منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

العرض المتطور

  1. #1

    الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    كثر الحديث في هذه الأيام، عن التقليل من أهمية الشعور القومي، وأثره في أن يُشكل رافعة صالحة للنهوض بالمجتمعات نحو التقدم، كما كان قد كثر الحديث عن أهمية الشعور القومي قبل ذلك بعقود لأن يكون حاضنة تنطلق منها برامج النهوض.

    وإن كان أصحاب المشاريع القومية، قد أخفقوا في إثبات نظرتهم، لأسباب ليس كلها خارجية، وباتوا يلوذون بالصمت في كثيرٍ من الأحيان عندما لا يجدوا رداً مقنعاً لمن ينتقدهم في إدراج وقائعٍ توصم مشاريعهم بالنقص في الغالب، وتحملها الدور الأكبر في تدهور الأحوال ووصولها لما وصلت إليه، فإن من ينتقدهم هو الآخر، لم يُقدم نفسه إلا كمتصيدٍ وباحثٍ متخصص في التنقيب عن نواقص ذلك المشروع.

    ويصطف المنتقدون للمشروع القومي بألوان مختلفة لا يوحدهم إلا معاداة المشروع القومي، فمنهم الأمميون الماركسيون بفروعهم المختلفة، ومنهم أتباع المشروع الإسلام السياسي بفروعه المختلفة، ومنهم القطريون الذين ليس رغبة في الخروج من دوائر نعيمهم الضيقة وخشيتهم من ضياعها في توسيع دائرة الاستفادة منها، ومنهم أبناء الإثنيات القومية الذين يحاربون بسلاح لا يختلف عن سلاح أصحاب المشروع القومي، ولكن ليس عندهم مانع من الاصطفاف مع معادين للمشروع القومي، حتى لو أنكر عليهم هؤلاء حقوقهم.

    متى تعرفت بلادنا على المشاريع القومية؟

    لن نبتعد كثيراً في التاريخ للتعرف على النزعة القومية، ولن نقف عند الخلافات في سقيفة بني ساعدة عن أحقية الأمارة، ولن نقف عند وصايا بعض الأمراء العرب المسلمين عندما كانوا يحذرون من التزاوج مع غير العربيات. فقد جب ذلك قرون طويلة لم تلتزم بتلك المحاذير.

    ولكننا، سنتناول الفترة التي ازدهر فيها التفكير بالمشروع القومي. وهذه الفترة قد نضع لها تأريخاً هو عام 1826 عندما تم حل الجيش الانكشاري ولجأت الحكومة العثمانية الى إصلاحات هيكلية، تكون من خلالها قادرة على كبح جماح، أو بالأحرى سحق أشكال المطالب الصادرة عن القوى المحلية في المحافظات العربية، مما استفز المشاعر القومية.

    وقد انتبه العرب، للحركات التي خرجت من جسم الإمبراطورية العثمانية، على هامش قومي، فاستطاع الصرب أن يستقلوا عن الدولة العثمانية، كما استطاع الجزء الأكبر من اليونان الاستقلال ثم تلا ذلك في السبعينات من القرن التاسع عشر خروج بلغاريا ورمانيا.

    من جانب آخر، كان الإنجليز والفرنسيون قد تابعوا مسيرات تشكيل دولتيهما، بتسلسل دولة > أمة> نزعة قومية > نظريات. وأدى ظهور إيطاليا بشكل موحد عام 1860 وتوحيد بسمارك لألمانيا عام 1870 الى امتلاء الفضاء الذهني العالمي بالتفكير القومي، بما فيها منطقتنا.

    لم يكن هناك عداء بين الدعوة القومية والإسلام

    لقد كان الشعور بضعف الدولة العثمانية وسوء إدارتها عاماً بالنسبة لكل رعاياها بغض النظر عن قوميتهم أو طرائق تفكيرهم العقائدية. فقد تطابقت الدعوة لوجود هوية عربية الى جانب الهوية التركية، مع تطلعات دعاة الإصلاح الديني، الذين كانوا ينشدون التجديد والإصلاح، أمثال: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا و عبد الرحمن الكواكبي والأخير الذي ألف كتابيه (طبائع الاستبداد) و (أم القرى)، مما دفع بالسلطان عبد الحميد الثاني الى طرده من سوريا الى مصر ومن ثم قتله هناك عام 1902.

    من جانب آخر، فلم يكن هناك فرزٌ على الهوية الدينية أو الطائفية، فقد ساهم مفكرون مسيحيون عرب الى جانب مفكرين إسلاميين عرب وغير عرب، للخروج بمشروع يرضى به الجميع.

    لقد كانت الأمية تنتشر في أوساط 90% من شعوب تلك المنطقة، ولكن سلوكهم الصامت يدلل على تعايشهم بأمان وانسيابية غير موجهة، فإن كان دعاة الفكر يذكرون العوامل القومية التي تجمع الجميع، فإن هؤلاء البسطاء كانوا يعيشون المواطنة التي نشدها المفكرون دون أن يعلموا بنواياهم. فقد كان سكان القرى من المسيحيين يحضرون أعياد المسلمين كما كان المسلمون يفعلون نفس الشيء، ولم تسجل أي واقعة على هامشٍ ديني أو طائفي أو عرقي.

    يتبع

  2. #2

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    السلام عليكم
    ما اسعدني فعلا لفتك النظر إلى أن القومية لم يكن هناك خلاف او تناقض بينها وبين الاسلام والاديان والملل الاخرى.
    ونتابع معك استاذ عبد الغفور
    تحيتي لك دوما وتقديري
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    قدسية اللغة واستغلالها دينياً وقومياً

    تتحدد دائرة تحرك الطفل الرضيع، حسب الإشارات التي تصدر ممن هم حوله، ويدعم حنان الأم ودفء الأسرة حركته بحرية وأمان أكثر مما لو انتقل خارج أسرته أو محيطه الطبيعي والفطري، وتسود في تلك الحالة الغرائز الطبيعية على ما يتم تعلمه واكتسابه من ذلك الرضيع بفترة وجيزة وغير كافية للقياس على حالته.

    كما أن الأخرس أو الأعمى هما الآخران تتحدد حركاتهما على ضوء قدرتهما على تفهم ما يدور حولهما من مؤثرات خارجية، فلا يفكر الأخرس أو الأعمى بالهجرة خارج وطنه، وأحياناً كثيرة لا يفكر بالانتقال من المكان الذي وُلد فيه.

    حسناً، في كل مكان في العالم وفي داخل البلد الواحد وفي داخل الإقليم الواحد وأحياناً داخل المدينة الواحدة، نجد أن هناك من اللهجات المحكية ما يتنافر مع اللغة الرسمية للبلاد، وكلما تقدم الأشخاص بالعمر كلما زادت مفردات لهجتهم التي يصعب التعامل معها، حتى من قبل أبنائهم. وكلما زادت نسبة الأمية وقل المستوى التعليمي كلما سادت مثل تلك اللهجات المحكية. وكلما تغيرت الأنماط المعيشية والمهنية تفقد تلك اللهجات أجزاءً كثيرة من مكوناتها، فلا تعود المصطلحات حول الأعمال اليدوية البدائية لها وظيفة في اللغة والتفاهم.

    الدين يحفظ اللغة كما تحفظها المدونات


    لقد دون الإنجيل بالآرامية ثم دون باللاتينية، ومورست الطقوس الدينية بالآرامية وباللاتينية، وهناك كنائس وطوائف مسيحية اعتادت على ممارسة تلك الطقوس بالعربية، كبعض الكنائس في شمال العراق.

    لكن، كم عدد هؤلاء الناس الذين يستخدمون الآرامية أو حتى اللاتينية في حياتهم اليومية، إنهم قليلون جداً.

    لم تشهد أوروبا انتشاراً للكتب الدينية كما كان في الفترة التي ظهر بها (مارتن لوثر) فقد كانت الأطروحات التي ترجمت للألمانية تمثل أكثر من ثلث الكتب المطبوعة في ألمانيا، وقد صدرت خلال عشرين عاما وبالذات بين عامي (1522 و1546) 430 طبعة في مختلف أنحاء أوروبا. وفي الفترة بين عامي 1556 و 1564 كانت 40 دار طباعة بكامل طاقاتها وبأوقات إضافية.

    لو أخذنا القرآن الكريم، لوجدنا أن قوة اللغة العربية وارتباطها بالقرآن وبعلوم الشريعة أكبر بكثير من تلك التي ترافقت مع الإنجيل. فيستطيع ابن العشر سنوات في بلداننا فهم أكثر القصائد التي كُتبت بعصر ما قبل الإسلام، في حين لا يستطيع ابن بريطانيا أن يفهم ما كتبه شكسبير، إلا من كان متخصصاً في اللغات.

    من هنا فإن الهوية المرتبطة باللغة المرافقة للدين، تكون أقرب لكونها هوية طبيعية من كونها هوية مصطنعة. فالمهاجر من بلدٍ الى آخر يتعلم لغته ويتعامل بها لكن تعامله سيكون أقل أثراً إن لم تكن مرتبطة بالديانة التي يدين بها.

    قدسية اللغة وارتباطها بالرئاسة السياسية

    في الرئاسات القديمة، كان الرئيس (الحاكم، السلطان، الملك، فرعون) يُقدم نفسه على أنه مختار من الله، بطريقة أو أخرى، بل كان منهم في عهد الفراعنة ما يزعمون أنهم الآلهة نفسها أو أحد أبنائها. وعليه فإن اللغة المركزية للحاكم ستسود على كل اللغات أو اللهجات المحكية التي يحكي بها رعايا ذلك الحاكم.

    في عصرنا، يطوع أبناء الأرياف أو البوادي إذا ما انتقلوا الى العاصمة لهجاتهم لتكون أقرب الى لهجة من في العاصمة. وهذا الأمر ليس حديثاً، ففي عصر التدوين عندما امتلأت قصور العباسيين بالخبراء غير العرب الذين أُحضروا للمساهمة في الترجمة والطب وعلوم الإدارة، خشي مجموعة ممن خافوا على ضياع اللغة وفسادها بالتلحين الآتي من تقليد هؤلاء الأجانب، فذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي والنصر بن سيار وغيرهم للبادية لتدوين الكلام العربي وحفظه بمعاجم وقواميس.

    الخشية من اندثار اللغة يقوي النزعة القومية

    في كتاب (تصنيف اللغات في العالم ) الصادر في عام 1977، قُدر عدد اللغات واللهجات في العالم بعشرين ألف لغة ولهجة، ولكن أكثر علماء الأنثروبيولوجيا يقدرون عددها بين أربعة وخمسة آلاف لغة. ففي البرازيل وحدها تم تصنيف ألف لغة هندية قديمة في القرن التاسع عشر، أما اليوم فهي لا تزيد عن 200. وفي الصين يوجد حوالي الألف لغة تنتمي لثمان مجموعات رئيسية، وفي الهند أكثر من 500 لغة محلية.

    وقد تندثر اللغة خلال جيل واحد من الناس، فمثلاً في فنزويلا، فقد أدى انتشار مرض (الإنفلونزا) الى اختفاء كثير من اللغات، ولم يبق ممن يتكلم لغة (تروماي) سوى عشرة أفراد.

    الشعوب التي تعيش بأعدادٍ معقولة (بالملايين) مع شعوب أخرى لغتها سائدة على لغتهم، تخشى تلك الشعوب من اندثار لغتها، نتيجة التعامل باللغة السائدة، فتكون مطالباتها القومية أولاً، بإعطائها حقوقها في التعلم بالمدارس والجامعات بلغتها القومية، مدركة أن التخاطب بالمشافهة بين أفراد شعبها بلغتهم فقط لا يحفظ تلك اللغة ولا يحفظ معها تراث ذلك الشعب.

    كما أن تطوير اللغة نفسها و (تقعيدها: إيجاد قواعد للتعامل معها) يُثبت معالم الشعب نفسه ويحفظ تراثه ويجعله يسهم في الحضارة العالمية من خلال تضافر جهود أبنائه النخبويين في تمثيل حضارة شعبهم.

    ولا يُشترط أن تكون اللهجة المحلية ذات ميزات تاريخية معينة حتى تصبح لغة أبناء الشعب الذين يتكلمون بها بلهجات مختلفة. ففي ألمانيا مثلاً أصبحت اللهجة المحلية (للغرب الشمالي من ألمانيا) هي اللغة الرسمية لألمانيا، وذلك لأنها طيعة في الطباعة خلافاً للغة التشيكية المحكية في (بوهيميا) حيث لم تتكيف للطباعة.

    وفي بلداننا العربية، لم يكن لسيادة لهجة قريش ولهجة بني إياد (عرب العراق) أن تكون بهذه المكانة، لولا أن القرآن الكريم نزل بهما، فسادتا على لهجات بكر وتميم وتغلب وعلى العربية الجنوبية.

    هذا المشكل في اعتماد لهجة طباعة وكتابة من بين لهجات متقاربة ومن نفس المنبع يواجه اللغة الكردية التي تُحكى بعدة لهجات فهذه صورانية وتلك زيبارية وأخرى هركية، وأخرى شبكية وجرجرية الخ وقد حاول الأكراد في العراق اعتماد لغة موحدة تُطبع فيها الصحف والمجلات، لكن في الحقيقة سيكون صعباً عليهم التفاهم مع أكراد إيران وتركيا وسوريا ومختلف البلدان إن لم يتجهوا الى مجمع لغوي موحد ليحفظ تراثهم من الضياع ويحفظ تواصلهم. ويمكن القول أن لهجات (الأمازيغ) ينسحب عليها نفس الكلام، حيث تحتاج هي الأخرى الى مجمع لغوي يوحد فيما بينها ويضع قواعدها.

  4. #4

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    أشكركم أستاذتنا الفاضلة على المرور الكريم

  5. #5

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    كلام من ذهب لغتنا العربية ثمين مانملك
    بوركت اليمين
    احجز مقعدا هنا
    أسامة

  6. #6

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    هفوات الخطاب القومي تحد من فاعليته

    أثناء تعريف الزائر للأسرة في بيتها، بأفراد العائلة، إن تم استغفال التعريف بأحد الأطفال، فإن ذلك الطفل لن ينسى هفوة من قام بالتعريف، سواء كان الأب أو الأخ الأكبر أو حتى الأم. فمهما صغر حجم الطفل لدرجة أنه لم يكن له إنجازات تُعرف لا في المدرسة ولا في مهاراته، فإنه كان سيفرح لو قيل عنه (فلان: زهرة البيت وآخر العنقود). سيبقى الطفل يتذكر تلك الهفوة حتى بعد أن يكبر، ولن يمحوها تذكره في مناسبة أخرى، وقد تجعل منه تلك الهفوة كارها لأخوته وكارها لأمه وربما أسرته، وسيوظف تلك الهفوة في إزعاج ذويه في وقت معين.

    وفي حالة أن يستعرض مدير دائرة إنجازات بعض الموظفين أمام وزير أو مسئول كبير، وينسى أو يتناسى بعض المجدين من الموظفين، فإن حالة من الكراهية ستسكن في نفوس هؤلاء، وتخبو لديهم الروح المعطاءة ويصبح انتمائهم لدائرتهم مبعثاً للملل، متحينين الفرص لترك المكان، إن لم يستطيعوا تغيير شكل العلاقات القائمة فيه.

    في المسائل المتعلقة بالقومية، يتحدث القائمون على الحكم في المناسبات الوطنية بلسان العرق الأكبر أو القومية التي ينتمي إليها الحكم، فيستعرضون إنجازات حقيقية أو وهمية ويردون تلك الإنجازات إن كانت حقيقية لجهود أجدادهم وآبائهم من أبناء تلك القومية، ومن باب المجاملة يذيلون خطابهم بذكر بعض القوميات الأخرى التي تشاركهم الوطن، فيذكرون بعض القوميات باختصارٍ شديد ويعتذرون إن لم يذكروا أحداً!

    فإن ذُكرت الإنجازات العسكرية تم التركيز على بعض الأبطال من قومية المتحدث، وإن ذُكر الفلك والطب والرياضيات تم إدراج أسماء أبناء قومية الحاكمين، أو حتى من كانوا من قوميات أخرى لكن بنسب إنجازاتهم للقومية الحاكمة.

    ولتفحص مواقع الهفوات في الخطاب العربي القومي، سنستعرض نشاط بعض الناطقين بالخطاب القومي الحديث، وما قفز عنه أو ما أثار جدلاً:

    1ـ مرحلة تحديث الفكر العربي الإسلامي:

    لم تتبلور فكرة القومية في هذه المرحلة، بل جاءت بشكل موارب، رافق دعوات محمد علي باشا في مصر للعرب أن يجمعوا أمرهم ليكون لهم شأن، وشبه محمد علي عضلات قلب الأمة العربية بثلاث عواصم هي (القاهرة وبغداد ودمشق) فإذا اتحدت تلك العواصم، اتحد وراءها العرب. وكان من أبرز أصحاب الدعوات للتحديث: خير الدين التونسي (1810ـ1890)، ورفاعة الطهطاوي (1801ـ 1873) وأحمد فارس الشدياق (1805ـ 1887)، والى حدٍ ما جمال الدين الأفغاني (1839ـ1897)، ومحمد عبده (1849ـ1905).

    كانت دعوات هؤلاء تدعو لتجديد الفكر الإسلامي أكثر من دعوتها للقومية العربية. الى أن ظهر عبد الرحمن الكواكبي (1854ـ 1904) ودعا الى مساواة العرب بالترك والاهتمام بنهوض العرب، فدعا الى مؤتمر موسع في مكة (أم القرى) ليحضره مندوبون من كل المسلمين لمناقشة هذه المسألة، وخرج كتابه (أم القرى) للتبشير بذلك.

    كما ظهرت كتابات عبد الله النديم (1844ـ 1886) والذي يعتبر لسان حال أحمد عرابي ورفاقه، وظهر فيها كلمة (الأمة)، وإن كان البعض يفسر استخدامه للأمة إشارة للأمة المصرية وليس العربية.

    2ـ التيار المناهض للهيمنة العثمانية:

    ظهر هذا التيار، بعد ظهور حركة التتريك (جعل كل رعايا الدولة العثمانية أتراكاً)، وعليه، فلم يقتصر على المصلحين العرب المسلمين فقد اشترك معهم آخرون من غير المسلمين وبالذات النصارى العرب، فظهرت كتابات بطرس البستاني الذي طالب في جريدته (الحنان) أن تتوحد الشعوب الناطقة بالعربية، وأن تكون اللغة العربية هي لغة التدريس (فتحت تركيا العديد من المدارس في المناطق العربية وكانت لغة التدريس التركية).

    كما ظهر إبراهيم اليازجي وشكيب أرسلان الذي كان يفكر بإسلام عربي، ويعتبر صديقه (رشيد رضا) أكثر وضوحاً إذ قال: (إن إسلامي مُقارن في التاريخ لعروبتي... قلت إنني عربي مسلم، فأنا أخ في الدين للملايين من المسلمين العرب وغير العرب، وأخ في الجنس للملايين من العرب وغير المسلمين)*3

    3ـ المرحلة السابقة على الحرب العالمية الأولى

    شهدت تلك المرحلة، تغيراً نوعياً، فلم يعد النشاط في الدعوات له صبغة فكرية، بل تعداها الى الجانب السياسي، فتشكلت الجمعيات وارتفعت الأصوات وتعلق على أعواد المشانق قياديين من هؤلاء الدعاة في طرابلس/ لبنان وحلب ودمشق، أمثال عبد الغني العريسي (ولد في 1894 وأُعدم في 1916).

    4ـ مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية

    اتسمت تلك المرحلة بسمتين غالبتين: أولاهما تأكيد أهمية وحدة النضال ضد الاستعمار في سبيل تحقيق الوجود العربي. وثانيهما الحنين الى دولة عربية كالتي كان لها أمجاد في عهد الأمويين والعهود التي كان العنصر العربي فيها له سيادة، وقد كانت ملامح تلك الدولة تظهر في نشاطات الحسين بن علي شريف مكة، وبعد أن خذله المستعمرون، نحى نشاط هذه المرحلة منحى آخر.

    وقد ظهر في هذه المرحلة كتابٌ ومفكرون مثل: محمد حسين هيكل (صاحب جريدة الإحياء العربي) وساطع الحصري وقسطنطين زريق وزكي الأرسوزي، ثم جاءت حركة البعث قبل تحويلها لحزب.

    وقد ربط هؤلاء المفكرون وحدة النضال بوحدة التحرر، فقضايا شمال إفريقيا لا تنفصل عن قضايا فلسطين وجنوب اليمن ومحميات الخليج العربي، فكانت الكتابات كما هو التطوع والتحريض على التطوع ومقارعة الاستعمار هي الطريق المؤدي للوحدة.

    وشكل الفكر الناصري الذي لا يختلف كثيراً عن فكر البعث، ناقوساً إعلامياً قوياً اقترن في (كاريزمية) الرئيس عبد الناصر، ومن وراءه دولته (مصر) بمركزيتها ومفكريها وإذاعاتها وكتبها ودور نشرها، كما ترافق مع دعوات عبد الناصر للوحدة والتحرر نشاطٌ كبير على الصعيد الوطني العربي، إذ استقلت معظم البلدان العربية عن الاستعمار في إفريقيا وآسيا، وازدهرت حركة عدم الانحياز، وأصبحت المنطقة من أسخن وأهم مناطق العالم. كما كان لتجربة الوحدة بين مصر وسوريا وقعٌ طيب في نفوس المتطلعين للوحدة، ولكن انفراطها كان له نفس حجم الوقع من السوء.

    5ـ ما بعد الانفصال وما بعد نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967

    سنناقش تلك المرحلة الدقيقة في المرة القادمة والانتقادات التي وجهت للحركة القومية من قبل التيارات الشيوعية والإسلامية (السياسية) و من قبل أصحاب الدعوات القطرية والإقليمية الضيقة.

    يتبع

  7. #7

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    5ـ ما بعد الانفصال وما بعد نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967

    قد يكون فشل الوحدة العربية بين مصر وسوريا، ضربة موجعة لدعاة القومية والوحدة العربية، وهناك من يستخلص منه نصراً للمثقفين الوحدويين على السياسيين الوحدويين، أمثال المرحوم عبد الله عبد الدائم في كتابه (القومية العربية والنظام العالمي الجديد) الصادر عن دار الآداب عام 1994.


    لقد امتلأت دنيا العرب في الخمسينات والستينات من القرن الماضي بالأصوات الداعية للوحدة، والتحرر والعدالة وتناقل السلطات بطريقة سلسة تعتمد المواطنة أساساً، ولو استعرضنا الأقطار العربية آنذاك لوجدنا 70% من الدول (من حيث السكان والمساحة: الجزائر، السودان، مصر، اليمن، العراق، سوريا) ترفع شعارات متشابهة تنادي بالوحدة والتخلص من الكيان الصهيوني، وكانت شعاراتها متشابهة (ضد الصهيونية والإمبريالية والرجعية). ولو أخذنا حقيقة كل دولة لرأينا كيف كانت منكفئة قطرياً، وتنمي مهاراتها في ملاحقة خصومها المحليين وحتى العرب منهم، وبالذات أولئك الذين ينتمون لنفس التوجه الفضفاض.

    وبالقدر الذي كان المواطن العادي يترقب التخلص من الكيان الصهيوني، ويتذمر من طول مدة بقاءه دون مناوشات أو حروب، وكأن المواطن كان متيقناً من عجز الكيان الصهيوني في مطاولة تلك الدول المتحفزة للتخلص منه، وبنفس القدر من الثقة، جاء الشعور بالخيبة بعد هزيمة تلك الأنظمة.

    لقد كانت هزيمة 5 حزيران/يونيو 1967 أشبه بالطلاق الثاني بين المواطن العربي والنهج القومي الذي خذله. لقد كانت حرب الاستنزاف ومعركة الكرامة ونضال المقاومة المسلح ومن بعده حرب تشرين/أكتوبر 1973 محاولات لتحسين العلاقة بين الجماهير وما تبقى من أشكال الحكم القومي الاتجاه، لكن ما حدث بعد جرجرة المقاومة الفلسطينية من مكان الى مكان بتعاون وتنسيق بين كل الأنظمة العربية الرسمية، بما فيها من هو محسوب على الخط القومي، وما تمخضت عنه حرب 1973 من تجميد النشاط العسكري بين الدول العربية والكيان الصهيوني، بالإضافة الى اتفاقية (كامب ديفيد) التي أخرجت مصر من معسكر الخط القومي نهائياً ، وقع الطلاق الثالث، الذي لا رجعة فيه إلا بعد..

    ضياع فرصة تاريخية

    في الوقت الذي كانت الأقطار العربية، تحصل على استقلالها الوطني تباعاً، كان العالم منشغلاً في تضميد جراح الحرب العالمية الثانية، ولا زال بعضنا يتذكر كيف أن بعض الطلاب السوريين المبعوثين الى إيطاليا للدراسة الجامعية، كانوا يعودون الى بلدهم لأن الوضع المقزز في إيطاليا لم يكن يُطاق (عام 1957)!

    لم تكن المؤسسات الإمبريالية قد أكملت إعادة بنائها لتقوم بأدوارها التاريخية التي قامت بها بعد عشرين عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يكن الكيان الصهيوني قد وصل الى ما وصل إليه في تثبيت أقدامه، ولم تكن الحكومات العربية المتخاذلة قد احترفت بعد توثيق أوراق خصومها وملاحقتهم.

    ولكن أصحاب الخطاب العربي القومي والذين لم يكن قد اشتد عودهم بعد، كانوا يرفعون شعارات أكبر بكثير من إمكانياتهم. لقد كان خطابهم يعتمد إثارة الهمم الطيبة فقط، فكان أدائهم السياسي يعتمد التجريب أكثر من العمل المعتمد على دراية سياسية ومؤسسات قادرة على إنجاز وتحقيق المطالب الشعبية، وبالإمكان ذكر بعض ملامح الأداء السياسي العربي لتلك الحكومات:

    1ـ ما أن يحدث انقلاب أو ثورة (حسب تسمية القائمين به) إلا وكان يتهافت على نيل رضاه أو رضاها الكثير من الأصناف التي قد تكون سبباً في إنهاء الحكم. فينخرط في جوقة الحكم وهالته المحيطة بالمركز، آلاف بل مئات الألوف ممن لهم غايات قد تختلف مع من جاء بالانقلاب أو الثورة، على افتراض حسن نوايا القائمين بها.

    2ـ ترقب دوائر الاستخبارات العالمية، فسيفساء الدائرة الأولى المحيطة بالمركز، والدوائر التي تليها، فتختار بعض الشخوص الذين يقومون بأدوار تصب في مركز الحكم، وتخترع لهؤلاء الشخوص بؤر مشاكل يساعد الجو المفعم بالهواجس الأمنية من تفجيرها.

    3ـ شكلت الخسائر المعنوية للدول المحسوبة على الحكم ذي التوجه القومي، بيئة خصبة لنمو أو لبذر تيارات لم تعهدها شعوب تلك المنطقة:

    أ ـ التيار الأممي الماركسي: وجد أنصار التيار الماركسي، في إخفاقات التيار القومي فرصة لتجديد خطابهم في المنطقة، أو بالأحرى لتصحيح خطابهم بالمنطقة، ولكنهم بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وجدوا أنفسهم مطالبين بإيضاحات أكثر من التي طلبوها من الخط القومي.

    ب ـ التيار الإسلامي السياسي: اعتمد الإسلاميون السياسيون أسلوباً في التعامل مع انهيار الدولة العثمانية، يتسم بالذكاء، فهم لم يخوضوا بتفاصيل أسباب انهيار الحكم العثماني، بالقدر الذي كانوا فيه يترحمون على أيامه، خصوصاً وأن ما حل بالأمة بعد انهيار الحكم العثماني، فكان خطابهم منصباً على تحميل التيار القومي مسئولية الإخفاقات، وكأن التيار القومي هو المسئول عن ضياع الأندلس!

    ج ـ برز تيارٌ يتهيأ لمن يريد تصنيفه، أنه ليبرالياً، في حين لم يكن له من الليبرالية شيء، إلا الافتنان بها، لترسيخ المصالح الفئوية القطرية وتدعيم المكاسب الفردية المستفيدة من حالة التشرذم. فكانت السخرية لا تتوقف عند التيار القومي بل وتتعداه الى التيارين الماركسي والإسلامي (السياسي).

    ما السبب الحقيقي وراء الدعوة القومية؟

    كان في العالم عام 1951 عددٌ من المنظمات العالمية المتكونة من عدة حكومات (Intergovernemental international organization) وكان عددها آنذاك 123 منظمة، ثم ارتفعت الى 365 منظمة عام 1984. أما المنظمات غير الحكومية فقد ارتفع من 832 منظمة عام 1951 الى 4615 عام 1984. وكانت الدوافع الحدودية (الجوار) مع الدوافع الاشتراك باللغة تشكل أكثر من 90% وراء تشكيل مثل تلك المنظمات*1.

    وعادة فإن الأسباب الحقيقية وراء مثل تلك المنظمات هي تقوية التجارة البينية بين الدول المجاورة وتحقيق اتفاقيات أمنية وتأمين الجوار لغايات الاستقرار وضمان المواقف السياسية في المحافل الدولية والاستناد المعنوي لمثل تلك العلاقات لرفع شأن الدولة القطرية لتعزيز موقعها الدولي الخ.

    لكن، قد تكون أسباب تأخر تشكيل الدولة القطرية العربية والتي تحظى باعتراف شرعي شعبي (من شعبها) ودولي. قد جعل من ترديدها للخطاب القومي ووقعه على الآخرين وكأنه كما يقول المثل (زغرودة حية [أفعى])، فكان لهذا الترديد الوقع السيئ العكسي.

    الإرادة والثقافة القومية والأمة: من يُمهد لِمن؟

    يقول أرنست جيلنر: إن النزعة القومية (Nationalism) هي التي تولد الأمم (Nation) وليس العكس*2. لابد من الاعتراف أن النزعة القومية تستخدم الوفرة الثقافية أو الثروة الثقافية السابقة، الموروثة تاريخيا على نحو انتقائي، وتحولها تحويلاً جذرياً. فاللغات الميتة تعود الى الحياة، والتقاليد تُختلق، والنقاوات الأصلية الخيالية تُستعاد. ولكن لا يجوز التصور بأن النزعة القومية اختراع أيديولوجي مصطنع وطارئ، كان من الممكن ألا يحصل لولا أن المفكرين الأوروبيين ضخوا هذه النزعة في عروق جماعات سياسية حية!

    إن عبادة الذات الفردية أو الجماعية، تشبه الى حد كبير بذور بعض نباتات المراعي، التي تسبت لسنوات طويلة، فإن جاءت الظروف مواتية فإنها ستجدد نفسها. لكن عبادة الذات الجماعية كملمح من ملامح القومية لا تحتاج الى تلك السنين الطويلة، فقد تستفز ويعاد مشهدها برفع العلم الوطني أو بالسلام الوطني أو بذكر بطلٍ أو معركة حدثت قبل مئات السنين، أو من خلال الاستفزاز بالانتقاص أو السخرية من قبل آخرين، فإن النفس القومي (عبادة الذات الجماعية) سرعان ما يُعاد تشكيلها في نفسية الفرد أو الفئة أو الشعب.


    ويقود مسيرة النمو في تلك العبادة الثقافة القومية العليا، هنا لا بد من الوقوف عند كلمة عليا، فالعليا عند العربي هي ليست نفسها عند الكردي أو الأمازيغي، فإرادة الأخيرين تستحضر ثقافتهما العليا لتقف في وجه الثقافة العليا المفروضة من قبل العربي. حتى الإرادة المشتركة للأطراف الثلاثة لن تستطيع تلطيف وقف أثر الاستعلاء الدفين الوارد في لهجة القومي العربي، من هنا يهرب من لا يحبذ الحديث في مثل تلك المواضيع لجهة (كلنا مسلمون) ليجد من ينتظره من الأقباط والمسيحيين العرب وأبناء الديانات الأخرى!

    يتبع



    هوامش:

    *1ـ ديفيد هيلد، (وداعاً للدولة ـ الأمة) مجلة الماركسية اليوم/ كانون الأول/ ديسمبر 1988 ص 15.
    *2ـ القومية: مرض العصر أم خلاصه؟/ مجموعة كتاب/ دار الساقي 1995/ صفحة 37

  8. #8

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    تجديد المفاهيم القومية: هل يكون ممكناً؟

    لا يعترض سكان قارة أمريكا على اسم قارتهم المنسوب الى (أمريكو فسبوشي) الذي يُعتقد أنه أول من مر بتلك البلاد الشاسعة، كما لا يعترض سكان كولومبيا على اسم بلادهم المنسوب الى (كولمبس) ولا سكان الصين التي يشكل عرق الهان (
    Han) 94% من السكان ويطالبوا بتغيير اسم الصين الى (هان) رغم أن اسم (صين) هو لحاكم حكمها لمدة 11 سنة بين 221 ق م ـ 210 ق. م. والأمثلة كثيرة في كل بقاع العالم.

    في بلادنا يتطير الكثير من لفظ (الوطن العربي) أو الأمة العربية، رغم أن أثر اللسان العربي والدور العربي في صهر ثقافات الحضارات التي عاشت على بقعة الوطن العربي (فرعونية وبابلية وكنعانية ويمنية جنوبية الخ) واستحضار فنون وعلوم وثقافات حضارات أخرى كاليونانية والهندية والرومانية وتوليفها وتقديمها بنكهة جديدة في وقتها حافظت عليها من الزوال ومهدت للإضافة عليها من قبل كل الجهود العالمية التي أوصلت العالم الى ما وصل إليه الآن.

    ليس من العيب أن نتنازل عن التسمية الى أن تكون أمتنا أمة (أمازيغية) أو (أمة كردية) أو غيرهما، إذا كانت ستؤدي رسالتها التاريخية بوصل حضارات شعوب تلك المنطقة مع حاضرهم ومستقبلهم الذي ينشدون. لكن علينا أن نتحرى الدقة في البحث عن تسمية جديدة منصفة، إذا كان إلصاق العربية بتلك الشعوب يشكل عائقاً، فجهود العرب تفوق كثيراً جهود (أمريكو فسبوشي) و (كولمبس) و(صين) وغيرهم.

    لم يكن العرب متزمتين في قبول الآخر الذي يحسون أنه يتألم بآلامهم ويحلم بأحلامهم، فقد احتل كثير من غير العرب مكانة بارزة في صفحات تراثهم، سواء كانوا حكاما، أو قادة أو علماء، وارتباطهم بهم كان مزيجاً من الارتباط الديني والمواطني والإنساني.

    كما لم يكن العرب متمسكين بالتسمية، فكانت الدول تأخذ أسماء عائلات (الدولة الأموية، العباسية، العثمانية، اليعفرية، الفاطمية الخ) فإن تم بحث التسمية فإن من يقبل باسم عائلة أو شخص لا يتوانى عن قبول اسم جديد يضم ويجمع ويحشد وسائل القوة ويفتح أبواب المستقبل.

    لكن من زاوية أخرى، هل التسمية هي التي تقف عائقاً أمام تقدم تلك الأمة، أو بطريقة أخرى للسؤال: هل وراء رفض الفكر القومي هو التسمية فقط؟

    قومية متمددة وقومية حالمة بإثبات الوجود

    عندما يشيع الشعور القومي، فإنه لا يختص بقومية دون أخرى، ولا يعني القومية أو العرق ذا العدد الأكبر فقط، بل بالعكس فإن هذا الشعور سيكون أقوى عند من هم أقل عدداً، فلو كانت هناك مدينة كلها من لون ديني وطائفة وقومية متشابهة، فلن يكون للشعور الديني أو العرقي وجود، مثلما تكون تلك الجماعة الدينية أقلية، فنحن لا نحس بعروبتنا في بلدٍ كل أبنائه من العرب، ولكن في حالات الاغتراب في بلد غربي، سيكون الكلام مختلفاً، كذلك يفعل الشيعة في منطقة أغلبيتها من السنة، أو البروتستانت في منطقة أغلبيتها من الكاثوليك.

    عندما انتشر الفكر (الطوراني) في الدولة العثمانية والذي كان ينشد تجميع الأتراك، من تركمانستان الشرقية (في الصين) مروراً بأذربيجان وانتهاء بتركيا الحالية، استفز ذلك الرعايا من قوميات أخرى ليبحثوا عن أطرٍ قومية لهم، وكان الأرمن والعرب وغيرهم من بين تلك الرعايا.

    وعندما انهار الاتحاد السوفييتي، ظهرت دعوات من العرق (السلوفيني) لتجميع بقايا يوغسلافيا وضمها لروسيا وظهرت دعوات من قوميين روس للهجوم على تركيا وإحياء القسطنطينية (مركز بيزنطة القديمة).

    تلك الدعوات، لا تختلف كثيراً عن دعواتنا بتحرير الأحواز وإقليم الإسكندرونة وحتى الحنين لاسترجاع الأندلس.

    قد يستحي أبناء القومية الصغيرة من إثارة مطالبهم، عندما يروا دولة القومية الأكبر أو دولة الحاكم، دولة مزدهرة، قوية، أحلامها بالتمدد والتوسع يصيبهم نعيمها وتؤذيهم خسارتها. بل وأكثر من ذلك، فإن الكثير من أبناء تلك القوميات يتزلفوا ويتقربوا من أبناء القومية الحاكمة، ويجتهدون في نحت نسبهم ليثبتوا أنهم أبناء حقيقيون لتلك القومية، وقد ظهر مثل ذلك عندما غير الكثير من أبناء (الشبك في قرى تليارة وباريمة وأبو جربوعة والدراويش وأورطه خراب وغيرها من أبناء محافظة نينوى/ العراق) بأواسط السبعينات من القرن الماضي، في تغيير أسماء عائلاتهم ووضعوا على رؤوسهم اليشماغ العربي.

    رابطة الدين والطائفة أم رابطة القومية؟

    من بين من ينتقد الفكر القومي، هم من يدعون الى أن يكون الدين الرابطة التي تجمع أبناء الأمة، لن نبتعد كثيراً في الكيفية التي ستجعلنا نتعامل مع الهنود المسلمين أو النيجيريين المسلمين، حيث يخضعوا لدساتير وقوانين هي ملائمة لأوضاعهم، فيكون مفهوم الأمة الإسلامية بالنسبة لهم لا يغدو أن يكون مفهوما مشاعرياً لا يمكن تحويله لإجراء. لكننا سنناقش حالتنا نحن في البلدان العربية حيث الجوار وتشابه المشاكل وتشابه الحلول وتشابه الثقافة وتداخلها.

    عندما اجتاحت قوات هتلر أراضي الاتحاد السوفييتي، تعاون أبناء القوميات غير الروسية والذين يشتركون مع الروس في المذهب الأرثوذكسي، تعاونوا مع القوات الغازية. وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية، خففت الحكومة العراقية خدمة العلم (الإجبارية) للشباب الأكراد من سنتين الى ثلاثة شهور يقضونها في الدفاع المدني أو الأعمال المدنية، تحسباً لاعتبارات تتعلق بعدم وقوفهم بجدية مع الجيش العراقي، رغم أن الحكم محسوب (أنه سني!) والأكراد (سنة) والإيرانيون شيعة! فكل ذلك لا وزن له، وهذا ما يمكن أن يُقال في حالة العراقيين الشيعة العرب من أهل الجنوب والذي كانت سوح المعارك معظمها في مناطقهم، فكانوا أبناء العرب العراقيين ولم يتأثروا بقرب طائفتهم من طائفة الحكم في إيران.

    الأيديولوجية السياسية العقائدية أم القومية

    تشكل الجماعات التي تنتمي لجدٍ واحد أو لعرق واحد أو لدينٍ واحدٍ أو لبلدٍ واحد، صنفاً أو نوعاً واحداً، هو النوع الطبيعي، في حين يشكل أعضاء الفرق الموسيقية أو الرياضية أو النقابية أو الحزبية نوعاً صناعياً. والصناعي قد يتصف بالديمومة وقد يتصف باللحظية الراهنة، فركاب الطائرة جماعة صناعية تنتهي صفتهم بمجرد مغادرتهم الطائرة.

    في حالات الأحزاب، ذات الصفة الدائمة، يكون امتحان اصطدام الطبيعي بالصناعي هو المحك الأهم في حياة المنتسبين الى اللونين معاً، فالشرطي (الصناعي) عندما يُكلف بإطلاق النار على ابنه أو أخيه، سيتقاعس ـ لا محالة ـ ويرجح ولاءه للعائلة (الانتماء الطبيعي) على ولاءه لوظيفته (الصناعية).

    في الحرب التي وقعت بين ألمانيا وفرنسا (أيام بسمارك) انخرط الماركسيون من الفرنسيين للدفاع عن بلادهم ضد الجيش الألماني بما فيه (الماركسيين) وقد سجلت حالات اصطدام فعلية. وفي أعمال المقاومة الشعبية يختبئ ماركسيون عند أقارب لهم يكرهون الماركسية، ويتعاون بعثيون مع إسلاميين متشددين في أعمال المقاومة في العراق. وكذلك الحال في فلسطين (أطياف أيديولوجية وديانات متعددة في محور واحد هو: معاداة الصهيونية).

    المواطنة أم الإنسانية؟

    المواطنة، كما تعبر عنها الأدبيات الفرنسية: هي الحصول على كافة الحقوق الاقتصادية ـ الاجتماعية والمدنية في بلد الإقامة، حتى لو كان الفرد لا يحمل جنسية.

    قد يحمل أحد الأفراد، عدة جوازات سفر، وحق الترشح والانتخاب في هيئات متعددة بالبلد الذي يُعتبر فيه مواطناً، ولكن في أي لحظة قد تكون إنسانيته مهددة تهديداً صارخاً، فلا تستطيع المغربية ارتداء الحجاب في أكثر من بلدٍ أوروبي، رغم أنه جزء من خصوصياتها الإنسانية التي ورثتها من خلال معابر معقدة. ولن يستطيع الفلسطيني في الأردن أن يحمل علم فلسطين في مظاهرة ضد ممارسات الكيان الصهيوني، رغم أن له حق الترشح والانتخاب.

    في تركيا، قبل عشرين عاماً لم يكن للعربي أو الكردي من مواطني تركيا أن يدندنوا في أغنية من أغاني قوميتهما. وبالمقابل فقد تتفاخر بعض الحكومات أنها أعطت ساعات للبث باللغة الأمازيغية، لسكان البلاد الأصليين، أو أن تمنح حكومة ترخيصاً لجريدة كردية، لكن هذا الترخيص مكبل بعشرات العوائق.

    إنهم مواطنون حقاً، لكن الحاكم القومي (الآخر) هو من يحدد شكل مواطنتهم، ضمن مسطرته هو، وليس مهماً أن تُسحق بذلك إنسانيتهم!

    يتبع

  9. #9

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    حياكم الله أخي أسامة

    يشرفني حضوركم ومروركم

  10. #10

    رد: الإرادة والثقافة وأثرهما في تقوية الشعور القومي

    رابطة الدين والطائفة أم رابطة القومية؟

    من بين من ينتقد الفكر القومي، هم من يدعون الى أن يكون الدين الرابطة التي تجمع أبناء الأمة، لن نبتعد كثيراً في الكيفية التي ستجعلنا نتعامل مع الهنود المسلمين أو النيجيريين المسلمين، حيث يخضعوا لدساتير وقوانين هي ملائمة لأوضاعهم، فيكون مفهوم الأمة الإسلامية بالنسبة لهم لا يغدو أن يكون مفهوما مشاعرياً لا يمكن تحويله لإجراء. لكننا سنناقش حالتنا نحن في البلدان العربية حيث الجوار وتشابه المشاكل وتشابه الحلول وتشابه الثقافة وتداخلها.


    عندما اجتاحت قوات هتلر أراضي الاتحاد السوفييتي، تعاون أبناء القوميات غير الروسية والذين يشتركون مع الروس في المذهب الأرثوذكسي، تعاونوا مع القوات الغازية. وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية، خففت الحكومة العراقية خدمة العلم (الإجبارية) للشباب الأكراد من سنتين الى ثلاثة شهور يقضونها في الدفاع المدني أو الأعمال المدنية، تحسباً لاعتبارات تتعلق بعدم وقوفهم بجدية مع الجيش العراقي، رغم أن الحكم محسوب (أنه سني!) والأكراد (سنة) والإيرانيون شيعة! فكل ذلك لا وزن له، وهذا ما يمكن أن يُقال في حالة العراقيين الشيعة العرب من أهل الجنوب والذي كانت سوح المعارك معظمها في مناطقهم، فكانوا أبناء العرب العراقيين ولم يتأثروا بقرب طائفتهم من طائفة الحكم في إيران.
    دهاليز السياسة شائكة ومعقدة أكثر ممانعتقد والخوض فيها اكثر صعوبة
    تحيتي لجهدك الكبير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. وهم الشعور بالعجز..
    بواسطة ميسم الحكيم في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-15-2017, 08:34 AM
  2. الشعور بما يحدث
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-14-2014, 06:06 PM
  3. الشعور بما يحدث
    بواسطة عبد الرحمن سليمان في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-28-2014, 10:45 AM
  4. الانضباط والالتزام وأثرهما في التحول السياسي
    بواسطة عبدالغفور الخطيب في المنتدى آراء ومواقف
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-21-2009, 12:01 PM
  5. تقنية ويبري Wibree تقنية جديدة تنافس البلوتوث
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان التقني العام.
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-08-2006, 01:45 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •