منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    ليس دفاعا عن مرسي ولا رغبة في أن يعود إلى السلطة، وإنما إنصافا للشعب المصري وكشفا للحقيقة

    مقدمة لابد منها كي يتم فهم منهج هذا التحليل..
    أعتقد جازما بأن كلَّ فصائل الإسلام السياسي بمن فيهم "الإخوان المسلمون"، لا يمتلكون حلولا أصيلة للمشكلة الاقتصادية على الصعيد المذهبي، خارج حدود التوصيفات الأقرب ما تكون إلى الرأسمالية واقتصاد السوق، تهذيبا لهما حينا، وتغوُّلا بما هو أكثر منهما أحيانا أخرى..
    لكن المشكلة الاقتصادية في واقعنا العربي – وفي كل واقع في العادة – تقوم وتتأسَّس على جانبين، أحدهما "مذهبي" وهو الجانب المتعلق منها بتصور "العدالة" على صعيد إنتاج وتوزيع وتمليك واستهلاك وتدوير الثروة في المجتمع، والثاني "تنظيمي" يتعلق بكيفية محاربة الفساد المستشري في إدارة الثروة المجتمعية بصرف النظر عن وضعها المذهبي، ومديات العدالة في تمليكها وتوزيعها، وقبل ذلك في إنتاجها، وبعد ذلك في استهلاكها وتدويرها.
    الإسلام السياسي بوجه عام ورغم افتقاره إلى حلول للمشكلة الاقتصادية في جانبها المذهبي إلا أنه – وهذا من الصعب أن يختلف عليه حتى معارضو الإسلام السياسي – في الجانب الآخر من التعاطي مع المشكلة الاقتصادية وهو الجانب التنظيمي المتعلق بمحاربة الفساد بوجه عام، وبعيدا عن الخوض في التفاصيل التي قد تُظهر فاسدا منهم هنا وفاسدا هناك، دون أن يكون الفساد ممنهجا كما هو حال وواقع إدارة الثروات في المجتمعات العربية في الوقت الراهن.. نقول.. يمكن اعتبار الإسلام السياسي في هذا الجانب، طرفا نزيها إلى حدٍّ بعيد، وأقل نزوعا إلى الفساد بمعناه الذي نعانيه بسبب الأنظمة الحاكمة، والقائم على "نهب وسرقة المال العام" عبر الولوغ المباشر فيه، أو عبر التحايل عليه من خلال اختراع وابتكار أساليب خطيرة وشديدة الدهاء في الالتفاف عليه، لإتاحة الفرصة لنهب ما أمكن نهبه مما أفلت منه من مخالب الولوغ المباشر فيه.
    في ضوء المتابعة الهادئة والمبصرة والمعمقة والبعيدة عن حماقات وإسفافات وعربدات إعلاميي ومحللي الفضائيات الأبعد ما تكون عن التعاطي مع الأزمة بأدوات السياسة وبمنطق العقل، من الصعب الاقتناع بأن جوهر الخلاف بين القوى السياسية التي تسمي نفسَها "مدنية" ومن ورائها "الجيش" و"الأمن" و"القضاء" من جهة، و"الإخوان المسلمين" ممثلين في كلٍّ من "حزب الحرية والعدالة" و"الرئيس مرسي" من جهة أخرى، يكمن في تفاصيل "الدولة المدنية"، عبر ما تمَّ التعارف عليه بـ "فاشستية الإخوان المسلمين"، و"حكم المرشد"، و"أخونة الدولة" و"تغوُّل حزب الحرية والعدالة".. إلخ.
    فأمام الوقائع التالية تغدو كل تلك العناصر الخلافية متدنية القيمة إذا ما قيست بحجم التهويل الذي أريد له أن يكون قائما عليها ومرتكزا إليها، في حين أن الوقائع التي سنذكرها تاليا تكشف بما لا يدع مجالا للشك عن أن معظم ما كان يقال عن "الفاشستية" و"التغول" و"الأخونة".. إلخ، هو مجرد جزء من أدوات المعارك في هذه الحرب التي سيتبين لنا يقينا أنها حرب قامت على أسباب أخرى مختلة كلَّ الاختلاف عما يشاع هنا وهناك، وإن كان لابد من أن تختفي الأسباب الحقيقية تلك وراء حُجُبِ الأسباب المُدَّعاة والمتمحورة حول "المخاطر التي تهدد الدولة المدنية" من قِبَلِ "الإخوان المسلمين"، وحول "فشل الرئيس مرسي" في إدارة الدولة أمنيا ومعاشيا واقتصاديا.. إلخ.
    مفارقات جديرة بالتوقف عندها..
    دعونا نلاحظ الوقائع التالية..
    * خلال فترة حكم "مرسي" لم يتم إغلاق أيَّ قناة تلفزيونية ولا حتى تلك التي كانت تشتم الرئيس وتستخف به وتتعقب سقطاته وعوراته أحيانا، وتتهكم عليه، بل ولا رأينا حتى أن النظام لاحق ملاحقة قضائية منتجة أيا من أولئك الذين لم يكن لهم من همٍّ سوى "الرئيس مرسي". في حين أن كل القنوات المخالفة لما حدث في 30 حزيران تم إغلاقها من فورها وخلال ساعات قليلة من الإطاحة به. ولم نعد نرى سوى لون إعلامي واحد ووحيد، لا بل إن القنوات غير المصرية التي يمكنها أن تتعاطي مع الحدث المصري بشيء من الحيادية يظهر سلبيات النظام الجديد وإيجابيات النظام المعزول، تتم شيطنتها ومتابعتها ومضايقتها.. إلخ. فإذا كانت الحرية الإعلامية هي المعيار على مدى مدنية الدولة باعتبار الإعلام سلطة رقابية محايدة، نستطيع أن نتساءل بكل حياد وتجرد: أيُّ الطرفين يمثل خطرا حقيقيا على مدنية الدولة عبر الاعتداء على الإعلام الحر فيها (؟!) هذا لا يعني أنه في فترة حكم "مرسي" لم تكن هناك قناوت تسيء وبشكل سافر في الاتجاه المقابل، فمثل هذه القنوات كانت منتشرة بشكل يثير التقيؤ، ولكن النظام تعامل بتعفف عن التدخل في الإعلام وفرض سياسات معينة عليه، وتركه يمارس حريته في كل الاتجاهات بدون حسيب أو رقيب (!!)
    * لم يطرح الرئيس "مرسي" ولا سمعنا من "الإخوان المسلمين" لا من قريب ولا من بعيد، لا سرا ولا علنا، لا بشكل مباشر ولا عبر أيٍّ من وسائل التورية التي تعرفها لغة العرب أن هناك نوايا "معلنة" أو "مبينة" بتطبيق "الشريعة الإسلامية" على النحو الذي يتعارض مع الدولة المدنية. ولقد كان الرئيس مرسي ونظامه محل انتقاد دائم وتخوين وتكفير أحيانا من قبل عديد فصائل الإسلام السياسي بسبب أن هناك تنكرا للشريعة الإسلامية وانقلابا عليها من قبل الإخوان المسلمين ورئيسهم "مرسي". وقد رأينا هذه السياسة العامة تنعكس على الدستور الذي لم يجد معارضوه رغم كلِّ تهويشهم إلا الاعتراض على 15 مادة فيه لا تمثل في كل الأحوال قاعدة لنسفه حتى لو تم تعديلها تعديلات جوهرية، وهو ما يعني أن الدستور الذي عارضه هؤلاء وحاربوا النظام لأجله باعتباره أحد أسباب محاربته، لا يتعارض حتى مع أشد أشكال الدولة المدنية العلمانة تطرفا إلا في النزر البسيط الذي تحله الدول عادة بشكل تحاوري ديمقراطي هادئ كان قادما حتما بوعود مرسي نفسه (!!)
    * المؤسسات الكبرى في البلاد وهي "الجيش" و"الشرطة" و"القضاء" لم يتم المساس بها ولا إجراء أي تغييرات فيها لا على مستوى الإدارة والقيادة ولا على مستوى الهيكل والبناء، على النحو الذي يجعل نظام "مرسي" نظاما يتغول ويؤخون البلاد.. إلخ. لا بل لقد رأينا أن عديد الوزراء المهمين في الحكومة كانوا من خارج الإخوان ومنهم "وزير الداخلية" و"وزير البترول" و"وزير الطاقة والكهرباء" وغيرهم كثر أيضا. لا بل لقد كانت الحكومة تناكف الرئيس أحيانا وتواجهه.. إلخ.
    * عانى الرئيس "مرسي" وعانت حكومة "قنديل" منذ اللحظة الأولى لاستلام كل منهما مهماته الدستورية من نوع غير مفهوم من إخفاء الحقائق. فلأول مرة في تاريخ الدول لا يجد الرئيس الجديد ولا تجد الحكومة الجديدة من يسلمهما ملفات الدولة ومفاصلها ليتم تبادل المواقع بشكل سلس يسهل مهمات القادة الجدد. لقد وجد الرئيس الجديد – وبعده الحكومة – نفسه يستلم دولة لا يعرف عنها شيئا لا هو ولا مكتب رئاسته، ولم يكن يجاب على سؤال بشكل منتج ومساعد، ولم يُسَلَّم أيَّ مستندات تساعده على فهم ما كان يدور وما يجب أن يحدث، كي لا تختلط الأمور في إدارته للدولة، فراح يتحسَّس طريقه في الظلام، محاولا التعرف على مسالك هذا الطريق عنوة في خضمٍّ من العرقلة الواضحة من كافة قوى الشد العكسي وبقايا النظام السابق. ولعل إدخال الرئيس لبعض المقربين منه إلى المستويات الوظيفية من الدرجة الثانية والثالثة في المحافظات لمعرفة ما كان يدور في البلاد مما يتم تعمد إخفائه عنه كي يفشل، يكشف لنا عن الجهد الذي كان يبذله كي يتلمس خطواته في هذه الدولة التي كانت مظلمة أمام كل محاولاته (!!)
    * ما يجب أن ندركه جيدا، وهو ما يتعمَّد الجميع إخفاءَه وعدم الحديث عنه، لأنه كان بداية استشعار الطرف الآخر للخطر الحقيقي الذي يمثله "مرسي" عليهم وعلى مشاريعهم وأجنداتهم. والطرف الآخر هو بالمناسبة رؤوس وقيادات المؤسسات الثلاث "القضاء" و"الشرطة" و"الجيش"، تضاف إليهم كافة القوى السياسية الديكورية القديمة منها والجديدة والمستنسخة، والقوى الشبابية الثورية منها والتائهة والطامحة والمتسلقة، التي تم استخدامها جميعها كأدوات تتولى هي مهمة المواجهة نيابة عن تلك المؤسسات التي ليس من حقها أن تمارس أيَّ نشاط سياسي.. نقول.. إن ما يجب إدراكه مما يتم تعمُّد إخفائه، هو أن الأشهر الأربعة الأولى من حكم "مرسي" – وليراجع من يشاء أو من يشكِّك في كلامنا أخبار تلك الفترة حتى في الصحافة المصرية – كانت أشهرا علت فيها أسهم الرئيس مرسي وشعبيته وأسهم الإخوان معه، بسبب أن ملفات الفساد وخفايا هذا الأخطبوط المرعب الذي تجذَّر وعشَّش في البلاد على مدى ستين عاما، وبالأخص على مدى الأعوام الثلاثين الأخيرة منها، راحت تتكشف أمام الشعب المصري هنا وهناك إلى أن أصبح كلُّ موظفي القطاع العام ومن كل المراتب والمستويات يخشون من خيالاتهم ويتجنبون الإمضاء على أيِّ مستند قد يلقي بهم إلى ما يشبه "محاكم التفتيش" ولكن على الفساد بدل أن تكون على الدين، ما جعل المصريين يستشعرون الأمل ويثقون بأن الموضوع جدي، وهو الأمر الذي جعل الطرف الآخر ينتبه إلى أن الاستمرار على هذا النحو من النجاح في كشف ما يريد الشعب المصري أن يتمَّ كشفه، سوف يجعل الخطط التي تدار من خلف الأبواب المغلقة للإطاحة بمرسي وبنظامه وبالإخوان المسلمين من ورائه، غير مضمونة النجاح، ما يقتضي الإسراع في اختراع أساليب ووسائل جديدة لتهيئة الشعب المصري للاقتناع بأن هذا الذي يراه أمامه هو مجرد خدعة تُقَدَّمُ له كطعم كي يتم تمرير أخونة الدولة وفاشستية الإخوان دون أن ينتبه.. إلخ.. لتبدأ الماكينة – التي كانت تشتغل منذ اليوم الأول لتولي مرسي الرئاسة – حملتها المحمومة في كل الاتجاهات ومن كل المواقع مستخدمة كل الأدوات المشروعة منها وغير المشروعة، مسابقة الزمن لتهيِّئَ للمهمة التي يجب أن تنجز قبل بداية شهر "7/2013" أرضها الخصبة (!!)
    نكتفي بإيراد هذه الوقائع المهمة التي تكشف عن حجم التهويل في فكرة "خطورة مرسي والإخوان على مدنية الدولة"، وهي الفكرة التي لم تعد تقلق المصريين البسطاء كثيرا بعد مرور الأشهر الأربعة الأولى من حكم "الرئيس مرسي"، أمام ما راحوا يرونه يتجسَّد خلالها أمامهم وإن يكن بصعوبة وبطءٍ، من تعاطٍ مُنتجٍ وفعالٍ مع ملفات الفساد المتجذِّر في البلاد، لإعادة إنتاج المؤسسات على نحوٍ متحرِّر من وقعها وتأثيرها التاريخي الكارثي.. نقول.. نكتفي بذلك لنقف وقفة مطولة ومعمقة أمام ما قلناه من أن "القوى المضادة كانت تسابق الزمن لتهيئة الظروف الصالحة لإنجاز مهمة إسقاط الرئيس والإطاحة بالإخوان المسلمين قبل بداية شهر 7/2013، أي في مدة أقصاها 30/6/2013"، باعتباره التاريخ الذي يمثل "شفرة" المشروع المضاد، و"كلمة السر" في اللعبة كلها (!!)
    احترامك لمن تراه منافسا أو حتى خصما سياسيا، أو لمن لا تتفق معه في المشروع السياسي وتخالفه وتعارضه فيه، بإنصافه الإنصاف الذي يستحقه، حتى لو كان إنصافه سيعني أنه يسحب بساط الشعبية من تحت أقدامك، تلك هي صفات "فرسان السياسة"، وفي غير هذه الحال فالحديث إنما يكون إما عن "وصوليي وانتهازيي ومتسلقي سياسة" يهمهم أن يكونوا هم من يوصفون بالملائكة، وإلا فإنهم سيصطفون مع "الشيطان"، وإما "غيلان سياسة" يدوسون لأجل أجنداتهم الطبقية المتغوِّلَة ولأجل مصالحهم الفئوية الممعنة في ذاتيتها، كلَّ حلٍّ قد يكون في ذاته نافعا ومفيدا ومنتجا، لمجرد أنه سيحوِّلهم إلى حيوانات أليفة تعجز عن "الخرمشة" التي لا يعيشون بصفتهم "غيلانا" بدونها (!!)
    ولأنني لا أفهم السياسة إلا "فروسية" تبتغي طرح الحلول النافعة التي يسعدني أن أراها تأتي من غيري إن أتت، فأحضنها وأضمها إلى قائمة ممارساتي غير مهتم بمن يكون طليعة "الملائكة" مادمت قد نجحت في ألا أكون في صفوف "طليعة الشياطين"..
    ولأنني أفهم "التغوُّل" في السياسة باعتباره تجسيدا لـ "مصلحة طبقية" هي في ذاتها متعارضة مع "مصالح الغالبية العظمى من أفراد الشعب"..
    أقول.. نظرا لهذا وذاك، فإنني أجد نفسي ومن منطلق "فروسية السياسة" التي أبتغيها نهجا لي، مُلْزَما أخلاقيا بأن أُنْصِفَ الرئيس "مرسي" فيما يستحق فيه الإنصاف، رغم يقيني القاطع بأنَّ سقفَه وسقفَ حركتِه التي ينتمي إليها لن يعدوَ أو يتجاوزَ الإطار التنظيمي القائم على "محاربة الفساد"، بعيدا عن أن يطال الأطر المذهبية للعدالة كما أتصورها وكما يتصورها العقلاء المتحررين من المعتقدات المذهبية المسبقة، لتتحولَ مصرُ تحت حكمه وحكم الإخوان المسلمين، إلى دولة رأسمالية غير فاسدة أو قليلة الفساد على اقصى تقدير.
    كما أنني أجد نفسي ومن المنطلق ذاتِه مُلْزَما بانتهاج نهجِ الإنصاف هذا، رغم يقيني بأن الأخطاء السياسية والإدارية لكل من الرئيس "مرسي" وجماعة "الإخوان المسلمين" على الكثير من الصعد ليست بالأمر الذي يستهان به ولا بالذي يُسْكَتُ عليه، لأنها ناجمة في الأساس عن عدم الإلمام الكافي بمواصفات "رجال الدولة" وبمتطلبات إدارة "الدولة"، فكيف إذا كانت هذه الدولة هي "مصر" بكل دلالات ذلك (؟!)
    وإنني إذا أنتهج هذا النهج القائم على الإنصاف وفق مبدأ "الفروسية السياسية"، فلأنني على يقين من أن من صنعوا الحدث وحاكوا الخطة في الغرف المغلقة، لم يكونوا على خلافٍ جوهري مع "مرسي" ولا مع "الإخوان المسلمين" – في البدايات على الأقل – إلا في التعاطي مع "إدارة ملفات الفساد" الذي بدا أن النهج الجديد لم يكتفِ بالتعامل معه باعتباره ظاهرة فردية يُحاسِبُ عليها القانون بفروعه "الجنائية" و"المدنية" و"المالية".. إلخ، وإنما أراد أن يجتثَّ الفسادَ باعتباره منهجا مُقَنَّنا في "إدارة ثروة" الشعب المصري.
    وهؤلاء وعندما بدأ الخلاف يدب بأبشع صوره بينهم وبين مرسي وجماعته على هذه الأسس المنهجية، لم يكن أمامهم سوى أن يستدعوا التاريخ والماضي وثارات "الأوس" و"الخزرج".. إلخ، ليتمكنوا من خوض معركتهم بالأدوات التي تحقق لها النجاح. فلا أحد يستطيع أن يُسْقِطَ رئيسا بالإشارة إلى أنه يستحق الإسقاط لأنه يريد اجتثاث منهج الفساد من الدولة، فمثل هذا الادعاء لو حصل، لكان أدعى به أن يُثَبِّتَ الرئيس لا أن يُسْقِطَه. لذلك كان عليهم – لكي يفشلَ مشروعُه في اجتثاث منهج الفساد بعدم منحه فرصة الاستمرار في إدارة الدولة – أن يقيموا خطتهم في إسقاطه على إفشاله في "الإدارة المعاشية للبلاد"، وفي "تضخيم أخطائه هو وجماعته"، لتظهر تلك الأخطاء وكأنها كوارث لا يمكن تدارك نتائجها إلا بحربٍ ضروس لا رحمة فيها معه ومعهم، وفي "ترصُّد شخصيته" للتقليل من شأنه أمام شعبه، بعد أن ساعدتهم شخصيته غير الكاريزمية على تسهيل مهمتهم (!!)
    تعالوا نطَّلِع معا على المفاصل الأساسية في خطة "الرئيس مرسي" لاجتثاث الفساد من مصر في المستوى المنهجي له، وليس في المستوى الشخصي فقط، وكيف تمت مواجهة هذه الخطة..

    البدايات الأولى والتأسيس للمواجهة..
    من تكليف "كمال الجنزوري" يوم "25/11/2011" بتشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة حكومة "عصام شرف"، تبدأ القصة، فلنتتبع تفاصيلها..
    اكتنف الغموض مصير "الموازنة العامة للدولة" للعام المالي 2012/2013، بعد أن تأخرت حكومة الدكتور "كمال الجنزوري" في تقديمها لمجلس الشعب في موعدها المقرر كما جرى العرف في "مطلع أبريل من كل عام"، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات في الشارع المصري..
    * ففي 24/4/2012 طلب الدكتور "محمد سعد الكتاتنى"، رئيس مجلس الشعب من الحكومة الإسراع في تقديم مشروع الموازنة العامة إلى المجلس حتى تستطيع اللجان المختصة مناقشته وإعداد تقاريرها عنه، بعد أن تأخرت 24 يوما عن التاريخ العرفي المعتاد. جاء ذلك بعد أن هاجم النائب "أشرف بدر الدين"، وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب ما أسماه "عرقلة الحكومة لأهم أدوار المجلس وهو مناقشة مشروع الموازنة العامة قبل إقراره بوقت كاف"، مشيرا إلى أن الحكومة كان يجب أن تعرض هذا المشروع منذ أكثر شهر على المجلس.
    * ولما لن تستجب حكومة "الجنزوري" لهذه المناشدة، وفي يوم 30/4/2012 أكد "محمد معيط" مستشار وزير المالية أن الحكومة الانتقالية تدرس التقدم بمشروع الموازنة الجديدة الأسبوع القادم، مؤكدا على أنه لا يمكن إقرار الموازنة دون عرضها على المجالس التشريعية لمناقشتها وإصدار قانون بها ثم يتم التصديق عليه من المجلس العسكرى. وأشار معيط إلى أنه لا توجد أيُّ أسباب واضحة حتى الآن لتأخر حكومة الجنزوري في عرض الموازنة على البرلمان، ما يضعها في مخالفات دستورية وقانونية، وتجب مساءلتها عن ذلك، وخاصة أنه من الطبيعي أن تُعْلَنَ الموازنة قبل بداية العام المالي المعتمد في مصر وهو "الأول يوليو من كل عام، أي 1/7" بثلاثة أشهر على الأقل، كي يتم إعطاء كامل الفرص لمجلس الشعب لمناقشة جميع بنودها وربما تعديل بعضها.
    * ومع قرب انتهاء شهر "آيار/مايو" بأيام قليلة أودعت الحكومة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لدى مجلس الشعب الذي لم يتسنى له أن يبدأ بدراستها الدراسة الوافية، لأنه في يوم الخميس 14/6/2012 أمرت المحكمة الدستورية بحل المجلس بكامله بغرفتيه "النواب" و"الشورى"، مؤكدة على أنه "غير قائم بقوة القانون" بعد الحكم بعدم دستورية قانون الانتخابات.
    * وبعد ذلك بيومين، أي بتاريخ 16/6/2012 كشفت المعلومات المتسرِّبة للإعلام أن الدكتور "كمال الجنزوري" رئيس مجلس الوزراء سحَبَ ملف الموزانة العامة للسنة المالية 2012/2013 من البرلمان بعد حله، وأرسل نسخة منها إلى المجلس العسكرى لاعتمادها والتصديق عليها وإصدارها فى صورة مرسوم بقانون خلال الأيام المقبلة.
    * وفي يوم الخميس 21/6/2012 أرسلت الحكومة نص مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية "2012 – 2013"، إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد أن تسلمتها من مجلس الشعب المنحل، وبعد أن قامت الحكومة بمراجعتها. ووفقا لمصدر مسؤول بمجلس الوزراء، فإن المجلس العسكرى سيصدر مرسوماً بإقرار الموازنة الأسبوع المقبل.
    * وهذا ما حصل بالفعل، ليتم ذلك مباشرة قبل يوم السبت 30/6/2012 الذي كان يوم أداء الرئيس "محمد مرسي" اليمين أمام المحكمة الدستورية، ليصبح أول رئيس منتخب للبلاد.
    * استلم الرئيس مرسي رئاسة مصر إذن في 30/6/2012، أي بعد أن كانت الموازنة العامة للدولة وخطة إدارة البلاد للعام المالي 2012/2013، قد اعتُمِدَت من قبل حكومة "كمال الجنزوري"، وهما – أي الموازنة والخطة – لم تخرجا عن السياق التقليدي المتعارف عليه في موازنات وخطط الحكومات من أيام الرئيس المخلوع "مبارك"، ولم يرد فيهما شيء جديد على أيِّ صعيد ذي طبيعة مذهبية تحرِّر الاقتصاد المصري من ربقة "الرأسمالية وآليات السوق" من جهة أولى، أو ذي طبيعة تنظيمية تضع الأسس اللازمة لمحاربة الفساد الممنهج من جهة ثانية.
    أي – وهذا ما لا تتم الإشارة إليه ولا يتم ذكره في أيِّ وسيلة إعلامية ولا من قبل أي محلل أو قارئ للمشهد المصري – أن كل ما حدث في السنة الأولى من حكم "مرسي" في المجال الاقتصادي، كان في الجانب الأكبر منه من تداعيات وبركات تطبيق خطة ومشروع موازنة "كمال الجنزوري"، إلا ما كان منه اجتهادا من قبل الرئيس وفريق عمله وحكومته، فيما كانت تتيحه خطة "الجنزوري" ذاتها من هوامش لذلك، وهو ما سنكتشف أنه – أي الاجتهاد المتاح على هامش الخطة ذاتها – كان وحده الإنجاز الاقتصادي الإيجابي خلال ذلك العام (!!)
    لقد كانت الملامح العامة للسياسة الاقتصادية للدولة فيما يتعلق بمنهج محاربة الفساد كما تم الحديث عنه من قبل بعض القيادات الإخوانية، سواء في مجلسي النواب والشورى، أو في الصالونات الحزبية شديدة التجاذبات، واضحة لكلٍّ من قيادات "الجيش" و"الشرطة" و"القضاء" المعنية الأولى والأساس والأهم باستعادة الدولة بشكلها "المباركي" وإن يكن ببعض الرتوش والتعديلات القِشْرِيَّة الطفيفة التي تحافظ لذلك الشكل على مضمونه الجوهري الذي لا يمس بالبُنْيَة الطبقية لتمركزات الثروة في البلاد.
    وبالتالي فإن "الموازنة العامة" و"السياسة العامة" للدولة في السنة المالية "2012/2013" كما وردتا في برنامج حكومة "الجنزوري"، كان من المؤكد أنهما لن تحظيا بالثقة في مجلس الشعب، وهذا يعني أنه لو استمر الحال على ما هو عليه، فإن الفكرة الخطيرة الجديدة في منهج "الإخوان المسلمين" في مواجهة الفساد المُمَنْهَج بنمط إصلاحي ممنهج هو أيضا، سوف تُشَكِّلُ عائقا حقيقيا أمام إعادة إنتاج الدولة ومناهجها السابقة على انتفاضة 25 يناير، حتى لو تمَّ انتخاب رئيسٍ للدولة ليس من "الإخوان المسلمين"، مادم الإخوان موجودون في مجلس الشعب بغرفتيه بثقل يعتبر صاحب القرار التشريعي، وماداموا سيكونون موجودين بثقلٍ فاعلٍ أيضا في الحكومة الجديدة التي ستتشكَّل بعد الانتخابات الرئاسية، على نحوٍ يُفْقِدُ الرئيس قدرتَه – حتى لو كان هو "أحمد شفيق" نفسه – على تمرير المشروع المراد تمريره فيما يتعلق باستعادة الدولة عبر إعادة تشكيلها في قلب بعض المنجزات الثورية المتعلقة بالحريَّة.
    إن مشروع استعادة الدولة "المباركية" عبر المحافظة على منهجها الاقتصادي برشاوىَ تتعلق بحريةٍ وبدولةٍ مدنية غير مؤهلتين لأن تمسا بالجوهر الاقتصادي للدولة ولبُنْيَتها الطبقية والمصالحية – وهو المشروع الذي اضطلع به "الجيش"، وسانده فيه "جهاز الشرطة" و"مؤسسة القضاء"، فضلا عن كلِّ البنية العميقة للدولة، ومجموعات "الليبراليين الجدد" في كافة مواقعهم قديمةً كانت أو جديدة أو مستنسخة – ما كان له أن ينجحَ إلا إذا تمَّ تغييب "مجلس الشعب" المناكف التشريعي المزعج للحكومات وللرؤساء، ليتسنى تمهيد الطريق لرئيس الدولة إذا لم يكن إخوانيا وجاء من الفريق المساند لمشروع الاستعادة هذا، أو ليتسنى التفرُّغ لمناكفة الرئيس وحده في حال فوز رئيس إخواني، لأنه سيكون رئيسا بلا أيِّ غطاء تشريعي يسانده، وبالتالي سيكون من السهل على تحالف "استعادة الدولة" التحرك بالشكل المناسب للوصول إلى الهدف المقرر سلفا (!!)
    لقد كانت حكومة "كمال الجنزوري" واقعة إذن بين فكَّي كماشة مُربكين ومثيرين للقلق، أحدهما يمثله "مجلس الشعب" الذي لن يسمح بتمرير مشروع الموازنة ومشروع السياسة العامة للدولة للعام المالي "2012/2013"، خاصة بعد حزمة التشريعات القليلة التي أصدرها المجلس، والتي بدا أنها تمسُّ مساسا مباشرا بمنهج الفساد في الدولة على نحوٍ قد يخلخل البُنية الطبقية القائمة على الفساد، والمستفيدة منه، والمنتفعة من مَنْهَجَتِه السائدة، وخاصة فيما يتعلق بالصناديق الخاصة وهي المسألة الأكثر خطورة عندما يكون الحديث منصبا باتجاه "مَنْهَجَة الفساد وقوننته". فيما يمثل الفك الثاني من الكماشة واقعة أن الانتخابات الرئاسية أصبحت على الأبواب، فيما فريق "مشروع استعادة الدولة" يحرص على ألا تبقى مشاريع مثل "الموازنة" و"خطة إدارة اقتصاد الدولة" معلقة ومؤجلة إلى أن تتشكل الحكومة الجديدة التي ستلي الانتخابات الرئاسية مباشرة، فيفقد المجلس العسكري الذي يتولى دور "المايسترو" في جوقة "استعادة الدولة" زمام المبادرة، لأن الانتخابات الرئاسية ستعيده إلى ثكناته، أو هكذا يفترض.
    من جانبٍ آخر فإن اللجوءَ إلى حلِّ مجلس الشعب بعد اعتراضه على مشروع الموازنة وردِّه له أو بعد مطالبته بتعديلات جوهرية عليه تفقده قيمتَه في معادلات جوقة "مشروع استعادة الدولة"، سيجعل حلَّه يظهر وكأنه اعتراض على منهجه في محاربة الفساد، فتزداد شعبية ويفقد أعداؤه وعلى رأسهم المجلس العسكري مصداقيتهم، وهو ما يتعارض بالمطلق مع خطة تلك الجوقة لاستعادة السيطرة على الدولة بشكل دستوري يتناغم مع مبادئ 25 يناير.
    إن المعضلة التي وقع تحت تأثيرها قادة "الجوقة" إياها هي أن "مجلس الشعب" يجب أن يغيبَ عن الساحة التشريعية كي يتسنى للمجلس العسكري أن يكون هو صاحب القرار فيصادق على مشروع موازنة الجنزوري وخطته لإدارة الدولة في العام "2012/2013"، ويجب أن يكون غيابه مبررا قانونيا ويبعده عن شبهة أنه غياب مسبَّبٌ بالرغبة في تسهيل الطريق التشريعي أمام مشروع الموازنة وما يستتبعه من مشاريع تتعلق بإدارة اقتصاد الدولة، كي لا يحظى تغييه بأيِّ تعاطف شعبي.
    وفي الوقت ذاته يجب أن يتمَّ إنجاز كل ذلك قبل الانتخابات الرئاسية التي إن جاءت برئيس من الجوقة وأنصارها فبها ونعمت، وإن جاءت برئيس من الإخوان فسيجد نفسه مُكَبَّلا بمشروع موازنة استكمل كامل الخطوات التشريعية لنفاذه، ما يسَهِّلُ عملية حصاره لاحقا.
    وإذن فلابد من أن يكون غياب مجلس الشعب ناتجا عن قرارٍ يحظى بالقداسة والاحترام من مؤسسة تحظى بهاتين الصفتين، وهي "المحكمة الدستورية"، التي كان عليها أن تقوم بحل المجلس لأسباب دستورية وقانونية. وكان لابد في الوقت ذاته من أن تتمَّ المماطلة في التقدم بمشروع الموازنة للمجلس كي يتمَّ حلُّه قبل أن تتاحَ له فرصة إصدار أيَّ قرار بشأنه، وذلك لأجل ألا يبدوَ حلُّه وكأنه إسقاط لقراراته بشأن الموازنة.
    وهذا ما حصل، فقد استمرت حكومة الجنزوري تماطل في إيداع مشروع الموازنة لدى مجلس الشعب إلى أن اتخذت إجراءات حل المجلس مسارا متقدما، بحيث غدا واضحا أن المجلسَ سوف يُحَل قبل أن تسمحَ إجراءاتُه البيروقراطية باتخاذ أيِّ قرارٍ تجاه مشروع الموازنة المودَع لديه، ليكون ملائما عندئذ أن تلجأ الحكومة لسحب المشروع من مجلس الشعب المنحل وتقديمه بشكل قانوني ودستوري للمجلس العسكري، لأن السلطة التشريعية ستؤول إليه وفق منطوق "الإعلان الدستوري" المعمول به. وقد كان من الطبيعي أن يصدرَ "المجلس العسكري" قرارَه بالمصادقة عليه قبل أن يؤدي الرئيس مرسي اليمين أمام المحكمة الدستورية، وذلك لأجل أن يجد نفسَه هو وحكومته محاصرين بمشروعٍ لا يمكن تجاوزه أو إلغاؤه، لأن مشروع الموازنة عندما يُقَر يصبح قانونا، والقانون ملزمٌ للرئيس قبل أن يكون ملزما لأيِّ كان (!!)
    مع ضرورة توضيح أن حل مجلس الشعب لأسباب دستورية وقانونية تتعلق بعدم شرعية نشأته أصلا بسبب عدم شرعية القانون الانتخابي الذي تأسس بناء عليه، كانت لعبة ذكية من "الجوقة"، لأن هذا المبرِّر للحل يجعل كافة التشريعات والقوانين التي أصدرها غير دستورية وباطلة، فتسقط بالتالي تلك الحزمة من القوانين التي كانت قد بدأت تربك الجوقة بسبب جرأتها في اقتحام "أوكار الفساد المُمَنْهج" (!!)
    لم يكن أمام الرئيس "محمد مرسي" وحكومة "هشام قنديل" لاحقا سوى الانتظار إلى أن تنتهي السنة المالية "2012/2013" في "30/6/2013" كي يتسنى له البدء في "1/7/2013" في تنفيذ خطته الجريئة وغير المسبوقة في التعاطي مع ظاهرة "الفساد الممنهج" في مصر وفق مشروع موازنة العام المالي "2013/2014"، بعد أن غدا مُلزما – وعلى مدى سنة كاملة – بتنفيذ موازنة وخطة "كمال الجنزوري" التي صادق عليها المجلس العسكري. وقد راح بالتالي يتحرك في حدود ما لا يتعارض قانونيا مع ما تتيحه خطة "الجنزوري" من هوامش للتحرك، وهي هوامش محدودة، إلا أنه تمكن من تحقيق بعض الاختراقات الإيجابية فيها مكَّنَته من التأسيس لما قد يساعده على تنفيذ خطته هو منذ الأول من يوليو 2013.

    جوهر الخلاف الحقيقي مع مرسي والإخوان هو الموقف من "الفساد المُمَنْهَج"..
    فعلى ماذا كانت تقوم خطة الرئيس "محمد مرسي" لإعادة إنتاج الاقتصاد المصري من الناحية التنظيمية على نحو يقضي على "مَنْهَجَة الفساد" المستفحل في الدولة (؟!)
    لقد قامت خطته على العناصر السبعة الرئيسة التالية..
    1 – تخفيض السقف الأعلى للمرتبات التي يتقاضاها أيُّ موظف في القطاع الحكومي، إلى الحدِّ الذي لا تزيد فيه عن "50" ألف جنيه شهريا، مع العلم بأن هناك مرتبات لآلاف الموظفين الحكوميين تدور في فلك ملايين الجنيهات شهريا، دون أن تكون خاضعة لرقابة "جهاز الرقابة الإدارية على المال العام" بسبب "الصناديق الخاصة" التي تمثل أسَّ البلاء في "الفساد المُمَنْهَج" في مصر (!!)
    2 – استعادة ما زاد من عن الخمسين ألف جنيه شهريا من أيِّ موظف حكومي ينطبق عليه ذلك بأثر رجعي، وهو ما يعني أن عشرات بل وربما مئات المليارات من الجنيهات من الأموال المنقولة وغير المنقولة، كانت ستعود إلى الشعب المصري عبر عودتها إلى خزينة الدولة بموجب تطبيق هذا البند من "سياسة محاربة الفساد المُمَنْهَج" (!!)
    3 – تسوية الأوضاع الضريبية لكافة الشركات والمؤسسات الكبرى التي كانت تتهرب من دفع الضرائب أيام حكم الرئيس "مبارك" ضمن صفقات "فساد الغرف المغلقة"، وذلك عبر اتفاقيات تسوية تجلب دخلا إلى خزينة الدولة من مصدر مالي كان يعتبر وحتى استلام الرئيس مرسي للحكم "مصدرَ أموالٍ معدومة". وللعلم فإن ما تمكنت حكومة الرئيس مرسي من استعادته عبر هذه السياسة خلال سنة حكمه، بلغ 24 مليار جنيه، وهو مؤهل للزيادة والارتفاع إلى أكثر من ذلك بكثير لو استمر في الحكم وأتيحت الفرصة لهذه السياسة بأن تستمر وتتواصل (!!)
    4 – عانى الشعب المصري منذ العام المالي "2009/2010" من توقف غير مُبَرَّر في صرف كافة العلاوات السنوية لموظفي القطاع الحكومي، أي أن الموظفين الحكوميين المصريين حُرموا من صرف أيِّ علاوات يفرضها القانون لمدة أربع سنوات كاملة. فإذا علمنا بأن يوم "30/6" من كلِّ عام هو التاريخ المعتمد سنويا لصرف تلك العلاوات التي يُفترض أن تكون قد أُقِرَّت في قانون الموازنة الذي يُفترض بدوره أن يكون قد أُقِرَّ قبل ذلك التاريخ، لتبدأ السنة المالية الجديدة في "1/7" من العام نفسه بسلاسة يتم من خلالها تنفيذ ما يتعلق منها بالعلاوات فورا.. نقول.. إذا علمنا بذلك، فقد كانت خطة الرئيس مرسي في هذا البند بالذات قائمة على البدء بصرف تلك العلاوات الفائتة لكافة موظفي القطاع العام وبأثر رجعي منذ العام "2009/2010"، وكانت الأموال المستردة من خلال تسويات الضرائب وتلك التي ستُسْتَرَدُّ لاحقا هي العباءة المالية التي ستقوم بتغطية كلِّ تلك العلاوات وتزيد، فمبلغ الـ "24" مليار جنيه المُحَصَّلَة حتى تاريخه تعتبر أرصدة نقدية كافية للبدء في تنفيذ هذا البند من الخطة. وفي هذا ما فيه من رفعٍ لمرتبات كافة موظفي القطاع الحكومي المصري، ومن رفع القدرة الشرائية لهم (!!)
    5 – في مصر تعتبر "الصناديق الخاصة" هي الغطاء القذر لـ "مَنْهَجَة الفساد المالي"، والحجاب الذي يختبئ وراءه كل ناهبي المال العام ومفقري الشعب المصري، وذلك بسبب محدودية النهب والسرقة من الموازنة التي تتمُّ متابعة تنفيذها رقبايا إلى حدٍّ ما.
    والصناديق الخاصة – لمن لا يعلم – هي صناديق منتشرة بكثرة لدى المحافظات والهيئات الحكومية المختلفة والوزارات.. إلخ، وتُعَدُّ بالعشرات، وهي وكلُّ ما يدخل إليها من أموال "واردات"، وكل ما يخرج منها من أموال "نفقات"، تقع خارج نطاق الخضوع لأيِّ رقابة يقوم بها "جهاز الرقابة الإدارية على المال العام"، ولا تدخل حركة أموال تلك الصناديق في أيِّ مشاريع للموازنة العامة على الإطلاق، وهي تقع تحت التصرف المباشر للمحافظين، ولرؤساء الهيئات الرسمية، ولقادة الشرطة، ولقادة الجيش، ولرؤساء الهيئات القضائية.. إلخ. إنها عالم مظلم قائم بذاته لا يتدخل فيه أيُّ رئيس دولة، ولا تتدخل فيه أيُّ حكومة، ولا يقترب منه أيُّ برلمان.. إلخ.
    ومصدر تلك الأموال هو الشعب المصري الذي يدفع الضرائب والرسوم المختلفة التي تصب في تلك الصناديق، متخطية أيَّ جسور قد تفرض عليها العبور إلى أيِّ موازنة محاصرة بالرقابة وبالتشريعات. وتُقَدر الأرصدة الموجودة في تلك الصناديق بمئات المليارات من الجنيهات. وهي تستند في ملئها المستمر إلى نبعٍ لا ينضب من الموارد مصدرها الشعب المصري المغلوب على أمره.
    وتعتبر الصناديق الخاصة التابعة لكلٍّ من الجيش والشرطة والقضاء والمحافظين، هي الأهم والأكثر تجسيدا للنهب والفساد والإفساد والاختلال الكبير في الأجور والمرتبات بين موظفي القطاع العام، عندما نجد بسبب هذه الصناديق من يتقاضى ملايين الجنيهات شهريا عن عمل يتقاضى عليه موظف آخر من نفس الدرجة والكفاءة والاختصاص ما لا يزيد عن عدة آلاف من الجنيهات. وهذه هي صورة الفساد الكبرى التي تجسِّدها تلك الصناديق، حيث "يقربط" كلُّ جهاز و"تقربط" كلُّ هيئة أو مؤسسة أو محافظة في "صندوقها الخاص" دون أن تسمحَ بأن يتدخل أحد في كيفية إدارتها لأموال صندوقها بعيدا عن أعين أيِّ رقابة مالية أو إدارية.
    استلم الرئيس "مرسي" زمام السلطة في "30/6/2012"، وكان هذا العالم بالنسبة له عالما من الأسرار والظلمات – كما هو بالنسبة لكل من يعلم بوجوده ويعجز عن فهم آلياته – تحركه أشباحٌ لا يعلم أحد ما الذي تفعله. ولأنه يعلم بأن هذه الصناديق هي معقل منهج الفساد والإفساد الرئيسي في القطاع الحكومي برمته، كما كان يعلم ذلك كل العقلاء والمطلعين حتى لو سكتوا و"طنشوا" لأسباب هنا ولأسباب هناك، فقد كان عليه أن يبدأ بالتحرك بوصفه رئيسا للدولة يحمل على عاتقه كما وعد "محاربة الفساد المُمَنْهَج"، مستندا على ما كان مجلس الشعب قبل حلِّه قد أصدره من قوانين تتعلق بهذا الخصوص كمصدر للمعلومات فقط، لأن تلك التشريعات سقطت بحل المجلس، ولأن أحدا لم يتعاون مع الرئيس من بقايا النظام السابق.
    وبدأ في هذا السياق من بنود خطته يُقحِم بعضَ رجاله المقربين في مستويات وظيفية من الدرجة الثانية والثالثة في المحافظات والهيئات الحكومية المختلفة وفي الوزارات، فيما عجز عن فعل ذلك في كل من "الشرطة" و"الجيش" و"القضاء" لأسباب تتعلق ببنية تلك الأجهزة الخطيرة الماسكة لزمام الأمور في الدولة – وهو إلى جانب تعيينات أخرى ما كان يعتبره الكثيرون بمثابة سياسة أَخْوَنَة للدولة – كي يتعرف على الحقائق ويكشف ما يدور في الخفاء، آخذا في الاعتبار أن مسألة الصناديق الخاصىة يجب أن يعاد النظر فيها بدءا من مشروع موازنة العام المالي "2013/2014" الذي سيتم البدء بتنفيذها في "1/7/2013".
    وكانت خطته فيما يتعلق بالصناديق الخاصة تقوم على أنها يجب أن تخضع لرقابة "جهاز الرقابة الإدارية على المال العام"، وأن كافة "إيراداتها" و"نفقاتها" يجب أن تكون جزءا من الموازنة العامة للدولة، لتكون تحت سمع وبصر "البرلمان" وكلِّ الأجهزة الرقابية الأخرى في الدولة. وهو ما يعني أن تتم قصقصة أجنحة كلِّ القوى العميقة وغير العميقة المنتفعة من هذا النبع الذي لا ينضب من أموال الشعب المصري بغير وجه حق.
    6 – في مصر أيضا – وما أكثر العجائب التي تحدث في مصر – وبموجب القانون يتم اقتطاع نسبة مئوية من دخل أيِّ مواطن عامل سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص على شكل ضريبة يطلق عليها "ضريبة الكسب من العمل". العجيب في المسألة هو أن هذا القانون ألزم كلَّ المصريين العاملين في أيِّ قطاع بهذه الضريبة مهما كانت مرتباتهم متدنية، واستثنى من ذلك كلَّ العاملين في "الجيش" و"الشرطة" و"القضاء" مهما كانت مرتباتهم مرتفعة. في هذا السياق وإضافة إلى بند تخفيض الحد الأقصى للأجور والمرتبات الذي كان سيعتمده الرئيس مرسي في خطته كي لا تزيد عن "50" ألف جنيه شهريا بعد "30/6/2013"، فإنه وضع على رأس قائمة بنود خطته تعميم "ضريبة الكسب من العمل" لتطالَ كافةَ العاملين في "الجيش" و"الشرطة" و"القضاء" وبما يتناسب مع دخولهم وأجورهم ومرتباتهم المرتفعة.
    7 – لقد كان قرار الرئيس مرسي الداعي إلى البدء بسياسة "إقرار الذمة المالية" لكافة موظفي القطاع العام الذين لم يستثنِ منهم لا الجيش ولا الشرطة ولا القضاء، مع العلم بأنه تجنَّبَ ذكرهم لعدم الاصطدام المباشر بهم بما يعلمه منهم من معاداة لنهج محاربة "الفساد المُمَنْهَج" باعتبارهم دهاقنته وكهنته الأساسيون في البلاد.. نقول.. لقد كان لقراره هذا والذي كان سيبدأ بتنفيذه في "1/7/2013" مع بدء العمل بخطته وبمشروع الموازنة العامة المقدم من حكومته، أثر السحر في استفزاز كل الذين يختبئون وراء هلامية ذِمَمِهم المالية للنهب والسلب والولوغ في المال العام من مواقعهم التي تتيح لهم ذلك.
    ولقد كانت سياسة الرئيس مرسي في هذا السياق – كما أعلنها – تقضي بأن يتمَّ الإعلان عن الذمة المالية لكل موظفي القطاع العام كما هي في "1/7/2013"، دون أن يكون ذلك اعترافا بمشروعيتها إلا بعد أن تخضع لباقي العناصر المتعلقة بمحاربة "الفساد المُمَنْتَهج" كما تمت الإشارة إليها في باقي بنود خطته وبأثرٍ رجعي، لتكون الذمم المالية المعترف بها كأرضية للرقابة الدائمة والمتواصلة لاحقا، هي تلك التي تُعْتَمَدُ بعد تصفيتها من الاستحقاقات الواجبة في حقها بناء على ما سبق. ولقد كان من الطبيعي أن يُطيرَ هذا الطرح صوابَ كلِّ من يعرف أن أيَّ بحثٍ وتَتَبُّعٍ بسيطين لماله وثروته سيكشفان عن أن مصدرهما هو النهب والسرقة والرشوة والفساد والاستفادة من الصناديق الخاصة.. إلخ.
    إن هذه النقاط السبع – التي ربما كان بالإمكان في سياق تطبيقها ابتكار أفكارٍ جديدة لا يمكننا التنبؤ بها ولا كان الرئيس مرسي نفسه قادرا على التننبؤ بها – هي بمثابة السياسة المالية التي جهزتها إدارة الرئيس "محمد مرسي" لتبدأ بتنفيذها مع حلول السنة المالية الجديدة "2013/2014"، في سياق ما يمكننا أن نسميه "حملة محاربة الفساد المُمَنْهَج في مصر".
    وهي نفسها النقاط التي انتبهت كافة القوى المهيمنة على الدولة وعلى مفاصلها الرئيسة وعلى بُناها العميقة، إلى أنها تمثل البداية الحقيقية – إن قُيِّضَ لها النجاح – لأفول زمن دولة "الفساد المُمَنْهَج"، ولأفول زمن تجذُّر البُنية الطبقية والمصلحية القائمة على هذا النوع الأخطر من أنواع الفساد على الإطلاق، لأنه يحوِّل الفساد إلى نظامٍ يشرعنه القانون بدل أن يجعله جريمة شخصية يحاسب عليها القانون.
    كان يجب إذن – ومنذ الأيام الأولى لبروز هذا النهج في مجلس الشعب المنحل منتصف عام 2012 أن تُدار معركة شرسة تهدف إلى ممارسة كل ما من شأنه الإبقاء على بُنْيَة الدولة الأساس والقائمة على "شرعنة ومنهجة الفساد المالي". ولقد بدأت المعركة واستمرت إلى أن حققت مبتغاها بالشيطنة الكاملة للرئيس مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين، ولحشد شرائح واسعة من الشعب المصري لتقف في خندق هذا النهج، دون علم منها بأنه نهج يستخدمها وقودا في محرقة تستهدف الإبقاء على واقع مصر قائما في قلب دولة تُمَنْهِج الفساد وتشرعنه، كي تدفع هي – أي تلك الشرائح الشعبية ذاتها – ثمن هذه المعركة الدائرة من قوتها ومن رفاهيتها ومن مستقبل أبنائها (!!)
    بدأت اللعبة بالمماطلة من قبل "كمال الجنزوري" في إيداع مشروع موازنته للعام "2012/2013" لدى مجلس الشعب، ثم بحل مجلس الشعب بغرفتيه "النواب" و"الشورى"، ثم بعرض مشروع الموازنة على المجلس العسكري ومصادقة هذا الأخير عليه، ثم بضمان التزام مرسي بموجب القانون بتنفيذ هذه الموازنة واضطراره إلى تأجيل مشاريعه وخططه إلى "1/7/2013"، ثم بالعمل الدؤوب على مدى عام كامل لمحاصرته وتشويهه هو وجماعته والمبالغة في تضخيم أخطائه والتقليل من شأنه الشخصي، ثم في تحريك كلِّ مفاصل الدولة العميقة وغير العميقة بالصور الملائمة كلٌّ من موقعه لتشتيته والضغط عليه وعلى حكومته، ثم في تحريك الماكينة الإعلامية لتقوم بواجب الحشد والترويج والتعبئة الشعبية ضده.. إلخ، ثم بتهيئة الأرضية في الشارع لتتحرك في الوقت المناسب بالشكل المناسب عبر الأداتين التنظيميتين اللتين غدتا هما الواجهة السياسية لتنفيذ مشروع "استعادة الدولة المباركية" عبر الإبقاء على "الفساد المُمنهج" في حاضنةٍ مدنيةٍ مخادعةٍ تُرْضى النُّخَب الثقافية والسياسية المضلَّلة وتكرس "الليبرالية الجديدة" التي ستقوم في مصر على تلك "المدنية المخادعة"، وعلى "اقتصاد السوق"، وعلى "الإبقاء على مَنْهَجَة الفساد"، وهما "الجبهة الوطنية للإنقاذ" و"حركة تمرد" (!!)
    دون أن نمر في هذا السياق مرورا غير متبصِّر بما لا يتحدث عنه أحد – دون أن نعرف سبب ذلك – ألا وهو أن المجلس العسكري خلال فترة السنة والنصف التي كان فيها حاكما فعليا للبلاد قبل انتخابات الرئاسة، كان قد تمكن بقدرة قادر (!!) من تخفيض احتياطي العملة الأجنبية المصرية في البنك المركزي من "29" مليار دولار – الذي كان حليه وضع تلك الاحتياطات لحظة رحيل الرئيس مبارك – إلى "13" مليار دولار لحظة استلام الرئيس "مرسي"، وهو انخافض مهول في نسبة ذلك الاحتياطي لم يحدث أن تعرض لربعها على مدى سنوات الرئيس مبارك الثلاثة والثلاثين بأكملها، ودون أن يسأل أحد "المجلس العسكري" عما فعله ولا كيف أنفق كل ذلك، ليستلم الرئيس مرسي دولة خزينتها على حافة الإفلاس، دون أن يكون لا هو ولا الإخوان المسلمون السبب في ذلك (!!)
    ولأسباب أصبحت واضحة بعد هذا التحليل كان "30/6/2013" هو "التاريخ الشفرة" و"نقطة الصفر" في اللعبة كلها (!!)
    كان يجب على النظام أن يسقطَ في ذلك التاريخ، وألا تتاح له أيُّ فرصة للمبادرة بتنفيذ مشروعه المحارِب لـ "الفساد المُمَنْهَج" من خلاله بقائه في السلطة بعد ذلك التاريخ (!!)
    كانت معركة تكسير عظام حقيقية، معركة وجود، مارست لأجلها "جوقة استعادة النظام المباركي" لأجل "حماية الفساد المُمَنْهَج" كل ما أمكنها ممارسته من أعمال وسياسات من خلال كل ما أتيح لها من أدوات (!!)
    وها هو النظام الجديد يصدر قراراته بموجب الإعلان الدستوري الذي كان قد أصدره الرئيس المؤقت بوقف العمل بكل الخطط والبرامج التي كان الرئيس مرسي قد أعدها لينفذها في العام المالي "2013/2014"، بما في ذلك بل وعلى رأسه "برنامج التأمينات الصحية"، و"العلاوات المؤجَّلة"، و"إقرار الذمة المالية"، و"إخضاع الصناديق الخاصة لرقابة "جهاز الرقابة الإدارية على المال العام"، و"تخفيض المرتبات التي تزيد عن "50" ألف جنيه لموظفي القطاع الحكومي" ناهيك عن تطبيق ذلك بأثر رجعي من حيث المبدأ.. إلخ (!!)
    ولكي لا يلتفتَ أحد إلى الجوهر الاقتصادي للمعركة، ولا إلى مربط الفرس وبيت القصيد في النزاع المستفحل في الخفاء بين الإخوان وخصومهم، ألا وهو النزاع حول "الفساد المُمَنْهَج" إما مُحاربةً له وإما دفاعا عنه، فقد كان من الضروري أن يتم توجيه كلِّ حلقاتها وكلِّ مُكَوِّناتها لتصب في ثلاث خنادق يستهدف كلُّ خندق منها شريحة من شرائح المصريين، فيتم ضمان انشغال الجميع بالبعد المرسوم للمعركة، وإلهائهم إلهاء تاما عن بعدها الحقيقي الذي هو "محاربة الفساد الممنهج"، وهذه الخنادق الثلاثة هي..
    * "أخونة الدولة والاعتداء على مدنيتها"، بهدف استنفار مخاوف المسيحيين الأقباط وكافة النخب السياسية والثقافية المدنية والعلمانية.
    * "الفشل في الإدارة المعاشية للدولة وخاصة في قطاعات الأمن والوقود والكهرباء"، بهدف استنفار كلِّ من يمكن استنفارهم من المصريين الذين سيتضررون جميعا من هذا الفشل الإداري المعاشي.
    * "التلاعب بمشاعر الشباب عامة والثوار منهم خاصة"، بالتركيز على حقوقهم التي أهدرها حكم الإخوان المسلمين، بهدف استنفار مشاعر وطموحات الشباب الذين تم تحييدهم منذ البدايات الأولى، حتى منذ تولي المجلس العسكري لزمام الأمور في البلاد.
    ولكن كل هذا الذي أوردناه حتى الآن إنصافا واعترافا بالوقائع والحقائق كما هي دون أن نزيد فيها أو أن ننقص منها، لن يثتينا عن القول بأن "الإخوان المسلمين" كانوا وما يزالون في مصر هم السبب المباشر فيما آلت إليه أوضاع مصر..
    * فهم من أفشل ثورة 25 يناير 2011 بأن حولوها إلى مجرد "انتفاضة" عندما نجحوا في إيقافها عند مستوى إسقاط الرئيس والتعامل مع بقايا نظامه ليستكمل هؤلاء برفقة الإخوان ثورةً توقعوا أن بإمكانهم السيطرة على الدولة بعدها لوحدهم. وما انتبهوا إلى أن ما سعوا إليه من إيقافٍ للثورة عند ذلك الحد، كان هو هدف فلول النظام وبقاياه وجيشه وشرطته وقضاؤه وكل بُنَى الدولة العميقة الخادمة لجميع هؤلاء، بقدرِ ما كان هو هدفهم، فأفشلوا ثورةً نبيلة كانت ستغير وجه العالم، ليُفْشِلَهم بعد ذلك نظامُ ظنوا أنهم قادرون على مواجهة أشباحه العاملة في الخفاء (!!)
    * وهم الذين كذبوا على الشعب المصري وخدعوه وضلَّلوه منذ البداية، عندما قالوا له أنهم لن ينزلوا في الانتخابات البرلمانية بكامل ثقلهم، وأنهم سيحرصون على ألا يتجاوز ثقلهم في مجلس الشعب ثلث أعضائه فقط، وأنهم لن يشاركوا في أول انتخابات رئاسية لمصر، لأنهم يفضلون التواجد في موقع المعارضة في المراحل الأولى التي تلي استقرار الأوضاع في مصر، لينقلبوا على كل وعودهم، وينزلوا بكلِّ ثقلهم في الانتخابات، وليرشحوا أحد أعضائهم لمنصب رئيس الجمهورية (!!)
    * وهم الذين لم يدركوا خطورة أن يكونوا أول من يستلم السلطتين التشريعية والتنفيذية في بلد يتربص به وبمستقبله نظام مبارك بكل بقاياه المتجذرة والراسخة، قبل أن يشتغلوا ثقافيا ولمدة طويلة في الدولة الجديدة من موقع المعارضة التي لا تحمِّلهم مسؤولية أيِّ فشل وتساعدهم على العلم والمعرفة وعلى اكتساب الخبرات وتأهيل رجال دولة بالمعنى المعاصر، فوقعوا في خطإ الاستعجال للتمكن من السلطة بـ "أنصاف ساسة" وبـ "أرباع خبراء" وبـ "صبيان دولة" (!!)
    * وهم الذين لم يحاولوا أن يفهموا أنه كان عليهم إجراء تغييرات وتعديلات كثيرة في خطابهم السياسي والديني بعد أن أصبحوا جزءا من لعبةٍ سياسية شرسة يتربص فيها الجميع بالجميع في دولةٍ مشاع ينخرها الفساد من الرأس إلى إخمص القدمين (!!)
    * وهم الذين لم يفهموا أن محاربة "الفساد الممنهج" وإن كان ضروريا جدا في أعقاب الثورات التي تطيح بأنظمة الفساد والاستبداد، إلا أنها لا تكفي وحدها لإنجاز مشروع سياسي واقتصادي ينتشل دولة مثل مصر بأهميتها ومكانتها من براثن التخلف والفقر والبطالة والطبقية وثقافة الرَّيْع وتبرير الرشوة والفساد.. إلخ، لينهضَ بها فتصبح في مصاف الدول المتقدمة في إقليم حساس مثل إقليم المشرق العربي (!!)
    * وبعد ذلك وقبله وفي كلِّ وقت، كانوا وما يزالون يفتقرون إلى أيِّ مشروع سياسي متكامل لـ "تمدين الإسلام"، وإلى أيِّ مشروع اقتصادي واضح لحل إشكالية العلاقة بين "قيمتي الحرية والعدالة" بعيدا عن ثقافة التزاوج بين "الليبرالية الديمقراطية" و"الليبرالية الاقتصادية" التي تُعْتَبر بضاعة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الأفول حتى في موطنها الأم "أوربا" (!!)
    فهل بعد كلِّ ذلك يمكننا توقع نجاحهم في إدارة دولة في قلب معركة شرسة يفتقرون إلى كلِّ الأسلحة الفاعلة والمؤثرة فيها (؟!)

    ابدأ بالضروري ثم انتقل الى الممكن تجعل نفسك تصنع المستحيل

  2. #2
    مقال رائع ومفصل الحقيقه أستفدنا منه كثيرا في مفاصل العمل التي خدمها الرئيس مرسي وأخرى حول فشله وفشل مشروعه الرئاسي وكمايبدو أن مجهودكم أستاذ أسمامه كنعان كان كبيرا ونافع تقبل تقديري ربما سنضع تعليق قريب ..شكر لمجهودكم الطيب
    ليس بدعا أن يكتب الشعر حرّ** قد أرته الأيام نار لظاها
    وأطاحت به صريع الأماني**يمضغ العود كي يبل صداه
    شاعر عارك الحياة بعزم ** كي ينال العلا فنال رداها
    ****
    قد أذاع الأثير آهات نفس ** داميات مجرحات الهموم
    لم يكن طبعها نسيما صبوحا**أنما شواظ قلب كليم
    قد شدى باسما بوجه المآسي **ذائدا عن حياضه كالغريمِ
    لم تمت جذوة الحياة بنفس**كمنت ذاتها بسر عظيمِ

    يعقوب الحمداني

المواضيع المتشابهه

  1. كارثة عقلية للشعب المصرى وليس كارثة كروية اهتمام الشعب بالتفاهة
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى فرسان الأخبار.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-17-2013, 02:06 PM
  2. من 30 ليرة سورية للدقيقة إلى 1214 ليرة للدقيقة !!
    بواسطة wgxblack في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-16-2013, 12:36 AM
  3. ليس دفاعا عن مرسي
    بواسطة أسامة عكنان في المنتدى فرسان الأبحاث الفكرية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-07-2013, 02:14 PM
  4. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-25-2013, 06:05 AM
  5. بالفيديو : تميم البرغوتي يلقي على الجزيرة قصيدة للشعب المصري
    بواسطة سوسن البرغوتي في المنتدى من روائع الشعر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-28-2011, 02:25 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •