منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 8 من 8

العرض المتطور

  1. #1

    Question «« فهرس الدولة الأموية ؟؟ من الألف إلى الياء »»

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ««««« فهرس الدولة الأموية ؟؟؟ من الألف إلى الياء »»»»»
    ============================

    أسباب سقوط الدولة الأموية
    ***********************
    1 - تولية العهد اثنين، أورثت شقاقاً ومنافسة بين أفراد البيت الأموي.
    2 - ظهور روح العصبية : مضرية يمنية.
    3 - انغماس بعض الخلفاء في التَّرف.
    4 - تعصب الأمويين للعرب.
    سقطت الدولة الأموية سنة (132 هـ = 750 م) لتقوم في الأندلس على يد عبد الرحمن الداخل (عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان - صقر قريش) سنة 138هـ.

    .................................................. .............................................
    مروان بن محمد بن مروان (الثاني)
    ******************************
    هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وأمه أم ولد كردية كانت لإبراهيم بن الأشتر فأخذها محمد بن مروان يوم قتل إبراهيم فولدت له مروان سنة 70 من الهجرة وكان والياً على الجزيرة وأرمينيا كما كان أبوه قبل ذلك وكان الناس يلقبونه بالجعدي لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدرة وغير ذلك. وبويع بالخلافة في دمشق بعد انتصاره على أهلها سنة 127.

    كانت مدة مروان كلها مملوءة بالفتن وال اضطرابات منذ بويع إلى أن قتل.

    وأول ما كان من ذلك خروج عبد اللَّه بن معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب بالكوفة داعياً إلى نفسه وكان معه من الشيعة عدد عظيم جداً وكان والي العراق عبد اللَّه بن عمر بن عبد العزيز فجد في حربه، وكانت العامة تميل إليه لمحبتهم لأبيه فساعد ذلك على أن غلب عبد اللَّه بن معاوية ونفاه عن العراق.

    ثم كان بالشم أفظع من ذلك وهو الخلاف المتوالي على مروان من أهل الأمصار الكبرى فانتفض عليه أهل حمص، وكان له معهم واقعة هائلة انتصر فيها عليهم وقتل منهم مقتلة عظيمة.

    ثم خالف عليه أهل الغوطة فحاربهم وانتصر عليهم. ثم خالف عليه أهل فلسطين ف كانت له معهم وقائع انتصر فيها عليهم؛ ثم ثار عليه سليمان بن هشام بن عبد الملك فإنه قد حسن له بعض دعاة الشر والفتنة خلع مروان وقالوا له أنت أوضأ عند الناس من مروان وأولى بالخلافة. فأجابهم إلى ذلك وسار بإخوته ومواليه معهم فعسكر بقنسرين وكاتب أهل الشام فأتوه من كل وجه وبلغ الخبر مروان وكان بقرقيسياد فأقبل إليه بالجنود ولاقاه بقرية خساف من أرض قنسرين وكانت النتيجة أن انهزم سليمان وجنده وأسر مروان منهم عدداً عظيماً.

    ومضى سليمان في هزيمته حتى وصل حمص فاجتمعت عليه الفلول فقصده مروان، وفي الطريق قابلته جنود سليمان فانهزموا، ولما علم سليمان بهزيمتهم ترك حمص وسار إلى تدمر فأقام بها، وأما مروان فأتى حمص واستولى عليها. فأنتم ترون أن القوة التي كان يرتكز عليها ملك بني أمية وهي جنود الشام فقد انشقت انشقاقاً محزناً تبعاً لانشقاق البيت المالك وهذا أعظم ما ي ساعد العدو الذي يعرف كيف ينتهز الفرص.

    لم تقف الاضطرابات عند هذا الحد بل وجدت بقايا ال خوارج الفرصة لإظهار ما في أنفسهم فخرج الضحاك بن قيس الشيباني وأتى الكوفة واستولى عليها من يد أم يرها عبد اللَّه بن عبد العزيز فهرب عبد اللَّه إلى واسط فتبعوه ولما اشتدت الحرب سلم عبد اللَّه الأمر إلى الضحاك وبايعه وصار من عداد الحرورية وكذلك دخل في هذه البيعة سليمان بن هشام بن عبد الملك ولما تم ذلك للضحاك عاد إلى الموصل فافتتحها واستولى على كورها وكان مروان إذ ذاك محاصراً حمص فل ما بلغه الخبر كتب إلى ابنه عبد اللَّه وهو خليفته بالجزيرة يأمره أن يسير إلى نصيبين فيمن معه ليمنع ال ضحاك عن توسط الجزيرة، فسار إليها في سبعة آلاف فسار إليه الضحاك وحصره في نصيبين وكان مع الضحاك نحو من مائة ألف ولما انتهى مروان من أمر حمص سار لمقابلة الضحاك فالتقى به في نواحي كفر توتا فحصلت بين الفريقين موقعة عظيمة قتل فيها الضحاك فولى الخوارج عليهم سعيد بن بهدل الخيبري أحد قواد الضحاك و أعادوا الكرة على جند مروان فانهزم القلب وفيه مروان ووصل الخيبري إلى خيمته وثبتت الميمنة والميسرة ولما رأى أهل العسكر قلة من مع الخيبري ثار إليه العبيد بعمد الخيم فقتلوه هو ومن معه وبلغ الخبر مروان وقد جاز المعسكر بخمسة أميال منهزماً فانصرف إلى عسكره ورد خيوله إلى مواقعها وبات ليلته في عسك ره.

    ولما علم الخوارج بقتل الخيبري ولو بدله شيبان بن عبد العزيز اليشكري فأقام يقاتل مرو ان ولكنه لما رأى أن الناس يتفرقون عنه انصرف بمن معه إلى الموصل فتبعهم مروان وأقام يقاتلهم ستة أشهر.

    في أثناء ذلك سير مروان يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق بالجنود فأجلى الخوارج عن أمصاره وضبطها ولما تم له ذلك سير جنداً لمساعدة مروان فلما علم شيبان بذلك كره أن يكون بين عدوين فرحل عن الموصل فسير مروان في أثره جنداً وأمر القائد أن يقيم حيث يقيم شيبان وأن لا يبدأه بقتال فإن قاتله شيبان قاتله فلم يزل يتبعه حتى لاقاه بجيرفت وهزمه هزيمة منكرة فمضى شيبان إلى سجستان فهلك لها وذلك سنة 130.

    ومن الذين خرجوا على مروان وشغلوه المختار بن عوف الأزدي الشهير بأبي حمزة وكان يوافي الموسم كل سنة يدعو إلى خلاف مروان بن محمد ولم يزل على ذلك حتى وافى عبد اللَّه بن يحيى في آخر سنة 128 فقال يا رجل اسمع كلاماً حسناً آراك تدعو إلى حق فانطلق معي فإني رجل مطاع في قومي فخرج حتى ورد حضرموت فبايعه أبو حمزة على الخلافة ودعا إلى خلاف مروان وآل مروان.

    وبينما الناس بعرفة سنة 129 إذا طلعت عليهم أعلام وعمائم سود على رؤوس الرماح وهم سبعمائة ففزع الناس حين رأوهم و سألوهم عن حالهم فأخبرهم بخلافهم مروان وآل مروان فراسلهم عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك وهو يو مئذ على مكة والمدينة وطلب منهم الهدنة فقالوا نحن بحجنا أضن وعليه أشح فصالحهن على أنهم جميعاً آمنون بعضهم من بعض حتىينفر الناس النفر الأخير.

    فوقفوا بعرفة على حدة ولما كان النفر الأول نفر عبد الواحد فيه وخلى مكة فدخلها أبو حمزة بغير قتال ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فضرب على أهلها البحث وزادهم في العطاء عشرة واستعمل عليه عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عمر بن عثمان فمضوا حتى إ ذا كانوا بقديد لقيتهم جنود أبي حمزة فأوقعت بهم وقتلت منهم مقتلة عظيمة وذلك لسبع بقين من صفر سنة 130 ثم سار أبو حمزة حتى دخل المدينة من غير أن يلقى فيها حرباً.

    ثم إن أبا حمزة ودع أهل المدينة وسار نحو الشام وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف فارس واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي وأمره أن يجد في السير ويقاتل الخوارج فإذا ظفر بهم سار حتى يبلغ اليمن ويقاتل عبد اللَّه بن يحيى فسار ابن عطية حتى لقي أبا حمزة بوادي القرى فقاتله حتى قتله وهزم أصحابه ثم سار إلى المدينة فأقام بها شهراً وبعد ذلك سار إلى اليمن وبلغ عبد اللَّه بن يحيى مسيره إليه وهو بصنعاء فأقبل إليه بمن معه ولما التقيا قتل عبد اللَّه وحمل رأسه إلى الشام.

    كل هذه المشاغل والفتن التي كانت با لشام والحجاز شغلت مروان عن خراسان وما كان يجري فيها فكان ذلك أعظم مساعد لشيعة بني العباس ورئ يسهم المقدام أبي مسلم الخراساني على أخذ خراسان ومبايعة أهلها على الرضا من بني العباس ثم مدوا سل طانهم إلى العراق فاستولوا عليه من عمال بني أمية وسنفصل حديثهم وما كان منهم حينما نشغل بتاريخ الدولة العباسية.

    وفي شهر ربيه الأول سنة 132 بويع بالكوفة لأبي العباس السفاح أول الدولة ال عباسية. وبعد أن تم له الأمر بالعراق فكر في إرسال الجند لمروان حتى يقضي عليه القضاء الأخير، فاختار عمه عبد اللَّه بن علي قائداً لذلك الجند حتى التقى بمروان وجنده على نهر الزاب لليلتين خلتا من جمادي الآخرة سنة 132 وهناك كانت الموقعة العظمى بين الجندين وانتهت بهزيمة مروان بن محمد بعد أن قتل ممن معه مقتلة عظيمة وكانت الهزيمة لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادي الآخرة وصار مروان ينتقل من بلد إلى آخر وعبد اللَّه بن علي يتبعه ولما جاز مروان أرض الشام قاصداً مصر أرسل عبد اللَّه في أثره أخاه صالح بن علي فلم يزل وراءه حتى عثر به نازلاً في كنيسة بقرية بوصير وبعد قتال خفيف قتل مروان لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 132 وبقتله انتهت أيام الدولة الأموية وابتدأ عصر الخلافة العباسي {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} [آل عمران: 26].

    .................................................. .............................................
    يزيد بن الوليد بن عبد الملك (الثالث)
    ******************************
    هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان وأمه أم ولد اسمها شاه آفريد بنت فيروز بن جرد بن شهريار بن كسرى.

    بو يع بالخلافة بعد مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك لليلتين بقيتا من جمادي الآخرة سنة 126، وكان يسمى يزيد ال ناقص، قيل لأنه نقص من أعطيات الناس ما زاده الوليد بن يزيد وردها إلى ما كانت عليه زمن هشام. وكانت ولا ية يزيد فاتحة اضطراب في البيت الأموي ومبدأ انحلاله وذهاب سعادته.

    وأول ما كان من الاض طرابات بالشام قيام أهل حمص ليأخذوا بثأر الوليد ممن قتله وأمروا عليه معاوية بن يزيد بن حصين و نابعهم على ما أرادوا من ذلك مروان بن عبد اللَّه بن عبد الملك وكان عاملاً للوليد على حمص وهو من سادة بني مروان نبلاً وكرماً وعقلاً وجمالاً؛ فلما بلغ يزيد خبرهم أرسل إليهم رسلاً فيهم يعقوب بن هانىء و كتب إليهم أنه ليس يدعو إلى نفسه وإنما يدعو إلى الشورى فلم يرضى بذلك أهل حمص وطردوا رسل يزيد وحينئذ جهز لهم جيشاً عليه سليمان بن هشام فسار ذلك الجيش حتى نزل حوارين. كان أهل حمص يريدون الذهاب إلى دمشق فأشار عليهم مروان بن عبد اللَّه أن يبدءوا بقتال هذا الجيش فاتهموه فقتلوه هو وابنه وولوا أبا محمد السقباني وتركوا جيش سليمان ذات اليسار وساروا إلى دمشق فسار سليمان مجداً في أثرهم فلحقهم بالسليمانية وكان يزيد قد أرسل جنداً آخر يقدمه عبد العزيز بن الحجاج فاجتمع الجندان على أهل حمص فهزموهم وقتلوا منهم عدداً عظيماً ولما رأوا ذلك دانوا ليزيد وبايعوه.

    وكما فعل أهل حمص فعل أهل ف لسطين فإنهم طردوا عاملهم وولوا أمرهم يزيد بن سليمان بن عبد الملك وكذلك فعل أهل الأردن وولوا محمد بن عبد الملك واجتمعوا مع أهل فلسطين على قتال يزيد بن عبد الملك فسير إليهم يزيد سليمان بن هشام في أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع السقباني وكانت عدتهم أربعة وثمانين ألفاً ولم تتم لأهل فلسطين وال أردن لأنهم اختلفوا فتفرق أمرهم وانتهوا بالبيعة ليزيد.

    وكما كان هذا الخلاف والشقاق بالشام كان الأمر على أشد من ذلك بالعراق والمشرق فإن يزيد ولي العراق منصور بن جمهور وعزل عنه ي وسف بن عمر فذهب منصور إلى الكوفة وأخذ البيعة بها ليزيد ثم أرسل العمال إلى خراسان فامتنع نصر بن سيار من تسليم عمله إلى عمال منصور وضبط البلاد وأعطى الناس بعض أعطياتهم فطالبوه ببقية العطاء فأبى ذلك عليهم، فقام في وجهه رجل من كبار اليمن هو جديع بن علي الأزدي المعني ويلقب بالكرماني لأنه ولد بك رمان وقام معه اليمانية يريدون إفساد الأمر على نصر فقامت النزارية مع نصر عصبية له وبذلك نبض عرق العصبية الجاهلية بين الحيين العظيمين من العرب وهما اليمانية والنزارية، فاستحضر نصر الكرماني وحبسه فاحتالت الأزد حتى أخرجوه من محبسه وجمع الناس لحرب وكادت تقع بينهما لولا أن سعى الناس للصلح بينهما ولكنه صلح على فساد لأن كلاً منهما كان يخاف الآخر وبهذا صارت بلاد خراسان مرعى هنيئاً لدعاة بني ال عباس، ولم يكن عند ولاة الأمر من بني أمية بالشام ما يمكنهم من سد هذه الثلمة التي أثاروها على أنفسهم بهذا الانشقاق المؤذن بالانحلال.

    لم تطل مدة يزيد في الخلافة فإنه توفي لعشر بقين من ذي ال حجة سنة 126 بعد خمسة أشهر واثنين وعشرين يوماً من استخلافه وكان قد عهد بالولاية من بعده لأخيه إبراهيم بن الوليد ثم لعبد العزيز بن عبد الملك. فلما توفي يزيد قام بالأمر من بعده أخوه إبراهيم غير أنه لم يتم له الأمر فكان تارة يسلم عليه بالخلافة وتارة بالإمارة وتارة لا يسلم عليه بواحدة منهما.

    وسبب ذلك أن مروان بن محمد بن مروان والي الجزيرة وأرمينية لم يرضى ولاية إبراهيم فسار إلى الشام في جنود الجزيرة فاستولى على قنسرين وحمص ولما وصل عين الحر قابلته جنود أرسلت لحربه من قبل إبراهيم بن الوليد فانتصر عليهم مروان وخزمهم هزيمة منكرة ثم أخذ عليهم مروان البيعة له ثم سار حتى أتى دمشق فاستولى عليها وبايعه أهلها وهرب إبراهيم بن الوليد فأمنه مروان ولعدم تمام الأمر ل إبراهيم لم يعده المؤرخون من الخلفاء.

    .................................................. .............................................
    ولاية العهد ووفاة هشام وصفته
    **************************
    كان ولي العهد بحسب وصية يزيد بن عبد الملك هو الوليد بن يزيد فبدا لهشام أن يعزله ويولي بدله ابنه مسلمة واحتال لذلك فلم يفلح وإن كان قد أجابه بعض القواد إلى ما أراد وقد انتهى زمن هشام والوليد مباعد له نازل بالأزرق على ماء له بالأردن

    وفاة هشام:

    لست خلون من شهر ربيع الآخر سنة 125 توفي هشام بن عبد ا لملك وكانت خلافته تسع عشرة سنة وستة أشهر وأحد عشر يوماً من 25 شعبان سنة 105 إلى ربيع الأول سنة 125

    صفته:

    كان هشام مشهوراً بالحلم والعفة، شتم مرة رجلاً من الأشراف فقال له الرجل أما تستحي أن تشتمني وأنت خليفة اللَّه في الأرض. فاستحيا منه هشام وقال اقتص مني قال إن أنا سفيه مثلك قال فخذ مني عوضاً من المال قال ما كنت لأفعل، قال فهبها للَّه، قال هي للَّه ثم لك. فنكث هشام رأسه واستحيا وقال واللَّه لا أعود لمثلها أبدا ً.

    .................................................. .............................................
    الأحوال الداخلية في عهده
    *********************
    في العراق والشرق ــ كان أمير العراق ــ حين ولي هشام عمر بن هبي رة وكان لهشام فكر حسن في أهل اليمن فعزل ابن هبيرة وولي بدله خالد بن عبد اللَّه القسري وهو قحطاني. فاختار لولاية خراسان أخاه أسد بن عبد اللَّه واستعمل الجنيد بن عبد الرحمن على السند.

    ولّ َى هشام خراسان أشرس بن عبد اللَّه السلمي وأمره أن يكاتب خالداً وكان أشرس فاضلاً خيراً وكانوا يسمونه الكامل لفضله، فلما قدم خراسان فرحوا به ولأول عهده أرسل إلى أهل سمرقند وما وراء النهر يدع وهم إلى الإسلام على أن توضع عنهم الجزية فسارع الناس هناك إلى الإسلام فكتب صاحب الخراج إلى أشرس إن الخراج قد انكسر فكتب أشرس سمرقند إن في الخراج قوة للمسلمين وقد بلغني أن أهل الصغد و أشباههم لم يسلموا رغبة إنما أسلموا تعوذاً من الجزية فانظر من اختتن وأقام الفرائض وقرأ سو رة من القرآن فارفع خراجه.

    كان رسول أشرس إلى الصغد بدعوة الإسلام أبا الصيداء صالح بن طريف فلما رأى العمال يطالبون من أسلم بالجزية منعهم من ذلك فلجوا ولج وكانت النتيجة أن عصى الصغد وأعانهم أبو الصيداء ومن كان معه فاحتال أمير جند أشرس على أبي الصيداء وبقية الرؤساء الذين ساعدوه حتى جيء بهم فحبسهم واستخف بعدذلك بعظماء العجم والدهاقين فكفر أهل الصغد واستجاشوا ال ترك فأعانوهم.

    لما علم بذلك أشرس خرج غازياً في جنوده حتى عبر النهر من عند آهل فأقبل الصغد والترك وكانت بين الفريقين موقعة عظيمة كاد المسلمون ينهزمون فيها لولا أن رجعوا فثبتواحتى هزموا عدوهم، ثم سار أشرس حتى نزل بيكند فقطع العدو عنهم الماء وكادوا يهلكون عطشاً لولا أن انتدب شجعانهم إلى الترك فأزالوهم عن الماء واستقى الناس ثم غلبوهم على مواقعهم فأزالوا عنها وهزمو هم.

    وفي سنة 111 عزل هشام أشرس بن عبد اللَّه عن خراسان واستعمل بدله الجنيد بن عبد الرحمن المري فلما جاء خراسان فرق عماله ولم يستعمل إلا مضرياً.

    وفي سنة 112 خرج غازياً يريد ط ارستان فوجه جنداً عدده ثمانية عشر ألفاً إلى طخارستان وجنداً عدده عشر آلاف إلى وجه آخر فكتب إليه أمير سمرقند أن خاقان ملك الترك جاش فخرجت إليهم فلم أطلق أن أمنع حائط سمرقند فالغوث الغوث فأمر الجنيد الجند بعبور النهر. فقال له ذوو الرأي ممن معه إن أمير خراسان لا يعبر النهر في أقل من خمسين أل فاً وأنت قد فرقت جندك، قال فكيف بسورة (أمير سمرقند) ومن المسلمين لو لم أكن إلا في بني مرة أو من طلع معي من الشام لعبرت ثم عبر فنزل كش وتأهب للمسير فبلغ الترك خبره فغوروا الآبار فسار الجند بال ناس حتى صار بينه وبين سمرقند أربعة فراسخ ودخل الشعب فصبحه خاقان في جمع عظيم وزحف إليه أهل الصغد وفرغانة والشاش وطائفة من الترك وهنا ظهرت العزائم الثابتة من قواد المسلمين فأبلوا بلاء حسناً مع قلة عددهم وكثرة عدوهم ولما اشتد القتال ورأى الجنيد شدة الأمر استشار أصحابه فقال له عبد اللَّه بن حبيب اختر إما تهلك أنت أو سورة بن الحر، قال هلاك سورة أهون علي قال فاكتب إليه فلي أتك في أهل سمرقند فإنه إذا بلغ الترك إقباله توجهوا إليه فقاتلوه فكتب الجنيد إلى سورة يأمره بالق دوم، فرحل سورة عن سمرقند في اثني عشر ألفاً فلما كان بينه وبين الجنود فرسخ واحد لقيهم فقاتلهم أشد ق تال فانكشف الترك وثار الغبار فلم يبصروا وكان من وراء الترك لهب فسقطوا فيه وسقط العدو وال مسلمون وسقط سورة فاتقدت فخذه وتفرق الناس فقتلهم الترك ولم ينج منهم إلا القليل.

    وفي سنة 116 عزل الجنيد عن خراسان وولي بدله عاصم بن عبد اللَّه الهلالي وكان هشام قد غضب على الجنيد لأنه تزوج الفاصلة بنت يزيد المهلب فقال لعاصم إن أدركته وبه رمق فأزهق نفسه فجاء عاصم وقد مات الجنيد فأراحه اللَّه من هذا الشر الذي صار عادة في هذه الدولة ولم يكتف عاصم بذلك بل أخذ عمال الجنيد وعذ بهم.

    وفي عهده خرج عليه الحارث بن سريج لابساً السواد داعياً إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه وال بيعة للرضا وتبعه خلق كثير فاستولى على البلخ والجوزجان ثم قصد مرو بها عاصم فقابله على أبوابها فهزمه هزيمة منكرة وغرق من جنده بشر كثير في أنهار مرو وفي النهر الأعظم وهرب الحارث.

    وفي سنة 119 غزا أسد الختل وغلب على قلعتهم العظمى وفرق العسكر في أودية الختل فملئوا أيديهم من الغنا ئم والسبي وهرب أهله إلى الصين وفي سنة 120 توفي أسد ببلخ وكان من خيرة الولاة بخراسان وأبعدهم همة وأشدهم شكيمة.

    وفي سنة 111 عزل هشام مسلمة ورد الجراح فدخل بلاد الخزر من ناحية نفليس ففتح مد ينتهم البيضاء وانصرف سالماً فجمعت الخزر جموعها واحتشدت وساعدتهم الترك من ناحية اللان فلقيهم ا لجراح فيمن معه من أهل الشام فاقتتلوا أشد قتال رآه الناس فصبر الفريقان وتكاثرت الخزر والترك على المسلمين فقتل الجراح ومن معه بمرج أردبيل، وبذلك طمع الخزر في البلاد وأوغلوا فيها حتى قاربوا الوصل وعظم الخطب. فلما علم ذلك هشام استعمل على تلك البلاد سعيداً الحرشي وأتبعه بالجنود، ولما و صل وأرزن فلول الجراح فأخبرهم معه حتى وصل إلى خلاط فافتتحها عنوة ثم سار عنها وفتح القلاع وال حصون شيئاً بعد شيء إلى أن وصل برذع فنزلها.

    وفي سنة 114 قدم على هشام مروان بن محمد فشكا إليه مسلمة وأنه لم يفعل شيئاً مع هذا العدو الشديد وطلب إليه أن يوليه أرمينية وأن يمده بمائة وعشرين ألف مقاتل ليوقع بالخزر والترك وقعة يؤدبهم بها فأجابه إلى ذلك هشام وعزل مسلمة وولي مروان الجزي رة وأرمينية وأذربيجان وسير الجنود إليه فدخل مروان بلاد الخزر وسار فيها حتى انتهى إلى آخرها وملك ا لخزر ينفض بجموعه أمامه ذليلاً فأقام مروان في تلك البلاد أياماً ودخل بلاد السرير فأوقع بأهله وفتح أقلاها ودان له الملك ولما رأى أهل تلك البلاد ما عليه مروان من القوة صالحوه فعاد عنهم وكان مروان أن يلح على أهل تلك البلاد بإظهار القوة حتى لم يكونوا يحدثون أنفسهم بحربه وخافه الترك خوفاً شديداً و دانت له جميع البلاد على شاطىء بحر الخزر.



    في الشمال:

    كانت الحرب لا تن قطع بين المسلمين والروم من جهة الحد الشمالي للبلاد الإسلامية ولتلك كانت حماية الثغور مما يهتم به ال خلفاء جد الاهتمام ويولون أمرها كبار القواد وكانت الشواتي والصوائف دائمة الحركة، وممن اشتهر بقيادة الجيوش في تلك الأصقاع مروان بن محمد قبل أن يولي أرمينية ومسلمة بن عبد الملك ومعاوية بن هشام وسعيد بن هشام وسليمان بن هشام، وقد افتتحوا في غزواتهم بلداناً كثيرة رومية منها قونية وخرشنة وق يسارية وكثيراً من الحصون والقلاع.

    وكانت مراكب البحر لا تزال تغير على الروم من البحر وكان أمير البحر في عهد هشام عبد الرحمن بن معاوية بن خديج ومن أكبر القواد عبد اللَّه بن عق بة.

    ومما ينبغي ذكره في حروب الروم قتل عبد الوهاب بن بخت سنة 113، وكان يعزو مع عبد اللَّه البطال أرض الروم فانهزم الناس عن البطال فحمل عبد الوهاب وصاح أنا عبد الوهاب بن بخت، أمن الجنة تفرون ثم تقدم في نحر العدو فمر برجل يقول واعطشاه، فقال تقدم الري أمامك فخالط القوم فقتل، وفي سنة 122 قتل عبد اللَّه البطال وكان كثير الغزو إلى بلاد الروم والإغارة على بلادهم وله عندهم ذكر عظيم وكانوا يخافونه خوفاً شديداً وسيره عبد الملك بن مروان مع ابنه مسلمة إلى بلاد الروم وأمره على رؤوس أهل الجزيرة والشام وأمره أن يجعله على مقدمته وطلائعه وقال إنه ثقة شجاع مقدام فجعله مسلمة على عشرة آلاف فارس فكان بينه وبين الروم.


    في الحجاز:

    كان والي الحجاز محمد بن هشام المخزومي خال عبد الملك بن مروان وفي سنة 106 حج هشام بن عبد الملك.

    واستمر أمير الحجاز محمد بن هشام وهو الذي يقيم الناس حجهم إلا في سنة 116 فإن الذي أقام الحج هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك و لي العهد وفي سنة 123 حج يزيد بن هشام بن عبد الملك.

    ولم يحصل في الحجاز حوادث ولا ثورات في عهد هشام.

    .................................................. .............................................
    ولاية العهد ووفاة يزيد
    ******************
    كان يزيد يريد تولية ابنه الوليد من بعده، فقيل له إنه صغير، فولى أخاه هشاماً ومن بعده ابنه الوليد.

    لأربع عشرة من شهر ربيع الأول سنة 64 (10 نوفمبر سنة 683 م) توفي يزيد بن معاوية بحوران من أرض الشام وسنه تسع وثلاثون سنة ومدة خلافته ثلاث سنوات وثمانية أشهر و أربعة عشر يوماً.

    .................................................. .............................................
    يزيد بن عبد الملك
    ****************
    هو يزيد بن عبد الملك بن مروان ولد سنة 65 وعهد إليه سليمان بن عبد الملك بالخلافة بعد عمر بن عبد العزيز فلما توفي عمر بويع بها فلما تولى عمد إلى كل صالح فعله عمر فأعاده إلى ما كان عليه وهو أول خليفة من بني أمية عرف بالشراب وقتل الوقت في معاشرة القيان. وفي أول عهده كانت فتنة يزيد بن المهلب فإنه لما هرب من محبس عمر وبلغه موته وخلافة يزيد بن عبد الملك قصد البصرة وعليها عدي بن أرطاة فاستولى عليها وعلى ما يليها من فارس والأهواز فبعث إليه يزيد بن عبد الملك جيشاً عظيماً يقوده أخوه مسلمة بن عبد الملك. خطب ابن المهلب أهل البصرة وأخبرهم أنه يدعوهم إلى كتاب اللَّه وسنته وحثهم على الجهاد وزعم أن جهاد أهل الشام أعظم ثو اباً من جهاد الترك والديلم. فسمعه الحسن البصري سيد فقهاء أهل البصرة فقال واللَّه لقد رأيناك والي اً وموالياً عليك فما ينبغي لك ذلك فقام إليه أناس فأسكتوه خوفاً من أن يسمعه ابن المهلب.

    و روى الطبري أن الحسن مر على الناس وقد اصطفوا صفين وقد نصبوا الرايات والرماح وهم ينتظرون خروج ابن المهلب وهم يقولون يدعونا إلى سنة العمرين فقال الحسن إنما كان يزيد بالأمس يضرب أعناق هؤلاء ال ذين ترون ثم يسرح بها إلى بني مروان يريد بهلاك هؤلاء القوم رضاهم فلما غضب غضبة نصب نصباً ثم وضع عليها خرقاً ثم قال إني قد خالفتهم فخالفوهم قال هؤلاء القوم نعم وقال إني أدعوكم إلى سنة العمرين وإن من سنة العمرين أن يوضع قيد في رجله يرد إلى محبس عمر الذي فيه حبسه.

    وولي ابن هبيرة سعيد الخرشي على خراسان وكانت له مع الصغد أهل سمرقند وقائع عظيمة من كثرة ما نقضوا كاد يستأصلهم في ها.

    وفي عهده دخل جيش للمسلمين بلاد الخزر من أرمينية وعليهم ثبيت النهراني فاجتمعت الخزر في جمع كثير وأعانهم قفجاق وغيرهم من أنواع الترك فلقوا المسلمين بمكان يعرف بمرج الحجارة فاقتتلوا هناك قتالاً شديداً فقتل من المسلمين بشر كثير واحتوت الخزر على عسكرهم وغنموا جميع ما فيه وأقبل ال منهزمون إلى الشام فقدموا على يزيد بن عبد الملك وفيهم ثبيت فوبخهم يزيد على الهزيمة فقال يا أمير المؤمنين ما جبنت ولا نكبت عن لقاء العدو ولقد لصقت الخيل بالخيل والرجل بالرجل ولقد طاعنت حتى انقصف رمحي و ضاربت حتى انقطع سيفي، غير أن اللَّه تبارك وتعالى يفعل ما يريد.

    ولما غلب الخزر هذه المرة طمعوا في بلاد المسلمين فجمعوا وحشدوا واستعمل يزيد الجراح بن عبد اللَّه الحكمي حينئذ على أرمينية و أمده بجيش كثيف وأمره بغزو الخزر وغيرهم من الأعداء فسار الجراح حتى وصل برذعة، وبعد أن استراح سار نحو الخزر فعبر نهر الكرو، ولما وصل إلى مدينة الباب والأبواب لم يجد فيها أحداً من الخزر فدخلها بغير قتال ثم أقبل إليه الخزر وعليهم ابن ملكهم فقاتلهم الجراح وظفر بهم ظفراً عظيماً ثم سار حتى نزل على حصن يعرف بالحصين أهله بالأمان على مال يحملونه فأمنهم وتسلم حصنهم ونقلهم عنه.

    ثم سار إلى بلنجر، وهو حصن عظيم من حصونهم فنازله وافتتحه عنوة بعد قتال زاغت فيه الأبصار، ثم إن الجراح أخذ أولاد صاحب بلنجر وأهله وأرسل إليه فحضر ورد إليه أمواله وأهله وحصنه وجعله عيناً لهم يخبره بما يفعل العدو، ثم سار عن بلنجر فنزل على حصن الوبندر وبه نحو أربعين ألفاً من الترك فصالحوا الخراج على مال يؤدونه، وعلى الجملة فقد كان الجراح أعظم الولادة أثراً وفتحاً في تلك البلاد القاصية.

    .................................................. .............................................
    عمر بن عبد العزيز
    ****************
    هو عمر بن عبد العزيز بن مروان ولد سنة 62 هجرية وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولي الخلافة بعد سليمان بن عبد ا لملك باستخلافه إياه.

    لما مات سليمان خرج رجاء بعهده الذي لم يكن فتح وجمع بني أمية في مسجد دابق وطلب منهم المبايعة مرة ثانية لمن سماه سليمان في كتابه فلما تمت بيعتهم أخبرهم بوفاة أمير المؤمنين وقرأ عليهم الكتاب ولما انتهى أخذ بضبعي عمر فأجلسه على المنبر وهو يسترجع لما وقع فيه وهشام بن عبد الملك يسترجع لما أخطأه.

    ولما تمت البيعة بمراكب الخلافة البراذين والخيل والبغال ولكل دابة سائس فقال ما هذا قالوا مركب الخلافة قال دابتي أوفق لي وركب دابته فصرفت تلك الدواب ثم أ قبل سائراً فقيل له منزل الخلافة فقال فيه عيال أبي أيوب وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا فأقام في منز له حتى فرغوه بعد.

    كان عمر بن عبد العزيز بعيداً عن كبرياء الملوك وجبروتهم فأعاد إلى ال ناس سيرة الخلفاء الراشدين الذين كانوا ينظرون إلى أمتهم نظر الأب البار ويعدلون بينهم في الحقوق و يعفون عن أموال الرعية والدنيا عندهم أهون من أن يهتم بجمعها كذلك كان عمر بن عبد العزيز.

    في أول خلافته أرسل كتاباً عاماً إلى جميع العمال بالأمصار هذه نسخته أما بعد فإن سليمان بن عبد الملك كان عبداً من عبيد اللَّه أنعم اللَّه عليه ثم قبضه واستخلفني ويزيد بن عبد الملك من بعدي إن كان، وإن الذي ولاني اللَّه من ذلك وقدر لي ليس على بهين ولو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج واعتقال أموال كان في الذي أعطاني من ذلك ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه وأنا أخاف فيما ابتليت به حساباً شديداً ومسألة غليظة إلا ما عافى اللَّه ورحم وقد بايع من قبلنا فبايع من قبلك. وهذا الكتاب ينبىء عن حقيقة الرجل وت واضعه وبعده عن الزهو والكبرياء وشعوره بعظيم ما ألقي عليه من أمر المسلمين.

    مما يدل على حبه للعدل والوفاء أن أهل سمرقند قالوا لعاملهم سليمان بن أبي السرح إن قتيبة غدر بنا وظلمنا وأخذ بل ادنا وقد أظهر اللَّه العدل والإنصاف فأذن لنا فليفد منا وفد إلى أمير المؤمنين يشكون ظلامتنا فإن ك ان لنا حق أعطيناه فإن بنا إلى ذلك حاجة فأذن لهم فوجهوا منهم قوماً إلى عمر فلما علم عمر ظلامتهم كتب إلى سليمان يقول له إن أهل سمرقند قد شكوا ظلماً أصابهم وتحاملاً من قتيبة عليهم حتى أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة فأجلس لهم سليمان جميع بن حاضر.

    ومن أعماله العظيمة تركه لسب علي بن أبي طالب على المنابر وكان بنو أمية يفعلونه فتركه وكتب إلى الأمصار بتركه. وكان الذي وقر ذلك في ق لبه أنه لما ولي المدينة كان من خاصته عبيد اللَّه بن عتبة بن مسعود من فقهاء المدينة فبلغه عن عمر شيء مما يقول بنو أمية فقال عبيد اللَّه متى علمت أن اللَّه غضب على أهل بدر وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهمفقال لم أسمع ذلك قال فما الذي بلغني عنك في علي فقال عمر معذرة إلى اللَّه وإليك وترك ما كان عليه فلما استخلف وضع مكان ذلك {إن اللَّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء وال منكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل: 9] فأي شر رفع وأي خير وضع قال في ذلك كثير عزة:

    وليت فلم تشتم عليا ولم تخف
    تكلمت بالحق المبين وإنما
    وصدقت معروف الذي قلت بالذي
    ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه

    بريا ولم تتبع مقالة مجرم
    تبين آيات الهدى بالتكلم
    فعلت فأضحى راضياً كل مسلم
    من الأود البادي ثقات المقوم


    ومن إصلاحه أمره بعمل الخانات في البلدان القاصية فقد كتب إلى سليمان بن أبي السرح أن اعمل خانات فمن مر بك من المسلمين فأقروه يوماً وليلة وتعهدوا دوابهم ومن كانت به علة فأقروه يومين وليلتين وإن كان منقطعاً فأبلغه بل ده.

    ومما يذكر له أن أبطل مغارم كثيرة كانت قد استحدثت في عهد الحجاج بن يوسف فقد كتب إلى أمير العراق أما بعد فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام اللَّه وسنة خبيثة سنها عليهم عمال السوء وإن قوام الدين العدل والإحسان فلا يكون شيء أهم إليك من نفسك فلا تحملها إلا قليلاً من ا لإثم ولا تحمل خراباً على عامر وخذ منه ما طاق وأصلحه حتى يعمر ولا يؤخذن من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض ولا تأخذ أجور البيوت ولا درهم النكاح ولا خراج على من أسلم من أهل الذمة فاتبع في ذلك أمري فإني قد وليتك من ذلك ما ولاني اللَّه.

    ومما فعله أنه نهى عن تنفيذ حكم أو قطع إلا بعد أن يراجع فيه بعد أن كانت الدماء قبله تراق من غير حساب بل على حسب هوى الأمير.

    ومن الحكمة أن لا يتساهل في مثل هذه الحدود وضم رأي الخليفة إلى رأي القاضي الذي حكم ضمان كبير لأن يكون الحكم قد وقع موقعه.

    رده المظالم لأهلها لما ولى الخلافة أحضر قريشاً ووجوه الناس فقال لهم إن فدك كانت بيد رسول اللَّه فكان يضعها حيث أراد اللَّه ثم وليها أبو بكر وعمر كذلك ثم أقطعها مروان ثم إنها قد صارت إلي ولم تكن من مالي أعود منها علي وإني أشهدكم قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول ا للَّه وقال لمولاه مزاحم أن أهلي أقطعوني ما لم يكن لي أن آخذ ولا لهم أن يعطونيه وإني قد هممت برده على أربابه.

    كان عمر غير مترف فكان مصرفه كل يوم درهمين وكان يتقشف في ملبسه كجده عمر بن الخطاب ولم يتزوج كعمر غير فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وكان أولاده يعينونه على الخير وكان أشدهم معونة له ابنه عبد الملك.

    وعلى الجملة فإن عمر بن عبد العزيز من أفراد الخلفاء الذين لا يسمح بهم الق در كثيراً ويرى المسلمون أن عمر هو الذي بعث على رأس المائة الثانية ليجدد للأمة أمر دينها كما جاء في حديث »إن اللَّه يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها «.

    لم يحدث في عهد عمر شيء من الحوادث الداخلية المهمة إلا ما كان من القبض على يزيد بن المهلب واحضاره إلى عمر فسأله عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك فقال كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت وإنما كتبت إلى سليمان ل أسمع الناس وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني به فقال لا أحد في أمرك إلا حبسك فاتق اللَّه وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها وحبس بحصن حلب.

    ومن الحوادث الخارجية في عهده أنه كتب إ لى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام وقد كانت سيرته بلغتهم فأسلم ملوك السند وتسموا بأسماء ال عرب.

    واستقدم مسلمة بن عبد الملك من حصار القسطنيطينية وأمر أهل طرندة بالقفول عنها إلى م لطية وطرندة داخلة في البلاد الرومية من ملطية ثلاث مراحل وكان عبد اللَّه بن عبد اللَّه قد أسكنها ال مسلمين بعد أن غزاها سنة 83 وملطية يومئذ خراب وكان يأتيهم جند من الجزيرة يقيمون عندهم إلى أن ينزل الثلج ويعودون إلى بلادهم فلم يزالوا إلى أن ولي عمر فأمرهم بالعودة إلى ملطية وأخلى طرندة خوفاً على المسلمين من العدو وأخرب طرندة.



    وفاة عمر بن عبد العزيز:

    في 25 رجب سنة 101 ت وفي عمر بن عبد العزيز بدير سمعان وكانت مدته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام

    .................................................. .............................................
    الفتوح في عهده
    ******************
    في عهد إمارة يزيد بن المهلب خراسان فتح دهستان بعد أن حاصرها مدة طويلة ثم أتى جرجان فصالحه أهلها وخلف فيهم جنداً وسار إلى طبرستان فقاتله بها الأصبهبذ قتالاً شديداً ثم صالحه أخيراً وبينا هو محاصر طبرستان بلغه أن أهل جرجان غدروا بعامله وقتلوه هو ومن معه فعاد إليهم وفتح جرجان الفتح الأخير وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وكان فتحه لهذه البلاد فتحاً عظيماً لأنها كانت ارتدت وقطعت الطريق على المسلمين وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك أما بعد فإن اللَّه قد فتح لأمير ا لمؤمنين فتحاً عظيماً وصنع للمسلمين أحسن الصنع فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان وقد أعيا ذلك سابور ذا الأكتاف وكسرى ابن قباذ وكسرى بن هرمز وأعيا ال فاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومن بعدهما من خلفاء اللَّه حتى فتح اللَّه ذلك لأمير المؤمنين ك رامة من اللَّه له وزيادة في نعمه عليه وقد صار عندي من خمس ما أفاء اللَّه وأنا حامل ذلك لأمير المؤمنين إن شاء اللَّه.

    في بلاد الروم:
    في عهد سليمان سنة جهز أخاه مسلمة بن عبد الملك بجند عظيم لفتح القسطنطينية وأمره أن يقيم عليها حتى يفتحها أو يأتيه بها أمره فجاءها وحصرها وشتى بها وصاف و مات سليمان وهو له محاصر.

    .................................................. .............................................
    سليمان بن عبد الملك
    ******************
    هو سليمان بن عبد الملك بن مروان ولد سنة 54 من الهجرة.

    بويع با لخلافة بعد موت أخيه وكان بالرملة من أرض فلسطين، وكانت لأول عهده أحداث خير وشر.

    كان سلي مان يبغض الحجاج وأهله وولاته وكان الحجاج يخشى أن يموت الوليد قبله فيقع في يد سليمان فعجل اللَّه به وكان على العكس من ذلك يميل إلى يزيد بن المهلب عدو الحجاج الألد، فلما ولي سليمان كان أول عمل بدأ به أن ولي يزيد بن أبي كبشة السكسي السند فأخذ محمد بن القاسم وقيده وحمله إلى العراق فقال محمد ممثلاً:
    أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
    فبكى أهل السند على محمد، فلما وصل إلى العراق حبس بواسط.
    ثم عذبه صالح بن عبد الرحمن في رجال من آل أبي عقيل حتى قتلهم وبذلك انتهت حياة هذا القائد إرضاء لأهواء الخليفة حتى تقر نفسه بالانتقام وتناسى ما فعله ذلك القائد من عظيم الأعمال، ولا ندري كيف تنبغ القواد وتخلص ق لوبهم إذا رأوا أن نتيجة أعمالهم تكون على مثل ذلك.

    أما القائد الثاني قتيبة بن مسلم فإنه كان ممن وافق الوليد على غرضه في عزل سليمان وتولية ابنه عبد العزيز فاضطغنها عليه سليمان وهو يعد من صنائع الحجاج فلما ولي سليمان أشفق منه قتيبة وخاف أن يولي خراسان يزيد بن المهلب، فكتب إليه كتاباً ي هنئه ويعزيه عن الوليد وبعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد وأنه لو على مثل ما كان لهما عليه من ال طاعة والنصيحة إن لم يعزله عن خراسان وكتب كتاباً ثانياً يعلمه فيه فتوحه ونكايته وعظم قدره عند ملوك العجم وهيبته في صدورهم وعظم صوته. ويذم المهلب وآل المهلب ويحلف لئن استعمل يزيد على خراسان ليخل عنه.

    وكتب كتاباً ثالثاً فيه خلعه وأرسل الكتب الثلاثة مع رجل باهلي وقال له ادفع إليه ال كتاب الأول. فإن كان يزيد بن المهلب حاضراً فقرأ ورماه إليه فادفع إليه الثاني، فإن قرأه ورماه إليه فادفع إليه الثالث. فإن قرأ الكتاب الأول ولم يرمه إليه، فاحتبس الكتابين الآخرين. فقدم رسول قتيبة على سليمان وعنده يزيد بن المهلب فدفع إليه الكتاب الأول فقرأه ورماه إلى يزيد فدفع إليه الثاني فقرأه ورماه إلى يزيد فأعطاه الثالث فقرأه.

    فتعمر وجهه واحتبس الكتاب في يده وحول الرسول إلى دار الضيافة. ولما أمسى أجاز الرسول وأعطاه عهد قتيبة على خراسان فخرج حتى إذا كان بحلوان بلغه ما كان من أن قتيبة غير مطمئن إلى سليمان فأجمع رأيه على خلعه فدعا الناس الذين معه إلى ذلك فأبى عليه الناس وولوا أمرهم وكيعاً سيد بني تميم فثاروا على قتيبة حتى قتلوه هو وإخوته وأكثر بنيه. قال رجل من عجم خراسان يا معشر العرب قتلتم قتيبة واللَّه لو كان منا فمات فينا جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إ ذا غزونا وما صنع أحد قط بخراسان ما صنع قتيبة إلا أنه قد غدر وذلك أن الحجاج كتب إليه أن أحتلهم و اقتلهم وكانوا يسمون قتيبة هناك ملك العرب فانظروا كيف كانت قوة قتيبة وسيادته في الجماعة وكيف ضاع ذلك كله بسبب هذه الفتنة التي تعجلها قتيبة وما كان ضره لو تأنى.

    كانت قيس تزعم أن قت يبة لم يخلع وإنما تجنى عليه وكيع وعلى كل حال فإن الذي حصل كان موافقاً لهوى سليمان بن عبد الملك.

    وأما القائد الثالث وهو موسى بن نصير فإن خاتمة حياته كانت أتعس من صاحبيه فإنه قبل أن يتوفى الوليد استقدمه إلى دمشق فقدم وقد مات الوليد وكان سليمان منحرفاً عنه فعزله عن جميع الأعمال و حبسه وأغرمه مالاً عظيماً لم يقدر على وفائه فكان يسأل العرب في معونته وعلى الجملة فإن فاتحة عهد س ليمان لم تكن مما يسر لما أصاب هؤلاء القواد العظام من التعس بعد بلائهم.

    أما العامة فإنهم استبشروا به لأنه أزاح عنهم عمال الجور والعسف الذين كانوا عليهم في عهد أخيه وأطلق الأسارى وخلى أهل السجون وأحسن إلى الناس.

    .................................................. .............................................
    وفاة الوليد بن عبد الملك
    ********************
    في منتصف جمادى الآخرة سنة 96 هـ توفي بدير مران الوليد بن عبد الملك (25 فبراير سنة 715 م) بعد أن مكث في الخلافة تسع سنين وثمانية أشهر من منتصف شوال سنة 86 إلى منتصف جمادى الثانية سنة 96.وكانت سنه إذ توفي ستاً وأربعين سنة وكان له من الأولاد تسعة عشر ابناً.
    .................................................. .............................................
    ولاية العهد
    *********
    كان عبد الملك قد ولي عهده ابنيه الوليد ثم سليمان ولم يعتبر بما كان منه في حق أخيه عبد العزيز وقد أعاد الوليد عمل أبيه فأراد عزل سليمان وتولية عبد العزيز بن الوليد و دعا الناس إلى ذلك فلم يجبه إلا الحجاج بن يوسف وقتيبة بن مسلم وخواص من الناس فأشار على الوليد بعض خاصته أن يستقدم سليمان ويريده على خلع نفسه وبيعة عبد العزيز فكتب إليه فاعتل فأراد الوليد أن يسير إ ليه فأمر الناس بالتأهب ولكن منيته حالت دون ذلك. ومن هذا كان الجفاء الشديد بين سليمان والحجاج ومن على رأيه.
    .................................................. .............................................
    الفتوح في عهد الوليد
    *****************
    اشتهر في زمن الوليدأربعة قواد عظام كان لهم أجمل الأثر في الفتح الإسلامي وهم:

    1ــ محمد بن القاسم بن محمد الثقفي.
    2ــ قتيبة بن مسلم الباهلي.
    3ــموسى بن نصير.
    4ــ مسلمة بن عبد الملك بن مروان.

    فأما القاسم بن محمد: فإنه ك ان أميراً على ثغر السند من قبل الحجاج بن يوسف وكان الحجاج قد ضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام وجهزه بكل مااحتاج إليه فسار القاسم إلى بلاد السند حتى أتى الديبل فنزل عليه وكان به بد عظيم والبد منارة عظ يمة تتخذ في بناء لهم فيه صنم أو أصنام لهم وكان كل شيء أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد وكانت كتب الحجاج ترد على محمد وكتب محمد ترد على الحجاج بصفة ما قبله واستطلاع رأيه فيما يعمل به كل ثلاثة. ولم يزل القاسم حاصراً للديبل حتى خرج العدو إليه مرة فهزمهم ثم أمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها الرجال ففتحت عنوة وقتل عامل داهر عليها ثم بنى مسجداً وأنزلها أربعة آلاف، ثم أتى البيرون فأقام أهله ال علوفة للقاسم وأدخلوه مدينتهم وكانوا قد بعثوا سمينين إلى الحجاج فصالحوه فوفى لهم محمد بن القاسم با لصلح ثم جعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبر نهر دون مهران فأتاه سمين سريبدس فصالحوه على من خلفهم وو ظف عليهم الخراج وسار إلى سهبان ففتحها ثم إلى مهران فبلغ ذلك داهر ملك السند فاستعد لمحاربته ثم إن محمد عبر مهران وهو نهر السند على جسر عقد فالتقى بداهر في جنوده الكثيرة؛ وهو على فيل وحوله الفيلة فاق تتلوا قتالاً شديداً لم يسمع وترجل داهر وقاتل فقتل عند المساء وانهزم المشركون.

    ولما ق تل داهر غلب محمد على بلاد السند، ثم فتحوا راور عنوة ثم أتى برهمناباذ العتيقة فقاتله بها فل داهر ولكنهم انهزموا فخلف بها عاملاً، ثم سار فتلقاه أهل ساوندرى وسألوه الأمان فأعطاهم الأمان فأع طاهم إياه واشترط عليهم ضيافة المسلمين، ودولتهم ثم تقدم إلى يسمد فصالح أهلها على مثل صلح مثل صلح ساو ندرى.

    ثم انتهى إلى الرور وهي من مدائن السند فحصر أهلها ثم فتحها صلحاً على أن يقتلهم ولا ي عرض لبدهم؛ وقال ما البد إلا ككنائس النصارى، واليهود، وبيوت نيران المجوس، ووضع عليهم الخراج وبنى بالرور مسجداً، ثم سار حتى قطع نهر بباس إلى الملتان فقاتله أهل الملتان فهزمهم حتى أدخلهم المدينة و حصرهم ثم نزلوا على حكمه فقتل كثيراً منهم وأصاب فيها مغانم كثيرة وافرة وكان بد الملتان تهدي إليه ا لأموال وتنذر له لنذور ويحج ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده فحاز محمد ذلك كله.

    وفي ذلك الوقت ب لغته وفاة الحجاج فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور وكان قد فتحها فأعطى الناس ووجه إلى البيلمان جيشاً فلم يقاتلوه وأعطوا الطاعة وسالمه أهل سرست ثم أتى الكرج فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم ال عدو وهرب دوهر. بعد هذه الفتوح العظيمة التي نشرت ظل الإسلام على جميع بلاد السند مات الوليد بن عبد الملك فوقف أمر محمد وسنتكلم بعد على خاتمة حياته.

    وأما قتيبة بن مسلم: فكان أميراً على خراسان للحجاج بن يوسف ولاه عليها بعد المفضل بن المهلب سنة 86.

    ثم عرض الجند في السلاح وال كراع وسار واستخلف على مرو. فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ وعظماؤهم فساروا معه ولما قطع النهر تلقاه ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب فدعاه إلى بلاد فأتاه وأتى ملك مفتان بهدايا وأموال، ودعاه إلى بلاده فمضى مع الصغانيان فسلم إليه بلاده وكان ملك آخرون وشومان قد أساءه جواره وضيق عليه فسار قتيبة إلى آخرون وشومان وهما من طخستان فجاءه الملك فصالحه على فدية أداها فقبلها قتيبة ورضي ثم عاد إلى مرو واستخلف على الجند ولما علم بذلك الحجاج كتب إليه يلومه ويعجز رأيه في تخليفه الجند وكتب إليه إذا غزوت فكن في مقدم الناس وإذا قفلت فكن في أخرياتهم وساقتهم.

    وفي سنة 87 قدم على قت يبة نيزك وصالحه وكان سبب ذلك أنه كان في يد نيزك أسرى من المسلمين، فكتب إليه قتيبة يأمره بإطلاقهم وي تهدده، فخالفه نيزك فأطلق الأسرى فوجه إليه قتيبة يطلب منه القدوم عليه وحلف باللَّه لئن لم يفعل ليغزونه وليطلبنه حيث كان لا يقلع عنه حتى يظفر به أو يموت قبل ذلك. فقدم عليه نيزك وصالحه على أهل بادغيس على أن لا يدخلها.

    وبعد ذلك غزا قتيبة بيكند وهي أدنى مدائن بخارى إلى النهر فلما نزل بهم استنصر الصغد واستمدوا من حولهم فأتوهم في جمع كثير وأخذوا بالطريق فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل إليه رسول ولم يجز له خبر شهرين وأبطأ خبره على الحجاج فأشفق على الجند والقتال دائر بين قتيبة وعدوه وذات يوم لقي ال مسلمون عدوهم بجد أنزل اللَّه عليهم نصرهم فانهزم العدو عنهم يريدون دخول المدينة فحال المسلمون بينهم وب ينها فتفرقوا وركب المسلمون أكنافهم واعتصم بالمدينة عدد قليل دخلها ولما رأوا قتيبة ابتدأ بهدمها سألوه الصلح فصالحهم وولى عليهم أميراً وسار عنهم فلما كان على خمسة فراسخ بلغه أن أهل بيكند غدروا بالعامل فقتلوه وأصحابه فرجع إليهم وفتح المدينة عنوة فقتل مقاتلها وأصاب فيها مغانم كثيرة ثم عاد إلى مرو.

    ولما كان الربيع سار عن مرو في عدة حسنة من الدواب السلاح وعبر النهر حتى أتى نو مشكث وهي من بخارى فصالحه أهلها ثم سار إلى رامثينة فصالحه أهلها فانصرف عنهم وزحف إليه الترك معهم الصغد وأهل فرغانة فاعترضوا المسلمين في طريقهم فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً أبلى فيه نيزك بلاء حسناً وهو مع قتيبة حتى انهزم الترك وفض جمعهم ثم رجع إلى مرو فقطع النهر من ترمذ يريد بلخ ثم أتى مرو.

    ثم أراد أن يفتح بخارى فعبر النهر ومضى إلى بخارى فنزل خرقانة السفلى فلقيته جموع كثي رة فقاتلهم وهزمهم ولما وصل بخارى استعد له ملكها فلم يظفر من البلد بشيء فرجع إلى مرو وكتب إلى ال حجاج فكتب إليه الحجاج أن صورها لي فبعث إليه بصورتها فكتب إليه الحجاج أن ارجع إلى مراغتك فتب إلى ا للَّه مما كان منك وائتها من مكان كذا فخرج قتيبة من مرور سنة 90 فانتصر ملك بخارى بالصغد والترك من حولهم، ولكن قتيبة سبقهم إلى بخارى فحصروها وفي أثناء الحصار جاء أهل بخارى المدد فخرجوا لقتال المس لمين فصبروا لهم ثم جال المسلمون وركبهم المشركون فحطموهم حتى دخلوا عسكر قتيبة في القلب وجاوزه حتى ضرب النساء وجوه الخيل وبكين فكر الناس راجعين وانطوت مجنبتا المسلمين على الترك فقاتلوهم حتى ردهم إلى مواقفهم فوقف الترك على نشر فقال قتيبة من يزيلهم لنا من هذا الموضع فلم يجبه أحد فمشى إلى بني تميم و قال لهم يوم كأيامكم أبي لكم الفداء فأخذ وكيع وهو رأسهم اللواء بيده وقال يا بني تميم أتسلمونني اليوم قالوا لا يا أبا مطرف وكان هزيم بن أبي طلحة المجاشعي على خيل بني تميم فقال وكيع اقدم يا هزيم ودفع إليه الراية وقال قدم خيلك فتقدم هزيم ودب وكيع في الرجال فانتهى هزيم إلى نهر بينه وبين العدو فقال له وكيع أق حم يا هزيم فنظر إليه هزيم نظر الجمل الصؤول وقال أنا أقحم خيلي هذا النهر فإن انكشفت كان هلاكها واللّ َه إنك لأحمق فقال وكيع مغضباً أتخالفني وحذفه بعمود كان معه فضرب هزيم فأقحمه قال ما بعد أشد منه و عبر هزيم في الخيل وانتهى وكيع إلى النهر فدعا بخشب فقنطر النهر وقال لأصحابه من وطن منكم نفسه على ال موت فليعبر ومن لا فليثبت مكانه فعبر معه 800 راجل فدب فيهم حتى إذا أعيوا أقعدهم فأراحوا ثم دنا ال عدو فجعل الخيل مجنبتيه وقال هزيم إني مطاعن القوم فأشغلهم عنا بالخيل وقال للناس شدوا فحملوا فما تثنوا حتى خالطوهم وحمل هزيم خيله عليهم فطاعنونهم بالرماح فما كفوا عنهم حتى حدروهم عن موقفهم وهزموهم وجرح في هذا اليوم خاقان ملك الترك وابنه. ولما تم الفتح كتب به قتيبة إلى الحجاج ولما تم لقتيبة ما أراد من بخارى هابه أهل الصغد فطلبوا صلحه فصالحهم على فدية يؤدونها.

    وفي سنة 93 فتح قتيبة مدائن خوارزم صلحاً وكانت مدينة الفيل أحصنهم ثم غزا سمرقند وهي مدينة الصغد ففتحها بعد قتال شديد و بنى بها مسجداً وصلى فيه وكان معه في هذه الغزوة أهل بخارى وخوارزم ولما فتحها دعا نهار بن توسعة ف قال يا نهار أين قولك:



    ألا ذهب الغزو المقرب للغني
    أقام بمرو الروذ رهن ضريحه


    ومات الندى والجود بعد المهلب
    وقد غيبا عن كل شرق و مغرب


    أفغزوا هذا يا نهار قال هذا أحسن وأنا الذي أقول:



    وما كان مذ كنا ولا كان قبلنا
    أعم لأهل الترك قتلا بسيفه


    ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم
    وأكثر فينا مقسماً بعد مقسم




    ثم ارتحل قتيبة راجعاً إلى مرو واستخلف على سمرقند عبد اللَّه بن مسلم وخلف عنده جنداً كثيفاً وآله من آلات الحرب كثيرة. ثم انصرف إلى مرو فأ قام بها.

    وفي سنة 94 غزا قتيبة شاش وفرعانة حتى بلغ خجندة وكاشان مدينتي فرغانة وقاتله أهل خجندة قتالاً شديداً فهزمهم ثم أتى كاشان فافتتحها وفي سنة 96 افتتح مدينة كاشغر وهي أدنى مدائن الصين سار إليها من مرو فمر بفرغاته وجاءه وهو بها موت الوليد بن عبد الملك فلم يقعده ذلك عن الغزو وسار إلى كاشغر فافتتحها وكان بينه وبين ملك الصين هناك مراسلات وأرسل إليه قتيبة وفداً عليهم هبي رة بن المشمرخ الكلابي فلما كلمهم ملك الصين قال لهم قولوا لقتيبة ينصرف فإني قد عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا بعثت إليكم من يهلككم ويهلكه، فقال له هبيرة كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك و آخرها في منابت الزيتون وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا قادراً عليها وغزاك وأما تخويفك إيانا بالقتل فإنا لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه. قال فما الذي يرضي صاحبك، قال إنه قد حلف أن لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويعطي الجزية. قال فأنا نخرجه من يمينه نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطؤه ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم ونبعث إليه بجزية يرضاها ثم دعا بصحاف من ذهب فيها تراب وبعث بحرير وذهب وأربعة غلمان من ملوكهم ثم أجاز الوفد فساروا حتى قدموا على قتيبة فقبل ال جزية وختم الغلمة وردهم ووطىء التراب ثم عاد إلى مرو.

    هكذا فتح هذا القائد العظيم تلك ال بلاد الواسعة وضمها إلى المملكة الإسلامية فانتشر فيها الإسلام حتى أخرجت العظماء من كتاب المسل مين وفقائهم ومحدثيهم وعلمائهم. كانت لقتيبة همة لم تعرف عن الكثير من قواد الجنود وكان له في سياسة جنده الغاية فأحبهم وأحبوه وساقهم إلى الموت فلم يبالوا وسنتكلم بعد على خاتمة حياته.

    وأما موسى بن نصير: فإنه ذلك القائد العظيم الذي فتح الأندلس وأدخل الإسلام في قارة أورو با.

    وأما مسلمة بن عبد الملك فإن عزيمته ظهرت في حروب الروم فكان كل سنة يسير الجنود فيفتتح ما أمامه من الحصون العظيمة التي أقامها الروم لحفظ بلادهم وربما كان يغزو معه العباس بن الوليد بن عبد الملك. ومن الحصون التي افتتحوها حصن طوانة وحصن عمورية وإذاورلية وهرقلة وقمونية وسيسطية والمرزبانين وطرسوس وكثير وغيرها حتى هابهم الروم.

    .................................................. .............................................
    الإصلاح الداخلي
    **************
    كان الوليد ميالاً إلى العمارة فاهتم في زمنه بإصلاح الطرق وتسهيل السبل في الحجاز وغيره في سنة 88 إلى عامله بالمدينة عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر الآبار في البلدان وكتب إلى سائر البلاد بذلك فعمل عمر بالمدينة الفوارة التي يستقي منها أهل المدينة وأجرى إليها الماء وأمر لها بقوام يقومون عليها.

    وإصلاح الطرق من أهم ما يذكر لولاة الأمر في إصلاح البلاد.

    ومن أعماله العظيمة بناء ذينك المسجدين العظيمين مسجد المدينة وجامع دمشق ففي السنة المتقدمة أمر عمر بن عبد العزيز بهدم المسجد النبوي وهدم بيوت أزواج الرسول وإدخالها في ال مسجد وأن يشتري دوراً في مؤخره ونواحيه ليتسع حتى يكون مئتي ذراع في مثلها ومن أبى فليقوم داره قيمة عدل وتهدم ويدفع إليهم ثمنها فإن لك في ذلك سلف وصدق عمر وعثمان.

    وأرسل إليه الوليد بالفعلة وا لبنائين من الشام فعمل في ذلك عمر مع فقهاء المدينة وبعث الوليد إلى ملك الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول اللَّه R ويطلب منه أن يعينه فيه فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب وبعث إليه بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين جملاً فابتدىء بعمارته وأدخلت جمع الحجر التي لأزواج رسول اللَّه R ولم يبق إلا حجرة عائشة التي فيها القبور الثلاثة وكان من رأي بعض أهل المدينة أن لا تكون في المسجد حذر أن يستقبلها بعض المسلمين في صلاتهم يشبهونها بالكعبة ففكر في ذلك عمر وقد هداه الفكر أن يثلث جهتها ا لشمالية حتى تنتهي بزاوية لا يمكن استقبالها فصار شكل الحجرة مخمساً.

    أما جامع دمشق وهو ا لمعروف بالجامع الأموي فإن الوليد احتفل له احتفالاً عظيماً حتى خرج مناسباً لعظمة المملكة الإسلام ية ولا يزال شيء من آثاره شاهداً بتلك العظمة وكان الناس في حايته قد شغفوا بالعمارة تبعاً له حتى كانت مسألتهم عنها إذا تقابلوا. وبنى الوليد المصانع في الشام لتسهيل الاستقاء.

    ومن ال إصلاح العظيم حجره على المجذومين أن يسألوا الناس وجعل لهم من العطاء ما يقوم بحياتهم وأعطى كل مقعد خادماً وكل ضرير قائداً.

    ومن حسنات الوليد استعانته في عمله بعمر بن عبد العزيز الذي أعاد سيرة سلف هذه الأمة الصالح فقد ولاه المدينة سنة 77 فقدمها وسنه 25 سنة فنزل دار مروان ولما صلى ال ظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة عروة بن الزبير وعبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الل َّه بن عمرو وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد وهم إذ ذاك سادة فقهاء الدنيا فلما دخلوا عليه أجلسهم ثم حمد اللَّه وأثنى عليه إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون عليه وتكونون فيه أعواناً على الحق ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم فإن رأيتم أحداً يتعدى أو ب لغكم عن عامل لي ظلامة فأحرج اللَّه على من بلغه ذلك إلا بلغني. فخرجوا يجزونه خيراً وافترقوا وبهذا العمل جدد فيهم سيرة عمر بن الخطاب وهو جده من قبل أمه.
    قد عزله الوليد عن المدينة سنة بسبب ش كوى من الحجاج.

    .................................................. .............................................
    الحال في عهد الوليد
    ****************
    كانت مدة الوليد غرّة في جبين الدولة الأموية ففيها قام بإصلاح داخلي عظيم، واشتهر في الأمة قواد عظام فتحوا الفتوح العظيمة وأضافوا إلى المملكة الإسلامية بلاداً و اسعة واستردوا هيبتها في أنفس الأمم المجاورة لها. وسبب ذلك أن الوليد تولى بعد أن وطأ عبد الملك الأمور ومهدها فاستلمها الوليد والأمة هادئة مطمئنة مجتمعة الكلمة وخبت نار الأهواء فإن الخو ارج ذهبت حدتهم وشوكتهم وقلت جموعهم وشيعة آل البيت نالهم ما جعلهم يهتمون بأنفسهم، فلم يحركوا ساكنا ً، ولم يوقظوا فتنة.
    .................................................. .............................................
    الوليد بن عبد الملك (الأول)
    ***********************
    هو الوليد بن عبد الملك بن مروان وأمه ولادة بنت العباس بن جزء العبسي. ولد سنة 50 من الهجرة ولم تكن له ولاية العهد إ لا بعد وفاة عمه عبد العزيز بن مروان ولما توفي أبوه عبد الملك بويع بالخلافة في اليوم الذي مات فيه. لما رجع من دفنه بدمشق لم يدخل منزله حتى صعد على منبر دمشق، فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إنه لا مقدم لما أخر اللَّه، ولا مؤخر لما قدم اللَّه، وقد كان من قضايا اللَّه وسابق علمه، وما ك تب على أنبيائه وحملة عرشه الموت وقد صار إلى منازل الأبرار ولي هذه الأمة بالذي يحق عليه للَّه من ا لشدة على المريب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام اللَّه من منار الإسلام وأعلامه من حج البيت وغزو هذه الثغور وشن هذه الغارة على أعداء اللَّه فلم يكن عاجزاً ولا مفرطاً. أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوج الجماعة فإن الشيطان مع الفرد. أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عي ناه ومن سكت مات بدائه. ثم قام إليه الناس فبايعوه.
    .................................................. .............................................
    بيت عبد الملك
    ***********
    تزوج عبد الملك:

    1ــ ولادة بنت العباس بن جزء العبسي فولدت له الوليد وسليمان ومروان الأكبر.
    2ــ عاتكة بنت يزيد بن معاوية فولدت له يزيد ومروان و معاوية وأم كلثوم.
    3ــ أم هشام بنت هشام بن إسماعيل المخزومي« فولدت له هشاماً.
    4ــ عائ شة بنت موسى بن طلحة التيمي فولدت له أبا بكر واسمه بكار.
    5ــ أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان فولدت له الحكم.
    6ــ أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد المخزومي فولدت له فاطمة.
    7ــ شق راء بنت سلمة بن حليس الطائي.
    8ــ ابنة لعلي بن أبي طالب.
    9ــ أم أبيها بنت عبد اللَّه بن جعفر.

    وله من الأولاد عبد اللَّه ومسلمة والمنذر وعنبسة ومحمد وسعيد الخير والحجاج لأمهات الأولاد

    .................................................. .............................................
    وفاة عبد الملك
    *************
    في يوم الخميس منتصف شوال سنة 86 هـ (أكتوبر سنة 705 م) توفي عبد الملك بدمشق فكانت مدة خلافته منذ بويع بالشام إحدى وعشرين سنة وشهراً ونصفاً من مستهل رمضان سنة 65 هـ إلى منتصف شوال سنة 86 هـ وكانت خلافته منذ قتل ابن الزبير واجتمعت عليه الكلمة ثلاث عشرة سنة و خمسة أشهر بناء على أن ابن الزبير قتل في 17 جمادي الأولى سنة 73 وكان عمر عبد الملك ستين سنة لأنه ولد سنة 26 هـ.
    .................................................. .............................................
    المعركة مع التوابين
    *****************
    كان مروان قبل وفاته قد جهز جيشاً يقوده عبد اللَّه بن زياد إلى الجز يرة ومحاربة زفر بن الحارث بقرقيسيا واستعمله على كل ما يفتحه فإذا فرغ من الجزيرة توجه إلى ال عراق وأخذه من ابن الزبير فلما كان بالجزيرة بلغه موت مروان وأتاه كتاب عبد الملك يستعمله على ما استعمله عليه أبوه ويحثه على المسير إلى العراق فسار حتى إذا كان بعين الوردة قابلته جنود مقبلة من العراق لم يبعثهم أمير ولكنهم خرجوا للمطالبة بدم الحسين وسموا أنفسهم التوابين وهم جماعة الشيعة ندموا على خذلانهم الحسين بن علي ولم يروا أنهم يخرجون من هذا الذنب إلا إذا قاموا للمطالبة بثأره وق تلوا قتلته وكان رئيسهم كبير الشيعة بالكوفة سليمان بن صرد الخزاعي فما زالوا يجمعون آلة الحرب و يدعون الناس سراً إلى ما عزموا عليه حتى تم لهم ما أرادوا سنة 65 فخرجوا حتى إذا كانوا بعين الوردة قابلتهم جنود الشام فكان بين الفريقين موقعة عظيمة قتل فيها سليمان بن صرد رئيس الشيعة ومعظم من معه ونجا قليل منهم وكانوا نحواً من ستة آلاف ولما بلغ عبد الملك قتل سليمان قام خطيباً في أهل الشام فقال إن اللَّه قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنه ورأس ضلالة سليمان بن صرد ألا وإن السيوف قد تركت رأس المسيب خذاريف وقد قتل اللَّه منهم رأسين عظيمين ضالين مضلين عبد اللَّه بن سعد الأزدي وعبد اللَّه بن وال البكري. ولم يبق بعدهم من عنده امتناع.

    بعد مقتل هؤلاء ثار بالكوفة رجل الفتنة الكب ير المختار بن أبي عبيد الثقفي وكان وثوبه بها رابع عشر ربيع الأول سنة 66 فأخرج منها عامل ابن ال زبير وهو عبد اللَّه بن مطيع وكان وثوبه باسم محمد بن الحنفية. زاعماً أنه هو الذي أرسله للأخذ بثأر الحسين ولقبه بالإمام المهدي.

    ثم إن المختار تخير الجند لمحاربة ابن زياد وجعل قائدهم إبراه يم بن الأشتر فسار حتى التقى بجنود الشام على نهر الخارز فكان بين الفريقين موقعة هائلة انتصر فيها ابن الأشتر وقتل عبيد اللَّه بن زياد بعد أن ذهب من جند الشام عدد وافر قتلاً وغرقاً في نهر الخازر ولما انتهت الموقعة أرسل ابن الأشتر العمال إلى البلاد الجزرية.

    وبذلك عاد أمر العراق لابن الزبير وكان الأمر بالشام ومصر لعبد الملكبن مروان أن يجمع كلمة الناس عليه فتجهز لقصد ال عراق.

    ثم سار عبد الملك إلى العراق فبلغ خبره مصعباً فتجهز له وجعل على مقدمته إبراهيم بن الأشتر فتقابل الجيشان بمسكن، وكان كثير من أهل العراق كاتبوا عبد الملك وكاتبهم فكانت نياتهم فاسدة فلما حصلت الموقعة انهزم أهل العراق وبقي مصعب مع قليل من المخلصين له.

    بذلك لم يبق خارجاً عن سلطان عبد الملك إلا الحجاز فوجه وهو بالكوفة جنداً إلى مكة بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لقتال عبد اللَّه بن الزبير فسار إليه في جمادي الأولى سنة 72 هـ فلما وصل مكة حصر ابن الزبير بها و رماها بالمجانيق ولم يزل الأمر على ذلك حتى اشتدت الحال على أهل مكة من الحصار فتفرقوا عن ابن الزبير وخرجوا بالأمان إلى الحجاج وكان ممن فارقه ابناه حمزة وحبيب ولما رأى ابن الزبير أنه لم يبق معه إلا قليل لا يغنون عنه شيئاً.

    فقاتل ابن الزبير حتى قتل وكانت سنه ثلاثاً وسبعين سنة وبعد قتله صلبت جثته ثم أنزلت بأمر من عبد الملك.

    مكث ابن الزبير خليفة بالحجاز تسع سنين لأنه بويع له سنة 64 وبقتل ابن الزبير صفا الأمر لعبد الملك في جميع الأمصار الإسلامية، واجتمعت عليه الكلمة وب قي الحجاج والياً على مكة والمدينة حتى سنة 75 وفيها عزله عبد الملك عنهما وولاه العراقين فسار إلى ال كوفة في اثني عشر راكباً على النجائب حتى دخلها فبدأ بالمسجد فصعد المنبر وهو متلثم بعمامة خز حمراء فاجتمع إليه الناس. وهو ساكت قد أطال السكوت حتى أراد بعضهم أن يحصبه ثم كشف اللثام عن و جهه.

    وفي سنة 89 ولى الحجاج عبيد اللَّه بن أبي بكرة سجستان فغزا رتبيل وقد كان يفعل مصالحاً وقد كانت العرب قبل ذلك تأخذ منه خراجاً وربما امتنع فلم يفعل فبعث الحجاج إلى ابن أبي بكرة يأمره بغزوه فتوغلوا في بلاده فأصيبوا وهلك معظمهم ونجا أقلهم فرأى الحجاج أن يجهز إليهم جنداً فجهز عشرين ألفاً من البصرة ومثلهم من الكوفة.

    وجد في ذلك وشمر وأعطى الناس أعطياتهم كملاً وأخذهم بالخيول الروائع والسلاح الكامل واستعرض ولا يرى رجلاً تذكر منه شجاعة إلا أحسن معوفته ولما استتب أمر ذينك الجندين ولى عليهم عبد الرحمن بن الأشعث فسار حتى قدم سجستان فصعد منبرها وقال أيها الناس إن الأمير الحجاج ولاني ثغركم وأمرني بجهاد عدوكم الذي استباح بلادكم وأباد أخياركم فإياكم أن يتخلف منكم رجل فيحل بنفسه العقوبة اخرجوا إلى معسكركم فعسكروا به مع الناس.

    ولما دخل ال ناس فارس قال بعضهم لبعض إذا خلعنا الحجاج فقد خلعنا عبد الملك فخلعوه وبايعوا عبد الرحمن على ك تاب اللَّه وسنه ورسوله وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين، ولما بلغ الحجاج خبره بعث إلى عبد الملك ي خبره ويسأله أن يوجه الجنود إليه فهاله الأمر وبادر بإرسال الجنود الشامية إليه والحجاج مقيم بالبصرة فلما اجتمعت الجنود إليه سار بها حتى نزل تستر وقدم بين يديه مقدمته فقابلتها جنود ابن الأشعث فهزمت مقدمة الحجاج يوم الأضحى سنة 81 وأتت الحجاج الهزيمة فانصرف راجعاً حتى نزل الزاوية وجاءت جنود ابن الأشعث حتى نزلت البصرة فبايعه أهلها وكان دخوله إليها في آخر ذي الحجة ثم تقابل الجندان بالزاوية فهزمت جنود الحجاج.

    أما ابن الأشعث، فقد تقلبت به الأحوال؛ وانتهى أمره إلى أن توجه إلى رتب يل مستغيثاً به، فكتب الحجاج إلى رتبيل يأمره أن يرسل إليه ابن الأشعث ويتوعده إن لم يفعل، فأراد رتبيل أن يرسله، فقتل ابن الأشعث نفسه بأن ألقى نفسه من فوق قصر فمات ثم ضرب رتبيل عنق بضعة عشر رجلاً من أقاربه، وأرسل بالرؤوس إلى الحجاج.

    .................................................. .............................................
    عبد الملك بن مروان
    *****************
    هو عبد الملك بن مروان بن الح كم ولد سنة 26 هـ بالمدينة وأمه عائشة بنت معاوية بن الوليد بن المغيرة بن العاص بن أمية. ولما شب كان عاقلاً حازماً أديباً لبيباً وكان معدوداً من فقهاء المدينة يقرن بسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقال الشعبي ما ذاكرت أحداً إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك فإني ما ذاكرته حديثاً إلا زادني ف يه، ولا شعراً إلا زادني فيه.
    .................................................. .............................................
    ترجمة مروان بن الحكم
    ********************
    هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان الكناني ولد في السنة الثانية من الهجرة وأسلم أبوه الحكم يوم الفتح فنشأ مروان مسلماً وكان في عهد عثمان بن عفان كاتباً له ومدبراً وولي لمعاوية المدينة جملة مرات ولما مات يزيد أوشك أن يذهب إلى ابن الزبير فبايعه لولا عبد اللَّه بن زياد فإنه أشار عليه أن يطلب الخلافة لنفسه لأنه شيخ بني أمية فاستشرف لها ووجد من ينصره على ذلك وتم له الأمر بعد وقعة مرج راهط وكان أمره في الشام ومصر لم ي تجاوزهما حتى مات وولي أمر الأمة من بعده ابنه.
    .................................................. .............................................
    توليه الحكم لمروان بن الحكم
    *************************
    خرج الضحاك بمجموعة فنزل مرج راهط بيده واجتمع بنو أمية بالجابية فتشاورا فيمن يلي أمر المسلمين واتفق رأيهم أخيراً على تولية مروان ابن الحكم فبايعوه لثلاث خلون من ذي القعدة سنة 64 هـ.

    ولما تمت بيعته بالناس من الجابية إلى مرج راهط وبه ال ضحاك بن قيس ومن على رأيه واجتمع على مروان كلب وغسان والسكاسك والكون وكانت بين الفريقين مواقع هائلة عشرين ليلة في مرج راهط وكانت الغلبة أخيراً لمروان.

    ولما تم الأمر لمروان بالشام سار إلى مصر فافتتحها وبايعه أهلها ثم عاد إلى دمشق فأقام بها.

    لم تطل مدة مروان في سلطانه فإنه توفي في رمضان سنة 65 هـ وكان قد عهد بالخلافة لأبنيه عبد الملك ثم عبد العزيز.

    .................................................. .............................................
    حال الشام
    ********
    كان رأس بني أمية بالشام مروان بن الحكم، وكان أمير دمشق الضحاك بن قيس وكان هواه في ابن الزبير يدعو له وأمير حمص النعمان بن بشير وأمير قنسرين زفر بن الحارث الكلابي وهواهم كلهم في ابن الزبير يدعون له وكان أمير فلسطين حسان بن مالك الكلبي وهواه في بني أمية وقد بايعه على الدعوة لهم أهل الأردن على شرط أن يجنبهم هذين الغلامين عبد اللَّه وخالداً ابني يزيد لأنهم قالوا إنا نكره أن يأتينا الناس بشيخ نأتيهم بغلام فكتب حسان إلى الضحاك بن قيس كتاباً يعظم فيه حق بني أمية وحسن بلائهم عنده ويذم ابن الزبير وأنه خلع خليفتين وأمره أن يقرأ كتابه على الناس وكتب كتاباً آخر سلمه لرسوله وقال له إن قرأ الضحاك كتابي على الناس وإلا ففم واقرأه عليهم فلما ورد كتابه على ال ضحاك لم يقرأه على الناس فقام رسول حسان وقرأ عليهم الكتاب فقال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان صدق حسان وقام غيره فقالوا مثل مقاله فأمر بهم الضحاك فحبسوا ولكن عشائرهم أخرجوهم من الحبس وكان ال ذين في دمشق فريقين فقيس تدعوا إلى ابن الزبير وكلب تدعو إلى بني أمية.
    .................................................. .............................................
    معاوية الثاني
    ***********
    بعد موت يزيد كانت هناك بيعتان إحداهما بالشام لمعاوية بن يزيد، وا لثانية بمكة والحجاز لعبد اللَّه بن الزبير.

    فأما معاوية فكانت سنه إحدى وعشرين سنة اختاره أهل الشام للخلافة بعد موت أبيه إلا أنه بعد قليل من خلافته نادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني قد ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب حين استخ لفه أبو بكر فلم أجده فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم ثم دخل منزله وتغيب حتى مات بعد ثلاثة أشهر من خلافته.

    هكذا فعل الشاب الضعيف حينما رأى عصا المسلمين منشقة ولم ير من نفسه القدرة على لَم شعثها وإصلاح أمرها.

    .................................................. .............................................
    الفتوح في عهد يزيد
    ****************
    استعمل يزيد عقبة بن نافع على إفريقية كما وعده معاوية بذلك، فسار إليها ولما وصل إلى القيروان قبض على أبي المهاجر وأوثقه في الحديد وترك بالقيروان جنداً مع الذراري وال أموال ثم سار في عسكر حتى دخل مدينة باغاية وقد اجتمع بها كثير من الروم فقاتلوه قتالاً شديداً و انهزموا عنه ودخل المنهزمون المدينة.

    فحاصرهم عقبة ثم كره المقام عليهم فسار إلى بلاد ال زاب وهي بلاد واسعة فيها عدة مدن وقرى كثيرة فقصد مدينتها العظمى واسمهاأربعة فامتنع من بها من ال روم فقاتلتهم الجنود الإسلامية حتى هزمتهم ثم رحل إلى تاهرت، فلما بلغ الروم خبره استعانوا بال بربر فأجابوهم ونصروهم فاجتمعوا في جمع كثير واشتد الأمر على المسلمين لكثرة العدو ولكن العاقبة كانت لهم فانهزمت الروم والبربر وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم.

    ثم سار حتى نزل على طنجة فلقيه بطريق رومي اسمه يليان فأهدى له هدية حسنة ونزل على حكمه ثم سار نحو السوس الأدنى وهو مغرب طنجة ف لقيته البربر في جموع كثيرة فقاتلهم وهزمهم هزيمة منكرة.

    ثم سار نحو السوس الأقصى وقد اجتمع له جمع عظيم من البربر فقاتلهم وهزمهم.

    وسار بعد ذلك حتى بلغ بحر الظلمات، فقال يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك ثم عاد فنفر الروم من طريقة خوفاً منه.

    .................................................. .............................................
    حصار مكة
    *********
    وثالثة الحوادث التي يقع معظم تبعتها على عبد اللَّه بن الزبير حصار مكة فإن مسلماً لما انتهى من أمر المدينة سار قاصداً مكة لحرب ابن الزبير واستخلف على مكة روح بن زنباع الجذامي، وقد أدركت المنية مسلماً بالشلل فاستخلف على الجند الحصين بن نهير كما أمر يزيد فسار بالجند إلى مكة فقدمها لأربع بقين من المحرم سنة 64 وقد بايع أهلها وأهل الحجاز لعبد اللَّه بن الزبير وقدم عليه نجدة بن عامر الحنفي الخارجي لمنع البيت، فخرج ابن الزبير للقاء أهل الشام فحاربهم حرباً ان كشف فيها أصحابه فسار راجعاً إلى مكة فأقاموا عليه يقتلونه بقية المحرم وصفر كله حتى إذا مضت ثل اثة أيام من ربيع الأول رموا البلد بالمنجنيق ولم يزل الحصار حتى بلغهم نعي يزيد بن معاوية فوقف القتا ل.

    هذه ثلاث فتن كبرى داخلية حصلت في أيام يزيد جعلت اسمه عند عامة المسلمين مكروهاً حتى استحل بعضهم لعنه ونحن بعد أن بسطنا أمامكم هذه الحوادث وآثارها لا نرى من العدل أن يتحمل يزيد كل تبعتها بل إن الذي يتحمله جزء صغير منها لأنه بايعه معظم المسلمين وخالف عليه قليل منهم من المعقول أن يتركهم وما ي شتهون لتفرق الكلمة وليس من السهل أن ينزل لهم عما تقلده فيما ترى على فعل ما فعل وإنما الذي عليه تلك ا لشدة التي أجرتها جنوده بعد أن تم لها النصر.

    .................................................. .............................................
    وقعة الحرة
    **********
    لم تقف مصائب المسلمين عند قتل الحسين ومن معه بل حدثت حادثة هي في نظرنا أدهى وأشنع وهي انتهاك حرمة مدينة الرسول R ومهبط الوحي الإلهي وهي التي حرمها عليه السلام كما حرم إبراهيم مكة فصارت هاتان المدينتان مقدستين لا يحل فيهما القتال فانتهاك حرمة إحداهما من الشرور العظيمة والمصائب الكبرى فكيف انتهاك حرمتهما معاً في سنة واحدة؟

    أما حادثة المدينة فإنه في عهد إمارة عثمان بن أبي سفيان عليها أوفد إلى يزيد بدمشق وفداً من أشراف أهل المدينة فيهم عبد اللَّه بن حنظلة الأنصاري وعبد اللَّه بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي والمنذر بن الزبير وغيرهم و لما قدموا على يزيد أكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم فأعطى عبد اللَّه بن حنظلة وكان شريفاً فاضل اً عابداً سيداً مائة ألف درهم وكان معه ثمانية بنين فأعطى كل ولد عشرة آلاف وأعطى المنذر بن الزب ير مائة ألف فلما قدموا إلى المدينة أقاموا أهلها فأظهروا شتم يزيد وعيبه وأعلنوا أنهم خلعوه فتابعهم الناس وولوا أمرهم عبد اللَّه قومه فجاءهم وأمرهم بلزومهم الطاعة وخوفهم الفتنة وقال ل هم إنكم لا طاقة لكم بأهل الشام فلم تجد نصيحته نفعاً فعاد عنهم وحينذاك قام هؤلاء الثائرون وحصروا من في المدينة من بني أمية في دار مروان فكتبوا إلى يزيد يتسغيثون به فلما جاءه كتابهم قال متمثلاً:

    لقد بدلوا الحكم الذي في سجيتي

    فبدلت قومي غلظة بليان

    وحينذاك جهز جيشاً أمر عليه مسلم بن عقبة المري وكان عدة من تجهز معاً اثنا عشر ألفاً وقال له يزيد ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم فإن ظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو ط عام فهو للجند فإذا مضت الثلاث فأكفف عن الناس وانظر علي بن الحسين فأكفف عنه واستوصي به خيراً فإنه لم يدخل مع الناس وإنه قد أتاني كتابه.

    ثم سار مسلم حسب وصية عبد الملك فلما ورد المدينة دعا أهلها وقال إن أمير المؤمنين يزعم أنكم الأصل وإني أكره إراقة دمائكم وإني أؤجلكم ثلاثاً فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه وانصرفت عنكم وسرت إلى هذا المحل الذي بمكة وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إ ليكم فلم يبالوا وحاربوا وكان القتال بين الفريقين شديداً جداً ولكن انتهى بهزيمة أهل المدينة بعد أن قت لت ساداتهم وأباح مسلم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال وبعد ذلك دعا مسلم ا لناس للبيعة ليزيد على أنهم خول له يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم، فمن امتنع عن ذلك قتله. ثم أتى بعلي بن الحسين فأكرمه لوصية يزيد ولم يلزمه بالبيعة وكانت هذه الواقعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 63.

    .................................................. .............................................
    خروج الحسين إلى الكوفة
    **********************
    أما أمر الحسين فإنه لما عزم على المسير إلى الكوفة جاءه عمرو بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال له بلغني أنك تريد العراق وإني مشفق عليك أن تأتي بلداً فيه عماله وأمراؤه ومعهم بيوت الأموال، وإنما الناس عبيد الدرهم والدينار فلا آمن عليك أن يقاتلك من وعدك نصره ومن أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه فجزاه الحسين خيراً.

    وجاءه ابن عباس فقال له قد أرجف الناس أنك تريد العراق فخبرني ما أنت صانع؟ فقال قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين فقال له ابن عباس أعيذك باللَّه من ذلك خبرني رحمك اللَّه أتسير إلى قوم قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم فإن كانوا فعلوا ذلك فسر إليهم وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنما دعوك إلى الحرب ولا آمن عليك أن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك ويستنفروا إليك فيكونوا أشد الناس عليك، فقال الحسين فإني أستخير اللَّه وأنظر ما يكون.

    ثم جاءه ابن عباس ثاني يوم فقال يا ابن عم إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال. فإن أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم أقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عاملهم وعدوهم، ثم اقدم عليهم فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصوناً وشعاباً وهي أرض عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة وأنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك فإني أرجوك أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية.

    فلم يسمع منه الحسين فقال له ابن عباس فإن كنت سائراً فلا تسر بنسائك وصبيتك فإني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه فلم يفد كلامه شيئاً.

    ثم سار بأهله وأولاده فقابله بالطريق الفرزدق الشاعر فسأله عن خبر الناس فقال له قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء واللَّه يفعل ما يشاء.

    ثم جاء كتاب من عبد اللَّه بن جعفر يقسم عليه باللَّه إلا ما انصرف ومع كتابه كتاب من عمرو بن سعيد أمير المدينة فيه الأمان له ويسأله الرجوع فأبى وتم على وجهه فقابله عبد اللَّه بن مطيع ولما علم بوجهه قال له أذكرك اللَّه يا ابن بنت رسول اللَّه وحرمة الإسلام أن تنتهك أنشدك اللَّه في حرمة العرب. فواللَّه لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابون بعدك أحداً. واللَّه إنها لحرمة الإسلام وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية، فأبى إلا يمضي.

    ولما كان بالثعلبية جاءه مقتل مسلم بن عقيل فقال له بعض أصحابه ننشدك اللَّه إلا ما رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك. فوثب بنو عقيل وقالوا واللَّه لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق مسلم.

    فسار حتى نزل بطن العقبة وهناك لقيه رجل من العرب فقال أنشدك اللَّه إلا ما انصرفت فواللَّه ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف. إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم لكان ذلك رأياً. فأما على هذه الحال التي تذكر فلا أرى إلا أن ترجع.

    ولما ترك شراف قابلته خيل عدتها ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي فقال لهم الحسين أيها الناس إنها معذرة إلى اللَّه وإليكم وإني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل اللَّه أن يجعلنا بك على الهدى جئتكم فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهود أقدم مصركم وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلنا منه فلم يجيبوه بشيء في ذلك ثم قال له الحر إنا أمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد اللَّه بن زياد فقال الحسين الموت أدنى إليك من ذلك ثم أمر أصحابه فركبوا لينصرفوا فمنعهم الحر من ذلك، فقال الحسين ثكلتك أمك ما تريد؟

    فقال أما واللَّه لو غيرك من العرب يقولها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائناً من كان ولكني واللَّه مالي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه ثم صار براقبه حتى لا يتمكن من الانصراف إلى المدينة فسار الحسين يتجه إلى الشمال حتى وصل نينوى وحينذاك قدم عليهم جيش سيره ابن زياد لقتال الحسين رسولاً يسأله ما الذي جاء به فقال الحسين كتب إلى أهل مصركم هذا أن أقدم عليهم فأما إذا كرهوني فإني أنصرف عنهم فكتب عمر إلى ابن زياد بذلك فقال:

    الآن إذا عرضت مخالبنا به

    يرجو النجاة ولا حين مناص

    ثم كتب إلى ابن سعد يأمره أن يعرض على الحسين بيعة يزيد، فإذا قبل ذلك رأينا، وأن ينمعه وهو من معه الماء؛ وكان الحسين يعرض عليهم أن يدعوه يرجع إلى المكان الذي خرج منه، وليس بصحيح أنه عرض عليهم أن يضع يده في يد يزيد فلم يقبلوا منه تلك العودة وعرضوا عليه أن ينزل على حكم ابن زياد ومثل هذا الطلب لا يقبله الحسين مهما يكن من الأمر فلم يكن إلا القتال.

    وفي عاشر المحرم سنة 61 انتشب القتال بين هاتين الفتئتين جيش العراق الذي لم يكن فيه أحد من أهل الشام وهذه الفئة القليلة ومن معه. وهم لا يزيدون عن 80 رجلاً ولم يكن إلا قليل وقت حتى قتل الحسين وسائر من معه، وعدة من قتل اثنان وسبعون رجلاً وقتل من أصحاب ابن سعد 88 رجلاً ثم أخذوا رأس الحسين وحملوها إلى ابن زياد ومعها بنات الحسين وإخوته ومعهم علي بن الحسين صغير مريض فأمر ابن زياد بحمل الرأس ومعها النساء والصبيان إلى يزيد فلما بلغوا الشام وأخبر يزيد بالخبر دمعت عيناه وقال كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن اللَّه ابن سمية أما واللَّه لو أني صاحبه لعفوت عنه.

    .................................................. .............................................
    حادثة الحسين
    ************
    جاء الحسين مكة فكان أهلها يختلفون إليه ويأتونه ومن بها من المعتمرين وأهل الآفاق وابن الزبير قد لزم جانب الكعبة فهو قائم يصلي عندها عامة النهار ويطوف ويأتي الحسين فيمن يأتيه ولا يزال يشير عليه بالرأي وهو أثقل خلق اللَّه على ابن الزبير لأن أهل الحجاز لا يبايعوه ما دام الحسين بالبلد. لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وبيعة يزيد أرجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة إلى منزل كبيرهم سليمان بن صرد الخزاعي واتفقوا أن يكتبوا إلى الحسين يستقدمونه ليبايعوه، فكتبوا إلى نحواً من 150 صحيفة. ولما اجتمعت الكتب عنده كتب إليهم أما بعد فقد فهمت كل الذي اقتصصتم وقد بعثت إليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأى ملئكم وذوي الحجى منكم على مثل ما قدمت به رسلكم أقدم إليكم وشيكاً إن شاء اللَّه فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والقائم والدائن بدين الحق والسلام. ثم دعا الحسين مسلم بن عقيل فسيره نحو الكوفة. وأمره بتقوى اللَّه وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين عجل إليه بذلك فسار مسلم نحو الكوفة وأميرها النعمان بن بشير الأنصاري فأقبلت إليه الشيعة تختلف إليه.
    .................................................. .............................................
    كيفية انتخابه
    ***********
    عهد إليه أبوه بالخلافة من بعده بعد أن استشار في ذلك وفود الأمصار فبايعه الناس ولم يتخلف عن البيعة إلا نفر قليل من أهل المدينة وهم الحسين بن علي وعبد اللَّه بن الزبير وعبد اللَّه بن عمر.

    فلما توفي معاوية لم يكن ليزيد إلا مبايعتهم له فأرسل إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان أمير المدينة يقول له أما بعد فخذ حسيناً وعبد اللَّه بن عمر وابن الزبير أخذاً ليس فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام فلما أتاه نعى معاوية فظع به وكبر عليه فأرسل إلى هؤلاء النفر فأما حسين فجاءه فلما عرض عليه البيعة وأخبره بموت معاوية استرجع وترحم على معاوية وقال أما البيعة فإن مثلي لا يبايع سراً ولا يجتزي بها مني سراً فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم إلى البيعة ودعوتنا معهم كان الأمر واحداً. فقال له الوليد وكان يحب العافية انصرف. وأما ابن الزبير فترك المدينة وذهب إلى مكة وقال إني عائذ بالبيت ولم يكن يصلي بصلاتهم ولا يفيض في الحج بإفاضتهم وكان يقف هو وأصحابه ناحية وخرج من المدينة بعده الحسين بن علي وأخذ معه بنيه وإخوته وبني أخيه إلا محمد بن الحنفية فإنه أبى الخروج معه ونصحه فلم يقبل نصحه.

    أما ابن عمر فإنه قال إذا بايع الناس بايعت فتركوه وكانوا لا يتخوفونه ولما بايع الناس بايع هو وابن عباس.

    .................................................. .............................................
    ترجمة يزيد الأول
    **************
    هو يزيد بن أبي سفيان، وأمه ميسون بنت بحدل ولد سنة 26 هـ وأبوه أمير الشام لعثمان بن عفان فتربى في حجر الإمارة ولما شب في خلافة أبيه كان يرشحه للإمارة فولاه الحج مرتين وولاه الصائفة وأرسله في الجيش الذي غزا القسطنطينية لأول مرة وكان مغرماً بالصيد وهذا مما أخذه عليه الناس إذ ذاك لأنهم لم يكونوا فارقوا البداوة العربية والجد الإسلامي بعد.
    .................................................. .............................................
    وفاة معاوية
    **********
    مرض معاوية بدمشق في جمادي الثانية وكان يزيد ابنه غائباً، فأحضر معاوية الضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة المري وأدى إليهما وصيته إلى يزيد وكان فيها: يا بني إني قد كفيتك الشد والترحال ووطأت لك الأمور وذللت لك الأعداء وأخضعت رقاب العرب وجمعت لك ما لم يجمعه أحد، فانظر أهل الحجاز فإنه أصلك وأكرم من قدم عليك منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل فإن عزل عامل أسهل من أن يشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر أهل الشام فليكونوا بطانتك وغيبتك فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم فإذا أصبتهم فأردد أهل الشام إلى بلادك فإنهم إن قاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم. وإني لست أخاف أن ينازعك في هذا الأمر إلا أربعة من قريش الحسين بن علي وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر.

    فأما ابن عمر فإنه رجل قد وقدته العبادة فإذا لم يبق أحد غيره بايعك.

    وأما الحسين بن علي فهو رجل خفيف ولن يتركه أهل العراق حتى يخرجوه فإن خرج وظفرت به فأصفح عنه فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً وقرابة من محمد .

    وأما ابن أبي بكر فإن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله ليس له همة إلا في النساء واللهو.

    وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فذاك ابن الزبير فإن هو فعلها فظفرت به فقطعه إرباً أرباً، واحقن دماء قومك ما استطعت.

    ثم مات بدمشق لهلال رجب سنة 60 هـ أبريل سنة 980 م. فخرج الضحاك بن قيس حتى صعد المنبر وأكفان معاوية على يديه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال إن معاوية كان عود العرب وحد العرب وجد العرب قطع اللَّه به الفتنة وملكه على العباد وفتح البلاد إلا أنه قد مات وهذه أكفانه ونحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله ثم هو الهرج إلى يوم القيامة، فمن كان يريد أن يشهده فعنده الأولى وصلى عليه الضحاك وكان قد أرسل الخبر إلى يزيد ثم أقبل يزيد وقد دفن معاوية فأتى قبره فصلى عليه.

    .................................................. .............................................
    الإنجازات في عهد معاوية
    **********************
    1ــ من المحدثات الجميلة التي حدثت في عهد معاوية البريد ومعنى ذلك أن تقسم الطرق منازل في كل منزل دواب مهيأة معدة لحمل كتب الخليفة إلى البلدان المختلفة، فتسلم الكتب بالحاضرة فيأخذها صاحب البريد ويمر مسرعاً حتى إذا وصل إلى أول منزلة سلمها لصاحب البريد فيها فيفعل بها كالأول وبذلك كانت تصل الكتب إلى الأمراء والعمال في أسرع وقت يمكن.

    2ــ معاوية أول من اتخذ الحرس ولم يكن شيء من ذلك في عهد الخلفاء الراشدين وإنما اتخذه بعد أن كان من إرادة الخارجي قتله.

    3ــ اتخذ معاوية ديوان الخاتم. وكان سبب ذلك أنه أمر لعمرو بن الزبير بمائة ألف درهم وكتب له بذلك إلى زياد. ففتح عمرو الكتاب وصير المائة مائتين فلما رفع زياد حسابه أنكرها معاوية وطلبها من عمرو وحبسه فقضاها عنه أخوه عبد اللَّه بن الزبير فأحدث معاوية عند ذلك ديوان الخاتم وحزم الكتب وكانت قبل لا تحزم.

    4ــ كان كاتب معاوية سرجون الرومي لأن ديوان الشام كان لعهده بالرومية ويظهر أنه كاتب الخوارج، وكان سرجون صاحب أمره ومدبره ومشيره.

    وكان حاجبه سعد مولاه.

    وقاضيه فضالة بن عبيد الأنصاري ثم أبو إدريس الخولاني ومعنى ذلك أنه كان قاضي الشام وكان لكل ولاية قاض خاص.

    .................................................. .............................................
    البيعة ليزيد بولاية العهد
    ********************
    فكر معاوية أن يأخذ على الناس البيعة ليزيد ابنه بولاية العهد وكان الواضع لهذه الفكرة المغيرة بن شعبة قبل وفاته، دخل على يزيد وقال له قد ذهب أعيان أصحاب رسول اللَّه وكبراء قريش وذوو أسنانهم وإنما بقي أباؤهم وأفضلهم وأحسنهم رأياً وأعلمهم بالسنة والسياسة، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة. قال أو ترى ذلك يتم؟ قال نعم. فأخبر يزيد أباه بما قال المغيرة فأحضره معاوية وسأله عما قال ليزيد، فقال قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان وفي يزيد منك خلف فاعقد له فإن حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك ولا تسفك دماء ولا تكون فتنة. قال ومن لي بذلك قال أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. قال فارجع إلى عملك وتحدث مع من تثق به في ذلك؟ وترى ونرى.

    فسار المغيرة إلى الكوفة وذاكر من يثق به ومن يعلم أنه شيعة لبني أمية، أمر يزيد، فأجابوا إلى بيعته فأوفد منهم وفداً عليهم ابنه موسى فقدموا على معاوية فزينوا له بيعة يزيد فقال معاوية لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على رأيكم. فرجعوا وقوي عزم معاوية على البيعة ليزيد، فأرسل إلى زياد يستشيره فأحضر زياد عبيد بن كعب النميري وقال إن لكل مستشير ثقة ولكل سر مستودعاً. وإن الناس قد أبدع بهم خصلتان إذاعة السر وإخراج النصيحة إلى غير أهلها وليس موضوع السر إلا أحد رجلين رجل آخرة يرجو ثوابها ورجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون حبسه قد خبرتهما عنك وقد دعوتك لأمر اتهمت عليه بطون الصف، إن أمير المؤمنين كتب إلي يستشيرني في البيعة ليزيد، إنه يتخوف نفرة الناس ويرجو طاعتهم وعلاقة أمر الإسلام وضمانه عظيم ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد فالق أمير المؤمنين وأد إليه فعلات يزيد وقل له رويدك بالأمر فأحرى لك أن يتم لكولا تعجل فإن دركا في تأخير من فوت في عجلة.

    وكان معاوية قد كتب إلى عماله بتقريظ يزيد ووصفه، وأن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار. فكان فيمن أتاه محمد بن عمرو بن حزم من المدينة والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة، فقال محمد بن عمرو لمعاوية إن كل راع مسؤول عن رعيته فانظر من تولى أمر أمة محمد.

    ثم إن معاوية قال للضحاك بن قيس الفهري لما اجتمعت الوفود عنده إني متكلم فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثني عليها، فلما جلس معاوية للناس تكلم فعظم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقها وما أمر اللَّه به من طاعة ولاة الأمر ثم ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة وعرض بيعته.

    فقام الضحاك فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين إن لا بد للناس من وال بعدك وقد بلونا الجماعة والألفة فوجدناهما أحقن للدماء وأصح للدهماء وآمن للسبل وخيراً في العاقبة، والأيام عوج رواجع واللَّه كل يوم هو في شأن، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه وقصد سيرته أعلى ما علمت، وهو من أفضلنا علماً وحلماً وأبعدنا رأياً فوله عهدك واجعله لنا علماً بعدك ومفزعاً نلجأ إليه ونسكن في ظله، ثم تكلم غيره بمثل كلامه. فقال معاوية للأحنف بن قيس ما تقول يا أبا بحر؟ فقال نخافكم إن صدقنا ونخاف اللَّه إن كذبنا وأنت يا أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره وسره وعلانيته ومدخله ومخرجه فإن كنت تعلمه للَّه وللأمة رضا فلا تشاور فيه، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت صائر إلى الآخرة، وإنما علينا أن نقول سمعنا وأطعنا.

    ونقول إن فكر معاوية في اختيار الخليفة يعده حسن جميل وإنه ما دام لم توضع قاعدة لانتخاب الخلفاء ولم يعين أهل الحل والعقد الذين يرجع إليهم الاختيار فأحسن ما يفعل هو أن يختار الخليفة ولي عهده قبل أن يموت لأن ذلك يبعد الاختلاف الذي هو شر على الأمة من جور إمامها وقد فعل معاوية ما يظهر معه أنه لم يستبد بالأمر دون الأمة فطلب وفود الأنصار فحضروا عنده وأجابوه إلى طلبته من بيعة يزيد ابنه والذي ينقده التاريخ من أمره هو:

    1.أنه استهان أولئك النفر _ هم: هم عبد اللَّه بن الزبير، وابن عمر، والحسين بن علي _ الذين لم يرضوا بيعة يزيدوهم من سادة الأمة الذين يتطلعون لولاية أمر المسلمين فلم يهم بخلافهم بل ادعى أنهم بايعوا لينال بيعته أهل مكة، وهذا غير لائق بمقام خليفة المسلمين.

    2.مما انتقده الناس أنه اختار ابنه للخلافة، وبذلك سن في الإسلام سنة الملك المنحصر في أسرة معينة بعد أن كان أساسه الشورى ويختار من عامة قريش وقالوا إن هذه الطريقة التي سنها معاوية، تدعو في الغالب إلى انتخاب غير الأفضل الأليق من الأمة، وتجعل في أسرة الخلافة الترف والانغماس في الشهوات والملاذ والرفعة على سائر الناس، أما رأينا في ذلك فإن هذا الانحصار كان أمراً لا بد منه لصلاح أمر المسلمين وألفتهم ولم شعثهم فإنه كان كلما اتسعت الدائرة التي منها يختار الخليفة كثر الذين يرشحون أنفسهم لنيل الخلافة، وإذا انضم إلى ذلك اتساع المملكة الإسلامية وصعوبة المواصلات بين أطرافها وعدم وجود قوم معينين يرجع إليهم الانتخاب فإن الاختلاف لا بد واقع، إن أعظم من ينتقد معاوية في تولية ابنه هم الشيعة مع أنهم يرون انحصار ولاية الأمر في آل علي ويسوقون الخلافة في بنية يتركها الأب منهم للابن، وبنو العباس أنفسهم ساروا على هذه الخطة فجعلوا الخلافة حقاً من حقوق بيتهم لا يعدوهم إلى غيرهم. والنتيجة أن ما فعله معاوية كان أمراً لا بد منه مع الحال التي كانت عليها البلاد الإسلامية.

    .................................................. .............................................
    فتوح إفريقية
    **********
    ومن الفتوح العظيمة ما كان في إفريقية ففي سنة 50 ولي معاوية عقبة بن نافع وكان مقيماً ببرقة وزويلة مذ فتحها أيام عمرو بن العاص وله في تلك البلاد جهاد وفتوح، فلما استعمله معاوية سير إليه عشرة آلاف فدخل إفريقية وانضاف من أسلم من البربر فكثر جمعه ووضع السيف في أهل البلاد لأنهم كانوا إذا دخل عليهم أمير أطاعوا وأظهر بعضهم الإسلام فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا وارتد من أسلم ثم رأى أن يتخذ مدينة يكون بها عسكر المسلمين وأهلهم وأموالهم ليأمنوا من ثورة تكون من أهل البلاد فقصد موضع القيروان وكان دجلة مشتبكة فقطع الأشجار وأمر ببناء المدينة فبنيت وبنى المسجد الجامع وبنى الناس مساجدهم ومساكنهم وكان دورها 3600 باع وتم أمرها سنة 55 وسكنها الناس وكان في أثناء عمارة المدينة يغزو ويرسل السرايا فتغير ودخل كثير من البربر في الإسلام واتسعت خطة المسلمين وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان وأمنوا واطمأنوا على المقام فثبت الإسلام فيها.
    .................................................. .............................................
    محاولة فتح القسطنطينية
    ********************
    وأما في البر فرتب الشواتي _ جمع شاتية وهي الجيش الذي يغزو في الشتاء _ والصوائف _ جمع صائفة وهي الجيش الذي يغزو في الصيف _ فكانت الغزوات متتابعة والثغور محفوظة من العدو. وفي سنة 48 جهز معاوية جيشاً عظيماً لفتح القسطنطينية براً وبحراً وكان على الجيش سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد أن يغزو معهم وكان في هذا الجيش ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم وعبد العزيز بن زرارة الكلابي فساروا حتى بلغوا القسطنطينية فاقتتل المسلمون والروم في بعض الأيام واشتدت الحرب بينهم فلم يزل عبد العزيز يتعرض للشهادة فلم يقتل.

    ثم حمل على من يليه فقتل فيهم وانغمس بينهم فشجره الروم برماحهم حتى قتلوه فبلغ خبر قتله معاوية فقال لأبيه واللَّه هلك فتى العرب فقال ابني أو ابنك قال ابنك فآجرك اللَّه.

    ولم يتمكن هذا الجيش من فتح القسطنطينية لمتانة أسوارها ومنعة موقعها وفتك النار الإغريقية بسفنهم، وفي أثناء الحصار توفي أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد وهو الذي نزل عليه رسول اللَّه بالمدينة حينما هاجر وقد دفن خارج المدينة قريباً من سور القسطنطينية ولا يزال قبره بها يزار للآن وعليه مسجد مشيد يتوج فيه خلفاء آل عثمان ثم اضطر المسلمون للعودة إلى الشام بعد أن فقدوا كثيراً من جنودهم ومراكبهم.

    .................................................. .............................................
    الفتوح في عهد معاوية
    *******************
    لم يكن في الشرق على حدود بلاد الفرس إلا فتوح قليلة والذي كان إنما هو إرجاع الناكثين من أهل تلك البلاد إلى الطاعة وغزا عبد اللَّه بن سوار العبدي الذي كان أميراً على ثغر السند القيقان مرتين وفي المرة الثانية استعان القيقان بالترك فقتلوه وغزا المهلب بن أبي صفرة الأزدي ثغر السند فأتى بتة ولاهور وهما بين الملتان وكابل فلقيه العدو وقاتله ولقي المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارساً من الترك فقاتلوه فقتلوا جميعاً فقال المهلب ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتشمير منا فحذف الخيل وكان أول من حذفها من المسلمين.

    وكانت همة المسلمين موجهة نحو الشمال والغرب حيث مملكة الروم. كان على عهد معاوية من ملوك الروم ملكان أحدهما قسطنطين الثاني ابن هرقل الثاني الذي ولي الملك من سنة 641 م إلى سنة 668 م، وقسطنطين الرابع بوغاناتس الذي ولي من سنة 668 م إلى سنة 685 م ودولة الروم لم تزل فيها الحياة تغير على البلاد الإسلامية لما بينهما من الجوار.

    فرتب معاوية الغزو إليها براً وبحراً أما البحر فكانت الأساطيل في زمنه كثيرة لاهتمامه بأمرها وساعده على ذلك كثرة الغابات بجبال لبنان حتى بلغت أساطيله 1700 ألفاً وسبعمائة سفينة كاملة العدد والعدد وصار يسيرها في البحر فترجع غانمة وافتتح بها عدة جهات منها جزيرة قبرص وبعض جزائر اليونان وجزيرة رودس افتتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي ونزلها المسلمون وهم على حذر من الروم وكانوا أشد شيء على الروم يعترضونهم في البحر ويأخذون سفنهم وكان معاوية يكثر لهم العطاء وكان العدو قد خافهم.

    .................................................. .............................................
    الحجاز
    *****
    أما الحجاز فكان ولائه ولاء دائماً من بني أمية وكانت ولاية المدينة بين مروان بن الحكم وسعيد بن العاص يتداولانها وكان معاوية إذا أراد أن يولي رجلاً من بني حرب ولاه الطائف فإن رأى منه خيراً وما يعجبه ولاه مكة معها فإن أحسن الولاية وقام بما ولي قياماً حسناً جمع له معهما المدينة، فكان إذا ولي الطائف رجلاً قيل هو في أبي جاد، فإذا ولاه مكة قيل هو في القرآن، فإذا ولاه المدينة قيل هو قد حذق، وكان ولاة المدينة في الغالب هم الذين يقيمون للناس الحج فإن معاوية لم يحج بنفسه إلا مرتين سنة 44 وسنة 50 وفيما عداهما كان يقيمه هؤلاء الولاة وكلهم من بني أمية.
    .................................................. .............................................
    مصر
    ****
    وفي مصر كان الوالي عمرو بن العاص فاتحها وأعرف الناس بها ولم يزل والياً عليها حتى مات سنة 43 فولي بدله ابنه، ثم عزله بعد ذلك وولي غيره.
    .................................................. .............................................
    ولاية عبيد اللَّه بن زياد البصرة
    **************************
    من ولاة العراق الأشداء عبيد اللَّه بن زياد ولاه معاوية البصرة سنة 55 وقد اشتد على الخوارج شدة لم يفعلها أبوه زياد فقتل منهم سنة 58 جماعة كثيرة صبراً وفي الحرب جماعة أخرى. وممن قتل صبراً عروة بن أدية، أخو أبي بلال مرداس بن أدية.
    ولم يزل عبيد اللَّه على البصرة حتى توفي معاوية.

    .................................................. .............................................
    حال المغيرة بن شعبة مع الخوارج
    *****************************
    أما المغيرة بن شعبة فكانت سياسته أرفق وألين. أحب العافية وأحسن في الناس السيرة ولم يفش أهل الأهواء عن أهوائهم وكان يؤتي فيقال إن فلاناً يرى رأي الشيعة وإن فلاناً يرى رأي الخوارج، فكان يقول قضى اللَّه أن لا يزالوا مختلفين وسيحكم اللَّه بين عبادهفيما كانوا فيه يختلفون فأمنه الناس وكانت الخوارج يلقي بعضهم بعضاً، ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان، ويرون أن في الإقامة الغبن والوكف وأن في الجهاد أهل القبلة الفضل والأجر.

    وقد فزع الخوارج في عهده إلى ثلاثة نفر، منهم المستورد بن علفة التميمي، من تيم الرباب، وحيان بن ظبيان السلمي، ومعاد بن جوين بن حصين الطائي فولوا أمرهم بعد الشورى المستورد بن علفة لأنه كان أسن القوم واتعدوا أن يتجهزوا ويتيسروا ثم يخرجوا في غرة الهلال هلال شعبان سنة 43 فكانوا في جهازهم وعدتهم فجاء رئيس شرطة المغيرة إليه وأخبره أن القوم مجتمعون في منزل حيان بن ظبيان وأنهم اتعدوا الخروج في هلال شعبان فأمره المغيرة أن يسير بالشرطة ويحيط بدار حيان ويأتيه بهم فسار رئيس الشرطة وأحاط بدار حيان وقبض على المجتمعين هناك.

    فقال لهم المغيرة ما حملكم على ما أردتم من شق عصا المسلمين فقالوا ما أردنا من ذلك شيئاً ومن الغريب أنهم يكذبون مع أن الخوارج تبورأ من الكاذب. قال المغيرة بلى قد بلغني ذلك عنكم قد صدق ذلك عندي جماعتكم.

    قالوا له أما اجتماعنا في هذا المنزل فإن حيان بن ظبيان أقرؤنا للقرآن فنحن نجتمع عنده في منزله فنقرأ القرآن عليه فأمر بهم إلى السجن فلم يزالوا فيه نحواً من سنة وسمع إخوانهم بأخذهم فحذروا وخرج المستورد وأصحابه فبلغ الخبر المغيرة أن الخوارج خارجة عليه في أيامه تلك وأنهم قد اجتمعوا على رجل فقام في أهل الكوفة خطيباً فقال:

    أما بعد فقد علمتم أيها الناس أني لم أزل أحب لجماعتكم العافية وأكف عنكم الأذى وإني واللَّه لقد خشيت أن يكون أدب سوء لسفهائكم فأما الحلماء الأتقياء فلا وايم اللَّه لقد خشي أن لا أجد بداً من أن يعصب الحليم التقي بذنب السفيه الجاهل فكفوا أيها الناس سفهاءكم قبل أن يشمل البلاء عوامكم وقد ذكر لي أن رجالاً منكم يريدون أن يظهروا في المصر بالشقاق والخلاف وايم اللَّه لا يخرجون في حي من أحياء العرب في هذا المصر إلا أبدتهم وجعلتهم نكالاً لمن بعدهم فنظر قوم لأنفسهم قبل الندم فقد قمت هذا المقام إرادة الحجة والإعذار.

    فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال أيها الأمير هل سمى لك أحد من هؤلاء القوم فإن كانوا سموا لك فأعلمنا من هم فإن كانوا منا كفياكهم وإن كانوا من غيرنا أمرت أهل الطاعة من أهل مصرنا فأتتك كل قبيلة بسفهائها فقال ما سمي لي أحد منهم ولكن قد قيل لي إن جماعة يريدون أن يخرجوا بالمصر، فقال معقل أصلحك اللَّه، فإني أسير في قومي وأكفيك ما هم فيه فليكفك كل امرىء من الرؤساء قومه. فنزل المغيرة وأرسل إلى الرؤساء وقال لهم لكيفيني كل امرىء من الرؤساء قومه وإلا فوالذي لا إله غيره لأتحولن عما كنت تعرفون إلى ما تنكرون وعما تحبون إلى ما تكرهون فلا يلم لائم إلا نفسه وقد أعذر من أنذر فخرجت الرؤساء إلى عشائرهم فناشدوهم اللَّه والإسلام إلا دلوهم على من يرون أنه يهيج فتنة أو يفارق جماعة.

    .................................................. .............................................
    وفاته زياد
    *********
    وفي زياد في سنة 53 بالطاعون.
    والمطلع على الطريقة التي حكم بها زياد بلاد العراق يراها بمثابة إعلان حكم عرفي فإن أخذ الولي بالمولي والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والمطيع بالعاصي والصحيح في جسمه بالسقيم أمر ليس جارياً على القانون الشرعي الذي يقصر المسئولية على المجرم وإنما ذلك شيء يلجأ إليه الإداريون لتخفيف آلاف الجرائم وإرهاب الناس حتى يأمن الناس شرهم وفائدة ذلك في الغالب وقتيبة. ومن ذلك وضعه العقوبات التي شرعها للجرائم المحدثة كما قال من نقب عن بيت نقيب عن قلبه ومن نبش قبراً دفنته فيه حياً.

    والتاريخ إنما يعطي الإنسان صفة السياسة والحكمة إذا تمكن من إصلاح الفاسد بقليل من العسف لا نقول ذلك هضماً لحق زياد لأنه يعتبر أقل ولاة العراق إسرافاً في الدماء، ولقد بذل من وعده ما يقول بوعيده فقال إنه لا يحتجب عن طالب حاجة وإن أتاه طارقاً بليل ولا يحبس عطاء ولا رزقاً عن إبانه ولا يجمر لهم بعثاً، وهذه الأشياء الثلاثة متى وفرها الوالي وصدقها لا تجد سبباً للثورات ولا الفتن، ولذلك يقول بعض المؤرخين إن زياداً لم يحتج لتنفيذ ما أوعد به من العقوبات إلا قليلاً لأن علمهم بصدقه في الإيعاد أخافهم وأرهبهم وصيرهم يقفون عند الحد المشروع لهم.

    وعلى الجملة، فإن عهد زياد بالعراق على ما فيه من قسوة كان عهد رفاهة وأمن، وهذا مما يسطره التاريخ لعرب العراق آسفاً، وذلك أنهم قوم لا يصلحهم إلا الشدة، وإذا وليهم وال فيه لين ورحمة فسدوا وارتكبوا المصاعب وأجرموا إلى الأمراء أو الخلفاء من غير بينة واضحة.

    .................................................. .............................................
    تولية زياد الكوفة
    ***************
    وفي سنة 50 أضاف معاوية إلى زياد ولاية الكوفة بعد موت المغيرة بن شعبة فصار والي المصرين وهو أول من جمعا له فسار إلى الكوفة فلما وصلها خطب أهلها.
    .................................................. .............................................
    معاملة زياد مع الخوارج
    *********************
    قال أبو العباس المبرد في صفة زياد ومعاملته للخوارج كان يقتل المعلن ويستصلح المسر ولا يجرد السيف حتى تزول التهمة.

    وبلغ زياداً عن رجل يكنى أبا الخير من أهل البأس والنجدة أنه يرى رأي الخوارج فدعاه فولاه جند نيسابور وما يليها ورزقه أربعة آلاف درهم كل شهر وجعل عمالته في كل سنة مائة ألف، فكان أبو الخير يقول ما رأيت شيئاً خيراً من لزوم الطاعة والتقلب بين أظهر الجماعة لم يزل والياً حتى أنكر منه زياد شيئاً فتنمر لزياد فحبسه فلم يخرج من حبسه حتى مات.

    .................................................. .............................................
    توليته البصرة وخراسان وسجستان
    ******************************
    وفي السنة الخامسة والأربعين ولاه معاوية البصرة وخراسان وسجستان فقدم البصرة آخر شهر ربيع الأول سنة 45 والفسق ظاهر فاش فيها فخطبهم خطبته الشهيرة بالبتراء، وإنما قيل لها ذلك لأنه لم يحمد اللَّه فيها. ولما في هذه الخطبة من روائع الكلم وبديع الحكم، وبيان سياسته في حكم البلاد، أحببنا إيرادها أولها قال:

    أما بعد فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفى بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور والعظام ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى عنها الكبير كأنكم لم تقرءوا كتاب اللَّه ولم تسمعوا ما أعده من الثواب الكريم لأهل طاعته والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمدي الذي لا يزول. أتكونون كم طرفت عينيه في الدنيا وسدت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية ولا تظنون أنكم أحدثتم في الإسلام الحدث الذي لم تسبقوا إليه من ترككم الضعيف يقهر ويؤخذ ماله؛ ما هذه المواخير المنصوبة الضعيفة المسلوبة في النهار المبصر والعدد غير قليل؟

    وكان زياد أول من شدد أمر السلطان وأكد الملك لمعاوية وجرد سيفه وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخافه الناس خوفاً شديداً حتى أمن بعضهم بعضاً وحتى كان الشيء يسقط من يد الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه. ولا يغلق عن أحد بابه وأدر العطاء وبني مدينة الرزق وجعل الشرط أربعة آلاف.

    .................................................. .............................................
    تولية زياد بن سمية والمغيرة بن شعبة بلاد العراق
    ******************************************
    ثم توالت الخوارج حتى أخافوا بلاد العراق فرأى معاوية أنه لا بد من تولية العراق رجالاً ذوي قدرة وحكمة يأخذون على أيدي السفهاء ويشتدون في طلب المريب فاختار رجلين كلاهما قد عرف بالسياسة وحسن الرأي وهما زياد بن سمية والمغيرة بن شعبة.

    فأما زياد فقد كان من شيعة علي وكان والياً على فارس وقُتل علي وهو بها فذكر معاوية اعتصامه بفارس وأمهم ذلك فجعل المغيرة وسيطاً استقدامه فأتى المغيرة زياداً وقال له إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك ولم يكن أحد يمد يده إلى هذا الأمر غير الحسن وقد بايع فخذ لنفسك قبل التوطين فيستغين عنك معاوية فقال زياد أشر علي وأرم الغرض الأقصى فإن المستشار مؤتمن فقال له المغيرة أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه.

    وكتب إليه معاوية بأمانة بعد عودة المغيرة فخرج زياد من فارس حتى أتى معاوية فسأله عن أموال فارس فأخبره بما أنفق منها وبما حمل إلى علي وبما بقي عنده، فصدقه معاوية وقبض منه ما بقي عنده.

    .................................................. .............................................
    الخوارج
    *******
    لما بويع معاوية بالكوفة كان فروة بن نوفل الأشجعي معتزلاً في 500 من الخوارج فرأوا أن الوقت قد حان لتجريد السيف فأقبلوا حتى نزلوا النخيلة فأرسل إليهم معاوية جمعاً من أهل الشام فانهزم أهل الشام أمامهم، فقال معاوية لأهل الكوفة واللَّه لا أمان لكم عندي حتى تكفونهم، فخرج إليهم أهل الكوفة فقال لهم الخوارج أليس معاوية عدونا وعدوكم دعونا حتى نقاتله فإن أصبناه كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا فقالوا لا بد لنا من قتالكم فأخذت أشجع صاحبهم فروة قهراً وأدخلوه الكوفة، فولى الخوارج عليهم عبد اللَّه بن أبي الحوساء الطائي فقاتلهم أهل الكوفة فقتلوهم، وكان ابن أبي الحوساء قد خوف بالصلب فقال:

    ما إن أبالي إذا أرواحنا قبضت

    ماذا فعلتم بأوصال وأبشار

    تجري المجرة والنسران عن قدر

    والشمس والقمر الساري بمقدار

    وقد علمت وخير القول أنفعه

    أن السعيد الذي ينجو من النار


    فلما قتل ابن الحوساء ولي الخوارج أمرهم حوثرة الأسدي فسار حتى قدم النخيلة في 150 وانضم إليه فل ابن الحوساء وهم قليل فقال معاوية لأبي حوثرة اكفني أمر ابنك فسار إليه أبوه فدعاه إلى الرجوع فأبى فأداره.

    .................................................. .............................................
    حالة الأمة عند استلام معاوية الأمر
    ******************************
    تولى معاوية أمر الأمة، وهي أقسام ثلاثة:

    القسم الأول: شيعة بني أمية من أهل الشام ومن غيرهم في سائر الأمصار الإسلامية.

    القسم الثاني: شيعة علي بن أبي طالب وهم الذين كانوا يحبونه ويرون أنه أحق بالأمر من معاوية وغيره وأن أعاقبه أحق بولاية أمر المسلمين من غيرهم ومعظمهم هؤلاء كان ببلاد العراق وقليل منهم بمصر.

    القسم الثالث: الخوارج وهم أعداء الفريقين يستحلون دماء مخالفتهم ويرونهم مارقين من الدين، وهم أشداء الشكيمة متفانون فيما يعتقدون، يرون أن أول واجب عليهم قتال معاوية ومن تبعه وقتال شيعة علي لأن كلا قد ألحد على زعمهم في الدين ومع ما بينهم من هذا التباين كانت أمة متمتعة بصفة الشجاعة والإقدام، ومثل هذه الأمة تحتاج لسياسة حكيمة في إدارة شؤونها وإفاضة ثوب من الأمن عليها، أما معاوية نفسه فلم يكن أحد أوفر منه يداً في السياسة، صانع رؤس العرب وقروم ومضر بالأعضاء والاحتمال والصبر على الأذى والمكروه، وكانت غايته في الحلم لا تدرك وعصابته فيه لا تنزع ومرقاته فيه نزل عنها الأقدام.

    كان الذي يهم معاوية ويقلقه أمر الخوارج لأنهم قوم قلما ينفع معهم حسن السياسة لأنهم قوم غلو في الدين غلواً عظيماً وفهموا كثيراً منه على غير وجهه، ففرقوا كلمة الأمة ورأوا من واجبهم استعراض الأنفس وأخذ الأموال. ولنبدأ بذكر أخبارهم لبيان تفاصيل أحوالهم.

    .................................................. .............................................
    طريقة انتخاب معاوية
    ******************
    لم ينتخب معاوية للخلافة انتخاباً عاماً يعني من جميع أهل الحل والعقد من المسلمين وإنما انتخبه أهل الشام للخلافة بعد صدور حكم الحكمين، ولا يعتبره التاريخ بذلك خليفة، فلما قتل علي بن أبي طالب وبايع جند العراق ابنه الحسن رأى من مصلحة المسلمين أن يبايع معاوية ويسلم الأمر إليه، فبايعه في ربيع الأول سنة 41 فبيعته اختيار من أهل الشام وبطريق الغلبة والقهر من أهل العراق، إلا أنها انتهت في الآخر بالرضا عن معاوية والتسليم له في جميع الأمة ما عدا الخوارج.
    .................................................. .............................................
    ترجمة معاوية بن أبي سفيان
    ************************
    هو معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف« ولد بمكة قبل الهجرة بخمس عشرة سنة وفي يوم الفتح كان سنه 23سنة وفي ذلك اليوم دخل في الإسلام مع من أسلم من مسلمة الفتح وكان بعد إسلامه يكتب بين يدي رسول اللَّه ، وفي خلافة أبي بكر ولاه قيادة جيش مدداً لأخيه يزيد بن أبي سفيان وأمره أن يلحق به فكان غازياً تحت إمرة أخيه وكان على مقدمته في فتح مدن صيدا وعرقه وجبيل وبيروت وهي سواحل دمشق ثم ولاه عمر ولاية الأردن« ولما توفي يزيد في طاعون عمواس ولاه عمر بن الخطاب عمل يزيد على دمشق وما معها« وفي عهد عثمان جمع لمعاوية الشام كلها فكان ولاة أمصارها تحت إمره، وما زال والياً حتى استشهد عثمان بن عفان وبويع علي بالمدينة فرأى أن لا يبايعه لأنه اتهمه بالهوادة في أمر عثمان وإيواء قتلته في جيشه وبايعه أهل الشام على المطالبة بدم عثمان وكان وراء ذلك أن حاربه علي بن أبي طالب في صفين وانتهت الموقعة بينهم بالتحكيم فلما اجتمع الحكمان واتفقا على خلع علي ومعاوية من الخلافة وأن يكون أمر المسلمين شوري ينتخبون لهم من يصلح لإمامتهم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة فصار معاوية إمام أهل الشام وعلي إمام أهل العراق وما زال الخلاف محتدماً بينهما حتى قتل علي بن أبي طالب وسلم ابنه الحسن بن علي الخلافة إلى معاوية، وحينئذ اجتمع على بيعة معاوية أهل العراق والشام وسمي ذلك العام الحادي والأربعون من الهجرة عام الجماعة لاتفاق كلمة المسلمين بعد الفرقة وبذلك يكون ابتداء خلافة معاوية الخلافة العامة في ربيع الأول سنة 41.
    .................................................. .............................................


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيمن منتديات معرة النعمان
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيي و س ف
    كم من الزهور التى نزفت دماءها لتملأ زجاجة عطر
    العطر دماء زهور والعمر دماء بشر
    ولهذا أحزن كثيرا كلما رأيت زجاجة عطر فارغة ملقاة على الرصيف
    او رأيت إنسانا محمولا على الأعناق
    العطر أنت ياوطن
    والزهور دماء أطفالنا الأبرياء

  2. #2
    دوما مميز اخي يوسف
    وربما كان اكثر ملائمة للقسم التاريخي
    سلمت يداك

  3. #3


    مشكورة اخت بنت الشام للمرور الجميل
    وياهلا بيكي لك تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ««• أتمنى لك التوفيق والنجاح •»»نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ي و س ف
    كم من الزهور التى نزفت دماءها لتملأ زجاجة عطر
    العطر دماء زهور والعمر دماء بشر
    ولهذا أحزن كثيرا كلما رأيت زجاجة عطر فارغة ملقاة على الرصيف
    او رأيت إنسانا محمولا على الأعناق
    العطر أنت ياوطن
    والزهور دماء أطفالنا الأبرياء

  4. #4
    ما شاء الله عليك يا يوسف
    موضوع كامل و مميز للغاية
    يسلمووووووووو يا الغالي

  5. #5
    جزاك الله خيرا اخى الكريم يوسف للنقل المميز دوما

    دوما للامام

    تحيتى العاطرة الك
    http://www.fursan.ws/wisam2.gif


    من العذاب ... إن تكتب لمن لا يقرا لك
    وان تنتظر من لا يأتي لك
    و ان تحب من لا يشعر بك
    وان تحتاج من لا يحتاج لك
    من المؤلم ... إن تحب بصدق
    وتخلص بصدق .. وتغفر بصدق
    ثم تصدم في النهاية بموت
    كل الصدق الذي قدمته
    "ثم تكتشف إن أجمل العمر كان سراباً"

  6. #6

  7. #7


    مشكور اخ امير الليل
    لتواصلك ولمرورك الرائع

    مشكور اخ كرم المصري
    لردك الجميل ياغالي

    هلا والله مشكورة اختي بنت الجنوب
    للمرور
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ««• أتمنى لكم التوفيق والنجاح •»»نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ي و س ف
    كم من الزهور التى نزفت دماءها لتملأ زجاجة عطر
    العطر دماء زهور والعمر دماء بشر
    ولهذا أحزن كثيرا كلما رأيت زجاجة عطر فارغة ملقاة على الرصيف
    او رأيت إنسانا محمولا على الأعناق
    العطر أنت ياوطن
    والزهور دماء أطفالنا الأبرياء

  8. #8
    مشكورين جميعا للمرور
    لكم تحياتي
    كم من الزهور التى نزفت دماءها لتملأ زجاجة عطر
    العطر دماء زهور والعمر دماء بشر
    ولهذا أحزن كثيرا كلما رأيت زجاجة عطر فارغة ملقاة على الرصيف
    او رأيت إنسانا محمولا على الأعناق
    العطر أنت ياوطن
    والزهور دماء أطفالنا الأبرياء

المواضيع المتشابهه

  1. قضية أشرف مروان ( من الألف إلى الياء )
    بواسطة محمد جاد الزغبي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-23-2018, 03:25 PM
  2. شرح تصوير الكتب من الألف إلى الياء بطريقة سهلة وبسيطة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان البرامج الهامة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-14-2015, 10:21 AM
  3. المبدع (( موفق الخاني )) صاحب برنامج «من الألف إلى الياء»
    بواسطة فراس الحكيم في المنتدى العائلات الشامية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-28-2011, 04:04 PM
  4. أصول نق النساء من الألف إلى الياء
    بواسطة ذيبان في المنتدى استراحة الفرسان
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-22-2009, 01:12 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •