منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    أجمل فنجان رأيته في حياتي

    أجمل فنجان رأيته في حياتي
    بقلم ( بثينة العيسى كاتبة وروائية كويتية )

    أجمل فنجان قهوة رأيتهُ في حياتي، كان في ملجأ أسرة سورية في بقاع لبنان. الأسرة تقطنُ غرفة كانت فيما مضى حظيرة مواشي، تم تفريغها من الأبقار لكي يسكن فيها أبو زهير، وزوجته، وثمانية من أحفادهم. بين حينٍ وآخر، يظهر في الغرفة عقرب، أفعى صغيرة، أو جرذ، يدلفُ من ذاكرة الحظيرة السالفة. المكان ببساطة، لا يصلح للسكن الآدمي، ولكن أبو زهير يدفع قرابة الـ 100 دولار كإيجارٍ شهري لكي يجد سقفا وأربعة جدران تحمي أسرته.

    أبو زهير "ختيار" سوري من المعضمية، في الواحد والسبعين من عُمره، ذهبنا لزيارته لكي نقنعه باستضافة حفيداته الثلاث (رنين، رؤى، وصفاء) في دار الأيتام (بيت ليان). لا أعتقدُ بأن هناك مهمة أصعب من أن تقنع جدًا بحنانه ليترك لك مسألة رعايةِ بناته، ولكنني رأيتُ الحبّ شاسعا في عينيه بما يكفي لكي يسمحَ بالأمر. كان في عينيه دموع، كان في عينيه بحر.

    قتلت والدة رنين ورؤى وصفاء برصاصةِ قنّاص في الشارع، سقطت على الرصيف أمام بناتها. الجارة التي شهدت الواقعة ركضت لكي تنقذ حيوات الصغيرات، انتزعتهنّ من جثمان أمّهنّ لكي تدخلهن إلى البيت. الجارة أيضًا – هذه الباسقة – قتلت بثلاث رصاصاتٍ في الظهر.

    لستُ بصدد التساؤل عما يريده قنّاص من قتل امرأتين أمام ثلاثة أطفال، بصدق لستُ راغبة حتى بالدخول إلى سؤالٍ كهذا. ما يعنيني هو البناتُ الآن، رنين ورؤى وصفاء، الأب المعتقل والأم الشهيدة، والجدّ العاجزُ تمامًا عن إيجاد اللقمةِ والسقف والمقعد المدرسي.

    قبل أسبوع استضافت الحملة البنات الثلاث في (بيت ليان)، وانضممن إلى أسرةٍ جديدة تحاولُ بكل الجهد أن ترمّم صورة المستقبل.

    في دموع أبي زهير وغصّته السبعينية رأيتُ شموخَ الكرم السوري. حكى لنا عما فعله أهل المعضمية لأجل أهل داريا، وأم زهير/ زوجته منهم. عندما وقّع أهل المعضمية هدنة مع النظام، وتوفرت لهم الأغذية بعد حصارٍ شرسٍ من التجويع المنهجي، حاولوا إيصال الأطعمة إلى جيرانهم في داريا. يقولُ أبو زهير: كيف أنام شبعان وجاري جوعان؟ كعقوبةٍ على تهريب الأطعمة، أطبق النظام على المعضمية بحصارٍ كامل من التجويع والقصف. أبو زهير يملكُ منزلين اثنين في سوريا، وهو الآن يسكن في حظيرة.

    أعودُ إلى الفنجان، أجمل فنجانٍ رأيته في حياتي كان في بيت أبي زهير، قدّمت لنا أم زهير القهوة الفواحة في فنجانٍ بديع، بدا متنافرًا مع المكان المحيط. علّقتُ على جمال الفنجان وأنا أسقطُ في المفارقة، قالت أم زهير بأنها عندما حانت لحظة نزوحهم لم تدرِ ما الذي ستأخذه معها. دخلت إلى المطبخ: "ما لفت نظري غير القهوة والفناجين".

    نعم، أجمل فنجانٍ رأيتهُ في حياتي، لأن فيه ذاكرةَ بيتٍ كامل، شعبٍ كامل، وطنٍ كامل. عندما تنحاز السيدة السورية لفنجانِ قهوةٍ وهي مهددة بالموتِ، يمكنك أن تنفذ بعيدًا، بعيدًا في الحقيقة لترى إلى أيّ حدٍ مقدسة هي حياةُ الإنسان، بكل تفاصيلها الصغيرة التي تصون إنسانيته، منذ الوسادة النظيفة وحتى فنجان القهوة.
    منقولة من صفحة Bronia Ashkar

  2. #2
    هي حالة عامة لدى كل المهجرين السوريين في الداخل والخارج ..
    سلمت يداك على النقل الجميل

المواضيع المتشابهه

  1. فنجان قهوة
    بواسطة سلام مراد في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-02-2015, 08:36 PM
  2. عبد السلام عارف كما رأيته - صبحي ناظم توفيق
    بواسطة جريح فلسطين في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-09-2011, 01:36 AM
  3. سيل جده\ أكثر مقطع رأيته معبر ... سبحان الملك
    بواسطة عبدالله جنينة في المنتدى فرسان الفلاشات والصوتيات
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-28-2009, 02:36 PM
  4. لقد رأيته لحيـــــــــ 50 % ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
    بواسطة عبدالله جنينة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-06-2008, 11:55 AM
  5. أجمل أمرأة في حياتي
    بواسطة امير الليل في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 01-01-2007, 02:53 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •