منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    بين العروض والنقد - د. صلاح الدوش

    بين العروض والنقد - د. صلاح الدوش

    أعجبني هذا الموضوع.
    وأحد جوانبه يتعلق بما سمي ( قصيدة النثر) .
    وقد لونت مما قرأته منه باللون الأحمر ما رأيت فيه أكثر من غيره مجالا للتأمل والتعليق.
    أتمنى أن يكون ما ورد في هذا الموضوع منطلقا لحوارات مفيدة.

    ______________________

    http://adabjournal.uofk.edu/Salah%20Al%20Doush.htm

    الجزء - 1

    بين العروض والنقد الأدبي الحديث
    د/صلاح أحمد الدوش
    كلية التربية - جامعة الخرطوم

    مستخلص البحث :
    حاول الباحث في هذه الدراسة أن يثبت أهمية العروض العربي كأساس نقدي ضمن أسس النقد الأدبي الحديث وذلك من خلال توضيح مفهوم الصورة الموسيقية التي يدخل ضمنها هذا البناء العروضي ، وبيان أهمية الوزن الشعري في هذه الصورة الموسيقية ،وأثره في تشكيل القيمة الدلالية للشعر .
    وقد توصل الباحث إلى أن العروض العربي – كنظرية في مجال الشعر العربي – لم تجد الاٍهتمام الكافي في مجال الفكر النقدي الحديث. وقد حاول الباحث استقصاء الأسباب التي أدت إلى ذلك . ثم عرض لبعض السمات والملامح النقدية – من وجهة نظره - التي يلتقي فيها العروض بالنقد الأدبي الحديث ، مدعما آراءه ببعض التطبيقات النقدية .
    المهاد النظري والدوافع للبحث :
    منذ قبيل منتصف القرن العشرين أخذت تتبلور أفكار عن مفهوم الشعر، كأثر لاتصال الشعراء ونقدة الشعر بالآداب الغربية، ونتاجا لموجات التحرر الوطني التي شملت معظم الدول العربية، فكانت الدعوة للتغيير والتجديد سمة للعصر.وقد واجه الأدب هذا التيار التجديدي بظهور عدد من المدارس الأدبية كجماعة أبوللو، والرومانسيين، والمهجريين، والرمزيين. و كلها يجمع بينها الإحساس بأهمية الخروج عن الإطار التقليدي للقصيدة العربية، والبحث عن أداة للشعر تستطيع الكشف عن العالم الداخلي للشاعر والتعبير عن تجربته. وكانت موسيقى الشعر أولى تلك الأدوات الشعرية التي واجهت أعنف موجة من الاٍنتقاد بسبب اعتمادها على نظام العروض والقافية الذي رأوا فيه قيدا يجب الانفكاك منه..إلا أن هذه الموجة من التمرد على العروض والقافية لم تسفر عن خروج تام عن أصول هذين العلمين،إنما تم كسر نظام الشطرتين والقافية الموحدة وأصبح من الممكن الانفتاح على أكثر من بحر في القصيدة إذا دعت التجربة إلى ذلك ومثله يقال عن الانفتاح على جميع الزحافات التي يمكن أن تحتملها التفعيلة مما أقره علم العروض. وبفضل هذا التركيز على التفعيلة العروضية واتخاذها نواة لهذا الشكل الموسيقي الجديد للشعر العربي جاءت التسمية (شعر التفعيلة)، أو الشعر الحر[1].
    (( كذلك نجد أن الدراسات التي حاولت البحث عن أصول إيقاعية جديدة لحركة الشعر الجديد لم تخرج عن نظام العروض والقافية))، بل نجدها تركز على إعادة قراءة العروض العربي لاستخلاص وظائف إيقاعية جديدة منه أو استخدام معطياته للبحث عن أسس جديدة لموسيقا الشعر العربي، تفيد من دراسات علم الأصوات وعلم الموسيقا ، وذلك ما تمثله دراسة د. محمد مندور"الشعر العربي غناؤه وإنشاده"، ودراسة د.إبراهيم أنيس في كتابيه:" موسيقا الشعر",و"الأصوات اللغوية"،ود. شكري عياد في كتابه " موسيقا الشعر العربي- مشروع دراسة علمية". ((ولعل أكبر تمرد على العروض يوحي بالانعتاق التام عنه قدمه كتاب د. كمال أبو ديب" في البنية الإيقاعية للشعر العربي _نحو بديل جذري لعروض الخليل ومقدمة في علم الإيقاع المقارن ". ولكن المتصفح لهذا الكتاب يجد اعتمادا كبيرا على أصول علم العروض في كل محاولات المؤلف تأسيس فكرته في هذا البديل ))
    ومن كل ذلك تبين لنا أن الإبداع الشعري والدراسات التي قامت حوله قد وجدت أن الذائقة الموسيقية للشعر العربي قد ألزمت فاعلية الإبداع والنقد أن تتجذّر حول العناصر الموسيقية التراثية التي كشف عنها علما العروض والقافية متمثلة في التفعيلة العروضية وما يعتريها من زحافات وعلل، والقافية سواء أكانت مرسلة، أم متوالية،أم متواترة، أم متراوحة الخ[2]. ولكن على الرغم من ذلك لا نجد للدرس العروضي مكانة في المجال النقدي سواء على مستوى التحليل التطبيقي أو التصنيف العلمي؛حيث يصنف العروض ضمن التخصص النحوي و اللغوي وليس النقد الأدبي..كما كان العروض حفيا بأن يؤسس تيارا في تحليل البنية الصوتية الموسيقية للشعر العربي على غرار ما نجد لدى بعض اتجاهات المدارس النصية الحديثة؛ وذلك على طول عهد له بالشعر العربي وتمكن من بنيته الموسيقية.
    كذلك إن الأثر الجليل الذي يمكن أن يرفد به العروض نظرية النقد الحديث لهو جدير بأن يماط عنه اللثام، طالما أن الشعر العربي ما زال في كل محاولاته التجديدية يمتاح من ذلك النبع العروضي الذي صاغه الخليل بن أحمد.

    الصورة الموسيقية والعروض العربي :
    أ- مفهوم الصورة الموسيقية:
    الصورة الموسيقية مصطلح نقدي حفل به الدرس النقدي الحديث . وقد عرف أحد الباحثين[3] هذه الصورة الموسيقية بأنها :" البناء الموسيقي .... من الإيقاعات المعتمدة على النغمات ، والانسجام والتناظر ، التي تتجاوب مع النفوس ، متلقية ومنتجة ، وذلك من خلال عنصري التركيب والتكرار ." ويشير آخر بقوله[4]:" وتعمل هذه البنية الصوتية الموسيقية داخل الشعر وفق قوانين(التكرار والترديد)، و (التوزيع المكاني)، و(التساوي والنقص والزيادة). وهي قوانين صالحة لكل موسيقا سواء أكانت مجردة أم مرتبطة بلغة ما. .... ((حيث تخضع الظواهر الجمالية والفنية لقانون عام))". وعلى هذا يدخل ضمن الصورة الموسيقية بعض المؤثرات الصوتية الإيقاعية التي حفل بها الشعر العربي القديم مما ذكره علماء البلاغة؛ كالتجنيس والتصريع والتقسيم والتكرار والترديد ، والموازنة التي تقتضي أن تكون الألفاظ متعادلة الأوزان ، متوالية الأجزاء ، والترصيع وهو توخي تسجيع مقاطع الأجزاء وتصبيرها متقاسمة النظم متعادلة الوزن حتى يشبه ذلك الحلي في ترصيع جوهره كقول امرئ القيس :
    الماء منهمر ، والشدّ منحدر والقصب مضطّمر، والمتن ملحوب
    وكقول الخنساء :
    حامي الحقيقة ، محمود الخليقة مه - ديّ الطريقة ، نفّاع وضرار
    وإذا كانت بعض هذه الظواهر الإيقاعية التي ذكرها التبريزي [5] قليلة التردد في الشعر فضلا عن انحيازها للقصيدة التقليدية ، فان الصورة الموسيقية في النقد الحديث تشمل جميع ما ذكر عن المكونات اللغوية الصوتية والتي هي أدخل في مفهوم الإيقاع وكذلك العناصر الموسيقية التي يمثلها الوزن العروضي من مقاطع وتفاعيل، وما يلحقها من تغييرات أثناء عملية النظم ، ولا يستقيم الفصل بين هذه المكونات ؛ إذ لكل منها أثره في تشكيل التجربة الشعرية وصياغة دلالات النص . فيكون ((الإيقاع والوزن )) معا هما العنصران اللذان يشكلان موسيقي الشعر العربي كما ارتضتها الذائقة العربية حتى يومنا.
    فأما الإيقاع في الشعر فاٍنه مازال مفهوما غريبا في حقل الدراسات النقدية، والاختلاف قائم بين الباحثين في تعريفه، فمنهم من جعله مفهوما عاما يشمل أغلب الحركات التأثيرية لغوية ودلالية وصوتية ، بالإضافة إلى الجانب النفسي والذهني، ومن ذلك ما يذكره أحد الباحثين في تعريفه حيث يقول [6] : "انه تأكيد قوي لمعنى الكلمات وضغط على الانفعال والأفكار بواسطتها فهو من ثم يعني حقيقة أغلب الحركات التأثيرية . ولهذا فهو يتكون مما نسميه بالإيقاع الداخلي المؤكد للحركة ومن النغم الخارجي ومن التتابع اللفظي". ويعرفه آخر بقوله [7]:"الإيقاع انتظام موسيقي جميل، ووحدة صوتية تؤلف نسيجا مبدعا يهبه الشاعر الفن، ليبعث فينا تجاوبا متماوجا هو صدى مباشرا لانفعال الشاعر بتجربته، في صيغة فذّة، تضعك أمام الإحساس في تشعب موجاته الصوتية في شعب النفس، وهو حركة شعرية تمتد بامتداد الخيال والعاطفة فتعلو وتنخفض، وتعنف وتلين، وتشتد وترق ... " . ونجد الدكتور محمد مندور أكثر تحديدا في تعريفه الإيقاع حيث يرى " أنه عبارة عن تكرار ظاهرة صوتية ما علي ((مسافات زمنية متساوية أو متجاوبة)) "[8]، وهذه الظاهرة الصوتية المتكررة علي مسافات زمنية محددة فإنها تشتمل على جرس الأصوات وخصائصها من الحدة loudness، ودرجة علو النغمة pitch، والمدى الزمني الذي يستغرقه نطق الصوت duration والمزاج أو الكيفية quality "[9]. ويضاف إليه ما يتبع ذلك من صفات كالجهر والهمس والتفخيم والترقيق، والشدة والرخاوة واللين، والإطباق والاستفال، والصفير، والتكرار، والتفشي والانفجار إلخ ويضاف كذلك تقنية تشكيلها النابع من صميم تجربة الشاعر وملكته في التوظيف و التعبير ، . فكل ذلك يشمله الإيقاع أو ما يطلق عليه الموسيقي الداخلية أو موسيقي التعبير في مقابل، الموسيقا الخارجية التي يقصد بها موسيقا الأوزان.
    أما الوزن فتعريفه عند حازم القرطاجني[10] هو" ((أن تكون المقادير المقفاة تتساوى في أزمنة متساوية لاتفاقها في عدد الحركات والسكنات والترتيب)) ". وهذا التعريف للوزن الشعري يقربنا – بحسب ارتباطه بالزمن - من مفهوم الإيقاع والذي هو مرتبط بالزمن في الشعر وكذلك في الموسيقا النظرية حيث يقول عنها محمود الحفني بأنها[11]:" تتكون من عنصرين جوهريين: الصوت والزمن وهما اللحن و الإيقاع ". وخاصية الزمن في الوزن الشعري مع ارتباطها بالإيقاع تجعلنا نحكم بأن الوزن جزء لا يتجزأ من تجربة الشاعر الأمر الذي يمكننا كذلك من القول بأن الصورة الموسيقية هي نتاج التمازج والتفاعل التام بين الإيقاع والوزن وهذا ما أكده الجاحظ من قبل حين رأى أن الشعر العربي يمتاز بشيْ معجز فيه هو الوزن وتأسيسا علي هذه الأهمية للوزن يري أن الشعر لا يقبل الترجمة حيث يقول: [12] " فمتى حول تقطع نظمه ، وبطل وزنه ، وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب " .. فالجاحظ هنا يضفي علي الوزن أهمية تجعل منه جزءا من تجربة الشاعر له أثره في الإعجاز الشعري و فيما يسقطه الشعر في النفس من تعجيب . فيغدو العروض بهذه الأوزان الشعرية عنصرا من عناصر تشكيل الصورة الموسيقية للشعر العربي.
    ب-أثر العروض في تشكيل الصورة الموسيقية للشعر العربي :
    ليس من شك أن للوزن الشعري أثر جد عظيم في تكوين الصورة الموسيقية للقصيدة سواء أكانت من القصائد التقليدية أم قصائد التفعيلة . ((فالإيقاع أو موسيقا الأصوات والتي تقوم بمعزل عن الوزن الشعري لا تكفي في هذا الجانب رغم أنها تشكل تلك الحركة الداخلية التي لها عظيم الأثر في إعطاء العمل الشعري جوا إيحائيا وحيويا عظيما يعكس القدرة في التعبير والتلقي للشحن الانفعالية في تناغم تام مع سائر مكونات التجربة الشعرية . إلا أننا يجب أن نقدر أن هذه الموسيقي الداخلية لا يمكن لها أن تلعب هذا الدور دون أن تلتحم بتأثير الوزن أو التفعيلات المتفرعة عنه والتي ترفع من وتيرة الإحساس بالانتظام والتجاوب النغمي ))، وهذا ما يكشف عنه بوضوح تلك النماذج الشعرية التي حاولت الخروج عن نظام الوزن أو التفعيلة فيما عرف بالشعر المنثور عند أصحاب المدرسة الرومانسية ."حيث لم تستطع أن تترك أثرا واضحا في شكل الصورة الموسيقية للتجربة الشعرية آنذاك [13]. وذلك لأن "الموسيقا في الشعر لديها قدرة في تجسيد الإحساس المستكن في طبيعة العمل الشعري نفسه مع قدرة الشاعر على ربط بنائه الفكري متلبسا ببنائه الموسيقي. الأمر الذي يولد بينهما ترنيمة متحدة ليست نتاج النغم الموسيقي وقدرته على التخدير الذي يجعلنا لا ننتبه إلى الفكرة بل لا بد من انتصابه على ماهية العمل الفني كله متوائما مع حركة الاتساق بين الموضع الشعري ونغمه الموسيقي". [14]
    وقد ذهب بعض الباحثين[15] إلى إعطاء الوزن الشعري دورا محدودا في تكوين الصورة الموسيقية بقوله: " الوزن كتنسيق زماني يقف تأثيره عند مجرد الاستجابة الحسيه للمنبه الخارجي ، انه قد يثير موجة انفعال بسيط وأولي وسريع يرتبط بالمنبه الخارجي ، الذي هو هنا التركيبة الإيقاعية الشكلية ، وهذا تأثير يجب أن يكون ضعيف القيمة بصدد الحديث عن التجارب التي تهتم بالكليات بعيدة الأثر متعددة التراكيب ، الأمر الذي ينتج عنها أكثر من مجرد إثارة انفعالية سريعة " . ولكن الباحث نفسه يعود فيقرر بقوله [16] : "مما لاشك فيه أن للوزن رغم شكليته قيمة انفعالية هامة تتعلق بتخدير الحواس من الناحية الفسيولوجية ، كما أنه يرتبط بالأحاسيس الفطرية لدي الإنسان ، وما يتصل بها من تفريج بيولوجي ، مما يجعل الشعر التعويض الضروري والحيوي لتوترات انفعالية كثيرة " .
    وإذا كان الوزن الشعري ينبع من تآلف الكلمات في علاقات صوتية لا تنفصل عن العلاقات الدلالية والنحوية فان القصيدة في هذه الحالة تستمد إيقاعها من مادتها أي من اللغة ومن موسيقي تشكيلية مجردة تعتمد علي التناسق الصوتي للكلمات في إطار الوزن الشعري بطريقة تمكن الكلمات من أن يؤثر بعضها في البعض الآخر علي اكبر نطاق ممكن ،ففي قراءة الكلام الموزون يزداد تحديد التوقع "[17] ولهذا نستطيع أن نذهب مع أحد النقاد المحدثين [18] لإضفاء أهمية عظمي للوزن الشعري حيث نري أنه يمثل " إحدى الوسائل المرهفة التي تمتلكها اللغة لاستخراج ما تعجز عنه دلالة الألفاظ في ذاتها عن استخراجه من النفس البشرية " . حيث يستقيم القول بأن الوزن الشعري تابع للتجربة الفنية التي يخضع لها الشاعر أثناء صياغته لشعره . بل "لا يبقي شي من شكل القصيدة ولابنيتها العروضية ولاعلاقاتها الإيقاعية ولا أسلوبها الخاص بها عندما تفصل عما تحتويه من معني ، فاللغة ليست لغة بل أصوات إلا إذا عبرت عن معنى . ((كذلك يعتبر المحتوي بدون الشكل استخلاصا لشيْ ليس له وجود ملموس لأننا لو عبرنا عنه بلغة مختلفة لأصبح شيئا مختلفا )). ولابد من أن تدرك القصيدة ككل حتى تتم عملية الإدراك ، ولاتناقض بين الشكل والمحتوي ، لأنه لاوجود لأي منهما بدون الآخر ، واستخلاص الواحد من الآخر قتل للاثنين .... فيمكننا القول إذن أن العلاقة المتبادلة بين الشكل والمضمون ، تبدو بشكل عام علاقة ثابتة في النقد الحديث " [19] .
    بين العروض والفكر لنقدي الحديث :
    إن التاريخ الأدبي يشير بوضوح إلى أن العروض العربي نشأ متأثرا بعلم الموسيقا؛ فالجاحظ يقول[20] : "وكتاب العروض من كتاب الموسيقا". ويذكر ياقوت الحموي عن الخليل أن:" معرفته بالموسيقا أحدثت له علم العروض"[21]. وكان الذوق العربي معيارا لدى الخليل أعمله في تأسيس نظريته في العروض العربي وفق منهجه الاستقرائي لهذا الشعر. ولذلك " فمن طبيعة الدرس العروضي أن يكون باحثا عن الموسقة وبأي شكل تستسيغها الأذن ويتقبلها الذوق الإيقاعي، وهذا ما حدث للدراسات العروضية في بداياتها عند الخليل، والأخفش الأوسط، وحماد الجوهري،والكسائي، وغيرهم، فكانت دراساتهم بحق تثري الدرس العروضي، وتتعمق في مواطنه وأغواره، فجاءت تأسيسا فإضافة فاستدراكا"[22]. " فعمل الخليل وصفي كلي متكامل في حدود الشعر الذي وصلت إليه يده، يحاول أن يحيط بالطاقة الشعرية العربية المتفجرة في الإيقاع وتحليل مكونات هذا الإيقاع بأسلوب تطبيقي".[23] وفق أصول الذوق العربي، ولم تكن جملة قواعد تفرض على الشعر ما ليس منه كما يذهب بعض ذوي النظرة العجلي، والأحكام المسبقة،وهي نظرة" قد ظلمت الدرس العروضي بالتوقيف حينا،أو طرحه جانبا حينا آخر، مع أن الدرس العروضي كانت سمته الاستقراء ثم الاستنتاج فالقاعدة؛ فهو في بدايته كان يبحث عن شخصيته بملاحقة النص الشعري كله، غير أنه حينما استقرّ ظلت الدراسات اللاحقة تدور في فلكه، ولم تحاول أن تصنع ما صنع هو في بدايته. فجاء نقاد محدثون اطرحوا الدرس العروضي جانبا، وأخذوا يبحثون عن بوادر لرؤى في أذهانهم، فكان ذلك والدراسة العروضية على طرفي نقيض"[24] .
    ولم يكن حال نقدنا الحديث بأحسن من سابقه حيث ضعف هذا الأساس النقدي العام لدي دعاة الحداثة – في زماننا – وغيرهم ممن يرفضون كل قديم وعلي رأس ذلك الأوزان العروضية.
    وإذا كان علم العروض لم يجد حظا من الاهتمام لدي النقاد لا في القديم ولا في الحديث فكان لابد أن نبحث عن العوامل والأسباب التي أدت إلى هذا الواقع . وهي تتجلى – حسب تقديري – فيما يلي :-
    1/ إذا كان الفكر النقدي الحديث - في بعض جوانبه - حصيلة تراكم وتواصل للجهود النقدية في الأدب ، فاٍن تاريخ النقد لم يكشف لنا حتى الآن عن اتجاه نقدي تحليلي يستكشف الطاقة الإيقاعية في الشعر العربي من خلال النظر العروضي. ولا يستبعد الباحث وجود هذا الاتجاه لدى علمائنا القدامى؛ فقد سبقت الإشارة إلى طبيعة المنهج العروضي لدى الخليل ومعاصريه وما كان لهم فيه من نظر في محاولة الإحاطة بالإيقاع الشعري وتحليل مكوناته بأسلوب تطبيقي[25]. ونضيف إلى ذلك تلك الإشارات العديدة لمؤلفات مفقودة يشير لنا التأريخ الأدبي أنها انتهجت نهجا متفردا في النظر العروضي؛ فهذا ابن رشيق يقول [26]: " وللناس في ذلك – أي العروض- كتب مشهورة وتواليف مفردة، وبينهم فيه اختلاف". كما أن لابن طباطبا العلوي كتابا في العروض يذكر ياقوت أنه : " لم يسبق إلى مثله" [27]. وجاء في (المطرب)، لابن دحية[28] في معرض ذكره ابن شرف القيرواني أنه :" ألف كتابا في العروض كشف فيه عن دقائق لم يسبق إليها العروضيون". ويذكر أبو الحسن بن بسام[29] : " أن للشاعر بن الحداد القيسي كتابا في العروض مشهور معروف مزج فيه بين الأنحاء الموسيقية والآراء الخليلية". كما نستطيع أن نضيف تلك النظرات الفلسفية في تحليل الشعر وموسيقاه التي وجدناها عند بعض الفلاسفة المسلمين من أمثال الفارابي وابن سينا والتي أفاد منها حازم القرطاجني ، وابن القطاع في دراساتهما للعروض فتقدما خطوات علي ما وجدوه في الإرث العروضي وذلك عندما درس أولهما – أي حازم – العروض علي أساس من علم البلاغة الكلي ، أي فلسفة البلاغة التي تقوم علي اعتبارات المنطق من جهة والتخييل والإيحاء من جهة أخرى . و درسه ابن القطاع من خلال الربط بينه وبين علم الموسيقي ، ولكن هذه النظرات المتفردة بقيت حبيسة إلى عهدنا هذا ولم تطور لتفيد في التبصير بحقيقة الإيقاع الشعري ، وتنقل العروض من علم معياري يعني بالصواب والخطأ إلى علم وصفي (يسجل الظواهر العامة ، والاختلافات الجزئية من الناحية الوزنية في كل شعر تلقته الأمة العربية بنوع من القبول ، وبذلك يستحيل أداة فعالة من أدوات الدراسة الأدبية ، وثيقة الصلة بأصول النقد من ناحية ، وبتاريخ الأدب من ناحية أخرى . فيعين علي بيان التطور الفني في الشعر العربي علي مدي العصور ، كما يعين علي بيان الخصائص المميزة (للأعمال) وللاتجاهات أو المدارس أو لأفراد الشعراء " [30].
    ومن هنا يتبين لنا أن هناك اتجاهين في معالجة المادة العروضية؛ أحدهما تحليلي، وهو ما أشرنا إليه الآن ، والآخر نقلي وهو الذي تمثله معظم الكتب العروضية التي بين أيدينا حيث التزم فيه النقل والتوثيق عن الخليل ومعاصريه وهي السمة التي تميزه أكثر من غيرها. وبسبب من ذلك نجد أن ما بين أيدينا من مادة عروضية قد اصطبغت بالتجريد وانتهت إلى غاية معيارية تعليمية تند عن الناحية الوصفية للإيقاع الشعري، يقول كمال أبوديب:" جمد العروضيون حيوية علم الخليل في قوالب ميتة، معقدة تحولت عن غرضها الأساسي – وصف الإيقاع الشعري- إلى التقنين لما يسمح به ومالا يسمح به من تشكلات إيقاعية". [31].
    2/ و نجد أن تاريخ النقد لم يسعفنا – إلا قليلا [32]- بنظرات نقدية تحليلية ضمن نظرية عمود الشعر تدفع إلى الاهتمام بالوزن كعنصر ذي قيمة تعبيرية في الشعر ، وأن ما يعتريه من زحافات لا تبعد عن كونها تغييرات إيقاعية ذات أبعاد دلالية إيحائية هي صدى لواقع التجربة الشعرية . ويمكن أن نلتمس لذلك أسبابا فيما ذهب إليه الدكتور جابر عصفور [33] بقوله : " الدلالات العربية القديمة لكلمة الخيال لا تشير إلى القدرة علي تلقي صور المحسوسات وإعادة تشكيلها بعد غيابها عن الحس ، إنما تشير إلى الشكل والهيئة والظل كما تشير إلى الطيف أو الصورة التي تتمثل لنا في النوم أو أحلام اليقظة أو في لحظات التأمل عندما نفكر في شي أو شخص". فكان الوزن الشعري –بهذا المفهوم- خارج نطاق الخيال التجريدي في بعض هذا الفكر النقدي القديم .
    وكان يمكن للتصورات النقدية القائمة علي أساس فلسفي أن تخدم هذه الغاية ، وذلك عندما جعلوا المحاكاة أو التخييل – وضمنه تخييل الأوزان عنصرا أساسا في تشكيل مفهوم الشعر، نلحظ ذلك عند كل من ابن سينا [34] الذي جعل " المحاكاة – أو التخييل – هي العنصر الذي يميز الشعر عن النثر " . وتأثر حازم القرطاجني [35] بهذه الآراء عند ابن سينا فوجدناه يقول : " الشعر كلام مخيل موزون مختص في كلام العرب بزيادة التقفية " فيجعل تخييل الأوزان من جملة التخيل الشعري بل يعقد لتخييل الوزن فصلا كاملا في كتابه ويقيم علي ضوء من ذلك مفاهيم نقدية سبق بها معاصريه . بل يقترب بها إلى ما انتهت إليه الدراسات النقدية المعاصرة التي تنظر إلى الشعر كتجربة فنية مبعثها الخيال. فالوزن وان كان يتحدد مع أول دفقة شعرية بهيئته المعروفة ، إلا أنه يمتزج بتلك الدفقات ويلتحم بها التحاما لاينفصل عن اللغة في لفظها ومعناها فتأتيه الدفقه " ككل بلفظها ومعناها وتأتيه منظومة غالبا " [36] وكان يمكن لهذا السفر العظيم للقرطاجني أن يؤثر في تطور المفاهيم النقدية للعروض العربي لولا ما ألم به من غوائل الدهر فظل رهين الإغفال حتى عصرنا الحاضر .
    3/ أما في عصرنا الحديث فنستطيع أن نقول:- إن القصيدة الحديثة " اتجهت إلى نقل الواقع من حالة المعرفة الوصفية التي كانت مدار الشعر القديم ، إلى المذهل غير المألوف،علي المستوي الزماني والمكاني والموضوعي والنفسي " [37] . وكان لهذا الخروج عن المألوف أثر في تشعب النظر النقدي إلى مفاهيم متباينة ومتناقضة أحيانا ، إلا أن جميعها تلتقي عند إطار عام وهو ضرورة تجاوز المفاهيم النقدية القديمة أو علي الأقل تحديثها لتواكب متغيرات العصر الحديث وتدفع بالقصيدة إلى تمثلها .
    ولما كانت هذه الصورة الموسيقية من أهم واجهات القصيدة الحديثة التي تكشف عن مضامينها وأبعادها ، فقد وجدت اهتماما متزايدا من النقد الحديث ، كما وجدت إقرارا منه كذلك بضرورة تجاوز مفهومها القديم الماثل في البناء العروضي ،والذي أصبح في تقديرهم شكلا خارجيا لا يتفاعل ولا يلتحم بمضمون التجربة الشعرية ، فيحقق بها ومعها المنجز الدلالي الكلي . فبقي العروض لهذا السبب خارج الإطار التنظيري في مناهج النقد الأدبي الحديث. وان كان ثمة نظرات نقدية قد بثت هنا وهناك فهي أشتات متناثرات ، أملتها ثقافة الناقد الحديث أو ميوله الذاتي . فقد تفجرت ثورة عنيفة ضد نظام القصيدة القديم أهم ما جاء فيها :
    - "إن وحدة القصيدة ينبغي أن تكون التفعيلة لا البيت .
    - نظام البيت القديم من شأنه أن يحدث رتابة مملة وأن يخرج بالشاعر عن حدود تجربته الشعرية المركزة ومافيها من انفعال ، إذ يجد نفسه مضطرا أن يصوغ فكرته في ألفاظ أكثر مما تحتاجه، ألفاظ لا تزال تتعلق بها زوائد حتى يصل إلى نهاية البيت وهي زوائد تحدث فيه ترهلا . تضعف الحركة الوجدانية وتجعل عين الشاعر مصوبة لا إلى نفسه وانما إلى لفظه وما يتصل به من قافية .
    - وان التجربة الشعرية الصحيحة لاتتم إلا إذا شحن الكلام شحنا قويا وانساب بعضه في بعض انسيابا مترابطا وهذا لا يمكن تحقيقه في ظل نظام البيت ذي الشطر تين ، ويمكن أن يتحقق إذا اعتبرت التفعيلة أساس البيت وأصبحت القافية عنصرا عفويا" [38]. وهذه الدعوى – على ما يسم بعضها من حق- كانت بداية لهجوم عنيف علي البناء العروضي برمته إذ انتهت بهؤلاء إلى قولهم : "حطموا القوالب القديمة الرتيبة حتى تتلاحم الوحدة الموسيقية في القصيدة مع انفعالات الشاعر وحتى تتنوع بتنوع مشاعره وأحاسيسه ، فالقصيدة لا تنظم لقوافيها وإنما تنظم لذاتها ، لما تعبر عنه من وجدان مضطرب ، لا يستقر علي حال ، وأولي للقصيدة أن تصور هذا الاضطراب فتتغير وحداتها الموسيقية بتغير خوالج النفس حتى تكون حية نابضة ، إنها لابد أن تتأرجح" [39].
    وعلي أية حال فان الانطباع الذي نجده يسود بين هؤلاء النقاد ، فيطالع قارئه أول ما يطالعه هو : " أن العروض التقليدي كما وصفه الخليل كان العقبة الأساسية في سبيل تطور الشعر العربي . وما أن أزيح هذا الحاجز بمجيْْ التفعيلة حتى فتحت أمام هذا الشعر أبواب الحداثة علي مصراعيها "[40].
    4- وليس من شك في أن غياب الدراسات النقدية التي تعتمد التحليل العروضي للشعر العربي، لإبراز مكنوزه الإيقاعي، كان بسبب من عدم وجود دراسات مفصلة حول إيقاع الشعر العربي نفسه وقد أشار عدد من الباحثين إلى عدم اهتمام النقاد المحدثين بل وعلماء العروض القدامى بمثل هذا النوع من الدراسة؛ يقول الدكتور إبراهيم أنيس [41]" أما هذا الإيقاع فلم يدرس حتى الآن دراسة كافية ،ولم يشر إليه أهل العروض " ويري الدكتور شكري عباد[42] أن" الإيقاع مازال مفهوما غريبا حتى الآن في دراسة العروض ". أما الدكتور كمال أبو ديب فينتهي إلى" عدم وجود دراسات وصفية تحليلية في العروض العربي لدي القدماء نستعين بعلم الموسيقي وعلم الأصوات [43] ونجد الدكتور سيد البحراوي في دراسته لموسيقي الشعر عند جماعة أبوللو يقرر[44] " أن هذا العنصر لم يحظ بالاهتمام الكافي عبر تاريخ الشعر العربي كله منذ العصر الجاهلي حتى النصف الثاني من القرن العشرين " وليس في اعتقادي أن هذه البنية الإيقاعية العروضية قد وجدت الاهتمام الكافي منذ النصف الثاني من القرن العشرين ، وسيتضح لنا ذلك فيما سنعرض له لاحقا . إلا أن ما يجدر ذكره في هذا المقام أن الدراسات النصية الحديثة خاصة الأسلوبية منها التي تشمل تحليل عناصر العمل الأدبي ، والنص الشعري بخاصة ركزت علي الجانب الإيقاعي ، بل جعلته منطلقا من منطلقات البناء اللغوي النصي .
    5- وكانت المدارس النقدية الغربية قد ساعدت علي ظهور تيارات نقدية ومذاهب في نقدنا الأدبي الحديث حين أتيحت للحياة العربية عوامل اليقظة والثورة والانفجار الثقافي والمعرفي ، وتنامي الإحساس بالذات الفردية ، وكان التقاء النقد الأدبي الحديث بالنقد الغربي التقاء تمازج واستيعاب إلى حد كبير ساء على مستوى الإبداع الأدبي ، أو الدراسات النقدية المواكبة له[45] . وكان الدرس العروضي ضمن الموضوعات التي وجدت حماسا كبيرا من قبل المستشرفين لدراسته ،حين لاحظوا ما انتهى إليه هذا المجال من إهمال من قبل الباحثين الشرقيين رغم حيوية البحث فيه حيث ذهب بعضهم [46] – نتيجة ذلك – إلى القول : " لا ينبغي أن ننتظر من المؤلفين الشرقيين نظرات منهجيه ، ولاحتي ملاحظات دقيقة جديرة بأن توضح لنا المشاكل العويصة لأوزان الشعر العربي ، وانما غاية ما نستطيع أن نطلبه منهم هو المادة ، وعلينا نحن أن نستخدمها ، إن كتاباتهم عبارة عن مجموعات من الكناشات الممتازة وقد دونت فيها الوقائع ببساطة وسذاجة ، وعلينا نحن أن ننسق بينها ، ونستخلص منها النتائج العلمية " . وهذه الكلمة – علي مرارتها – تكشف عن اعتراف بما للبنية العروضية من علاقات وقيم إيقاعية جديرة بالدرس والتطبيق في مجال النقد الأدبي . ولكن هذا العروض العربي يفقد – مرة أخري – فرصة الدراسة المتأنية التي يمكن أن تربط بينه وبين النقد الأدبي الحديث بقيم إيقاعية ثرة، فعلى الرغم من أن هذا العروض العربي كان" موضوع مؤلفات عديدة ومطولة في أوربا منذ وقت طويل ، ومع ذلك فاٍنه يحق القول بأنه ليس ثمة حتى الآن سوي محاولات قليلة لتيسير دراسته ، واكتشاف قوانينه وأصوله بصفة خاصة – أكثر من اهتمامهم بالبحث عن طبيعته الحقة " [47] فلم يضف النقد الغربي إليه شيئا أكثر مما وجد عند علمائه الأقدمين من المشرق العربي . ويبدو أن ما وراء ذلك من أسباب ما يمكن أن نرجعه إلى الطبيعة الصوتية للموسيقي والإيقاع في الشعر العربي من شدة ونير وطول ومخارج الخ .... حيث تعجز الدراسات الغربية عن دقة تقديرها وتقييمها ومن ثم معالجتها ووصفها ، وقد اعترف بذلك المستشرقون أنفسهم[48] .
    ولعل هذا ما يفسر لنا من ناحية ثانية – اهتمام بعض نقاد الشعر العربي الحديث بالموسيقي الداخلية للقصيدة أكثر من اهتمامهم بمفهوم الصورة الموسيقية العامة التي تشمل موسيقي الأوزان ، كما يفسر لنا تركيزهم داخل إطار الموسيقي الداخلية علي الجانب التعبيري للألفاظ وجرس الأصوات أكثر من اهتمامهم بالعلاقات التركيبية داخل إطار الوحدات الإيقاعية العروضية أعني التفاعيل وما يكتنفها من تشكلات بفعل الزحاف والعلة .
    6- ونجد عددا من الباحثين المحدثين قد حاول في دراسات جادة أن يلتمس وظائف إيقاعية وعلاقات جديدة لموسيقي الشعر العربي من خلال هذا النظام (الكمي) الذي يمثله عروض الخليل، من هؤلاء، الدكتور إبراهيم أنيس،والدكتور شكري عياد، والدكتور محمد النويهي، والدكتور،كمال أبوديب، فدرسوا ظاهرة النبر في الشعر العربي. ويعد ذلك – من وجهة نظر الباحث- جهدا عظيما في وصف جانب من الإيقاع الشعري و إيجاد أسس وقوانين لموسيقي الشعر، تصلح لتشكل أساسا جيدا لنقد الشعر العربي وتحليله. إلا أن النقد العربي الحديث لم يستطع أن يمضي بهذه الدراسات في سبيل تطويرها واستكمال جوانب النقص فيها الذي أشار إليه بعضهم، يقول الدكتور كمال أبوديب [49]:" إن فرضية النبر التي أقدمها هنا محاولة أولى لا أدعي لها الكمال. بل إنني لواثق من أن ثمة عدد من النقاط فيها ما يزال بحاجة إلى تدقيق واستقصاء.لكن الأمل بأن نشرها قد يثير الاهتمام والمناقشة والتتبع.بشكل يؤدي إلى تعديلها نتيجة لعمل باحثين آخرين ".

  2. #2
    الجزء - 2

    ونجد كذلك من الباحثين المحدثين ممن حاولوا دراسة الإيقاع في الشعر العربي من اصطنع حدا فاصلا بين العروض وبين الدراسات الحديثة في سياق الفهم لطبيعة الإيقاع في الشعر العربي، بل نجد العروض يوصف – من قبل بعضهم - حينا بالقصور وحينا بالتعقيد، يقول الدكتور كمال أبو ديب [50]: " ومن المؤكد أن قصور نظام الخليل يرجع بشكل رئيسي إلى تعقد الطرق التي حاول بها وصف التحولات وربطها بالنموذج الكامل للبحور. هذا ما عرف في العروض التقليدي بالزحافات والعلل. إن نظرة عامة في نظرية الزحافات والعلل تشعر بمدى صعوبتها وباستحالة الإحاطة بتفرعاتها العجيبة. ..وتبدو عبثية نظام الخليل حين يضطر إلى التفريق بين الوحدات الحركية المتحدة الهوية، والتفريق بين الزحافات الممكنة فيها ". و ذلك على الرغم من أن هذا الباحث قد اعتمد كلية على نظام العروض الخليلي في مسلماته و فرضياته في دراسة الإيقاع الشعري؛ فهو مثلا يرى أن النبر في الشعر نوعان ؛ قوي وضعيف، ويرى أن " النبر القوي يكون على حرف الفاء من (مستف) من البسيط،،وفي الخفيف على النون من (علن) ويكون أيضا على الألف في (فا) والضعيف على النون في (علن) "[51]. ثم يقول في موضع آخر:[52]" من المستحيل في هذه المرحلة إعطاء أجوبة نهائية للأسئلة الكثيرة التي تفرض نفسها على الباحث....هذه ملاحظات أولية ستغنى بالبحث المتصل، لكن من الممكن الآن تقديم فرضية عن علاقة النبر بالكم في الشعر العربي، تصلح أساسا لدراسة الشعر نفسه. وينبغي تأكيد أن هذه الفرضية لا يدعى لها الكمال، وإنما هي في الواقع فرضية في النبر الشعري وتشكّل نماذجه مبنية على فهم شخصي لأسس عمل الخليل واحتمال اعتماده على النبر...وإنما نقدم هذه الفرضية على أمل أن تصلح منطلقا للدراسة العلمية المتأنية، فإما أن تطور وتقبل أو ترفض". وعلى الرغم من هذا الاعتراف باعتماده على نظرية الخليل من جهة ،ووصف نظريته بأنها لا يدعي لها الكمال من جهة أخرى، إلا أنه يصب آراءه تحت عنوان: " في البنية الإيقاعية للشعر العربي- نحو بديل جذري لعروض الخليل، ومقدمة في علم الإيقاع المقارن ".
    8/ وثمة ما يمكن إضافته أخيرا لأسباب تغييب العروض كأساس من أسس النقد الأدبي الحديث ، وذلك ما يمكن أن ننسبه إلى مؤسساتنا التعليمية العليا التي تعتبر رفدا لهذا النقد الحديث حيث نجدها تفصل فصلا حادا بين العروض والنقد في مناهجها التعليمية فتصنف العروض ضمن الدراسات النحوية و اللغوية بل علي هامشها علي وجه الدقة . وهذا يعد تمشيا مع مناهج السلف اللغوية من ناحية. ومن ناحية ثانيه ، للصلة الوثيقة بين الدرس العروضي والعلوم اللغوية وخاصة الدراسة الأصواتية بشقيها الفونولوجية والفونيتيكية ولذا نجد لهذا التصنيف وجها للقبول إلا أن مأخذنا عليه هو أن هذه الصلة بين العروض وعلم الأصوات- مثلا- تقوم على أولهما من معطيات الثاني أي دعم علم الأصوات العروض كأساس نقدي يفيد منه في نقله من علم معياري إلى علم وصفي ، إلا أن جامعاتنا تصنف العروض ضمن تخصص النحو و اللغويات وليس النقد والأدب . فالعروض إذن يفيد من الدراسات اللغوية ولكنه لا يخدمها . بينما نجده – مادة ومنهجا – يتوجه تجاه الدراسات الأدبية وخاصة النقد الأدبي الحديث . علما أن الدراسات النصية والأسلوبية الحديثة لا تفصل بين الدرس اللغوي ونظيره النقدي . كما أن الوزن الزمني الممنوح لهذه المادة في هذه الجامعات والكليات لايمكن أن يعين في تلمس جوانب هذه المادة وأصولها وكشف قوانينها و طاقاتها في النقد والتحليل. فضلا عن تذوقها وإدراكها والتمرس بها .
    وعلينا الآن أن ننظر فيما يمكن أن يقدمه العروض لهذا النقد الأدبي من أسس ومعايير نقدية ، قد يرتضي بعضها النقد الحديث في بعض اتجاهاته .
    أسس النقد العروضي :-
    بما أنه من الممكن أن نشير إلى جانب من الاهتمامات النقدية التي يمكن أن تنسب للعروض في الحركة النقدية الحديثة ، فقد بدا لنا أن نستخلص بعض تلك المفاهيم النقدية العروضية أملا في تأسيس ما يمكن أن نقرره في هذه الدراسة تحت تصنيف؛ النقد العروضي أو الأسس النقدية العروضية ، كما سنحاول في هذه الفقرة أن نعرض لبعض ما تراءى لنا من هذه الأسس النقدية .
    وأول ما تراءى لنا من هذه الأسس النقدية العروضية أنها تتبدّي في معارض مختلفة ، ولكنها يمكن حصرها في مستويين ، هما مستوي التشكيل الصوتي ، ومستوي التناسب الكمي . وكل منهما يمكن أن يشكل أكثر من أساس نقدي ليتم تحليل الشعر علي ضوء منه .
    أ/ المستوي الصوتي :-
    نجد علماء اللغة يجعلون العلاقة بين اللفظ ومدلوله تنحصر في ثلاث أنواع :-
    1/ علاقة طبيعية؛ كالخرير والفحيح والصرير والخضم والقضم الخ.
    2/ علاقة منطقية.
    3/ علاقة عرفية أو اصطلاحية .
    والنوع الأول هو الأقرب للدخول في لغة الشعر وبنيته الإيقاعية وهذا أمر لاحظه العلماء من قبل فأشاروا إلى مناسبة حروف العربية لمعانيها ، فكل حرف يحمل قيمة تعبيرية موحية ، وظل وإشعاع ما دام متصفا بإيقاع وصدي معينا " وكذلك الشاعر ينتقي من الألفاظ ويتخير، ويفاضل بينها ويميز بعضها على بعض، متخذا في نظمه البيت من الشعر لفظا خاصا يأبى غيره، لأن أصواته توحي إليه مالا توحي أصوات غيره"[53]. ويضفي الوزن العروضي أو التفعيلة على هذه الصفة الكيفية للألفاظ المنتقاة صفة كمية بفعل الزحافات والعلل، ليقع التفاعل بين الكم والكيف تجانسا بين مبنى الكلمة وصفة أصواتها، لإنتاج الدلالة التي تعكس بعمق واقع الذات المبدعة. وعموما نستطيع أن نحصر التحليل الصوتي للشعر في جانبين هما ، الصوائتVowels والصوامت Consonantsمن ناحية . والنبر من ناحية ثانية .
    الصوائت- هي الصوائت القصيرة (الحركات الثلاث)، والصوائت الطويلة ( حروف المد)، وهناك شبه الصائت. وهي ذات قيمة عظيمة في تشكيل الموسيقى الشعرية وتكوين الدلالة، عندما تتحد بغيرها من مكونات البنية الشعرية العروضية ؛ فإنها تلعب في الإيقاع الشعري دورا مهما؛ حيث" تعتبر الأساس لعنصر اللحن Melody في موسيقا الشعر"[54]، وتكمن أهميتها في أن " امتدادها الزمني أطول من امتداد الحروف الصامتة وذلك لما يتأتى فيها من مد الصوت، وأنه يمكن فيها من ذلك مالا يمكن في غيرها .. فهي التي تكون من الأصوات الإنسانية أنغاما ممتدة ومتواصلة ويمكن التقاطها بينما لا تزيد الصوامت عن كونها ضوضاء" [55]. كما أن التأثير الذي يمكن أن يتوافر فيها بفعل صفة المد نجده يوظف في التشكيل الزمني للإيقاع وما يترتب عليه من دلالات ، حينما تتكرر يشكل لافت في داخل الأبيات فتقدم لنا ما يمكن أن نصفه إحساسا بالامتداد والهدوء. مكونة ما يعرف بظاهرة التجانس " Assonance". ولا شك أن هذا الامتداد الزمني المتوفر في الصوائت هو الذي يستغل في إبطاء حركة الإيقاع أو العكس؛ وذلك أن هذه الصوائت كثيرا ما تلعب دورا متفقا و متجاوبا مع الزحاف بإقامة نوع من التشكيل داخل القصيدة فيعكس الزحاف سمة الإسراع أو الهدوء النسبي بينما تعكس الصوائت - الطويلة- سمة من الهدوء الممتد.
    وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه المكونات لا علاقة للعروض بها ،وأن علمائه القدامى لم يتطرقوا إليها، إلا أن البحث يثبت هذه العلاقة خاصة على مستوى التحليل النقدي- كما سيتضح - ،كما وأٍننا قد أشرنا من قبل إلى طبيعة المنهج العروضي عند الخليل ومعاصريه الذي ارتبط بعلم الموسيقا في تأسيسه، كما ارتبط بالإيقاع الشعري في المعالجة [56]،وفضلا عن ذلك ودعما نضيف ما قال به غيرنا في هذه المسألة؛ فقد وجدنا من الباحثين من يقول : " إن الخليل أهمل أبعاض الأصوات( أحرف اللين القصيرة - الحركات) في تشكيل المقاطع الأولى واعتبرها لواحق تنوع النغم،معترفا ضمنا بقيمتها الإيقاعية، واٍن لم يدخلها في صلب البناء المقطعي الأولي"[57]، وهذا الرأي وان كنا لا نتفق كلية مع ما جاء فيه إلا أنه يتضمن إقرارا باعتراف الخليل بالقيمة الإيقاعية للأصوات ضمن عمله، وكفى به شاهدا على إلقاء مسئولية استكناه هذه العلاقة والبصر بها على النقد الأدبي. أما الأخفش الأوسط وهو على ما له من مكانة في التأسيس العروضي، فقد خاض في خصائص الأصوات بما يعتبر ربطا بينها وبين العروض، ومن الباحثين من يقول عن آرائه :" إنها صالحة كمدخل لمعرفة طبيعة البنية الصوتية العربية داخل نطاق العروض العربي بخاصة وموسيقا الشعر بعامة، فالحروف لدى الأخفش الأوسط ساكنة ومتحركة،والساكن أقل من المتحرك، والمتحرك خفيف وثقيل(مشدد) ....وكل الحروف تكون ساكنا ومتحركا، وخفيفا وثقيلا " [58].
    أما الصوامت فإنها تعدل من طبيعة الحركات التي تسبقها أو تأتي بعدها كما أنها تقوم في موسيقي الكلام بوظيفة تشبه وظيفة قرع الطبول في الأوركسترا وهي عندئذ تجد من الصفة التفعيلية تجاذبا والتحاما يفضي بها إلى تلك الغاية . كما أنها تشكل ما يمكن أن نسميه بظاهرة التماثل " Alliteration " وتعني : تكرارا للصوت نفسه أو الأصوات أو المقطع في كلمتين أو أكثر في السطر أو (مجموعة الأسطر) بحيث تنتج أثرا فنيا ملحوظا ... إذ يمكن أن تنتج التأكيد أو العذوبة أو التنافر ... الخ ، وكمثال تطبيقي علي وظيفة التماثل يقول محمد النويهي عن بيت المتنبي :
    ومن عرف الأيام معرفتي بها وبالناس روي رمحه غير راحم
    فحرف الراء الذي في نطقه قرع طرق اللسان لحافة الحنك .. قد جاء في قوله : (روي رمحه غير راحم ) ثلاث مرات في أوائل الكلمات الأولي والثانية والرابعة ، ومرة رابعة في آخر الكلمة الثالثة ، أتحسبه جاء هكذا بغير ارتباط بالعاطفة العنيفة التي يحملها البيت من الحقد والانتقام والقسوة والتشفي[59] .
    أما النبر فليس من السهل تحديد الأثر الذي يؤديه في تشكيل موسيقى الشعر العربي، ومن ثم استخلاص قوانين وأسس عمله، على الرغم ما نجد في أنفسنا من أثر له فيما بين أيدينا من نصوص ، وقد اتضح لنا من قبل ، أن كل الذين قدموا فيه دراسات جادة من أمثال شكري محمد عياد ومحمد النويهي وكمال خير بك، وكمال أبو ديب وغيرهم لم يصلوا إلى تحديد مواضعه في الشعر تحديدا دقيقا حيث انتهي بهم الرأي في نهاية المطاف إلى القول بأن الشعر العربي شعر كمي وأن دور النبر فيه ضئيل، كما أن العلاقة بين الكم والنبر فيه بحاجة إلى دراسات عميقة .
    ب/ مستوى التناسب الكمي :
    ونقصد بهذا المستوى التناسبي الكمي؛ تلك الأدوات في الشكل والتركيب التي توظفها التجربة الشعرية لعكس تفاصيل الرؤية الفنية لدى الشاعر. فمنها ما يتجلى في تغيير نسب أعداد المتحركات والسواكن نتيجة الزحافات والعلل. ومنها ما يرجع إلى التركيبة اللغوية نتيجة الانحرافات الناجمة عن تأثير البنية التشكيلية العروضية أي تركيب الوزن العروضي، وهي ما يسميه القدماء بالضرورات الشعرية ، ومنها ما يعود الى تلاحم الوزن العروضي أو وحداته من التفاعيل بالتجربة فتعكس قيمة تعبيرية للأوزان ضمن تجربة الشاعر، فيما يمكن أن نعبر عنه بتخييل المعاني بالأوزان. فكل عنصر من هذه العناصر له أثره في تشكيل الصورة الشعرية.
    معلوم أن العروض معروف بين النقاد المحدثين بوصفه معيارا كميا . إلا أن كثيرا من النقاد لا يقيمون وزنا إيقاعيا ولا جماليا ولا دلاليا لهذه الناحية الكمية ، بل إنها عند كثيرين منهم هي بعض ما يسم الشعر بالجمود ، ويصيب التجربة بالبرود والتشويه [60]. فهذا شوقي ضيف يصف الصورة الموسيقية التي تشكلها البنية العروضية بأنها تعني : " توازنا شديدا في نغم القصيدة .. توازنا في جميع عناصرها الموسيقية ، وهو توازن يطوي ارتباطا متبادلا بين الأبيات . بل لكأنه يطوي قوة جاذبة تجذب بعضها إلى بعض ، حتى تدور في محور واحد ، علي نظام محكم في التفاعيل وفي الحركات والسكنات ، نظام كما تقيسه آلة من آلات الزمن الدقيقة ، فكل بيت لحظة من الزمن لا تقل ولا تكثر عن لحظة البيت الذي يسبقه أو يتلوه ، حتى لا يحدث اختلال في انفعالات السامع بل حتى لا يحدث أدني اختلال .فتموجات النغم متسلسلة ثابتة .... فليس هناك أي اهتزاز غريب عن النظم " [61]. ونحن نتفق مع مثل هذا الرأي إذا جاء من باب التعميم ، أما وأنه يستخدم عبارات تنم عن الدقةّ المتناهية في تناسب الأبيات كميا وتكرارا لإيقاعاتها علي نحو كأنما يقاس بآلة دقيقة فهذا مما لاينطبق علي ما تحدثه الأوزان العروضية من أثر في النص الشعري. وإلا فما الحكمة من وجود الزحافات والعلل في الشعر ؛إذ توجد أصلا في الشعر للتأثير .في هذا التوازن وللتغيير في ذلك النظام المحكم الدقيق ليستحيل تجاوبا – لا إراديا في حال الزحاف – وتفاعلا حميما بين الوزن الشعري و ما ترفضّ به تجربة الشاعر متساوقا معها ومتجاوبا . وقد نبه القدماء لعلة التغيير في بنية الكلمة فقالوا:" زيادة المبنى يتبعها زيادة المعنى"، وذلك ليس ببعيد عن هذه المسألة؛ فمن المعلوم أن للزحافات أثر في الإيقاع الشعري بزيادة سرعة الوزن أو إبطائه فكان الشاعر إذا أكثر من الزحافات التي تسكن المتحركات هدأ الإيقاع وإذا استخدم الزحافات التي تحذف السواكن فتزيد نسبة عدد المتحركات إلى عدد السواكن، أصبح الوزن سريعا ،ولا تكون السرعة أو الهدوء إلا صدى لما تعتمل به النفس وتجري يه التجربة. وهناك إمكانات تشكيلية أخري للزحاف ذلك أن الشعراء " استفادوا من إمكانية الزحاف ليحققوا ما يمكن أن يكون قريبا من الاستبدال في العروض الإنجليزي ويعني استبدال تفعيلة من وزن ما بتفعيلة من وزن آخر في داخل الوزن الأول[62] ، أما في العروض العربي فاٍن التفعيلة تتحول إلى صورة تفعيلة أخرى ليس بفعل الاستبدال وإنما بفعل الزحاف الذي يتيح للشاعر حرية عظيمة في المزج بين إيقاعات الأوزان من خلال ما تتيحه التفاعيل من مرونة في التشكل" وفي داخل التفعيلة من الحرية للشاعر ما يجعل النغمة..تختلف اختلافا واضحا، ولعله يبرز حين تأتي(فاعلن) في بيت ثم تأتي (فعلن) في بيت آخر وهي تفعيلة واحدة أجاز العروض فيها (الخبن) حذف الثاني الساكن"[63] ، بل لقد أتاح الزحاف للشعراء ضمن إمكانات هذه التفاعيل العروضية أن يتحولوا بنغم البيت كاملا في وزن ما ليجري على نغم بيت أو أبيات في وزن آخركما نجد ذلك حادثا بين وزني الكامل والرجز وبين وزني مجزوء الوافر والهزج، والكامل والسريع، والسريع والرجز، والرمل والمديد، والخفيف والمنسرح، ومخلع البسيط والمنسرح. " بل إن التفاعيل العروضية كقيمة إيقاعية أتاحت لبعض الشعراء المحدثين أن يمزجوا بين أكثر من بحرين في القصيدة الواحدة " فاٍن الشاعر حينما تكون قصيدته في حالة أو وضع يسمح لها أن تدرج في بحر من بحور ثلاثة(الكامل – الرجز - السريع) فاٍن ذلك ليس راجعا لخلل فيها أو كسر، وإنما جاءت لتحقق نقاط الالتقاء عند البحور الثلاثة"[64] . وهذا مما يؤكد القيمة الإيقاعية لهذه التفاعيل وما يدخلها من الزحافات ،لخلق هذا التناسب الدلالي في الشعر المتجاوب مع عناصر تجربة الشاعر الفنية .
    التطبيق النقدي:
    نحاول من خلال هذه الفقرة أن نوضح عمليا أثر العروض والقافية، ثم الضرورات الشعرية التي ينفسح لها العروض في إبراز قيم تعبيرية ودلالية في الشعر العربي، الأمر الذي يمكن أن يحقق لهما مكانة في الفكر النقدي العربي الحديث. وطبعي أن نعطي لمحة سريعة عن هذا الفعل العروضي في تشكيل الشعر؛ إذ لا يتسع المقام للتوسع والاستقصاء للأوزان ولا لمفردات الزحافات والعلل. وآثرنا أن يكون مثالنا للتطبيق إحدى تجارب الشعر الحديث المتمثلة في قصيدة التفعيلة ، والتي يتوجه إلى دراستها هذا النقد الحديث ولننظر كم هو أثر هذا العنصر العروضي في تشكيل الصورة الموسيقية لهذا النص الشعري . استمع إلى قول مخائيل نعيمة من قصيدته " من أنت يانفسي " حيث يقول[65] :-
    إيه نفسي أنت لحن فيّ قد رنّ صداه
    وّقعتك يد فنان خفي لا أراه
    أنت ريح ، ونسيم ، أنت موج ، أنت بحر
    نت برق ،أنت رعد ، أنت ليل ، أنت فجر
    أنت فيض من اٍله .
    في هذا المقطع نجد الشاعر يستخدم التفعيلة فاعلاتن ، في هذه القصيدة ، وهو يعتمد في تشكيله أبعاد الصورة الموسيقية فيها علي عناصر التشكيل الإيقاعي العروضية المتمثلة في الزحافات والعلل . ونجد هنا ثلاثة أنواع منها هي : زحاف الخبن وزحاف الكف وعلة القصر . أي حذف الألف وحذف النون ،خبنا وكفا ثم تسكينه قصرا علي التوالي .
    ومن المعلوم أن (فاعلاتن) ذات عذوبة وأناة اكتسبتها من نظام توارد حركاتها وسكناتها بتوسط وتدها المجموع بين سببيها وقد أدرك بعض الشعراء العباسين هذه الخصيصة في فاعلاتن فاكثروا من استخدامها في أشعارهم الغنائية ، كما أن نظرة عجلي إلى الموشحات الأندلسية – التي نشدت العذوبة والغنائية كعلة لوجودها - تثبت أن معظم ما اشتهر منها جاء علي هذه التفعيلة ، ولعل تجربة الشاعر التي يتجاذبها عنصران العذوبة النغمية من جهة والامتداد والهدوء النغمي من جهة أخري قد دعاه إلى عدم استخدام( متفاعلن) الكاملية ، لما يكتنفها – علي عذوبتها – من تسارع وحدة زائدة بسبب كثرة متحركاتها ونظام تواليها الذي جعلها أكثر صلاحية لكل ما فيه حدة وصخب وسرعة زائدة . ولهذا توصف فاعلاتن بأنها ذات إيقاع هابط ، بينما توصف متفاعلن بأنها ذات إيقاع متصاعد . ولذلك فقد آثر الشاعر استخدام (فاعلاتن) لقدرتها علي التشكل للتعبير عن تجربته تلك التي نلحظ فيها عنصرين متعارضين أي تلاحق الفكر وتصاعد الأنفاس من ناحية ، والهدوء الرزين والصمت المتأمل من ناحية أخري . يتضح لنا ذلك جليا إذا نظرنا في نهايات السطور : الأول والثاني والأخير . فهي تنتهي (بفاعلان) المقصورة أي بالتقاء الساكنين في هذه المواضع التي هي مواضع وقف وتوقر وتأمل بما يضفي علي فضاء التجربة الفنية لدي الشاعر قدرا من السكينة والصمت المطبق لنظر مرسل وفكر غائص في تأمله .
    فالشاعر يبدأ بنفس خافت في مناجاته نفسه (ايه نفسي) ، ولكن سرعان ما يتصاعد هذا النفس في بحثه عن الحقيقة ، فتتشكل اللغة في سمة التشديد والتوظيف الصوتي ، حيث تشدد النون في موضوعين ، دلالة علي ذلك الضغط النفسي ، كما توظف الصاد بجرسها الصفيري وإطباقها لتكشف عن هذا الصدى المجلجل في النفس ، وهنا تساهم البنية العروضية في هذه الصورة ، حيث (فعلان) في آخر السطر تمثل ذروة الاندفاع لهذه العاطفة ، عند النون الثانية المشاركة في التشديد في بداية هذه التفعيلة . ثم يبدأ بعدها في الانحدار والتلاشي التدريجي إلى أن ينقطع مع ألف التفعيلة ونونها الأخيرين اللذين يشكلان مقطعا زائدا ممتدا تصوره الهاء الساكنة بعد المد . ولذلك نجد الشاعر يمثل لهذا التدريج بخبن التفعيلة ، فيجعل أولها ثلاثة متحركات لتعكس ذلك الاندفاع والتسارع ، بل يجعل آخر هذه المتحركات يمثله ثاني متحركي الوتد المجموع في مركز التفعيلة ويقابله لغويا بصوت الدال الذي يحقق معه بشدته وصفته الانفجارية دفعا قويا لذلك الصدى الذي ينطلق منه في تلاش ثم صمت مطبق تصوره علة القصر في نهاية التفعيلة كآخر ساكنين يعكسان هذا الصمت . وأي إيقاع سوي إيقاع هذه التفعيلة العروضية (فاعلاتن) يمكن أن يعكس دقائق هذه التجربة في هذا المدى من التجربة الذي ذكرناه .وقوله :
    وقعتك يد فنان خفي لا أراه .
    نجد فاعلان هنا تعبر أصدق تعبير عن مضمون المفردة فتنفح قول الشاعر: (لا أراه) ظلاله الإيحائية ودلالاته الخفية المتمثلة في إدامة النظر والتأمل حيث يعكس لنا ذلك ، هذان الساكنان آخر التفعيلة بتشكلهما الذي يضم صائتا طويلا ممتدا يحكي إطالة النظر ونونا بعده ساكنه تحكي ذلك الصمت المتأمل المطبق .أما قوله :
    أنت فيض من اله
    فان (فاعلان) هنا بإيقاعها الذي يمثله قوله (من اله) تأتي تجاوبا وتفسيرا لتلك الحيرة والتأمل وترجيعا لذلك الصدى العذب واللحن الدفيء الذي أفعمت به نفس الشاعر وجري به نفسه ، وهو في بحثه عن سر هذا اللحن وتلك العذوبة حيث أدرك أنها فيض من اٍله .
    تلك هي دلالة (فاعلان) أو بمعني آخر دور علة القصر في تشكيل الصورة الموسيقية في هذا المقطع . فإذا ما انتقلنا إلى زحاف الكف نجده يدخل تفعيلة واحدة هي قوله (وقعتك) والكف هنا يؤدي دورا حيويا في تصوير عملية التوقيع عندما نلحظ معه صفة تلك الأصوات الثلاثة القاف والتاء والكف ، بما فيها من شدة وانفجار ووقفات حادات ثلاث بعد كل حتى لكأننا ننظر إلى تلك اليد التي تجري بالتوقيع ، والكف يسهم في تلك الوقفة الأخيرة التي عادة ما تصورها يد الموقع ختاما.
    فهذه لمحة من أثر الزحافات والعلل في تشكيل روعة هذه التحفة الفنية لميخائيل نعيمة ، وهو الذي أبدي مواقف ساخرة ومتهكمة ومتمردة على العروض العربي[66] ولم يدرك أن للعروض عليه يد سلفت ودين مستحق.
    والضرورات الشعرية لدي شعراء القصيدة العمودية تثبت أن هؤلاء الشعراء ، الذين لا يقدح في علمهم بالتصرف اللغوي ، لم يشأوا أن يغيروا من صورة نضحت بها عواطفهم وجري بها وجدانهم استجابة لدواعي القواعد اللغوية ووجدوا من هذه البنية العروضية أداة معينة علي استيعاب أنواع من انحرافاتهم اللغوية والتي لا تعتبر خرقا أو إلغاء لقاعدة وأنما تطويعا تسمح به خصائص اللغة ومنعطفات الدلالة، الأمر الذي ينفي ما يوصف به العروض من جمود، أو قيود تشوه تجربة الشاعر . فهذا مجنون ليلي يقول :-
    ولو أن واش باليمامة داره ** وداري بأعلى حضرموت اهتدي ليا
    ويقول بشر ابن أبي خازم :-
    كفي بالنأي من أسماء كافي ***** وليس لنأيها إذ طال شافي
    فأنت تري المجنون قال : (أن واشْ) فسكن الياء ثم حذفها مع انه منصوب ، لكونه اسم أن وسكن الضاد من حضرموت . وتري بشر قال :- (كافي) مع أنه حال من النأي أو مفعول مطلق ، وكل ذلك اقتضاه أهمية الانسياب الإيقاعي والمقابلة والترجيع النغمي لأصوات القوافي كما في بيت بشر الثاني . وقد فطن النحاة واللغويون القدماء إلى أهمية التوافق والانسجام في البنية العروضية فأجازوا أنواعا من الضرائر ، تعتبر عندهم في غير الشعر من قبيل الخطأ اللغوي ففي مثل هذا يقول العلماء :- " اتفقت كلمة النحاة علي أنه ضرورة يغتفر منها ما وقع فعلا في الشعر ولا ينقاس عليها " [67] .
    وأما أثر الوزن أو وحداته في صياغة التجربة الشعرية فقد تطرقنا له من قبل[68] في معرض ذكرنا أهمية الوزن العروضي . ونضيف في هذا المقام أهمية الربط بين الوزن والمعاني الشعرية، وهي محاولة قام بها علماؤنا القدامى حين ربطوا بين الأوزان العروضية والحالات النفسية أو العاطفية، وسار على هذا النهج بعض المحدثين من أمثال ،حنا الفاخوري وسليمان البستاني، وعبد الله الطيب المجذوب. وهذه القضية وان كانت موضع جدل بين النقاد إلا أننا نستطيع أن نشير إلى أنه" قد اعتمدت نظريات حديثة في تحليل النصوص الشعرية، كنظرية (تحليل الدوران) على فكرة أن الإيقاع تابع للتجربة التي يخضع لها الشاعر أثناء صياغته لشعره، فقد يكون الإيقاع هادئا مطمئنا موحيا بالسلامة أو الحزن أو الكآبة ، وقد يكون متغيرا حادا يوحي باضطراب النفس. بل قد يبدأ البيت بإيقاع هادئ مطمئن ثم لا يلبث أن يتصاعد فيصير مفاجئا حادا وقد يختلف إيقاع بيت عن آخر في قصيدة واحدة، وقد ارتبط ذلك بحالة انتظام عبارات البيت عروضيا أي بترتيب تفعيلات البحر الذي وردت عليه القصيدة"[69] . وهو ما أشرنا إليه من قبل في عنوان هذه الفقرة عندما ربطنا بين هذه التشكلات النفسية من جهة، و طبيعة التشكيل الوزني وتناسب توارده الصوتي من جهة ثانية. وهذه حقيقة أثبتها ابن سينا من قبل عندما قال[70] : " والأمور التي تجعل القول مخيلا منها أمور تتعلق بزمان القول وعدد زمانه وهي الوزن، ومنها أمور تتعلق بالمسموع من القول، ومنها أمور تتعلق بالمفهوم من القول، ومنها أمور تتردد بين المسموع والمفهوم". ويرى جابر عصفور أن هذه العلاقة بين الأوزان والمعاني المتخيلة بها يعمقها التشابه بين الألحان والأوزان من حيث اعتمادها على أساس واحد هو كيفية تناسب الأصوات.
    وهكذا نستطيع أن نقول إن الإيقاع الشعري في القصيدة العربية إيقاع غني ثر متنوع ، متطور، وأن البناء العروضي الذي قدمه الخليل بن احمد منذ القرن الثاني الهجري ، له أثر في هذا الغنى الإيقاعي في الشعر العربي قديمه ومحدثه ، لما كان وثيق الصلة بعناصره اللغوية والموسيقية بحيث لا نستطيع أن نستغني عنه ببدائل إيقاعية أخري كالنبر أو غيره ، بل نجده هو الأساس لكل دراسة في إيقاع الشعر العربي، تهدف إلى وصف هذا الإيقاع وصفا علميا دقيقا. ولعل أبلغ دليل على ذلك أن القصيدة العربية الحديثة وهي في قمة تمردها على العروض العربي ومحاولاتها البحث عن أصول موسيقية جديدة ، لم تستطع أن تنفلت عن البنية العروضية بصفة مطلقة. أما ما استطاع الانعتاق عن العروض ، من أمثال الشعر النثري أو المنثور فلم يكتب له ذيوع بل لقد مات بعضه في مهده . ولذلك تجدنا نمضي مع أحد الباحثين في رؤيته لما ينبغي أن تكون عليه أسس النظر في العروض ومن خلاله وذلك في قوله[71] " على اللاحقين أن ينظروا بعين مفتوحة، وأذن مستمعة لتتكئ على الصوت قبل الرسم لأنها ستحل كثيرا من البس، وإذا كانت شعرية النص واضحة، فعلى الدرس العروضي ألا يستسلم إلى رسم الكلمة بل يتعامل معها نصا منطوقا قبل أن يكون مكتوبا". وكذلك نؤيد رأي آخر يرى أنه "لا بد من الإشارة إلى الربط بين ..الظواهر الصرفية والبلاغية وبين تفعيلات العروض وقوافيه، والى أهمية الربط بين التوزيع الصوتي للنص وعروضه وقوافيه من ناحية وبين التشكيل الشعري من ناحية ثانية"[72]. ولعله بإعمالنا كل هذه المقاييس في الربط بين عناصر العمل الشعري مجتمعة في تحليلنا للنصوص نكون قد وفقنا إلى المنهج الصحيح في النقد والتحليل، ذلك الذي يسعى للإلمام بتفاصيل التجربة الشعرية لدى الشعراء واستجلاء رؤيتهم في الخلق والإبداع.





    ________________________________________
    [1] صلاح الدوش، ، موسيقا العروض والقافية والشعر الحر،مكتبة الرشد،ناشرون، 1427هـ-2006م.، ص206.
    [2] المرجع السابق،215 وما بعدها.
    [3] السعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 404 1 -1984 م، ص159 .
    [4] مدحت الجيار، موسيقا الشعر العربي، قضايا ومشكلات،دار المعارف،الطبعة الثالثة1995م . ص 218.
    [5] الخطيب التبريزي ، ،الوافي في العروض والقوافي ، دار الفكر دمشق ، 1986 م . ص 245.
    [6] السعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث.ص159.
    [7] عبد الرحمن الوجي، الإيقاع في الشعر العربي، دار الحصاد للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى1989م . ص79.
    [8] عبد الرحمن الوجي، المرجع السابق ص169.
    [9] سيد البحراوي، موسيقا الشعر عند شعراء أبوللو دار المعارف ط/2 ،1986 م . ص 14.
    [10] حازم القرطاجني، ، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة،دار الغرب الإسلامي بيروت ،لبنان الطبعة الثالثة 1986 م . ص263 .
    [11] محمود الحفني الموسيقا النظرية، رابطة الإصلاح الاجتماعي،القاهرة 1972م.ص9.
    [12] الجاحظ، الحيوان، تحقيق عبد السلام هارون،1947م ج:1ص75.
    [13] السعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث 170.
    [14] رجاء عيد، التجديد الموسيقي في الشعر العربي ،منشأة دار المعارف بالأسكندرية1987م ص9.
    [15] السعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث ص160.
    [16] المرجع السابق،ص 161.
    [17] ريتشاردز مبادئ النقد الأدبي، ترجمة محمد مصطفى بدوي،المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والنشر،سنة1963م. ص194.
    [18] جابر عصفور،، الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ، دار الثقافة للطباعة والنشر القاهرة ،1974م . ، ص77.
    [19] رينيه ويليك، مفاهيم نقدية ، ترجمة ، د/محمد عصفور ، سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون ، الكويت . ص 52 .
    [20] الجاحظ،، رسائل الجاحظ، ، تحقيق عبد السلام هارون،مكتبة الخانجي القاهرة، 1384ه. ص 161.
    [21] معجم الأدباء، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر(د.ت)، مادة الخليل.
    [22] عبد المحسن القحطاني ،بين معيارية العروض وإيقاعية الشعر العربي ص170.
    [23] عبد الرحمن الوجي ،الايقاع في الشعر العربي،48-49.
    [24] عبد المحسن القحطاني، ، بين معيارية العروض وإيقاعية الشعر العربي ص،169.
    [25] البحث ص9.
    [26] العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل الطبعة الرابعة1972م . ج1ص135.
    [27] معجم الأدباء،ج17ص144.
    [28] انظرص73.
    [29] انظر؛ الزخيرة في محاسن أهل الجزيرة، طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، المجلد الثاني ،ص201.
    [30] انظر، شكري عياد، موسيقى الشعر العربي،ص5.
    [31] في البنية الإيقاعية للشعر العربي،ص 45. وانظر صلاح الدوش،مناهج العروض بعد الخليل بن أحمد، مجلة كلية الدعوة الإسلامية- طرابلس، العدد 14،سنة1997م.ص79.
    [32] من ذلك مؤلف حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء. وما كتبه الفلاسفة المسلمين كابن سينا في كتاب قوانين صناعة الشعراء ضمن كتاب ( فن الشعر) لأرسطو.والفارابي في كتابه (الموسيقا الكبير).
    [33] الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ص 16.
    [34] أبو على بن سينا، قوانين صناعة الشعراء ضمن (فن الشعر) لأرسطو، تحقيق عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية 1952م ، ص161.
    [35] منهاج البلغاء وسراج الأدباء، 189.
    [36] - مصطفى سويف ، الأسس النفسية للإبداع الفني، دار المعارف، الطبعة الثانية، 1959.،.ص294.
    [37] السعيد الورقي، ص30.
    [38] شوقي ضيف ، في النقد الأدبي ، دار المعارف ، بمصر ط/2 ص108 .
    [39] المرجع السابق،ص109.
    [40] المعداوي ، أحمد ، أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث ، دار ضفاف ،المغرب 1993 م .ص8.
    [41] موسيقي الشعر القاهرة ، ط/2، 1952م ص129 .
    [42] في البنية الإيقاعية للشعر العربي، ص10.
    [43] انظر،ص3.
    [44] - محمد زكي العشماوي، الرؤية المعاصرة في النقد والأدب، دار النهضة العربية للطباعة والنشر-بيروت،1983م.ص143.
    [45] جويار نظرية جديدة في العروض العربي ، المطبعة الأهلية باريس ،1876م . ص 13.
    [46] المرجع السابق،13.
    [47] المرجع السابق،ص14.
    [48] في البنية الإيقاعية للشعر العربي،335ومابعدها
    [49] المرجع السابق، ص68.
    [50] المرجع السابق،ص328.
    [51] المرجع السابق،ص 33.
    [52] انظر إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة، ،ص149.
    [53] انظر، شكري عياد، موسيقا الشعر العربي، ص109.
    [54] انظر، سيد البحراوي، موسيقا الشعر عند جماعة أبوللو ،ص22،23.
    [55] انظر البحث ص8.
    [56] الوجى، عبد الرحمن، الايقاع في الشعر العربي،ص60.
    [57] مدحت الجيار، ،موسيقا الشعر العربي، ص211.نقلا عن كتاب العروض للأخفش ص114.
    [58] راجع محمد النويهي ، الشعر الجاهلي، الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة 1966 م . ج/1 ص 66.
    [59] نعيمة،ميخائيل،الغربال،مقال الزحافات والعلل،107-127.
    [60] شوقي ضيف، في النقد الأدبي ،ص101.
    [61] سيد البحراوي،، موسيقى الشعر عند جماعة أبوللو ص22.
    [62] القحطاني، بين معيارية العروض وإيقاعية الشعر العربي، ص139.
    [63] المرجع السابق،ص 124.
    [64] ديوان همس الجفون، ص 16.
    [65] انظر الغربال ،107ومابعدها.
    [66] راجع شرح بن عقيل على ألفية بن مالك ج /1ص 83 .
    [67] - انظر البحث،ص8-9.
    [68] ممدوح عبد الرحمن ، المؤثرات الإيقاعية في لغة الشعر ، دار المعرفة الجامعية- الإسكندرية،1994م . ص14.
    [69] أبو على بن سينا، قوانين صناعة الشعراء ضمن (فن الشعر) لأرسطو، ص163.
    [70] أبو على بن سينا، قوانين صناعة الشعراء ضمن (فن الشعر) لأرسطو، ص163.
    [71] القحطاني،بين معيارية العروض وإيقاعية الشعر،ص170.
    [72] مدحت الجيار،موسيقا الشعر العربي،ص219
    [/R
    [/SIZE][/FONT]

المواضيع المتشابهه

  1. غالب الغول يرد على الدكتور صلاح الدوش في النبر الشعري
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى دراسات عروضية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-13-2013, 01:17 AM
  2. غالب الغول يرد على مقالة الدكتور صلاح الدوش
    بواسطة غالب الغول في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 04-10-2013, 02:57 PM
  3. العروض الرقمي – الأخطاء والنقد
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى العرُوضِ الرَّقمِيِّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-03-2010, 12:39 AM
  4. العروض التفعيلي أم العروض الرقمي أم كلاهما ؟
    بواسطة خشان محمد خشان في المنتدى العرُوضِ الرَّقمِيِّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-21-2009, 01:42 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •