و الصلح خير ، و علينا جميعا أن نشكر الأولاد الذين طالبوا بحقهم _في صلة رحمهم _بصدق فأرضاهم الله
    و الشكر أولا لصاحبة المبادرة التي مدت يدها للصلح فرفدتها أيدينا كالنهر الجاري ،
    توجهت جميع الأنظار إلي فشعرت بخجل شديد و لكي أهرب من موجة الجل التي انتابتني قلت لهم : هل سنمضي اليوم بين الشكر و الثناء !!! سنتأخر و ستشرق الشمس علينا و أمامنا درب طويل
    لا شكر إلا لله الذي وفقنا .فهلموا لنذهب
    تعانق الأولاد جميعا و هتفوا : يحيا التسامح و أسرعنا إلى السيارات ، كل إلى سيارته ، ومضينا في رحلتنا و السعادة قد ألقت ظلالها على القلوب ، فتارة نتسابق و تارة نتحاذى و لم تفارقنا الضحكات حتى وصلنا ، لا زلت أذكرها حتى الآن فلقد قضينا فيها أمتع الأوقات ، ورغم هذا كان الحلم أكبر من هذا بكثير، ولكن....

  2. #2
    رائعة جدا ومفقة ومعبرة وقفلة محكمة جمعت بين الدين والدنيا
    كل الاحترام

  3. #3
    رياض محمد سليم حلايقه :
    رائعة جدا ومفقة ومعبرة وقفلة محكمة جمعت بين الدين والدنيا
    كل الاحترام

    شكرا لهذا العبير الذي جال الحروف فأضفى عليها عبقا و شذى
    ما أحلى أن نجمع لؤلؤات الدين لنزين بها جيد دنيانا
    تحياتي أستاذنا القدير

المواضيع المتشابهه

  1. رحلة آخر العمر
    بواسطة الدكتور ضياء الدين الجماس في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 06-19-2013, 03:35 PM
  2. رحمة ق . ق . ج
    بواسطة ياسر ميمو في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-23-2011, 11:57 AM
  3. رحلة الى جزيرة جنا
    بواسطة العمدة في المنتدى فرسان السياحة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-23-2009, 06:26 AM
  4. رحلة التشظي
    بواسطة عبدالصمد زيبار في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-13-2008, 06:24 PM
  5. معلمات من رحلة المدرسة إلى رحلة الآخرة
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان التعليمي.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-25-2007, 05:53 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •