قراءة في ديـــــوان
( مافيهاش كوابيس )
للشاعر / أشـــــرف الشــــافعي
بقلم / محمــــود عبد الصمد زكريـــــا
( مافيهاش كوابيس )هذا هو المفتاح الرؤيوي الذي يضعه بين يدينا الشاعرالسكندري/ أشرف الشافعي ؛!!
لنلج به عالمه الإبداعي ؛ أعني أن هذا هو عنوان ديوانه الأول – الذى صدر أخيراً عن دار أكتب للنشر بالقاهرة ...
كلمة السر السحرية التي ستفتح لنا مغاليقَ هذا العالم ، أو لنقل هذه هي عتبة الدخول
إلي العالم الإبداعي الممتد خلفها علي مساحة الديوان ..
وهي عتبة تلخص وتبلور حالة الصراع الكامنة في ازدواجية
االرؤية ( مافيهاش ) والرؤيا ( كوابيس )
وما تخبئه من روح تحدي ؛ للذات الشاعرة ؛
هذه الروح الكامنة في النفي للكوابيس ؛ والمثبته بالتالي للحلم ...
والملوّحة بمساحة من الوعي المراقب للوجدان ؛ وكل ذلك مما يعني أننا بين يدي شاعر ٍ صاحب رؤية تبلور فكرة ووعيه وثقافته ؛ ورؤيا تبلور شفافيته وتطلعه وسموّه ... حيث للعتبات فلسفات ..
فهي لا توضع هكذا جزافا كمجرد علامات للبداية ؛ لكنها كمواقع استراتيجية
لابد أن تمنحنا مفاتيح قراءة وفهم النصوص ؛ كما أنها في مواقعها الإغرائية هذه
تضع الإطار العام للتجربة ؛وتضمن قبول جملة من القراء مبدئيا ً لقراءتها ..
ولسوف يمضي تأثيرها ؛ كما اتضح لنا من المعاشرة النصية لديوان الشاعر؛
في اتجاه إضاءة مسيرته ومصيره التراجيدي – المأساوي – وإشكالية قيمته ؛ لاسيما وهو يسفر صراحة عن مشاعره إزاء الآخر / الواقع / رغبة منها وتوقا ً للاكتمال به دون خوف من رقابة صارمة ؛
ودون تحسب من استلاب هويته ..
كل العصافير اللى كانت
يوم ميلادك محض غيب
إتعلمت
إزاى تطير ...
إتعلمت
إزاى تلقـّْْط رزقها
تلقى لها عش يضمها وقت المغيب
وانت اللى سجناك خطوتك
ف عيون متاهات الدروب
تستنى ف الحلم اللى رافض ينصفك
( من قصيدة شرنقة )
وثمة عتبة ثانية يثبتها الشاعر كمدخل لعالمه الشعري ؛ وهي عتبة تبلور ازدواجية الدفوع
العقائدية والقلق الوجودي ؛ حيث أنها ذات صبغة عقائدية إيمانية ؛ وقلق وجودي :
ربى ...
لو كان مكتوب لدعايا...
ف علم الغيب اللى انت ملكته
إجابة وحيدة
فانا نفسى أموت مطمّن
أصل انا من يوم ماوعيت ع الدنيا
ميت م الخوف !( مدخل )
....................................
لا شك أن المفردات التي يزهو بها ديوان ( مفيهاش كوابيس ) للشاعر / أشرف الشافعي - وهوواحد من جيل ثمانينات القرن المنصرم - لاتختلف كثيرا عن سواها في دواوين مجايلة لتجربته من التسعينيين وما بعدهم- غير سمات فنية ظلت متوهجة ومتباهية بوجدوها الفاعل والفعّال ربما سقطت منهم أو توارت لحساب غيرها - ..
هكذا يشعر القارئ بأن الأشياء والتفاصيل عنده قد خضعت لمشغل تمرَّن عليه ؛ واحترف النسيج مستفيدا بوعي ؛ ودون تخلي من كل ما جاءت به حداثة من بعده ؛ مما يسميه النقد العربي في اللحظة الراهنة بـ «القصيدة اليومية»، أي تلك القصيدة التي تعنى باليومي والبسيط والعادي والمهمش ؛ فتجعله مدار بحثها الشعري لتقوم بتصعيده والعثور فيه على ما هو شعري ولافت ومثير للدهشة؛ ولا شك أن مشروع / صلاح عبد الصبور هو من اسس لها خلال جميع مجموعاته : ( الناس في بلادي ) ( أقول لكم ) ( أحلام الفارس القديم ) ..الخ .. هذا ؛ وقد يحلو للبعض التبرم من تجارب شعرية مثل تجربته التي يعوم فيها التشيؤ إلى هذا القدر من العلنية؛ وذلك لتوقف تعاملهم مع النص الطافي دون الغوص للفوز بالنص الغاطس تحت سقف الأستفهام التمهيدي في قول الشاعر :
مش عارف إيه خلانى
ألبسلك كرافتة ونظارة
وانا جى أقابلك
مع إنك مش حد غريب
أو ربما من ثقل وطئ مطرقة المعني فوق سندان التلقي المتشبث ببقايا ثورية مجهضة في قول الشاعر :
دلوقتى لو طلعت منى
حابقى كأنى باعزيك
ف جمال عبد الناصر
( من قصيدة كان لازم ألبس كرافته ونضارة )
في الوقت الذي نري فيه أن الفضاء مفتوح لتجاوز بلاغات أرستقراطية الشعر؛ التي قيل أنها خلت من لغة الحياة والخبرة الفردية.
بل وبوليتاريته التي كانت تلوي ذراع الفن لصالح خطابها التمردي...
فالنقد الأدبي لا يصير نقداً أُفعِمَ بالحيوية ما لم يهدف إلى اكتشاف العناصر الذوقية المحايثة لكل نصٍّ متميز، والنقد، في الجوهر، تنقيب عن التفرُّد أو عن المزيَّة والخصوصية. وهذا يعني أن النص إما أن يُشبِع الذائقة،
وإما أن يخفق في إنشاء وكر له داخل روح القارئ.
يقول أشرف الشافعي :
يا زقزقات....
عصفور غنايا اللى ابتدت
تبهت ملامح دهشته
برجوع صداه خالى الوفاض
من غير غنيمة فجر معناه البرىء
حرضتى ليه فيا انبهارى
بالشروق المستحيل ؟
بعد اما حرفى المنطوى
ف ركن منفاه الاختيارى
إستعذبه غياب الشفق
غيرتى ليه تانى ....
مسارك بالدخول ...
لجنون بكارة الارتباك ؟
مش باقى قدامى اختيار
غير إنى أفادى مفرداتى
م التورط ف النشاز
واعرى ظهرى للقصيده ....
عشان أفض الإشتباك !!
( قصيدة فض اشتباك )
النص الشعري – كما لاحظنا – ذو بنية متكاملة متضافرة، حيث تتناسل اللغة تناسلاً صُوَرياً، وينتج الشاعر تأليفاً صُوَرياً لا صُوَراً شعرية مفردة ومجتزأة؛ وكلما كان النص أكثر إيغالاً في دخيلة الإنسان كان أعظم وأجْوَد، وأَعْلق بالنفس، وأكثر قدرة على التأثير فيها. وكلما كان تأثير القصيدة ناجماً عن مجمل مناخها، كانت قيمتها أعظم، ومزيَّتها أنْفَس، وصمودها في وجه الزمن أصلب وأمتن ....
ويبدو أنه بعد هذا الكم من الدواوين التي صدرت منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي أن ثمة اختصاراً حاداً قام به هذا الجيل ومن تبعه لنموذج الشعر الثمانيني، الذي لعب على فكرة توازن ما، سمح بتجاوز اللفظية والبلاغة معا ً، فيما لم يتنازل عن الصوغ الشعري الذي لن يقع في كل الأحوال في تشيؤ يكاد يكون صدماً للشعرية ذاتها. وبدا الاختصار الذي قاموا به في شكل تطابق بين اللفظ والمعنى إلى الدرجة التي تتحول فيها اللغة إلى تداولٍ صرف. هذا التطابق الذي ارتاب منه الثمانينيون رغم احتفالهم التاريخي بالعالم والجسد والخبرة الفردية. حتى ليمكن القول أنهم – أعني أشرف الشافعي ومن هم علي شاكلته – ارسوا قنطرة ً لتجاوز اقتراح السبعينيين الذي يعزى إليه هذا الانحراف الشعري؛ من حداثة الرواد العليا،منذ بداية القصيدة التفعيلية وهاجس النثر إلى حداثة الثمانينات ! من طريق يتضمن فيه المنتصر صفات المنتصر عليه، تلك هي الحداثة الجدلية التي نجح أشرف الشافعي في تثبيتها. على غير مانرى الآن، وفي بضع سنوات، لاأكثر، حيث خرج التسعيني إلي كتابة بدا التطابق فيها بين اللفظ والمعني مسرفا ً لدرجة تبعد به عن جماليات الشعر بقدر ما تقربه من جماليات السرد ..
يبدو أنه لابد من الاعتراف بأن الحس الجمالي بات عبئاً معنويا على الشعراء الجدد. فمن جهة ينتمي هذا الحس إلى آباء بعيدي الغور، أو إلى حداثة رومانسية المنشأ جعلت من الطبيعة والأسئلة الأولى جوهرها التعبيري.
لسه الطيور بتفن
والنحليات بطن
والطفل ضحكه يرن
مع إن
مش كل البشر فرحانيين ..( صلاح جاهين )
ومن جهة، يتناقض الحس الجمالي مع البطل المقلوب الذي يظهر في القصائد الجديدة. فغالبا مايأتي ضمير المتكلم ليشير إلى تصدع كينونة الشاعر وفراغه من أي انتصار:
إيه ... مالك
عمال بتفلفص كده ليه ؟
الحالة دى إيه
ما تكونش كابوس
لأ ...
انا عارفك واخد ع الكوابيس
وحافظها كويس
فيه إيه
طب ليه مش قادر تتحرك
مخنوق كده ليه ....
الله ...
معقولة !!
طب إلحق واتشاهد !!
( من قصيدة الحق واتشاهد )
حتى في قصائد الحب لايجرؤ الشاعر الجديد على دعم أناه من خلال تموين وهمي يستمده
ولو موقتاً من إحساس الحب نفسه. صار الحس الجمالي طرفا مقابلا للتجربة، يجادلها من خارجها ..
واقف باتفرج على نفسى
وبردد ؛ شعارتى الرافضة
لازدواجية مثاليات العرف السايد
وتناقض قيمه الموروثة
اللى باحاول دايما بيها
أهرب من إحساسى بعجزى
عن تفسير الفوضى الساكنة
ف حوارى كيانى المرصوفة بدم البوح
( من قصيدة تشريفة )
بعدما نبذَ من هذا العالم اللغوي الذي لم يعد مزيجاً من التصور والاشتغال واختبار الواقع ؛
كما هو متمثل بقوة في خطاب أشرف الشافعي الذي مازال قابضا ً علي جمرة الشعرية المتوقدة . واعيا بإشكالية الخروج ؛
وضرورة التطور المحسوب :
وما كانش ممكن...
يبتدى خروجى
غير لما يأذن لى البراح
بالهجرة م المجهول
ولا كانش فيه...
قدامى تانى بديل متاح
غير إنى أقبل اعيش مدان
بالهرولة لمرافىء الجدب ....
المراوغ بالخضار
ف عيون ما حستش الامان
إلا ف دفا ضلى الفسيح( من قصيدة ماسك ف تلابيب الخروج )
فكرة جوهرية وشديدة الأهميةيحققها هذا الخطاب الشعري؛ ألا وهي التناسب الطردي الملحوظ بين قيمة القصيدة كبنية متكاملة؛ ومضمون ينوء بحمل قضية الإزدواجية التي تفجر مقدار التوتر الذي تزخر به والذي يمكِّنها من اكتشاف الحقائق الروحية الأصيلة التي هي أمَّهات الحقائق كلِّها. هكذا يضعنا خطاب أشرف أمام الحقيقة .. نعم ؛ لقد صار السؤال مربِكاً وبمفعول مضاعف ؛ حيث أن قصيدة بلا طبيعة وبلا تصور كيف تدافع عن نفسها؟ كيف يقوم نموذج البطل المقلوب، متصدع الكينونة،
مقام الأثر الجمالي ولو ماساويا ً للبطل القديم؟
أنا بابيع الحى بالميت
وبدون تردد ....
بادوس
ع المكسب المحسوس
علشان عيون فكرة
ف علم الغيب
(فـــؤاد قاعـــود)...............
من الحس الجمالي إلى المعني ؛ المعنى الذي عبّر عن كونه طاقة دفع لشيء صار اسمه لغة أو شعرا. ذلك الأب الميتافيزيقي الذي لم يعد يحصي أبناءه لكثرة تنوعهم شرقا وغربا. فأين هوالآن؟ وكيف يعرف الشعر نفسه خاليا من هيكله ؟ وهل الثمانينيون بحق، حراس هيكل، لقد تكلّموا، نعم ؛ ويمكن القول إنهم خرجوا من النص الصامت إلى النص المتكلم، وفي حداثتهم عملوا على جدلٍ صاعد عوضاً من الجدل الهابط الذي ميّز الحراس البعيدي الغور، من الرواد قبلهم.. الحراسة الثمانينية للشعرية تجلت في نموذج معتدل بين الخبرة الفردية وحق اللغة على الشعر، تميزوا بهدوئهم وهم ينتصرون على النص الصامت – الهروبي - والنص المتبجح - الذي يتلمس وجوده من التجديف والتعالي الزائف علي العيار ؛ والمقدس ؛ والقيمي – :
كل البنات
مزغللة عيونها المصايف
والكليبات الجديدة ...
وفتنة الأفيشات
إلا ( آلاء )
حلفت ملامحها
اللى ( شربت من قلل شربين )
لتخاصم المكياج
وتقوم تسهى سكوتنا وتحيى العلم ..
( قصيدة بتغني بره السرب )كما أن قلق كينونتهم لم يتوقف عند ما تقع عليه اليد وحسب. مثلا، وللوهلة الأولى، فمن يقرأ أشرف الشافعي مثلا قد يظن أن تطابق اللفظ مع المعنى أخذ منه كل مأخذ، في الوقت الذي عمل به على نوعٍ من التنقيح الشديد الذي يظهر به ولع الثمانينيين ببناء الجملة فتبدو على شيء من الخفة التي فهمت خطأً بأنها تطابق بين اللفظ والمعنى، وربما تبدو على شيء من النثرية؛ والتي فهمت خطأً أيضاً بأنها «استسهال» - وهو المصطلح العقابي الذي ابتدعه حراس الشكل ؛ أو الفورم الأبعد غورا - ، ومنهم بعض السبعينيين الذين عوقبوا في المقابل بمصطلح لايقل عقابية عن الأول وهو «اللفظية» وأدى ظهور هذا الانشقاق بين الحراس إلى ولادة ظاهرة هي الأخطر من نوعها، وهي خضوع العيار ذاته للنفي ، والشكل ذاته للإنزياح والذوبان ؛ فصار هناك من يقول : لاشعر، أي لاعيار ؛ ولا شكل ! وهناك من قال : هذا شعر، أي هذا هو الهيكل الجديد ! فتبعثر معني المصطلح ولم يعد متفقاً لاعلى مكانه ولا على طاقم حراسه الشعراء الذين لم يبرحوا مكانهم ومقاعدهم تلك حتي الآن....... وإذن فثمة جملة من العناصر نلمسها متحققة ومنسجمة خلال خطاب / أشرف الشافعي الشعري ؛ مثل :
* المتعة الأدبية
* المحتوى العاطفي الوجداني
* ملامسة الداخل الإنساني وتعريف الإنسان على نفسه
* الفحوى الشمولية للنص
* الإيحاء والتلقائية والتحلُّق حول بؤرة جاذبة (عكس التشتت)
ولا شك أن القول المطلق باستقلالية الشعر عن المحتوي التاريخي القابع في مرجعياته ربما يتحقق في الإطار الفني للغة الشعرية وحسب أي مايتعلق بنظام الكتابة من قوانين القواعد النحوية والجمالية. أما المرجعيات الممكنة، أو المتخيلة، فلا مناص من اعتبارها الأساس الذي يربط الشعر بالشاعر، أو الاثنين بالمعرفة والتاريخ. هذا لايعني تحوُّل «المناسبة» في الشعر الى إطار نهائي لاكتشاف المدلول :
ف شروخ مرايته الباهتة شاف
تجاعيد خريفه اللى ابتدى
نتؤات على وشه القزاز
إتجمعت كل الحروف
حوالين جوارح رهبته .... برواز
واما لمح بكره القديم
بيفر ف الكراريس
مالت هجائية هزاله بترتجف
على ضلة العكاز
( من قصيدة موت اختياري )بل يعني ان اللغة، وفي قوة نموذجها المجرد، لاتكون غير علامات دالة، بل تدل وتعكس، وتَرِث، لاشعوريا، وعن غير تعمد، البنى الاجتماعية البعيدة، مهما بدا الأمر، للوهلة الأولى، غير ممكن التحقق منه والكشف عنه:
آه ... على فكرة
بمناسبة 7 ديسمبر
مش ناسى ميلادك ولا حاجة
بس انا كان نفسى اقولهالك ...
بعد ماتخلص سجايرنا
وانا باحضن روحك
وانت سايبنى وماشى ف آخر السهرة
قبل ما اقولك تصبح على خير..
( من قصيدة كان لازم ألبس كرافته ونضارة )
..............................................
من يونية 79
وانت بترفض ..
تتعامل مع طرح الموت حواليك
على إنه حقيقة
من يوم ماأخدها التاكسى ...
لمستشفى المواساه
واتنطرت من عينها اللهفة...
بتحضن خوفك
مع رعشة أخر حرف...
ف كلمة راجعالك( من قصيدة وبقيت منذور للحزن )
............................................
ح استأذن ناجى العلى
ف القلم اللى مامتش معاه
ومجاز محمود درويش
ف قصايد ما اتكتبتش
وجاهين ف برائته اللى اتقتلت
بعد هزيمة يونيه
ح استأذن محمود مختار
ف صوابعه اللى شايلها يادوبك
من تمثال النهضة
علشان ..
أرسملك صورة
غير كل الصور اللى اترسمت
ف خيالهم عنك
مافيهاش أهرام ولا نيل
مافيهاش آثارات وفراعنة
يمكن ....
لما ولادى يشدوا الحيل
ويبصوا عليها
تنزاح اللعنة .( من قصيدة ح ارسملك صورة )
...........................................
كان أول مشهد صممت يكون لنهايته
سيناريو بديل
غير غضبة أبوك
والعند المرعوب جواه
خليته بشبح الحزن اللى بينهش فيها
يفكر ف كلامك
ويحاول يعمل إنه بيفهم ..
ف مواد الثانوية العامة
ويسأل
( إيه اخبار الجبر بتاع ثانوى )
ويقولك قبل ماتلحق تستغرب
لو شفت الولد اللى اسمه
( محمد يوسف )
خليه يتنيل يجيى الجمعة الجاية مع اخواته
( من قصيدة : آخر حصة جبر )
.................................................. .
أيوه...
الناس دى بتشبه كائنات فضائية
زى اللى اتفرجت عليها
ف سينما أمير( من قصيدة إلحق واتشاهد )
لا شك في أن ما تحمله الذاكرة من صور كفيل بأن يخلق فراديس إبداعية متوهجة ؛ تستمد توقدها من جذرها ذي الطابع الإنساني ؛ زد علي ذلك أن الذاكرة بوصفها مناخا لافتا تبقي هي المعين الأول للمخيلة الإبداعية التي تربت عليها ؛ فهي تبحث فيها دائما عن محمولات ترميزية تفتت الترسيم الترقيمي للأزمنة ؛ والترسيم الجغرافي للأمكنة ؛ وتجتاز بالمنتج الإبداعي عالم خصوص الفرد إلي المهاد المشترك للإنسانية ؛ والبشر أجمع ؛ فمن خلال الرمز المثيولوجي – الإنساني - تشعر أن الإنسانية تتكلم ؛وليس الشاعر فحسب ؛ وكلما كان الرمز أعمق كلما كان النص أقرب للشمولية ؛ ومن هذا المنطلق نجد من يمزج بين الشعر والأسطورة ؛ أسطورته الخاصة ؛ التي هي سيرته الذاتية ؛ مزجا لا نكاد نلمس فرقا بينهما .. وبقدر ما يكون الشاعر شاعرا بقدر ما ينهل من اللغة البكر الكائنة في قاموس الروح .. حيث الأمر الهام الأساسي هو شعرية الرجل .. ومن حيث نجد العلاقة مع الاختبار الشعري، من داخل. وتبدو تجربته جزءا من تصدير القيم الشعرية الذي تقوم به الاختبارات بعد عمل منظور ولامنظور في التجربة الشعرية وأدواتها. شعرية أشرف الشافعي إذن متجاوزة لأنا البلاغة، ، ومتفلتة من العقد الضابطة للتعبير. لذلك انبثقت آليته، من داخل، وبعد كم التراكم والحواريات الدقيقة بين الشعريات؛ وهو قد اقترح لقصيدته مناخاً أكثر توازنا عن الذي ساد من نماذج تعبيرية في الشعر التسعيني وما بعده حيث لم يكثف السعي باتجاه اليومي في وجه البلاغي. كما جمحت تجارب أخرى في هذا الإتجاه ولم تتمحور تجربته فقط في الكشف عما سمي تفاصيل وسواها.إنما أقام مناطق اتصال غير معلنة مع مجموعة متعددة من المعاني وأدوات التعبير. هذا الذي منح شعره شيئا من الهدوء وشيئا من الانفعال الظاهري في الوقت ذاته. بسبب الجمع بين التجربة المباشرة الحية، والتجربة الداخلية ذات الأساس المفهومي المعياري فلغته ؛ لغة حية بنت السرد والانخطاف، في آن واحد معا.
وعنده تمتزج حركة المضمون مع ثبات تعامل حرفي في الصوغ. لتأدية واجب وحقوق الشعر. وهو إذ يتحرك بينهما يعرف الشعر في مضمون وشكل ينهلان من آباء بعيدي الغور؛ يعكس التحدي والصراع مع الأقوى. هي شعرية تحمل القوة والانسياب، المواجهة والاستسرار. شعرية أشرف الشافعي إذن ؛ شعرية القديم ؛ وشعرية الجديد؛ لذا فكثيرا ما نجده يلجأ إلي القديم ليضمن منه ما يتلائم مع تجربته ؛ دون أن يتحايل علي ذلك بمحاكاته – كما يفعل غيره من المتشاعرين –
وانا لسه عيل وحيد على أربع بنات
كانت امى بتوشوشنى بالإمنيــــــات
كانت تقوللى بكــره حتكون عظيــــم
لكنى لما كبرت كان بكره مــــــــــات
(حامد البلاسى ).................
أنا بابيع الحى بالميت
وبدون تردد ....
بادوس
ع المكسب المحسوس
علشان عيون فكرة
ف علم الغيب
(فـــؤاد قاعـــود)
.............................
( آدى اللى كان ...
وآدى القدر ...
وآدى المصير
نودع الماضى بحلمه الكبير )
( صلاح جاهين ).................................................. ..........
هكذا ؛نجد مزجاً يعيد كرة الايقاع إلى الحوار مجددا. ففي صوته الشعري تتداخل قوتان صانعتان للأثر الشعري :
الصوت
والمدلول
أنها تجربة اكتشفت الجسور بين نظامين تعبيريين اختلفا طويلا : نظام الايقاع :
الذي اختطف كثيرا في الموسيقى الرسمية، التفعيلات والبحور، ونظام المدلول:
التعبيري المباشر الذي وفر أرضية من شعر جديد تتجاوز المكتمل في وحدات المعنى الشعري الصغيرة، السالفة والمتراكمة؛ .. تبرز لديه دوافع ملحّة لتوحيد نبرتين:
* نبرة الجملة الشعرية المكتفية بمعناها
*ونبرة الروي الخفيضة الهامسة للحدث.
في هذين الحدين تتحرك شعريته التي نجحت وتنجح في هذا المقترح. وقد يتحول هذان الحدان إلى تمظهرين مختلفين هما *الكثافة
والإسهاب.
كثافة المعنى والصوغ، وإسهاب السرد الذي يؤسس للحكاية. ولشخصيته الشعرية ركائز متعددة أهمّها معنيا الزمن عنده:
*الزمن المستعاد
* والزمن القهري.
الأول خيار، والثاني يشترك فيه مع الكل البشري الشاعر:
ملعون الروماتويد
يعنى مانقّاش
من وسط بنات الكون
غيرأول روح
بتخطى معاها لعتبة حلمك ؟!.......................................
ما بقتش تضمك
خايفاك تتعود
ويزيد إحساس اليتم ف قلبك بغيابها
( من قصيدة آخر حصة جبر )من خلال هذا الفهم، يمكننا أن نتلمس تعريفا جديدا للشعر، بوصفه ذلك الأثر الذي يأخذ بأيدي الناس ليقودهم إلى داخل أفئدتهم؛ أي أنه الوسيلة التي تمكِّن الإنسان من التعرف على مجاهله وأعماقه. إذ ثَمَّ ترابط متين بين وضع الشعر في الحياة الاجتماعية وبين وضع القيم الروحية جملةً، بحيث يظل الشعر معافى ما ظلت القيم معافاة.
والحقيقة أن جميع قصائد الشاعر تصلح نماذج في هذا المقام ..وشاعرنا يستفيد من تقنيات الفنون جميعها بعد أن تواشجت ؛ وتداخلت؛ وباتت الحدود بينها منذرة بالتلاشي ؛ ونخص بالذكر هنا فن السينما :
لما أشيل ببساطة شديدة ....
مكياج الدور المتهالك
من فوق تجاعيدى المهزومة
واطلع بره ملامح كادر دورى الثانوى
ف الفيلم الهابط بكيانى لآخر درجة
من درجات المجد الزايف !!
............................
وادخل جرىِّ على البلاتوه
وأشاور للكاميرا CLOSE
وابدأ العب أول مشهد يشهد بعده ...
جيش الكومبارس المتنتور ...
ف الأستوديو ...
ببراعتى ف تجسيد الحالة
اللى استخسر فيا المخرج
إنى أعيشها !!
............................................
يمارسنى خلالهم تهميشى
ف زوايا التصوير الخارجى
للمرة التسعة وتلاتين
بعدها ح اقدر آخد راحتى
ف معايشة دورى
المرسوم لى بكل عناية لشخصية
الماسترسين !!
... إلي آخر النص ( من قصيدة : حلم سكوب )
الشعر الأصيل ظل على الدوام ممثلاً للنزوع الأخلاقي الخيِّر والمُجابِه لمظاهر السقوط والانحطاط؛ لا بل إن الشعر العظيم لم يكن إلا وليد تلك الفترات المأزومة من حياة الإنسانية؛ ومن ثم فإن قلة رواج الشعر بين الناس مردُّه – كما يتراءي لنا – إلى فقدان القدرة على الإيحاء، والافتقار إلى التلقائية، وعدم وجود بؤرة جاذبة تتحلَّق بنيةُ القصيدة حولها، مما يحوِّلها إلى نصٍّ متبعثر وفوضوي إلا أنه لا بدَّ من وجود توازن دقيق بين الذوق والمعيار اللذين يتنازعان السلطة على النص الأدبي، مع ملاحظة أن غاية الشعر تغذية الروح والسمو به إلى أسمى الآفاق، وبالتالي الابتعاد عن التشيُّؤ.
ولكي يتحقق هذا المقصد السامي للشعر أو للقصيدة، لا بدَّ من وسيط ناقل، وهو اللغة الاستثنائية أو الأثيرية التي تعني الصفاء الخالص، المتأتِّي في الأساس عن الخيال البصري، و اللحن العذب الموظَّف، و التناسب بين المعجم والمحتوى.
وبعد .... فإن أشرف الشافعي علي الرغم من أن هذا هو ديوانه الأول فقد حقق شعرية أسهمت في عودة الجذب إلى الفعل الشعري. وحققت شعريته معادلة صعبة. فهي مزيج بين التعبيرية والرومانسية:
* ففي الأولى، يظهر أشرف الشافعي صانع دلالة، ومحتَرِف معنى. *وفي الثانية، تظهر أناه تواجه الجمع المعياري والاجتماعي.
وللغته انسياب لايعاق بالضغط المعياري.
لذا فسوف يظل هذا الديوان أثرا باقيا ؛ ليس لأشرف الشافعي فحسب ؛ بل ..
لـــ ... محمد....
الواقف ورا سور بلكونة روحى
وبيشاور على بكره .
ولـــ ... همسة
البنت اللى صالحت الدنيا عشانها.
ولـــ ... نادية
أول ضى حنين ف ليالى القسوة .
ولصاحبى
اللى انا مش فاكر ليه بقى صاحبى
واللى انا مديون له بحلم مايستهلوش
ولأصحابى ..
اللى انا مش ح الحق اوفيلهم دينى .
يمكن تجمعنا أماكن ...
مافيهاش كوابيسوالله ولي التوفيق
محمود عبد الصمد زكريا